يرى بعض المحللين أن الإيرانيين يرون «الأرض التي تربط سوريا بإيران تقترب كلّ يوم»، فقد شهدت الأيام الأخيرة اقتحامًا لميلشيات الحشد الشعبي العراقي المدعوم من إيران إلى الحدود السورية – العراقية، بغية تحقيق هذا الأمل الإيراني بوصل طهران ببيروت مرورًا بمعبر الوليد إلى دمشق أو حمص وبالتالي البقاع.
فضمن استراتيجية إعادة تموضع شاملة تنفذها إيران، سيطرت هذه الميليشيات في الساعات الأخيرة على قضاء البعاج قرب حدود العراق وسوريا غرب الموصل ونينوى، وهو ما يعني أن أغلب المنطقة الحدودية باتت بأيدي ميلشيات تابعة لإيران، وأن المعركة بين أطراف عدة في الساحة السورية ستحتدم، خاصة مع الجهات التي تسعى لكسر أذرع إيران في المنطقة، وأولها الولايات المتحدة.
الحشد الشعبي العراقي إلى سوريا
أكثر من مرة، ظهر قائد فيلق القدس الإيراني «قاسم سليماني» يتوسط عناصر مليشيات الحشد الشعبي، وهو يجول ببزته العسكرية على الحدود العراقية السورية، أما القيادي في مليشيات الحشد أيوب فالح الربيعي، الملقب بـ«أبو عزرائيل»، فلم يفوت فرصة التواجد على تلك الحدود، فظهر برفقة عدد من عناصر الحشد يتوعد باقتحام هذه الحدود، ليتبعه القيادي «أبو مهدي المهندس»، فيهدد بأن تستمر ميليشيات الحشد بالتقدم حتى الدخول إلى الرياض.
هذه الميلشيات تحركت تحت ذريعة ملاحقة ومنع «تنظيم الدولة الإسلامية – داعش»، أو لأنها «تستهدف عزل مسلحي تنظيم داعش في العراق عن أقرانهم في سوريا»، كما قال رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، فقد تقدمت صوب الحدود مع سوريا، وسيطرت على قريتي البواردي وقصيبة السوريتين في ريف الحسكة، وهي منطقة تقع تحت سيطرة «تنظيم الدولة» أو القوات الكردية.
مصالح إيرانية كثيرة ستتحقق في حال تمت السيطرة على هذه المناطق، منها حلم ربط مناطق النفوذ الإيراني في العراق بسوريا، والسيطرة على طريق بغداد-دمشق السريع ومعبر التنف في المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن الذي يعد منفذًا إلى البحر.
كما سيمنح النظام السوري ميزة كبيرة في حربه ضد المعارضة، فالسيطرة على أراضي شمال شرقي البادية تعزز الحزام الأمني حول دمشق، كما ستسوق ميلشيات الحشد الشعبي وكأنها قوة إقليمية تصدرها إيران لأي منطقة بغية تنفيذ أهدافها.
ما هو مشروع «الكوريدور الإيراني»؟
شكّل وصول الحشد الشعبي العراقي إلى الحدود السورية خطوةً هامة في طريق إقامة ممر بري يحقق حلم إيران المطلة على بحر قزوين، ووصلها بالبحر الأبيض المتوسط، مارًا بالعراق وسوريا.

قائد فيلق القدس الإيراني «قاسم سليماني» (المصدر: شبكات التواصل الاجتماعي).
يعرف المشروع السابق باسم «الكوريدور الإيراني»، وقد صرحت إيران في البداية أن هذا المشروع يمتد من «تلعفر» إلى معبر «ربيعة» الحدودي بين سوريا والعراق، ومنها إلى مدينة القامشلي بموازاة الحدود مع تركيا مرورًا بمدينة كوباني (عين العرب) وصولًا إلى مدينة عفرين الكردية ومن ثم الاتجاه جنوبًا نحو مدينة إدلب ومنها إلى حمص وسط سوريا.
