«الحشيش ناقص جدًا في السوق.. والأنواع الموجودة الآن مضروبة.. لكن عندي نوعًا جديدًا، أغلى قليلًا لكن مفعوله أقوى»، انتشرت هذه العبارة كثيرًا خلال العامين الماضيين في مصر على ألسنة تجار المخدرات الصغار (الديلارات)، وكانت هي الطريق لانتشار نوع جديد من المخدرات بين شبابها. لا يوجد حظر قانوني عليه بشكل واضح حاليًا، لذلك أصبح الحصول عليه أكثر سهولة في العديد من أنحاء مصر.
حتى وقت قريب حافظ الحشيش على نفسه باعتباره المخدر رقم واحد في مصر، ينتشر بين الطبقة الفقيرة والمتوسطة وفوق المتوسطة، ويفضله الكثير من الناس لسهولة تعاطيه ولأن تأثيراته لا تصل إلى حد الخطورة وتهديد الحياة مثل المخدرات الأخرى، لكن يبدو أنه آن الأوان ليتراجع الحشيش مفسحًا المجال أمام مخدر جديد، أو «خلطة جديدة» كي نكون أكثر دقة، تتميز بأعراض أكثر قوة.
من الولايات المتحدة إلى مصر
هذا المخدر «الإستروكس» ليس ممنوعًا حول العالم كما قد يظن البعض، فهو يُستخدم بخورًا للاسترخاء في بعض الأماكن جيدة التهوية مثل الساونا وخلال عمل المساج، وهو مصرح به في جميع الولايات الأمريكية الخمسين، لكن استعماله من قبل البشر ممنوع، فيحظر تدخينه أو أكله أو شربه.
ربما تكون الرقابة في دول مثل الولايات المتحدة قوية، لكن في مصر، حيث كل الممنوعات عادةً لها طريق للدخول والانتشار وسط فساد بيروقراطي مستشرٍ وملحوظ، كان من السهل إدخال هذا المخدر للبلد الذي تضربه ظروف اجتماعية واقتصادية سيئة. مصر حاليًا تحتل المرتبة رقم 108 من إجمالي 176 دولة في مؤشر الفساد العالمي، ومن بين أوجه هذا الفساد هو إمكانية تهريب البضائع من المنافذ الحدودية المختلفة.
دخل هذا المخدر إلى مصر، طبقًا لما ذكره إبراهيم مجدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، تحت بند البخور والنباتات العطرية التي تُستخدَم نوعًا من علاجات الطب البديل في الصين والهند.
وعن طريقة استخدامه، يتناوله المصريون مثل السجائر، يقومون بتدخينه كما يدخنون الحشيش والبانجو. ولاقى هذا المخدر رواجًا بين المدمنين نتيجة سهولة الحصول عليه وقوة تأثيره التي تصل إلى 200 مرة أكثر من الماريجوانا والحشيش.
يباع هذا المخدر بأسعار تتراوح بين 250 – 300 جنيه مصري (14 – 17 دولارًا)، ويجري بيعه في صورة أكياس بكل منها حوالي أربعة جرامات، ويختلف السعر من منطقة لأخرى ومن شخص لآخر، ويشير خبراء علاج الإدمان في مصر إلى أن نسبة تعاطي الإستروكس تصل إلى 40% بين الشباب المتعاطين في مصر حاليًا، كما أن الإناث هم الفئة الأكثر إقبالًا عليه.
ينتشر هذا المخدر بين الأعمار الصغيرة، خصوصًا بين أعمار من 16 إلى 28 عامًا. ويتميز بأنه لا يظهر في التحاليل التي تجريها الشرطة حاليًا، لذا يقبل عليه العديد من الشباب الذين يخضعون لتحليل دوري للدم في عملهم، أو اختبارات القيادة.
التركيب والآثار
مخدر الإستروكس عبارة عن خلطة من مواد كيميائية يتم خلطها مع نبات القنب الصناعي، وهو النبات الذي يستخرج منه الحشيش والماريجوانا، لكن في حالة الإستروكس فلأن تجار المخدرات لا يستخدمون النبات نفسه، لكن يستخدمون مكونات كيميائية تعطي تأثيرًا مشابهًا لتأثير الحشيش الطبيعي، وتشمل المواد المضافة في الغالب موادَّ طبية مسكنة أو مهدئة غير ممنوع تداولها بين العامة، مثل الأتروبين والهيوسيامين والهيوسين. وبالتالي فإن التركيب الأساسي لهذا المخدر غير معلوم بدقة حتى الآن.
الأتروبين هو مركب طبيعي يستخرج من نبات Atropa belladonna، ويصنف بأنه من بين مضادات الكولين التي تقوم بإعاقة عمل مادة أسيتيل كولين المنتشرة بين الخلايا العصبية في جميع أنحاء جسم الإنسان. من أبرز استخداماته الطبية موسع لحدقة العين، ولعلاج تهيجات الربو، ومضاد لتشنجات الجهاز الهضمي، ولعلاج بطء دقات القلب في حالات الإنعاش، ويمكن أن يباع الأتروبين في صورة أمبولات سائلة في بعض الصيدليات دون قيود على بيعه.
