أعلنت أمس السلطة الوطنية للانتخابات عن نتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي أجريت في 12 من ديسمبر (كانون الأوّل) الجاري، وأسفرت النتائج عن فوز المترشّح عبد المجيد تبون برئاسة بنسبة 58.15%، ليكون بذلك الرئيس الثامن للجزائر منذ الاستقلال عام 1962.
وتواجه الرئيس الجديد للجزائر تحديات عديدة، ففضلًا عن الحراك الشعبي المستمر منذ أزيد من 10 أشهر والرافض للانتخابات التي أتت به رئيسًا؛ يواجه عبد المجيد تبون ملفات شائكة. فبين محاولة إنقاذ الاقتصاد المنهك للبلاد وإصلاح الرأب والتفرقة بين الجزائريين وإعادة اللحمة بينهم؛ يجد الرئيس الجديد للجزائر نفسه أمام تحديات صعبة.
في هذا التقرير نستعرض معكم أبرز خمسة تحديات كبرى ستقف في طريق الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون.
1. «المهمة الأصعب».. حكومة ترضي الجميع
في مستهل ندوته الصحافية التي عقدها بالأمس، اعترف الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون بأنّ تشكيل الحكومة المقبلة هي أصعب مهمة تعترض طريقه في قادم الأيّام، لأنها: «مهمة تمرّ عبر مجهر الشعب الذي على إثرها يحكم إن كان هناك تغيير أم لا» وأضاف تبون «أتمنى التوفيق من الله لكي يرى الشعب الجزائري في الحكومة المقبلة شبابًا وشابات من 26 سنة إلى 27 سنة».
وعن أبرز الوجوه المحتملة لرئاسة أوّل حكومةٍ في عهدة تبون الرئاسية؛ أشارت مصادر إعلامية إلى كون المرشّح الخاسر في الانتخابات عبد القادر بن قرينة الاسم الأقرب لتولي منصب الوزير الأوّل، وهذا بعد أن أعلن الأخير انسحابه من «حزب البناء» -أحد الأحزاب الإسلامية- واستعداده لتقلّد أي مسؤولية قد يمنحها له الرئيس الجديد.
الرئيس المنتخب "عبد المجيد تبون" يعد بمفاجأة كبيرة في تشكيلة الحكومة الجديدة
الرئيس المنتخب "عبد المجيد تبون" يعد بمفاجأة كبيرة في تشكيلة الحكومة الجديدة
Geplaatst door Journal el Bilad op Vrijdag 13 december 2019
وفي حديثٍ لـ«ساسة بوست» مع أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ياسين المقبض، عن مهمة تعيين الحكومة القادمة، أبرز ياسين مدى صعوبة المهمة متكهنًا أنّ «الحكومة الجديدة لن ترى النور إلّا مع السنة الجديدة، وذلك نظرًا للرفض الشعبي المطلق للحكومة السابقة ودفع الحراك بأن تكون الحكومة المقبلة مشكلة من شخصيات وكفاءات وطنية».
وعن أبرز المحتملين لقيادة الحكومة القادمة يرى المقبض أنّ «الوزير السابق البروفيسير بشير مصيطفى هو من بين أكثر الأسماء المتداولة في محيط حملة تبون كونه شخصية وطنية لا تنتمي إلى المنظومة السابقة وأحد أكبر الأخصائيين الاقتصاديين في البلاد، دون أن نغفل إمكانية استعانة تبون بالمعارضة الإسلامية المتشكلة في رئيس «حزب حمس» الدكتور عبد الرزاق مقري الذي يحمل كاريزما تجعله أحد المقبولين لتولي هذه المهمة الشاقة».
