انتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقًعرف عن الطرق الصوفية في المغرب ا متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية. والتاريخ الإسلامي زاخر بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل شمس التبريزي وجلال الدين الرومي والنووي والغزالي والعز بن عبد السلام، كما القادة مثل صلاح الدين الأيوبي ومحمد الفاتح والأمير عبد القادر وعمر المختار وعز الدين القسام وغيرهم.
يقول منتسبو هذه الطرق أن كثرة دخول غير المتعلمين والجهلة في طرق التصوف، وما نتج عن ذلك من ممارسات خاطئة؛ عرّضها لهجوم البعض باعتبارها ممثلة للثقافة الدينية التي تنشر الخرافات، كما اعتبرها آخرون بدعة دخيلة على الإسلام.
لم يكن المغرب بمنأى عن ظهور طرق صوفية عديدة، نحاول في هذا التقرير التعرف عليها بشكل أكثر تفصيلًا.
ما هي الصوفية؟ وما المقصود بالطريقة الصوفية؟
اختلف الكثيرون حول اشتقاق الصوفية لغة، فقال البعض أنه من الصوفة، لأن الصوفي مع الله كالصوفة المطروحة، لاستسلامه لله تعالى، أو أنه من الصِّفة، إذ أن التصوف هو اتصاف بمحاسن الأخلاق والصفات، وترك المذموم منها، أو أنه من الصفاء. أما اصطلاحًا، فقد أشار البعض إلى أن التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية، فيما عرفه البعض الآخر على أنه تدريب للنفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية. أو أنه علم يعرف به كيفية السلوك وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل.
أما الطريقة فيتم تعريفها اصطلاحًا على أنها اسم لمنهج أحد العارفين في التزكية والتربية والأذكار والأوراد أخذ بها نفسه حتى وصل إلى معرفة الله، فينسب هذا المنهج إليه ويعرف باسمه، فيقال الطريقة الشاذلية والقادرية والرفاعية نسبة لرجالاتها، وهي ليست فرقًا إسلامية، وجميعها تتبنى عقيدة أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية، وتتبع أحد المذاهب الأربعة السنية. والاختلاف بينها إنما هو في طريقة التربية والسلوك إلى الله.
كيف ظهرت الطرق الصوفية في التاريخ الإسلامي؟
يقول أتباع الطرق الصوفية أنها ظهرت لأول مرة مع ظهور الإسلام، عندما كان رسول الله صلى عليه وسلم يخصّ كلًّا من الصحابة بورد يتفق مع درجته وأحواله، فقد أخذ عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذكر بالاسم المفرد (الله)، فيما أخذ عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذكر بالنفي والإثبات وهو (لا إله إلا الله) وهكذا أخذ عنهما التابعون هذه الأذكار وسميت الطريقتان بالبكرية والعلوية.
التقت الطريقتان عند الإمام أبي القاسم الجنيد، ثم تفرعتا إلى الخلوتية، والنقشبندية، واستمر الحال كذلك حتى جاء الأقطاب الأربعة السيد أحمد الرفاعي والسيد عبد القادر الجيلاني والسيد أحمد البدوي والسيد إبراهيم الدسوقي، وشيّدوا طرقهم الرئيسية الأربع وأضافوا إليها أورادهم وأدعيتهم.
عموما توجد اليوم طرق عديدة جدًا في أنحاء العالم ولكنها كلها مستمدة من هذه الطرق الأربع، إضافة إلى أوراد السيد أبي الحسن الشاذلي صاحب الطريقة الشاذلية والتي تعتبر أوراده جزءًا من أوراد أي طريقة موجودة اليوم.
ما هي أوجه الاختلاف بين الطرق الصوفية؟
تختلف الطرق التي يتبعها مشايخ الطرق في تربية طلابها ومريديها باختلاف مشاربهم واختلاف البيئة الاجتماعية التي يظهرون فيها، فقد يسلك بعض المشايخ طريق الشدة في تربية المريدين فيأخذونهم بالرياضات العنيفة ومنها كثرة الصيام والسهر وكثرة الخلوة والاعتزال عن الناس وكثرة الذكر والفكر، وقد يسلك بعض المشايخ طريقة اللين في تربية المريدين فيأمرونهم بممارسة شيء من الصيام وقيام مقدار من الليل وكثرة الذكر، ولكن لا يلزمونهم بالخلوة والابتعاد عن الناس إلا قليلا، ومن المشايخ من يتخذ طريقة وسطى بين الشدة واللين في تربية المريدين.
تختلف الطرق الصوفية أيضًا في الشارات والبيارق والألوان التي تتميز بها؛ فيتميز الرفاعية باللون الأسود، ويتميز القادرية باللون الأخضر، ويتميز الأحمدية باللون الأحمر، أما البرهانية فإنها لا تتميز بلون واحد كسائر الطرق بل تتميز بثلاثة ألوان: الأبيض الذي تميز به إبراهيم الدسوقي، والأصفر الذي تميز به الإمام أبو الحسن الشاذلي ومنحه لابن أخته إبراهيم الدسوقي، والأخضر وهو كناية عن شرف الانتساب لبني هاشم.
ما هي أبرز الطرق الصوفية في المغرب؟
تنشط في المغرب، الذي اشتهر بأنه بلد مائة ألف ولي؛ عشرات الزوايا والطرق الصوفية، نذكر هنا أبرزها:
-
الطريقة التيجانية:

قبة الزاوية التجانية في إمبابة بمصر
هي إحدى الطرق الصوفية السنية، تنتسب إلى أبي العباس أحمد التيجاني الذي تلقى تعليمه في مدينة فاس المغربية وتوفي سنة 1815، وقد بدأت هذه الطريقة في بلدة بوسمغون بولاية البيض الجزائرية.
هي واحدة من أهم الزوايا ذات الصيت العالمي حيث تعتبر ذات نفوذ في بلدان إسلامية كثيرة، فقد وصل نفوذها إلى بلاد السودان جنوب الصحراء ولها امتداد قوي في شمال أفريقيا من المغرب إلى السنغال حتى مصر، وأتباع هذه الطريقة يسمون بالتيجانيين.
-
الطريقة العيساوية:

منتسبون للطريقة العيساوية
هي فرقة صوفية مغربية أسسها محمد بن عيسى المغربي الذي توفي بمدينة مكناس المغربية سنة 1524م ودفن في مكناس، وأصل هذه الفرقة الصوفية يعود بدوره إلى محمد بن سليمان الجازولي.
احتفظت الذاكرة الشعبية بصورة عن محمد بن عيسى كرجل صالح وأستاذ روحي، كان يربي المريدين على العناية الخاصة بالذكر وتلاوة القرآن وسرد الأمداح والصلوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشتهر الطريقة العيساوية حاليًا باستعمالها للأمداح بصوت عال واستخدام الموسيقى في مسارات التنوير الروحاني.
تعتمد الطقوس العيساوية على الجدبة كمكون أساسي، وهي تشبه الشطحات الصوفية وتتم فيها المناداة على الأولياء وشيوخ الطائفة المتوفين وفي أغلب الأحيان تحدث إغماءات في صفوف النساء، كما تشهد هذه الطقوس بعض الممارسات التي تدخل في إطار السحر والشعوذة.
-
الطريقة الشاذلية:

منتسبون للطريقة الشاذلية في المغرب
هي طريقة صوفية تنسب إلى أبي الحسن الشاذلي، يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية، وإن كانت تختلف عنها في سلوك المريد وطريقة تربيته، بالإضافة إلى اشتهارها بالذكر المفرد “الله” أو المضمر “هو”.
مركز الطريقة الشاذلية الأول هو مصر وبخاصة مدينة الإسكندرية، وطنطا، ودسوق بمحافظة كفر الشيخ، ثم انتشرت في باقي البلاد العربية، وأهم مناطق نشاطها الدول المغاربية وسوريا والأردن وحضرموت في اليمن، وأيضًا السودان وجزر القمر.
الطريقة الشاذلية منتشرة بقوة في العالم الإسلامي، إذ يعد أتباعها بالملايين، ولها خمس عشرة طريقة متفرعة عنها، يتسم أتباعها بالحماس في نشر طريقتهم في الوقت الحالي، حيث يمتلكون جمعية رسمية، ومجلة تصدر كل ثلاثة أشهر، وموقعًا على شبكة الإنترنت، وعددًا من الكتب والنشريات.
-
الطريقة القادرية البوتشيشية:

منتسبون للطريقة القادرية البودشيشية التي تعد من أقوى الطرق الصوفية في المغرب
تنتسب الطريقة القادرية البودشيشية إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي ظهر في القرن الخامس الهجري. أما لقب البودشيشية، فقد اكتسبته بواسطة الشيخ علي بن محمد الذي حمل لقب “سيدي علي بودشيش” لكونه كان يطعم الناس أيام المجاعة بزاويته وجبة الدشيشة المشهورة في المغرب.

الشيح حمزة، شيخ الطريقة البودشيشية في المغرب
تم إدماج الزوايا وعلى رأسها الزاوية البودشيشية في السياسة الدينية للمغرب من أجل احتواء ظاهرة التطرف الديني في السنوات الأخيرة، لكن لا يسمح لها عمومًا بمزاولة أي نشاط سياسي، ولوحظ في السنوات الأخيرة أن البودشيشيين شذوا عن هذه القاعدة وخرجوا في مظاهرات حاشدة تؤيد النظام الحاكم وتدعم الإصلاحات والدستور الجديد للبلاد بعد 20 فبراير 2011.
ودفع الامتدادُ الجماهيري للزاوية في الأوساط الجامعية والمثقفة والشعبية، وتزايدُ نشاطها السياسي؛ بعضَ المتتبعين إلى القول أنها تحولت إلى آلة لضبط التوازنات السياسية بالمغرب، مع أن الزاوية تنفي عنها أي طموح سياسي أو دوافع من أجل الوصول إلى السلطة.