الهيوسيامين هو أيضًا أحد مضادات الكولينات، الذي يعمل على إرخاء العضلات وعلاج تشنجات الجهاز الهضمي. كيميائيًا هو مكافئ للأتروبين لكنه صورة معاكسة له. يزيد هذا العقار من دقات القلب وقوة الانقباضات ويقلل من ضغط الدم.
الهيوسين ينضم إلى نفس الفئة السابقة، ويتسبب في أعراض مثل الرؤية المشوشة واتساع حدقة العين.
يلاحظ أن هذه المواد الكيميائية تسبب حالة من السيطرة الكاملة على الجهاز العصبي وتغييبه، وهي مواد تستخدم لتهدئة الأسود في السيرك على سبيل المثال، وخصوصًا عقار الأتروبين.
عند تناول هذا المخدر أو تدخينه، تبدأ تأثيراته في الظهور خلال دقائق، وتشمل أعراضه الاسترخاء، والهلوسة، وحالة شديدة من الفرح والابتهاج، وغيابًا جزئيًا للوعي، وعدم الإحساس بمرور الوقت، واستخدامه فترات طويلة يؤدي إلى أعراض الشك وفقدان الشهية والهلاوس الشديدة، كما أنه قد يتسبب في الإصابة بالسرطانات مثل سرطان الفم والرئة، بالإضافة إلى الجلطات الدماغية.
يتسبب هذا المخدر أيضًا، والذي يعرف باسم Black Mamba في بريطانيا، في تغيير شكل الأنف الداخلي، وله آثار جانبية أكثر خطورة مثل ضيق الدورة الدموية، وعدم تقدير المسافات، واحمرار العينين، واضطرابات الجهاز التنفسي، وصولًا إلى الجنون والتشنجات. تحت تأثير هذا المخدر ينعدم التركيز تقريبًا، وتدخل في حالة تشبه الحلم مع رغبة ملحة في فعل شيء ما لا تعرف ما هو تحديدًا. قد يصيب البعض شعور أقرب إلى الشعور بالموت التدريجي.
ويصل الإنسان الذي يتعاطى هذا المخدر إلى مرحلة الإدمان بعد أسبوع واحد تقريبًا، وكلما تناولت هذا العقار تستيقظ في الصباح في حالة مزاجية سيئة مع ألم صداع قوي، ورصد بعض الأطباء المتخصصين في مصر حالات محو أجزاء من الذاكرة بسبب هذا المخدر، مؤكدين أن أضرار البانجو والحشيش لا تتجاوز 10% فقط مما يسببه الإستروكس.
ولعلنا نقتبس هذا المقطع من أحد المراجع العلمية الخاصة بتأثيرات السمية لخلط عقار أو أكثر، والتي تدل على أن فكرة هذا العقار كانت قديمة ومنذ العصور الوسطى! «مثال آخر هو استخدام العقاقير التي تعلق وتوقف عمل الموصل العصبي الكيميائي الأسيتيل كولين. المرهم الطائر الذي كانت تستخدمه الساحرات في العصور الوسطى، كان عبارة عن مستخلص زيتي من نبات البنج الأسود أو Hyoscyamus niger والذي يحتوي على مواد الهيوسين والهيوسيامين، ونبات ست الحسن أو Atropa belladonna والذي يحتوي على مادة الأتروبين. هذا المزيج قاتل لأن الجرعات الكبيرة تتسبب في توقف عضلة القلب وانهيار التنفس».
القانون يحظره متأخرًا
في معامل التحليل، وحتى يتم الكشف عن نوع المخدر، لابد من إضافة مواد كيميائية معينة تقوم بإظهار جميع المخدرات المدرجة رسميًا في مصر، لذلك فإن وجود نوع جديد من المخدرات بتركيبة ومواد فعالة غير تقليدية، يعني أن هناك احتمالًا كبيرًا بأنها لن تظهر في التحليل. من هنا، يجب على الدولة تحليل المادة الفعالة الأساسية لهذا المخدر بعد أن خلطت به الكثير من المواد، حتى يمكن الكشف عنها في التحاليل الطبية.
المادة الثانية من القانون المصري رقم 182 لسنة 1960، تحظر على أي شخص جلب أو إنتاج أو استيراد أو تصدير أو بيع أو شراء أي مادة مخدرة. ومرفق مع هذا القانون ملحق يوضح جميع أنواع المواد المخدرة المحظورة داخل القطر المصري.
المشكلة هنا أن هذا الملحق لم يكن موجودًا به مخدر الإستروكس حتى عام 2014، وهو ما يعني أنها خارج حدود التجريم، ولا يمكن معاقبة من يبيعها أو يشتريها أو يتناولها. لكن صدر القرار الوزاري رقم 691 لسنة 2014 الخاص بإضافة بعض المواد ذات التأثيرات السلبية على الحالة النفسية، إلى القسم الثاني من الملحق، وبالتالي تم تجريمه لكن بعد أن بدأ ينتشر بصورة واسعة بين الشباب بالفعل، وسط غياب واضح للتوعية بشأنه.