هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010-2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكافة الوثائق متاحةٌ للتصفح على الإنترنت.
تلقى قضية الصحراء الغربية اهتمامًا كبيرًا من طرف الجزائريين، حتى تحوَّل الموقف الرسمي منها، الداعي لحق الصحراويين في تقرير المصير، موروثًا يتوارثه السياسيون المتعاقبون على حكم الجزائر، ولتقوية هذا الموقف عملت الحكومة الجزائرية على الاستعانة بشركة ضغط أمريكية في ملف الصحراء الغربية، لإبراز الموقف الجزائري وحشد دعم أمريكي له.
في هذا التقرير نستعرض جهود الجزائر في الملف، وضغطها على جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتغيير موقف الولايات المتحدة من الصراع.
تقرير المصير.. الحل الذي تدافع عنه الجزائر في نزاع الصحراء الغربية
منذ خروج الصراع في الصحراء الغربية بين المملكة المغربية وقوات البوليساريو إلى النور في سبعينيات القرن الماضي، ظلَّت قضية الصحراء الغربية الملف الأوَّل على طاولة الدبلوماسية الجزائرية. فكانت الجزائر الداعم الأول لتأسيس ما يعرف بـ«البوليساريو» أو «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» في 10 مايو (أيار) 1973، وقدمت الدعم العسكري لها من أجل إقامة الجمهورية الصحراوية.
وما تزال الجزائر تنظر إلى القضية على أنها مسألة استعمارية، يتوجب حلُّها بإجراء استفتاء للصحراويين على حق تقرير المصير بإشراف وتنظيم أممي، وهو ما يرفضه المغرب.
وعلى الرغم من دعمها لجبهة البوليساريو، واتهامات المغرب لها بتبني حركة البوليساريو الانفصالية، تصرُّ الجزائر على أنها ليست طرفًا في الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو.
جون بولتون وموقفه من الصراع
على الرغم من كون المغرب حليفًا استراتيجيًّا للولايات المتحدة الأمريكية في شمال أفريقيا، فإن الموقف الأمريكي من قضية الصحراء الغربية الذي يعد المغرب الطرف الأساسي فيها، لم يسلك سبيل العلاقات التقليدية بين الرباط وواشنطن، واكتفت الولايات المتحدة بموقف الحياد في واحدة من أعقد قضايا المغرب لعقود طويلة، ولم يُكسر إلا مؤخرًا مع اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والمملكة، وما تبعها من اعتراف أمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء.
ولعبت واشنطن دورًا في الصراع، بتعاقب الدبلوماسيين الأمريكيين على شغل منصب المبعوث الأممي الخاص إلى الصحراء الغربية، ولعلَّ أبرزهم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، الذي شغل منصب المبعوث الأممي للصحراء الغربية، والذي أعدّ برفقة جون بولتون خطةً للسلام سنة 2002.
فشلت خطة بيكر بسبب الخلاف حول من يحقُّ لهم التصويت في الاستفتاء على تقرير المصير، واستمرار العقبات أمام بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية «المينورسو»، أدت بسفير الولايات المتحدة في مجلس الأمن آنذاك، جون بولتون، إلى الضغط لإنهاء مهام المينورسو بحجَّة ارتفاع تكاليف مهام السلام الأممية التي تسهم واشنطن فيها، كما كان لبولتون الموقف نفسه حينما صار مستشارًا لترامب للأمن القومي سنة 2018؛ إذ كان موقفه: إما أن يجرى استفتاء وإما تحل البعثة الأممية، ما أغضب المغرب كثيرًا حينها.
جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب
ومنذ تأسيسها سنة 1991 بقرار من مجلس الأمن الدولي لإيجاد حلٍّ للنزاع في الصحراء الغربية، يقر مجلس الأمن دوريًّا قرار تمديد بعثة المينورسو، كل سنة، ولكن بولتون ضغط ليصبح التجديد كل ستة شهور.
الجزائر تستنجد بصديق بولتون للترويج لسياساتها بأمريكا
وبعد وصول بولتون بشهور للبيت الأبيض مستشارًا للأمن القومي لترامب، وقَّع السفير الجزائري بواشنطن، عبد المجيد بوقرة، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 عقدًا مع شركة «كين للاستشارات- Keene Consulting»، ومديرها كين صديق مقرب لبولتون وتجمعهما علاقة منذ 1972.
صورة من تعاقد السفارة الجزائرية مع شركة «كين للاستشارات»، ويظهر فيها تصديق السفارة والسفير الجزائري عبد المجيد بوقرة. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.
