في عام 2009 أطلق المطرب المصري، عمرو دياب، ألبومه الغنائي «وياه»، وظهر دياب على الملصق الدعائي للألبوم وهو ينظر إلى عدسة الكاميرا، بينما يظهر على ذراعه الأيسر وشم باسم ابنه «عبد الله»، الأمر الذي أثار الجدل في ذاك الوقت؛ إذ لم يكن من المألوف أن يدق المشاهير الوشوم ويظهروها للجماهير بهذا الوضوح. ويعد عمرو دياب من أوائل النجوم العرب الذين أظهروا وشومهم للجمهور، معللًا ذلك بالتعبير عن مدى حبه لابنه.
دق وشم أو صورة تخص شخص محبوب لا يعد غريبًا على أذهاننا، خاصة من شاهد منا الفيلم العربي القديم «تمر حنة» عندما قرر رشدي أباظة إزالة وشم صورة تمر حنة من على صدره؛ دليلًا على أنه توقف عن حبها.
لكن بجانب ما نعرف عن دوافع دق الوشوم مثل الحب، أو الدين كما في الديانة المسيحية، والذي يتجلى في دق أو وشم الصليب على الأيدي، أو التجميل كما نراه على الكثير من النساء التي تدق صور فراشات أو قلوب حمراء على أجسادهن؛ فهناك دوافع أخرى لدق الوشم بين الماضي والحاضر، وفي هذا التقرير نخبركم بثلاثة منها.
1- «موكو» أو الوشم المقدس: أظهر لي وشمك أخبرك عن قبيلتك
«هذا أنا. وشمي إعلان هويتي، إنه جواز سفري».
*وزيرة خارجية نيوزيلندا تعليقًا على الوشم المدقوق على وجهها
الوشم بوصفه تعبيرًا عن الهوية له تاريخ طويل مع البشر، فعلى مر التاريخ، وشم العديد من السكان والقبائل الأصلية رسومًا وطلاسم خاصة بكل قبيلة، لمعرفة الأنساب والاعتزاز بالأصل. وفي عام 2016، لفتت نانايا ماهوتا، التي تعد أول امرأة تتقلد منصب وزارة الخارجية في نيوزيلندا الأنظار بالوشم الذي دقته على ذقنها قبل حلف اليمين، والمعروف باسم «تا موكو»، في إشارة إلى أنها تنحدر من السكان الأصليين، وتحديدًا قبيلة «الماوري»، واعتزازها بذلك.
وذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن قصة ماهوتا مع السياسة تعود إلى جذورها العائلية، إذ تنحدر من قبائل المجتمع الأصلي في نيوزيلندا، وكان لأسرتها ووالدها تحديدًا دور كبير في النضال من أجل حقوق السكان الأصليين، وكان ممثلًا عن قبيلته في سلسلة مفاوضات مع حكومة نيوزيلندا بهدف دفع تعويضات عن المصادرة الجماعية لأراضي السكان الأصليين، والجرائم التي ارتكبت في أثناء فترة الاستعمار البريطاني، والتي توجت بأول تسوية من نوعها في تاريخ نيوزيلندا بقيمة بلغت 170 مليون دولار مقابل أراضٍ مسروقة، مع اعتذار رسمي من الملكة.
وقديمًا، كانت رؤية «موكو» الذي يغطي وجه الرجال كاملًا، بينما يغطي ذقن المرأة فقط؛ تُعرف إلى أي قبيلة ينتمي، وما يمتهن، وما هي إنجازاته في الحياة؛ إذ كان الوشم لدى السكان الأصليين مقدسًا ولا يمكن استثناء أحد من سكان نيوزيلندا الأصليين في ذاك الوقت من طقس دق وشم الـ«موكو».
ويقول واحد من ورثة هذا الإرث من سكان نيوزيلندا الأصليين عن هذا الوشم عام 1921: «قد تفقد أغلى ممتلكاتك؛ منزلك، وأسلحتك، وزوجتك، وكل الكنوز الأخرى، وقد تُسلب أعز ما تملك، لكن الـ«موكو» الخاص بك؛ لا تُحرم منه إلا بالموت، وسيكون هذا النقش هو رفيقك الدائم حتى يومك الأخير».
2- الوشوم في السجون الروسية: تشي بالتُهمة ودرجة الإجرام!
في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يعد الوشم أمرًا مألوفًا ومنتشرًا داخل السجون للكثير من الأسباب. سواء كان وشمًا يعبر عن انتماء السجين لإحدى العصابات، أو وشمًا يذكره بمن يحبهم خارج السجن، ولكن في هذه الفقرة نتحدث عن الوشوم في السجون الروسية والدوافع وراءها.
كان السجناء والمجرمون في الاتحاد السوفيتي يحافظون على دق الوشم بغرض تحديد مستوى إجرام الفرد، فالوشم الذي يدقه زعيم العصابة، يختلف كليًّا عن الوشم الذي يدقه اللص، بينما يدق السجين السياسي وشمًا مختلفًا أيضًا.