وتواجه الحكومة القادمة مشاكل كثيرة أبرزها الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، إذ حذّر تقرير لمؤسسة الاستثمارات الاقتصادية العالمية «فيتش سوليشن» صدر مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الماضي من أزمة اقتصادية خانقة تعيشها الجزائر سنة 2020، وذكرت «فيتش سوليشن» في تقريرها أنّ النمو الاقتصادي لن يتعدّى 1.7% خلال 2019، وبذلك تنخفض مقارنة بتقديرات سابقة بلغت 2.5%، مع توقعات بتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الجزائري خلال سنة 2020 من 2.3% إلى 2%.
في وقتٍ أصدر فيه صندوق النقد الدولي تقريره لسنة 2019، حول «آفاق الاقتصاد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، وتوقّع «صندوق النقد الدولي»، ارتفاع نسبة نمو الناتج الخام الفعلي في الجزائر سنة 2020، إلى 2.5%، وحسب صندوق النقد الدولي فإن نمو الناتج الداخلي الخام الفعلي الجزائري، قد يتراجع إلى 0.8% خلال سنة 2024.
2. تعديل الدستور.. مهمة ستنقل تبون إلى برّ الأمان
لطالما كانت مهمة تعديل الدستور، التقليد الرئاسي الذي دأب الرؤساء الجدد في الجزائر على القيام به في أوّل عهدةٍ لهم بالحكم. ويبقى الدستور الأخير للجزائر المعدّل ثلاث مرّات في عهد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة والذي منح من خلاله صلاحية واسعة لرئيس الجمهورية، أحد أكثر المطالب الملحة للحراك الشعبي الذي يسعى للحدّ من صلاحيات الرئيس.
ووضع الرئيس الجزائري الجديد مطلب تعديل الدستور في لائحة وعوده الأولى التي يسعى إلى تحقيقها في أقرب فرصة، بعد أن أعلن نيته فتح ورشاتٍ لمناقشة التعديلات التي ستجرى على الدستور.
وترى أستاذة العلوم السياسية الدكتورة هجيرة بن زيطة بأنّ: «تعديل الدستور خطوة ضرورية طبعًا، لأن دستور بوتفليقة كان دستور ملك، يمتلك فيه الرئيس صلاحيات واسعة على حساب التوازن بين السلطات. لذلك فإن ملف تعديل الدستور وتغيير طبيعة النظام السياسي والذهاب نحو نظام شبه رئاسي يستعيد البرلمان من خلاله بعض صلاحياته وكذلك تعاد تسمية رئيس الحكومة بدل وزير أول مع استرجاع الحكومة لبعض الصلاحيات، وكذلك تستعيد المؤسسة العسكرية من خلال هذا النظام شبه الرئاسي وزارة الدفاع وهو الحق الذي لن تتنازل عنه مرة أخرى كما حدث لها مع بوتفليقة، أمر مطروح بشدة».
3. «الحوار مع الحراك».. هل ينجح تبون في إنهاء الحراك الشعبي؟
مباشرةً بعد صدور النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية وإعلان فوز تبون بالرئاسة؛ اكتسح المتظاهرون ميادين الجزائر للتعبير عن رفضهم للانتخابات ونتائجها. وخرج الآلاف من الجزائريين في الجمعة 43 للحراك الشعبي رافعين مطالب رافضة للانتخابات من قبيل شعار «هذا الشعب لم ينتخب» وأخرى مناوئة للرئيس الجديد من خلال شعار «تبون الكوكايين.. حاب يولي رئيس (يريد أن يصير رئيسًا)» للتعبير عن رفضهم للمشهد السياسي الذي تعيشه الجزائر بعد الانتخابات، وراسمين مشهد الفترة المقبلة للحراك.
وفي محاولةٍ منه لمغازلة الحراك الشعبي وفي أوّل ندوة صحافية يعقدها الرئيس الجديد؛ أعلن عبد المجيد تبون نيته فتح حوارٍ مع الحراك الشعبي وممثليه الوصول إلى آلية لتحقيق مطالبه. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحوار كان أحد المطالب الأساسية التي نادى بها المتظاهرون منذ استقالة بوتفليقة؛ وفشلت السلطة الانتقالية طوال العشر أشهرٍ الماضية في فتح حوارٍ حقيقي مع الحراك.

