800000 إنسان يموت سنويًا بسبب الانتحار، بهذا العدد يفوق عدد المتوفين بسبب الانتحار عدد المتوفين بسبب الحروب. زادت نسبة الانتحار خلال الخمسين عامًا الماضية بنسبة 60 بالمائة. فما هو هذا الشبح الذي يختطف الناس من الحياة بمحض “إرادتهم”؟
بعض الأرقام الصادمة
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن1530000 شخص سيموتون عام 2020 بسبب الانتحار، ما يعني أنَّ العدد الحالي سيتضاعف، رغم محاولات منظمة الصحة العالمية تدشين حملات الوقاية من الانتحار. ثمانمائة ألف إنسان سنويًا، ما يوازي انتحار شخص كل 20 ثانية، لكنَّ وراء كل حالة انتحار هناك محاولات انتحار عديدة فاشلة، فنسبة محاولات الانتحار في العالم تصل 1 ـ2 محاولة كل ثانية.
معدلات الانتحار في الرجال أعلى من النساء، لكنَّ محاولات الانتحار أعلى عند النساء. الرجال يستخدمون دائمًا أساليب عنيفة وحاسمة للانتحار على خلاف النساء اللاتي يفضلن الأدوية والسموم. المحاولات الأكثر شيوعًا تكون بين النساء والشبان. تنتشر مقولة أنَّ الانتحار يكون في الدول الغنية، صاحبة نسب الرفاهية الأعلى، لكنَّ الأمر ليس على هذا المحمل بالمرة، فالانتحار ظاهرة عالمية في جميع المناطق.
75٪ من حالات الانتحار العالمية في عام 2012 حدثت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

رسم بياني لنسبة الانتحار في 16 ولاية أمريكية. 2008
يُعد الانتحار ثاني مسبب للوفاة حول العالم في النسبة العمرية بين 15 ـ 29 عامًا، في هذه الفئة تكون البطالة والعنوسة، إضافةً إلى قصص الحب الفاشلة هي أبرز مسببات الانتحار. أعلى معدلات للانتحار توجد في الصين ثم الهند واليابان، بمعدل 99 إنسانًا في كل 100000 في الصين و98 إنسانًا في الهند لنفس النسبة، وحسب الإحصاءات فإن الثلاث دول تضطلع بنسبة 40% من نسبة الانتحار في العالم.
تأتي في المرتبة اللاحقة شرق أوروبا، وحسب منظمة الصحة العالمية يقل الانتحار في الدول الشرق أوسطية، ربما بسبب انتشار العادات الدينية بشكلٍ متزايد، لكن كتابات تشكك في هذا التوجه باعتبار أن الانتحار غير معترف به رسميًا ما يجعل الإحصاءات غير صادقة.

نسبة كبيرة من المنتحرين يكتبون رسالة لذويهم
الانتحار ليس اختيارًا؟
تأخذ أغلب فتاوى رجال الدين في جميع الديانات موقفًا سلبيًا من الشخص المنتحر، باعتباره قد فرط في “الأمانة الإلهية” لكنَّ العلم أيضًا يتحدث أن الإنسان ليس دائمًا ما يقوم بالانتحار عن اختيار شخصي واقتناع تام، فأسباب الانتحار تكاد تكون محصورة في كونه ليس “مختارًا” في إقدامه على الانتحار من عدمه.
بعض الإحصاءات تقول إن 98% من حالات الانتحار تكون بسبب اضطراب عقلي، ولم يتسنّ لنا التأكد من هذه النسبة خصوصًا أن الإحصائية منذ عشر سنوات. الاضطراب العقلي يتلخص في الإصابة بالاكتئاب، وجود انفصام في الشخصية، أو نقص في السيروتونين (هرمون السعادة) بشكل حاد ما يؤدي للاكتئاب فيدفع المريض للانتحار.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فهناك أسباب وراثية للانتحار أيضًا، فقد يكون الشخص مصابًا بمرض وراثي يدفعه إلى الانتحار، أو قد يكون أحد والديه مات منتحرًا ما يكرِّس لديه هذا التأثير النفسي العميق. السبب الوحيد الذي يكون الإنسان فيه مختارًا بشكلٍ ما ليقبل على الانتحار هُو السبب الاجتماعي، وجود صراع بين الداخل والخارج، مشكلات اجتماعية: عنوسة، بطالة، انفصال عن المحبوب بالوفاة أو الفراق، هذه هي أهم الأسباب الاجتماعية للانتحار.
هل من أمثلة؟
بالطبع هناك أمثلة لمشاهير انتحروا لتلك الأسباب التي ذُكرت في التقرير، نذكر نماذج منها:
فرجينيا وولف: الاكتئاب يؤدي إلى الانتحار
ربما كان للكتابة أثر العلاج، لكنه مسكِّن فقط وبطيء بالنسبة للبعض، في أحد أيام عام 1941 قررت الكاتبة الأدبية الشهيرة فرجينيا وولف أن تنتحر بطريقة عجيبة، فقد ملأت معطفها بالأحجار ونزلت إلى نهر أوس القريب من بيتها، تركت وولف رسالة إلى زوجها تخبره أنها أمضت معه لحظات سعيدة للغاية، لكنها تفضِّل الانتحار على أن تصاب بمرض عقلي. المعروف أن وولف قد مرت بحالة اكتئاب شديدة بعد انتهائها من روايتها الأخيرة “بين الأعمال”. كان انتحارها بسبب موجة اكتئاب شديد.
إرنست هيمنجواي: إنها مجرد وراثة ليس أكثر!
تناوبت همنجواي، الحاصل على نوبل للآداب 1954 ؛ موجات اضطراب عقلي حادَّة، ما يعرف باسم الاضطراب ثنائي القطبين. وجدته زوجته يومًا ما ممسكًا ببندقيته المفضلة في حالة عصبية، اتصلت بالمشفى ليتم علاجه لكنه لم يعالج، فحالات الاكتئاب العصبية من هيمنجواي لم تكن سوى وراثة من والده، فقد انتحر والده وأختاه وحفيدته وكان هذا بسبب مرض توارثي في العائلة، يُعزى إلى زيادة نسبة الحديد في الجسد.
أروى صالح: الأسباب خارجية هذه المرة
أروى صالح، كاتبة، ومناضلة اشتراكية من جيل الستينات، أحلام الثورة، تغيير النظام العالمي، جيل الأحلام والأمنيات الكبرى، ضاعت كل هذه الأحلام هباءً، ولم يبقَ شيء، حتَّى الحزن لم يبقَ لأروى صالح التي كتبت أن الحزن أيضًا فقد جلاله، لم يبق أمام هذا الصراع بين داخل أروى وخارجها سوى الانتحار، كتبت أروى كتابين بثت فيهما شكواها وجراحها “المبتسرون” و”سرطان الروح” وألقت بنفسها من الطابق العاشر بعد أن ضاقت بها الحياة، كان هذا عام 1997.
“موتي سلاحي الأخير ضد المبتسرين وناقصي التكوين” *آخر ما قالت أروى صالح في مكالمة هاتفية للكاتبة نوال السعداوي.
اقرأ أيضًا: هؤلاء العظماء أصيبوا بالاكتئاب الهوسي