يستضيف ريفر بليت نظيره بوكا جونيورز في إياب نهائي كأس ليبرتادوريس (بطولة كرة قدم دولية سنوية تقام تحت رعاية اتحاد أمريكا  الجنوبية لكرة القدم) بعد تعادل بهدفين لمثلهما في سوبر كلاسيكو متجدد تأجل من الأمس إلى اليوم بسبب اشتباكات جرت بين جمهور الناديين الأرجنتينيين أسفرت عن إصابة عدد من لاعبي بوكا جونيورز واعتقال 29 مشجعًا، في أعمال شغب تشير إلى صراع مرّ عليه أكثر من قرن ، لم يتوقف فقط على طبيعته الرياضية  المحمومة وإنما حمل جوانب اجتماعية، لنادي «المليونيرات»، ونادي الفقراء و«الخنازير»!

لا بوكا.. نشأ فيه الفريقان وتحولا بعده إلى «خنازير» و«دجاج»!

من حي واحد في العاصمة الأرجنتينية بيونيس أيرس يُسمى «لابوكا»،  تأسس الفريقان ريفر بليت وبوكا جونيورز قبل أكثر من قرن من الزمان، فمع مطلع القرن العشرين، وتحديدًا في 25 مايو (أيار) 1901، جاء تأسيس ريفر بليت إثر دمج فريقي سانتا روسا و روساليس، وبدأ النادي مسيرته الاحترافية عام 1931.

ومنذ بدايات تأسيسه بدت علامات الغنى  على النادي؛ إذ انتقل النادي من حي لا بوكا البسيط الذي نشأ فيه، إلى حي نيونييز الراقي، بدعم من أغنياء الأرجنتين ورجال الأعمال، الذين شجعوا النادي وجلبوا له صفقات باهظة الثمن لشراء اللاعبين، ليُعرف ريفر بليت بنادي «الأغنياء» أو نادي «المليونيرات»

وفي المقابل، وبعد  أربع سنوات من تأسيس ريفر بليت، أسس عدد من المهاجرين الإيطاليين الذين يعملون بالقرب من حي لابوكا نادي بوكا جونيورز، في 3 أبريل (نيسان) 1905، وأتت كلمة بوكا في اسم النادي من اسم الحي الذي نشأ فيه، وعلى عكس ريفر بليت، بدأ بوكا جونيورز بإمكانيات محدودة واعتبر مشجعوه أن انتقال ريفر بليت إلى حي راق بدعم من أثرياء جعل منه «نادي الأغنياء»، أما نادي بوكا جونيورز فهو نادي «الفقراء» المدعوم من الطبقات البسيطة في المجتمع.

واستمرت تلك الجدلية الطبقية بين الناديين منذ تأسيسه وحتى الآن، ومع زيادة الاستقطاب والتنافس بين الفريقين، بدأ يُطلق مُشجعو كل فريق  ألقابًا مُسيئة على الفريق الآخر؛ فيُطلق مشجعو ريفر بليت على بوكا جونيورز اسم نادي«الخنازير» أو «جامعي السماد» أو «منظفي روث الفيلة»؛ للتقليل من شأنهم الاجتماعي وطبيعة منطقتهم.

وفي المقابل، يُطلق مشجعو بوكا جونيورز على نادي ريفر بليت لقب «الدجاج» في إشارة إلى الجُبن، تعطي معنى أن ريفر  بلات أثرياء ولكن جبناء، والأمر لا يتوقف فقط على إساءة متبادلة بين مشجعي كل فريق، بل تصل أحيانًا تلك الألقاب المُسيئة إلى  اللاعبين أنفسهم على أرضية الملعب.

وفي مثال على ذلك، التقى الفريقان  على ملعب  ريفر بليت  (المونومينتال* يوم 17 يونيو (حزيران) 2004، في إياب نصف نهائي كأس ليبرتادوريس، وفي الدقيقة 89 سجل كارلوس تيفيز هدف التعادل والحسم لفريقه، واحتفالًا بالهدف خلع تيفيز قميصه، واستفز جمهور ريفر بليت وأساء لهم بتلاعبه بذراعيه مثل الدجاجة، ليقابله الحكم ليس ببطاقة صفراء فقط وإنما بكارت أحمر وطرده من المباراة، بسبب حركة الدجاجة تلك.