الحراك الجزائري حافظ على طابعه السلمي منذ بدايته
وفي تعليقه على طلب تبون الحوار مع الحراك أكّد الطالب إبراهيم حداد ممثل الحراك الطلابي في العاصمة الجزائر عن ترحيبه بخطوة الرئيس الجديد بفتح حوارٍ مع الحراك معتبرًا ذلك ورقة ضغطٍ ونقطة قوةٍ ما زال الحراك يحتفظ بها؛ وأضاف حداد في حديثه مع «ساسة بوست» أنّ: «الحوار سيكون في مواجهة مشكلة الأيديولوجيات التي تنذر بفشله وذلك بسبب عدم الاتفاق على من يُحاور باسم الحراك» وأبرز حداد أن تلك «المعيقات ستكون من صنع الشعب، وأظن أن السلطة الجديدة تستغلها في وأد الحراك لأنه حسب خطاب تبون اليوم السلطة تريد فتح باب الحوار امتصاصًا لغضب الشارع».
من جهته يرى الناشط السياسي أسامة عبد الإله أنّ «الحوار مطلب شعبي منذ انطلاق الحراك وهو قيمة لا بد أن تشجع، وكانت أمانينا أن تكون الانتخابات الرئاسية ثمرة له للمضي نحو انتقال ديمقراطي حقيقي» ويضيف أسامة «دعوة تبون للحوار شيء إيجابي وحذر؛ فذاكرة الحراك لا تزال تحمل دعوة بن صالح للحوار والتي أبدت الأيام بعدها أنه كان مناورة، وكل شيء لنجاح الحوار هو متعلق بالإرادة السياسية إن كانت فعلًا حقيقية وتريد حلًا لهذه الأزمة».
4. استرجاع الأموال المنهوبة.. المهمة المستحيلة التي يقدر عليها تبون!
استحوذت أرقام وآليات استرجاع الأموال المنهوبة على اهتمام الجزائريين طيلة الأشهر العشر الماضية، فما بين صدمة الجزائريين من الأرقام الحقيقية للأموال التي جرى تهريبها إلى الخارج والتي تقدرها الأوساط الإعلامية بنحو 200 مليار دولار؛ وما بين فضائح الفساد التي يحاكم عليها وزراء ورجال أعمال سابقين والتي كشفت عن تبديد النظام السابق مليارات الدولارات في صفقات مشبوهة.
وفور إعلان ترشّحه للرئاسة، قدّر الرئيس الجديد للجزائر عبد المجيد تبون نسبة الأموال المختلسة من الخزينة العمومية بنحو 10 مليار دولار، كاشفًا في الوقت ذاته عن مكان تلك الأموال بالقول «أن رجال أعمال ومسؤولين يكتنزون الأموال المنهوبة في بنوك خارج الوطن، على شكل استثمارات باسم رجال أعمال ومسؤولين وممتلكات بأسمائهم وعائلاتهم».
وعن خطة استرجاع تلك الأموال أكد عبد المجيد تبون أن «استرجاعها ليس بالشيء المستحيل»، رافضًا الكشف عن أساليب استرجاعها مكتفيًا بالقول: «أعرف الطرق القانونية لاسترجاع الأموال المنهوبة»، مستطردًا بقوله: «استرجاعها ممكن جدًا، عندما تكون لدى الرئيس مصداقية وخطاب قوي وشرعية».