لكن حدث تغير أو تعديل مسار على هذا المشروع، فحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية فإن: «قاسم سليماني وهادي العامري قد أمرا بتعديل مسار الممر مؤخرًا بسبب عدم ارتياح طهران من التواجد المتزايد للقوات الأمريكية في شمالي سوريا»، وتوضح الصحيفة أن: «نقطة دخول الممر إلى الأراضي السورية تقع على بعد 140 ميلًا جنوب المسار السابق مع الحفاظ على المسار الأصلي الذي يصل الحدود العراقية الإيرانية مرورًا ببلدة جلولاء في محافظة ديالى متجهًا نحو الشمال الغربي إلى بلدة الشرقاط في محافظة صلاح الدين حتى الوصول إلى جنوب بلدة تلعفر غربي الموصل».
ويتابع تقرير «الغارديان» أنه: «بعد ذلك ينحرف إلى الجنوب الغربي بموازاة الحدود مع سوريا ودخول الأراضي السورية عبر المنطقة الحدودية الواقعة شمال شرق بلدة الميادين السورية، والتوجه منها إلى مدينة دير الزور وصولًا إلى مدينة تدمر الواقعة تحت سيطرة قوات النظام وسط سوريا، والانطلاق منها إلى العاصمة دمشق وبعدها إلى مدينة حمص وصولًا إلى الساحل السوري على البحر المتوسط».
وفعليًا، بدأت مليشيات الحشد بحفر خندق وبناء سواتر على الحدود العراقية السورية، تحت ذريعة تطهير الحدود من العناصر الإرهابية، كما أشارت مصادر سورية إلى أن هناك شركات عراقية تنتظر أن تقوم بتأهيل الطريق لتسهيل الرغبة الإيرانية بمساعدة النظام السوري وحزب الله ومدهم بالسلاح والتجهيزات.
الحدود العراقية–السورية محطة صراع بين واشنطن وطهران
«لا يمكن القبول بتلك الدوريات (التي تقوم بها الميليشيات)، ولا بوجود تهديد للعناصر المسلحة في منطقة الفصل، هذا يهدد التحالف»، كان ذلك تعقيب المتحدث باسم البنتاغون العقيد «جيف دافيس»، على دوريات مليشيات الحشد الشعبي في شمال وغرب التنف، التي تعتبرها واشنطن (منطقة فاصلة).

رسم توضيحي للنفوذ الإيراني والأمريكي (المصدر: موقع المونيتور الأمريكي).
التحالف الذي ألقى منشورات جوية لتحذير قوات النظام السوري من الاقتراب من هذه المنطقة، يرى تهديدًا كبيرًا في اقتراب مليشيات الحشد من قاعدة التنف التي تُدرب فيها واشنطن عناصر من الجيش السوري الحر، فـ«أي تحرك باتجاه التنف سيعتبر عملًا موجهًا ضد واشنطن»، كما جاء في المنشورات التحذيرية التي ألقيت حيث يتواجد مقاتلو حزب الله والحشد الشعبي، ولم تتردد الولايات المتحدة قبل أيام في قصف رتل من المليشيات الشيعية في منطقة التنف.
ويرى مراقبون للشؤون الإيرانية أن طهران مصرة على استخدام سياسة حافة الهاوية مع إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، وهي تتحرك الآن لجر الأمريكيين إلى مواجهة عند الحدود السورية العراقية.
وتطيح سيطرة إيران وتحقيق نفوذها في هذه المنطقة بالرغبة الأمريكية في عزل الحدود السورية العراقية ومنع أي تواجد لإيران وميليشياتها هناك، ومنع أي طريق يسهل وصول السلاح من طهران لدمشق، وحسب صحيفة «تايمز» البريطانية فإن: «هذا التغيير الجيوستراتيجي هو ما يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنعه إذا كان جادًا في تقليم أجنحة إيران بوصفها قوةً إقليمية متنامية».
ولذلك لا يستبعد المراقبون مواجهة بين قوات التحالف وإيران وميلشياتها على الحدود السورية العراقية، فإذا ما حدثت هذه المواجهة، فستستميت إيران في محاولة التقدم والتصدي للتدخل الغربي، وقد حذر «دافيس» أنه: «في حال رفضت القوات المدعومة من قبل النظام مغادرة المنطقة، فإن الولايات المتحدة سوف تخطو خطوات في إطار مبدأ حماية القوات».