وهو طرد حوّل حسرة جمهور ريفر بليت بالهدف إلى فرحة بطرد، تيفيز، وتمكن بعدها ريفر  بليت من إحراز هدف، ليلجأ بعد ذلك الفريقان لركلات الترجيح، ويفوز بوكا جونيورز، ليُلاقي أونس كالادس الكولمبي في النهائي، ويفوز الأخير بثنائية نظيفة ويحسم اللقب لصالحة بعد غياب تيفيز عن النهائي.

5 كروت حمراء في مباراة «ودية».. و71 قتيلًا في أكبر مأساة إنسانية

لم تتوقف حكايات التعصب بين الفريقين في الملعب عند هذا الحد، فدائمًا ما يصاحب «السوبر كلاسيكو» الحماسة والإثارة والعنف والشغب في الملعب والمدرجات، فقد شهدت مباراة «ودية» جمعت بين الفريقين في  24 يناير (كانون الثاني) 2016 ؛ احتفالًا بالموسم الجديد، هدفًا وحيد لريفر بليت و40 خطأ، و خمس بطاقات حمراء، وتسع بطاقات صفراء، نعم كما قرأت تمامًا كانت المبارة «ودية احتفالية»، لكن حصيلة الأخطاء والبطاقات تظهر أن المباراة كانت أقرب لمباراة «مُصارعة».

وإن كانت المباراة سالفة الذكر مثالاً على مجرد مباراة ودية، فتستطيع أن تتخيل حجم النديّة والتنافس والعنف، في المباريات الرسمية التي تجمع الفريقين، وفي محاولة لفهم حجم العنف في الملعب بلغة البطاقات الحمراء، نرى أن  71 «سوبر كلاسيكو» جمع بين الفريقين في مباريات رسمية وودية، في الفترة بين 15 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2000،  وحتى أمس، خلال أكثر من 18 عامًا، شهدت 53 بطاقة حمراء!

وفي المدرجات التي اعتادت على أحداث الشغب وإشعال الألعاب النارية، شهد  ملعب المونيمونتال عام 1968، مأساة  إنسانية بمصرع 71 شخصًا، بسبب التدافع عن البوابة رقم 12 أثناء محاولتهم الخروج من الملعب، في مأساة كانت الأسوأ في تاريخ كرة القدم الأرجنتينية ، بضحايا صغار السن؛ قُدر معدل أعمارهم بـ19 عامًا، وتباينت أسباب التدافع بين تحميل جمهور ريفر بليت المسؤولية، والعكس، أو  الشرطة في تعاملها مع تجاوزات الجماهير.

التاريخ ينحاز للفقراء

مرّ على الفريقين أساطير في كرة القدم الأرجنتينية والعالمية؛ إذ لعب في بوكا جونيوز لاعبين مثل:  الأسطورة دييجو أرماندو مارادونا ،و جابرييل باتيستوتا، وخوان رومان ريكلمي، وكارلوس تيفيز، ومارتن باليرمو هداف بوكا جونيورز التاريخي، وسباستيان باتاليا صاحب أكبر عدد بطولات مع النادي الأرجنتيني.

وفي المقابل، مر على فريق ريفر بليت نجوم مثل: الأسطورة أرييل أورتيجا،  والمهاجم الأرجنتيني هرنان كريسبو، وخوان سوريين، والفرنسي ديفيد تريزيجه، وأنخل لابرونا الهداف التاريخي للفريق، والأوروجوياني إنزو فرانشيسكولي الهداف الأجنبي التاريخي للفريق، وروبرتو بروفومو، وألفريدو دي ستيفانو.

وبالرغم من غنى ريفر بليت عن بوكا جونيورز، فقد كان للأخير الأفضلية في تاريخ المواجهات التي جمعت بينهما، فقبل نهائي كأس ليبرتادوريس لهذا العام، لعب الفريقان، 246 مباراة رسمية، فاز بوكا جونيورز في 88 مباراة، وسجّل 322 هدفًا، فيما فاز ريفر بليت بـ81 مبارة، وسجّل 289 هدفًا، بإجمالي غزير للأهداف للفريقين يبلغ  620 هدفًا، بمتوسط 2.5 هدف في المباراة، فيما تعادل الفريقان في 77 مباراة، أما عن عدد الألقاب الرسمية المحلية والدولية فيبقى التفوق لبوك جونيورز بـإجمالي 67 بطولة، مقابل 63 لريفر بليت.

 

**آخر تحديث 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018**

انفوجراف: بالأرقام.. كيف كانت خسارة أثرياء برشلونة ومانشستر معجزةً كروية بالفعل؟

المصادر

تحميل المزيد