عبد المجيد تبون: سأحارب ظاهرة تضخيم الفواتير لأنها كارثة على الاقتصاد الوطني
عبد المجيد تبون: سأحارب ظاهرة تضخيم الفواتير لأنها كارثة على الاقتصاد الوطني
Geplaatst door Journal el Bilad op Vrijdag 13 december 2019
ويجمع الأخصائيون على صعوبة استرجاع الجزائر أموالها المنهوبة بالخارج؛ إذ يرى المستشار الاقتصادي الأسبق في رئاسة الجمهورية، مبارك مالك سراي، أن «استرجاع الأموال المنهوبة داخل الجزائر سيكون أمرًا سهلًا، أما في الخارج فسيكون الأمر صعبًا لكنه لن يصل إلى درجة المستحيل». ويضيف سراي أنّ «الجزائر ترتبط باتفاقيات عدّة مع دول في العالم تتواجد بها البنوك التي تتعامل معها الدول الجزائرية، ومن المحتمل أن تتعاون تلك البنوك وتسلّم الأموال التي أودعها المُتّهمون المُدانون هناك. لكن المشكلة الكبيرة هي في حجم الأموال التي أودعت في هذه البنوك، إذ ستكون عملية البحث عنها شاقة جدًا ثمّ التفاوض مع هذه البنوك سيكون صعبًا لكنه ليس مستحيلًا».
وتذهب الطالبة في المدرسة الوطنية للتغذية (أمل .ط) وإحدى ناشطات الحراك الشعبي إلى أبعد من ذلك بالقول «إنّ وعود الرئيس تبون باسترجاع الأموال هي وعود لطمأنة الشعب فقط ولفتح أبواب الأمل لمستقبل واعدٍ، لكنها ستبقى وعودًا راديكالية لا غير. لأنه ما دام هناك روابط مشتركة بين الحكومة القديمة والجديدة وخلفيات سابقة لا أرى أن هناك أملًا في استرجاع الأموال ولا محاسبة العصابة بل هي مجرد شكليات».
5. هل ينجح تبون في إخراج الجزائر من هيمنة الجيش؟
من بين المهام الصعبة التي ستكون أيضًا على عاتق الرئيس الجديد للجزائر هو إخراجها من هيمنة المؤسسة العسكرية، التي استطاعت في الأشهر السابقة أن تتحوّل إلى الحاكم الفعلي للجزائر. ولا يختلف اثنان في الجزائر على الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية منذ اندلاع الحراك الشعبي بعد أن أجبرت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة، ورافقت مطالب الحراك، بشنّها حملة لمكافحة الفساد أسفرت عن اعتقال رموز نظام بوتفليقة من وزراء ورجال أعمال، وكان لها دور في تشكيل المشهد السياسي الذي أسفر عن انتخاب الرئيس الجديد عبد المجيد تبون.

الفريق أحمد قايد صالح رئيس الأركان الجزائري
ويرى أستاذ العلوم السياسية ياسين المقبض أنّ «الرئيس الجديد سيكون ضعيفًا مقارنةً بالمؤسسة العسكرية التي حرصت على أن يكون الرئيس القادم للجزائر بهذا الشكل، فشرعية الرئيس الجديد ستكون على المحك وهذا بعد أن بدأت أصوات الحراك تقدح فيه، كما أنّ فض المؤسسة العسكرية وضغطها سيلازم الرئيس الجديد؛ دون أن نغفل التعاطف الشعبي مع الجيش بحيث إن الغالبية انتخبوا تبون كونه مرشّحًا للجيش».
وفي تقريرٍ لـ«مركز كارنيجي للشرق الأوسط» عن دور الجيش الجزائري في المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد؛ تبرز الكاتبة الجزائرية المتخصصة في الشأن الجزائري، دالية غانم، على أنّ الشغل الشاغل للمؤسسة العسكرية هو الحفاظ على مصالحها المادّية، واستمرارها في ممارسة حكم ذاتي في الأكاديميات العسكرية، وعلى مستويات العقيدة والإصلاحات والتحديث. وتضيف دالية غانم أنّ الجيش الجزائري سيعمل على تأكيد سلطته الحصرية على الموازنة الدفاعية فيما يحتفظ بدوره السياسي في الإشراف على الشؤون الاستراتيجية ويضمن تمتّعه بالحصانة القانونية عن أي ممارسات سابقة أو مستقبلية.