وعليه زار خبير الوشوم الروسي أركادي برونيكوف المنشآت الإصلاحية في أنحاء الاتحاد السوفيتي، من الستينيات وحتى الثمانينيات، من أجل التقاط صورًا لآلاف السجناء الموشومين. وساعد تحليله لتلك الرسوم وفك شفرتها على حل الكثير من الجرائم، وهذا من خلال تحديد هوية المجرمين، وأهمية مكانتهم في الشبكة الإجرامية، فتلك الوشوم كانت عبارة عن رسوم لثعابين ورعاة بقر، وورود، إذا رأيتها تظن أنها وشم عادي، لكنها لها معنى ورمز بين المجرمين والسجناء.
كذلك استخدمت الوشوم في السجون الروسية آنذاك من أجل إرسال رسالة واضحة لباقي السجناء. فالوشم الذي يتضمن رمز عملات ورقية للدولار الأمريكي بجوار عيون تحدق في الفراغ ومعهما مدفع رشاش، تعد رسالة لباقي المساجين بأن صاحب هذا الوشم مجرم خطير، كما أنه يراقبهم عن كثب؛ حتى لا يجرؤ شخص على إيذائه أو سرقته، بينما يعني رسم الثعبان على الرقبة أن صاحبه مدمن ويتعاطى المخدرات، أما وشم الكتافات العسكرية، فيدل على أن هذا الشخص متمرد على النظام ويتقلد مكانة عالية في شبكته الإجرامية!
3- الحبر القبيح على وجه الصينيات: حماية من الاغتصاب والخطف!
قبل الاحتلال الياباني للصين، كان دق الوشم على وجه المرأة يعد تعبيرًا عن بلوغها، وأنها أصبحت في عمر يناسب الزواج، ولذلك كان يحيط طقوس دقه أجواء احتفالية، لكن بعد دخول اليابان الصين، واغتصاب الجنود اليابانيين للنساء في الصين، أصبحت النساء تلجأ للوشم لأسباب أخرى.
لاحظت النساء في ذاك الوقت، أن الجنود لا يقبلون على المرأة التي تدق وشمًا على وجهها، وكأنها بضاعة معطوبة وغير صالحة سواء للاغتصاب، أو للخطف، ولذلك لجأت العديد من النساء في الصين أثناء الاحتلال الياباني لدق وشوم متعددة وكثيرة على وجوههن؛ حتى تكون المرأة قبيحة في أعين الجنود ولا يقبلون على أذيتها.
«مر أكثر من 50 عامًا، ولا تزال خطوط الوشم واضحة جدًّا على بشرة وجهي، ولطالما شعرت بأن النساء بدون وشم على وجوههن أجمل بكثير، ولكن والدتي كانت تخشى إن لم يكن وجهي موشومًا فسأكون فريسة للجنود اليابانيين، فربما يسرقني أحدهم ليبيعني في بلد آخر».
هكذا صرحت للإعلام واحدة من النساء اللاتي ما زلن على قيد الحياة، وشهدن هذا الطقس في طفولتهن، ورسمت وشمها الخاص بحمايتها في الثانية عشرة من عمرها.
صورة لواحدة من النساء في الصين وعلى وجهها الوشم الذي دُق لها في طفولتها
الوشم كان هنا بغرض «تخريب الصفقة» التي يطمع فيها الجنود اليابانيون، فالنساء في الصين وقتها كانوا في نظرهم غنيمة يمكن بيعها في أسواق للعبيد في أي بلد آخر، ولكن بهذا الوشم على وجهها، فلن تكون سلعة مطلوبة – بحسب الجنود اليابانيين.
دق الوشم الدائم لا يعد مهمة سهلة أو بسيطة، فالأمر يتطلب دقة شديدة من رسام الوشم، وقوة تحمل من الشخص الذي يُدق له الوشم، فأي خطأ يحدث في دق الوشم هو خطأ يستمر مع المرء للأبد إلا إذا قرر رسم وشم جديد فوق الوشم الأصلي الذي حدث به الخطأ، وهو أمر لا يفضله رسامو الوشوم؛ لأنه يجعل الجلد بارزًا والوشم مشوهًا.
وفي المقابل بعض الأشخاص الذين يدقون الوشم بغرض التجميل ولا يستطيعون تحمل الألم؛ يحقنهم رسام الوشم بالبنج ليتجنبوا التجربة المؤلمة، ولكن هذا لا يحميهم من التعامل مع الجرح الذي يلازم الرسم ما يقرب من أسبوع، والذي يجب أن يعالج بالمضادات الحيوية حتى لا يلتهب أو يصاب بالعدوى، ولذلك قرار دق الوشم هو قرار ليس هينًا خاصة وأنه قرار أبدي، ولكن في النهاية دائمًا ما يكون هناك دافع – بين الماضي والحاضر- لدق تلك الوشوم الدائمة.