في بلدٍ يرزح نحو نصف سكانه تحت خط الفقر، لا ملجأ للسودانيين إلا الحفاظ على تكافلهم الاجتماعي، متحدِّينَ الظروف التي تنجم عن هذا الفقر في شهر رمضان. يتمسَّكون بعادة «قطع الطريق» للحظي بصائم يفطر على طعامهم، وتمتلئ شوارعهم بحلقات الإفطار الجماعي ويبادر شبابهم في الأعمال التطوعية الخيرية، وهم أيضًا ينتقدون بخفة دمهم في «الونسة» حيث يتسامرون حتى وقت السحور، حال الدراما السودانية الرديء، ويدعون المرأة السودانية إلى ابتكار أكلات جديدة منوعة.
«المطبخ السوداني» يفتقر للتجديد والابتكار
«المطبخ السوداني له ٥٠٠ سنة يحاول حل مشكلة (السَكْن) في أواني المطبخ»، جزء مما كتب أحد المواطنين السودانيين على صفحته على «فيسبوك» وهو ينتقد عدم تنوع وتطور المطبخ السوداني، متسائلًا بلهجته السودانية: «هل من الممكن أن نقول: إننا شعب نفتقر لروح الابتكار والتجديد!؟ .. أم مطبخنا دا زي رئيسنا ما قابل للتجديد والتطوير والتغير».
سودانيون يجهزون طعام الإفطار
فبالرغم من أن السودانيين يدخرون لرمضان منذ وقت مبكر ما طاب من المحاصيل الزراعية والبقوليات، وهم أهل بلد يشتهر بتنوع سلته الغذائية من المحاصيل الزراعية، إلا أن انتقادات توجه إلى المطبخ السوداني بأنه مطبخ يفتقر للتجديد والابتكار، حتى أن هناك تقاربًا شديدًا بين المدن السودانية في مأكولاتها، تقول الكاتبة السودانية «سحر مبروك» لـ«ساسة بوست»: «تعتبر الكثير من الأكلات السودانية تراث، لا يقبل كبار السن تغييره، ولكن الجيل الجديد بدأ بإدخال أكلات الشعوب الأخرى وخاصة في المدن الكبرى أو بين المغتربين».
أما المهندس السوداني «أحمد عبد الله الطاهر» فيوضح: «المطبخ السوداني لا يفتقر للطعم ولا للقيمة الغذائية، بل للجرأة في التنويع، فالوجبات التي كان أجدادنا من عهد المهدية أو المملكة الزرقاء أو مملكة كوش يأكلونها، ما زلنا نأكلها لليوم وبنفس المكونات والوصفة، لا يوجد تجديد» ويضيف لـ«ساسة بوست»: «الخوف وعدم حب المخاطرة هما السبب، عندنا يقول مثل شعبي «جن تعرفه ولا جن ما تعرفه».
سودانيات تستعدن لتناول الإفطار في شهر رمضان
يذكر أن أهم المأكولات التي يعشقها السودانيون في رمضان هي «العصيدة»، الأكلة الشعبية المكونة من الذرة، وهناك الكسرة التي تعد أكثر وجبة تجمع السودانيين وتختلف حسب الملاح «الإدام» الذي يقدم معها، أما المشروب الذي يتم تناوله في رمضان فهو ما يعرف باسم «الأبريه»، وهو عبارة عن ذرة أيضًا، يتم تجفيفه، ثم يضاف إليه الماء، ويصفى، ثم يشرب، كما يشتهر شراب «الحلومر» وهو يصنع من عدة مواد، أهمها: الذرة، والتوابل، وغيرها.
السودانيون ينتقدون «الدراما» في رمضان
بالرغم من أن الدرامــا السودانيـــة تحاصرها الإمكانات الضعيفة، إلا أنها كغيرها من الدراما العربية، يعد شهر رمضان موسم نشط للعديد من الأعمال المنتجة، فجُل الأعمال الدرامية السودانية تنتج لشهر رمضان فقط.
السودانيون الذين يفضلون الدرامــا المصرية والتركيــة والهندية، بدؤوا ينتقدون بصوت عالي هذه الدراما، ويدعون إلى عودتها إلى المُستوى السابق الذي يعتبر عهدًا ذهبيًا، وتعالت الأصوات التي تطالب بتضافر الجهات لإنتاج درامي يُلحق الدراما السودانية بركب الدول العربية.
يصف الناشط السوداني «الطيب عبد السلام» العقلية الدرامية السودانية بـ«بائسة وهشَّة جدًا»، ويرجع ذلك إلى كون غالبية الممثلين شديدي السطحية وقليلي الثقافة، وهو ما يخرج النصوص الدرامية التي ينتقونها بالغة الركاكة، مضيفًا خلال حديثه لـ«ساسة بوست»: «الدراما العربية عمومًا تفتقر للفكر الدرامي العميق، دراما شباك وليس عقولًا وأفكارًا»، ويقترح «عبد السلام» لإعادة الثقة في الدراما السودانية، منح حرية العمل الثقافي والإبداعي للدراما والنضال من أجل ضمان ذلك، إضافة إلى سعي الدراميين لتجديد معارفهم وأفكارهم وأدائهم.
