لقراءة الجزء الأول من المقال : “هل الإله موجود؟” أيمكننا أن نقرر ذلك منطقيًّا؟ 1/2

المنطق والقيود

عدم القدرة على تعريف شيء بدقة لا يمنع بالضرورة إقرار وجوده من عدمه. وبناء على ذلك، فبالنظر في جملة “الإله موجود”، فهي تبدو كإقرار مباشر. لكنها ليست جملة سهلة. ربما يفكر معظم الناس في جملة مثلها حتى في إن كانت صحيحة أم لا؟ لسوء الحظ في دراسة المنطق ليست الأمور بتلك البساطة.

في عام 1931 أثبت عالم المنطق النمساوي كرت جودويل (1906-1978) نظريته “عدم الاكتمال” التي تقول أن بداخل كل نظام منطقي مُعرف باستخدام العقلانية، هناك تعبيرات لا يمكن إثباتها ولا نفيها باستخدام بديهيات هذا النظام. نظرية عدم الاكتمال لها آثار مباشرة وعميقة في الرياضيات والمنطق والفلسفة. بشكل عام، النظرية لها آثار قاتلة لمدرسة العقلانية التي تجادل بأن كل المعرفة المُمكنة يمكن أن تُستخلص من مجموعة بسيطة من المبادئ البديهية.

هل من الممكن أن تكون “الإله موجود” واحدة من جُمل جودويل التي لا يمكن البرهنة عليها منطقيًا؟ عدم القدرة على البرهنة منطقيًا على “الإله موجود” ستكون متوافقة مع الفلسفات التي تدعو إلى أن الإله كيان لا يمكن استيعابه. ( عدم القدرة على البرهنة منطقيًا عند جودويل لا تصطدم مع إن كان الإله موجودًا أم لا، لكنها تناقش فقط ما إن كان وجود الإله يمكن إثباته باستخدام علم المنطق) لكثيرين هناك سبب مقنع لأن يريدوا أن تكون “الإله موجود” لا يمكن برهنتها، لأن مثلًا الإيمان شيء أساسي في اليهودية والمسيحية والإسلام. ولو كان وجود الإله يمكن إثباته (أو ضحده)، فسيكون الإيمان بلا معنى وقتها.

و من أجل الجدال، فلنفترض أن جملة “الإله الموجود” لا يمكن البرهنة عليها في نظام فلسفي معين. إذن “الإله موجود” أو “الإله غير موجود” يمكن أن تُضاف لهذا النظام كمُسَلَمة بدون أن تؤثر على أي استنتاجات أخرى. إذًا لو كان التطور استنتاجًا منطقيًا في نظام كانت فيه “الإله موجود” لا يمكن برهنتها منطقيًا، فإن التطور يظل استنتاجًا منطقيًا لو أضفنا “الإله موجود” كمُسَلَمة.

هناك مُسلمات منتشرة على نطاق واسع عادة ما تواجه أنظمة التفكير، مثلًا العلم واللاأدرية لا يتضمنون جملة “الإله موجود” أو “الإله غير موجود” كمسلمات في نظامهم المنطقي. في حين أن الأديان الإبراهيمية تتضمن “الإله موجود” في أنظمتها، في حين أيضًا أن الإلحاد يتضمن “الإله غير موجود”. من الضروري إدراك أن تلك الاختلافات تنشأ من اختلاف المسلمات نفسها وإنه لمن العبث الجدل فيهم على أي مستوى آخر. فإنه من الممكن أن يكون المسيحيون واليهود والمسلمون والبوذيون والهندوس والهنود الحمر والطاويون والسيخ والجاينية والملحدون وعبَدة الآلهة المتعددة واللاأدريون، وآخرون، جميعًا لديهم رؤى متسقة منطقيًا للحقيقة على الأقل في بعض أجزائها، تستند على مفاهيمهم عن الإله، فمن أجل التحديد منطقيًا في ما إن كان أحدهم يصل للحقيقة الكاملة، فإننا نحتاج إلى نظام منطقي يمزج كل الأنظمة الأخرى بحيث يمكننا أن نحكم على الأنظمة من خلال مقارنة كل واحد منهم بالآخر. لكن هذا بالضبط نوع من الشمولية التي تقود إلى هذا النوع من التناقض الذي تكلم عنه برتراند راسل في تعريف الإله. وبناء على ذلك، يمكن أن يكون هناك الكثير من أنظمة المنطق تحتوي على مُسلمات مختلفة ترتبط بالإله، لا يمكن لأحدها أن تكون “صالحة” أكثر منطقيًا من الآخرين.

1 2
عرض التعليقات
تحميل المزيد