مدير الشركة ديفيد كين، هو كاتب سياسي عمل مستشارًا للرئيسين الجمهوريين رونالد ريجان، وجورج بوش الأب، وقد عمل سابقًا على ملف الصحراء الغربية؛ إذ تعاقدت معه الجزائر من قبل بين عامي 2006- 2007 نيابة عن مجموعة «كارمن»، وهي شركة ضغط في واشنطن. كان كين مسؤولًا عن إدارة خدمات الشركة في الجزائر. كما يعد كين من الوجوه البارزة في اليمين المحافظ الأمريكي؛ إذ ترأس سابقًا الجمعية الوطنية الأمريكية للسلاح، إحدى أكبر وأهم جماعات الضغط الأمريكية المحافظة.
ومن الجدير بالذكر أنَّ ديفيد كين كان قد عيَّن جون بولتون في سيبتمبر (أيلول) 2011؛ رئيسًا للجنة الفرعية للشؤون الدولية التابعة للجمعية الوطنية للسلاح.
أدار التعاقد سفير الجزائر عبد المجيد بوقرة، الذي سبق وأن شغل منصب وزير منتدب لدى وزارة الخارجية الجزائرية المكلف بالشؤون المغاربية والأفريقية. والهدف من العقد الضغط لصالح الجزائر في قضايا مختلفة وخصوصًا في ملف الصحراء الغربية، وتوثِّق ملفات الشركة لدى وزارة العدل الأمريكية أنها تحصَّلت لقاء خدماتها على 510 آلاف دولار أمريكي.
ديفيد كين، صديق جون بولتون وضغط لصالح الجزائر في ملف الصحراء الغربية
نفذت الشركة أيضًا خدمات إعلامية للجزائر، فعملت على إعلانات على الراديو والتلفاز، ونشرت مقالات في مجموعة مختلفة من الصحف والمواقع السياسية الأمريكية. وضغطت سياسيًّا على الكونجرس، فعقدت ونسقت لقاءات مع مجلسي النواب والشيوخ، وخصوصًا المنتمين للحزب الجمهوري، لتوضيح مواقف الجزائر السياسية في مختلف القضايا، وأهمها صراع الصحراء الغربية والنزاع مع المغرب.
وتظهر وثائق الشركة الاجتماع مع 22 عضوًا بالكونجرس، بالإضافة إلى 13 مساعدًا، ومسؤولين حكوميين آخرين.
فطيلة الفترة ما بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 وأبريل (نيسان) الماضي 2019، التقت الشركة مع ميت رومني، المرشح الرئاسي السابق، وعضو مجلس الشيوخ وعضو لجنة العلاقات الخارجية فيه. واجتمعت الشركة أيضًا بالنائبة ليز تشيني، هي عضوة بلجان: القوات المسلحة والموارد الطبيعية، وابنة ديك تشيني، نائب الرئيس جورج بوش، وأحد أهم وجوه اليمين الأمريكي الجديد.
كما التقت الشركة بالنائب الجمهوري، مايكل ماكول، وهو عضو لجان الأمن الداخلي وزعيم الأقلية بلجنة الشؤون الخارجية، بالإضافة لاجتماع بالنائب الديمقراطي، جيم ماكجفرن، رئيس لجنة القواعد، التي تحدد أجندة مجلس النواب.
ولكن جهود الشركة السياسية لم تقتصر على الكونجرس؛ إذ التقت أيضًا بمسؤولين بالبيت الأبيض، أبرزهم جون بولتون، في 24 يناير (كانون الثاني) 2019.
واجتمعت مع مساعد وزير الخارجية الأمريكية، ديفيد هيل، في 21 فبراير (شباط) 2019، كما التقت الشركة مرتين مع باميلا بريور، مساعدة وزير الخارجية لشئون المنظمات الدولية، بالإضافة للتواصل مع ولييه قاتو، من مكتب شؤون الأعمال بوزارة الخارجية الأمريكية.
ومن اللافت للنظر أن الشركة رافقت مجموعة من المسؤولين الجزائريين لحضور «مؤتمر العمل السياسي المحافظ» السنوي، وهو مؤتمر يجمع المحافظين واليمين الأمريكي سنويًّا.
ويلاحظ من خلال الوثائق تزايد وتيرة الاجتماعات بين الشركة وأعضاء الكونجرس خلال الفترة التي أعقبت اندلاع الحراك الشعبي بالجزائر في 22 فبراير 2019، لتهدأ بعد تولي عبد المجيد تبون للرئاسة، وانتهى تعاقد الجزائر مع الشركة في 30 أبريل 2020.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.