وقد توجه السودانيون كثيرًا نحو برامج اليوتيوب الكوميدية الساخرة، وتمكن العديد من الشباب السوداني الموهوب من تسليط الضوء على الظواهر السلبية الاجتماعية أو السياسية، وأصبحوا نجوم «سوشيال ميديا» يفضل الكثير من السودانيين فيديوهاتهم المضحكة والناقدة، تقول الكاتبة السودانية «سحر مبروك»: «الدراما لم تتطور سريعًا، بسبب قلة الإمكانات المادية، وبالتالي هذا الأمر أثر على الكوادر العاملة، كما كان هناك دور لطبيعة المجتمع السوداني المحافظ».
في رمضان.. أهل السودان «يقطعون» الطرق على المارة
واحدة من أشهر العادات الرمضانية التي تُعرف عن السودانيين، هي عادة «قطع الطريق»، فقبل غروب الشمس بدقائق تجد الرجال يتجمعون على شكل حلقات، وبينما هم في انتظار لحظات الإفطار، عيونهم ترصد الشارع بغية اصطياد المارة، وضمهم إلى مجموعة تناول الإفطار.
شباب سوداني يقوم بـ«قطع الطريق» على حافلة لإفطارها
وبالرغم من أن هذه العادة تكثر في الأرياف، إلا أنها لا تخلو أيضًا في المدن، ليبدو مشهد إفطار الناس في المساجد وفي الساحات، وعلى الطرقات مشهد بارز يميز رمضان السودان، فمن لم يتمكن من الوصول لمنزله وقت آذان المغرب فهو آمن في السودان، فعلى الأقل سيجد شباب يحملون أكياسًا تحتوي على وجبات إفطار سريعة، كما أن «العزّاب» من السودانيين محظوظين، حيث يأخذ المجتمع السوداني في حسبانه عدم تمكنهم من صنع الطعام بطريقة متقنة، ليسارع العديد لدعوتهم على إفطارهم، ولا تتواني العديد من الجهات والمؤسسات العاملة من شركات الاتصالات ومبادرات المؤسسات الاجتماعية والمنظمات الخيرية لتقديم وجبات الإفطار.
يقول مواطن سوداني إنه يعتبر «عيبًا» في العادات السودانية أن يفطر الشخص داخل منزله، فالإفطار يجب أن يكون جماعي، مضيفًا لـ«ساسة بوست»: «منتشرة تلك العادات أكثر في أطراف المدن، فمن العادات إجبار المارة على الفطور، وهي تعبر عن كرم وشهامة الشعب السوداني، كما أنها طلب لأجر إفطار الصائم».
ولا تُنسى هنا قصة تداولها السودانيين، عندما لجأت عائلتان سودانيتان إلى القضاء بسبب خلاف بينهما حول مسافرين من خارج البلاد مروا على السودان، فقد وصل النزاع حول أحقية من في استضافة هؤلاء وإفطارهم لديه إلى القضاء السوداني.
السودانيون من ارتفاع حرارة المناخ لحرارة «الأسعار»
في هذه الأيام الرمضانية، يحدث أن يصوم السودانيون يومًا رمضانيًا تتجاوز فيه درجة الحرارة 40 درجة مئوية، وفي بلد استوائي يعتبر فيه ارتفاع درجة الحرارة أمرًا عاديًا، تتفاقم معاناة السودانيين جراء الانقطاع المستمر في خدمات التيار الكهربائي والمياه، الأمر الذي زاد من الطلب على شراء الثلج في شهر رمضان الحالي، حيث يعتبر سلعة أساسية.
فتاة سودانية
يعمل في الخرطوم 76 مصنعًا للثلج، وتصل الطاقة القصوى للمصنع الواحد إلى 3800 لوح ثلج يوميًا، لكن هذه المصانع تفتقر للتطوير الإنتاجي، ونظام البيع فيها يتيح الاحتكار للموزعين، يقول المدير العام لأحد أكبر مصانع الثلج في السودان، «عمار السنى» لـ«العربي الجديد»: إن «ارتفاع الأسعار يرجع إلى زيادة تكلفة الكهرباء والعمالة، فالمصانع تبيع لوح الثلج للمستهلك بنحو 20 جنيها (3.1 دولارات)، غير أن سعره يصل في أكشاك التوزيع إلى 40 جنيها (6.2 دولارات)، بسبب ممارسات السماسرة».
ارتفاع درجة الحرارة في نهار العاصمة السودانية، الخرطوم، جعل شوارع المدينة المزدحمة في العادة أشبه بالشوارع المهجورة، حيث يدفع انقطاع التيار الكهرباء لما يقارب من 6 ساعات السودانيين للتواجد في المساجد والمنازل التي تتوافر فيها تهوية تخفف وطأة الحرارة.
ويعاني السودانيون أيضًا من ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية بسبب التدهور الاقتصادي، وهو الأمر الذي فرض على المواطنين السودانيين تقليص خطط الإنفاق المعتادة في شهر رمضان الحالي، حيث ازدادت رقعة الفقر في السنوات الأخيرة، وفقد الجنيه السوداني (70%) من قيمته، وقد وصل سعر كيلو اللحوم الحمراء إلى 110 جنيهات (الدولار = 6.4 جنيهات رسميًا) بدلًا عن 80 جنيه، وزادت أسعار السكر والدجاج والدقيق والزيوت.