اتفاق «تخفيف التوتّر» أضعف المعارضة السورية
«نعتبر الحشد العراقي قوة احتلال مثلها مثل جميع الميليشيات الطائفية وجماعات المرتزقة الذين جلبتهم إيران من مختلف البلدان لمشاركة النظام في جرائمه ضد الشعب السوري الأعزل، ودَعَوْنَا، ولا نزال ندعو، إلى خروج سائر القوات الأجنبية وإحلالها بقوات حفظ سلام أممية تشرف على وقف القتال وتضمن امتثال سائر الأطراف بذلك»، هذا ما قاله المنسق العام لـ«الهيئة التفاوضية العليا» السورية المعارضة، رياض حجاب.
طفلة عراقية مهجرة.
ترى فصائل المعارضة السورية الموجودة داخل التنف في دخول مليشيات الحشد الشعبي للحدود السورية العراقية خطورة كبيرة، بسبب ولائهم المذهبي والطائفي لإيران، ونقل عن المتحدث باسم القيادة العسكرية العليا للجيش السوري الحر العقيد «أحمد حمادة» قوله: «النظام والمليشيات التابعة لإيران، بدؤوا العمل بشكل مكثّف على ثلاثة محاور من داخل سوريا، الأول من محور شمال شرق محافظة السويداء، والثاني من محور شرق حمص، والثالث من محور ظاظا-سبع بيار في البادية السورية. وذلك بهدف ضمان الوصول إلى الحدود من أحد هذه الطرق».
ويأسف حمادة في حديثه لـ«العربي الجديد» عن كون: «اتفاق مناطق تخفيف التوتّر أدى لإسكات الفصائل واتجاه قوات النظام الفائضة إلى الحدود السورية العراقية، التي يعتبرها النظام معركةً لا تختلف عن معركة المناطق الهامة داخل البلاد، وذلك بسبب الدعم الكبير الذي سوف يتلقاه النظام فيما لو تم فتح ممر بين دمشق وطهران».
هل يتصدى أكراد سوريا لمليشيات الحشد أم يوقعون تفاهمًا معها؟
«سنتصدى لأي محاولة من قبل الحشد الشعبي للدخول لمناطق سيطرة قواتنا، لن نسمح لأي قوات بالدخول ضمن مناطق سيطرتنا»، جزء مما قاله الناطق الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، طلال سلو، وهو يحذر مليشيات الحشد الشعبي من دخول محافظة الحسكة، حيث أصبحت هذه القوات على بعد 14 كم من بلدة «الهول» التابعة لتلك المحافظة.
مقاتلون من أكراد سوريا.
تمتد «الحكسة» التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي من حدود إقليم كردستان العراق وصولًا إلى الغرب من مدينة منبج في محافظة حلب، ووصول مليشيات الحشد إلى المدينة الحدودية «البوكمال» في ريف دير الزور الشرقي يجعلها في مواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على ريف الحسكة الجنوبي الشرقي، فهي حليفة الولايات المتحدة التي قد تجابه هذه القوات كما تفعل ضد «تنظيم الدولة» في سوريا.
المفارقة أن أكراد سوريا الذين يرون خطرًا كبيرًا في وصول مليشيات الحشد للأراضي السورية، يتبعون حزب العمال الكردستاني الذي يسيطر على إقليم «سنجار» في الجانب العراقي، ويتعاون مع مليشيات الحشد الشعبي، ولذلك لا يستبعد المراقبون التوصل إلى اتفاق أو تفاهم بين طهران ودمشق والإدارة الكردية في سوريا يخدم مصالح جميع الأطراف، فقد يحدث تفاهم مع أكراد سوريا يشبه ما حدث مع أكراد العراق، حيث سارعت قيادات شيعية للتأكيد على متانة العلاقة بالبيشمركة والاعتراف بمواقع نفوذها، والتأكيد على أنهم غير معنيين بالتصعيد معها، وما قد يدفع أكراد سوريا إلى مثل هذا التفاهم خاصة أن المنطقة تعيش في ظل حصار اقتصادي فعلي.
علامات
editorial, إيران, الأكراد, الحدود, الحشد الشعبي العراقي, الحشد العراقي, العراق, النفوذ الإيراني, دولي, سوريا, سياسة, عسكري, مطامع ايران, ممر