يبدو أن اغتيال أبرز قادة المعارضة في روسيا “بوريس نيمتسوف” ليلة الجمعة الماضية برصاص مجهول وسط العاصمة موسكو، أعاد التوتر من جديد بين المعارضة والرئيس الروسي فلا دمير بوتين، خاصة بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية مؤخرًا.
واللافت في عملية الاغتيال أنها جاءت قبل يومين من مظاهرات دعت إليها المعارضة الروسية في الأول من الشهر الجاري، تحت شعار “ربيع روسيا” احتجاجًا على سياسات الرئيس بوتين، وما أفرزته من أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة.
والمعروف عن “نيمتسوف” أنه من أشد المعارضين لسياسات “بوتين”، حيث كان ينوي تحديه اليوم في التظاهرات التي دعا إليها، وبالتالي فإن عملية الاغتيال كانت محكمة ومخططًا لها بدقة، كما يرى مراقبون.
في التقرير التالي، نسلط الضوء على هوية المعارض “نيمتسوف”، وعلاقته بالرئيس الروسي، ومن يقف وراء اغتياله، فضلًا عن تداعيات الحادث في ظل تفاقم أزمة أوكرانيا، وردود الفعل الدولية حوله.
أولًا: من هو المعارض الروسي” بوريس نيمتسوف”؟

المعارض الروسي الذي تم اغتياله “بوريس نيمتسوف”
من مواليد عام 1959، حيث يمثل جيل الإصلاحيين الشباب في التسعينيات، قبل أن يصبح من أشد منتقدي الرئيس فلاديمير بوتين، الذي كان ينوي تحديه مجددًا في تظاهرة اليوم، فضلًا عن أنه أحد مؤسسي حركة “التضامن” عام 2008، ومن رؤساء الحزب الجمهوري الروسي المعارض عام 2012.
و”نيمتسوف”، الذي درس الفيزياء، بدأ حياته المهنية قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي عند انتخابه في 1990 كعضو في مجلس السوفييت الأعلى أو البرلمان السوفيتي.
ثم أصبح من زعماء حزب “سوليدارنوست”، وفي 23 مارس/ آذار 2009 رشح نفسه لرئاسة بلدية “سوتشي”.
وفي تسعينيات القرن الماضي، عمل نيمتسوف في الحكومة الروسية في عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسين، حيث شغل مناصب وزارية عدة، حيث في 1999 وحتى 2003 كان نائبًا في مجلس النواب “الدوما” الروسي.
ثانيًا: كيف تبدو طبيعة علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
هو من قاد موجة الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدتها الحملة الانتخابية لفلاديمير بوتين في 2011-2012، عندما كان مرشحًا لولاية رئاسية ثالثة، وحينها أوقفته قوات النظام مرات عدة خلال تظاهرات.
ومن آذار/ مارس 1997 إلى آب/ أغسطس 1998، تولى حقيبة نائب رئيس الوزراء لقطاع الطاقة والاحتكارات، لذلك واجه انتقادات من الكرملين، الذي اعتبره سياسيًا مرتبطًا بالأثرياء الذين استفادوا من إجراءات الخصخصة في تسعينيات القرن الماضي.
أما معارضته للسلطة، فقد زادت حدتها بعد الانتخابات التشريعية في 2007 التي رأى أنها “الأقل نزاهة في تاريخ روسيا”، لكن بعد عام أي في 2008 وفور إخفاقه في التقدم للانتخابات الرئاسية كمرشح وحيد لمعارضة أضعفها التشتت، قرر تأسيس حركة “سوليدارنوست” برعاية المعارض وبطل الشطرنج السابق “غاري غاسباروف”.
وبعد إعادة انتخاب بوتين رئيسًا في 2012 واصل “نيمتسوف” إدانة النفقات، التي اعتبرها مفرطة للرئيس والفساد، خصوصًا في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في “سوتشي”.
ومع اندلاع الأزمة الأوكرانية، كان المعارض ينتقد بشدة سياسات الرئيس” بوتين”، واتهمه بالتسبب في حدوث أزمات سياسية واقتصادية في البلاد، أثرت على معظم مناحي الحياة، حتى أنه دعا قبيل اغتياله بثلاث ساعات إلى التظاهر عبر خطاب حماسي حول أوكرانيا وسياسة بوتين حولها.
وصرح خلال حديثه مع إذاعة “موسكو” أن سبب الأزمة الأوكرانية هو العدوان الذي تلته عقوبات ثم هروب رؤوس أموال، وكل هذا بسبب العدوان العبثي على أوكرانيا الذي يشنه بوتين، معبرًا بذلك عن موقف يدافع عنه الغرب وكييف، حسب وصفه.
ثالثًا: كيف اغتيل “نيمتسوف”؟

الشرطة الروسية بالقرب من جثة المعارض “نيمتسوف”
وفقًا لرواية السلطات الروسية، التي تناقلتها وسائل الإعلام العربية والدولية، فإن المعارض “نيمتسوف” تلقى أربع رصاصات في الظهر من مهاجمين في سيارة قبيل منتصف ليل الجمعة الماضي، حينما كان يسير على جسر فوق نهر “موسكفا” مع امرأة أوكرانية لم تصب بأذى.
وفور وقوع الجريمة أغلقت الشرطة الجسر قرب الأسوار الحمراء للكرملين والميدان الأحمر لمدة ساعتين بعد الاشتباه لوجود أسلوب العصابات، والتي أعادت للأذهان روسيا خلال التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ورأت لجنة التحقيق الروسية أن ارتكاب الجريمة كان مخططًا له بدقة مثل المكان الذي تم اختياره للقتل على الجسر الكبير بالقرب من الكرملين تمامًا، فضلًا عن أن السلاح الذي استخدم على ما يبدو هو مسدس من نوع “ماكاروف”، وهو سلاح تستخدمه قوات الأمن والجيش ومنتشر بشكل كبير.
وعثر المحققون على ست رصاصات فارغة من عيار “9 ملم” من إنتاج شركات عدة، مما يجعل تحديد مصدرها صعبًا، لافتين إلى أن المعارض كان متوجهًا مع رفيقته إلى شقته الواقعة في مكان غير بعيد من وقوع الجريمة.
رابعًا: ما أبرز ردود الفعل الدولية على اغتيال “نيمتسوف”؟
سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى إدانة الجريمة، والبدء بفتح ملف تحقيق لها، والكشف عن ملابساتها تحت إشرافه، واصفًا قتله بـ “الوحشي”، معتبرًا في الوقت نفسه أن الجريمة نفذها قاتل مأجور وأنها “استفزاز” في ظل الحديث عن احتجاج كبير للمعارضة غدًا.
لم تقف الإدانة عند “بوتين” فحسب، فقد سارع نظيره الفرنسي “فرنسوا هولاند” إلى وصف الجريمة بـ “الاغتيال الدنيء” للمعارض الروسي والنائب السابق لرئيس الوزراء، لا سيما وأنه ينظر إلى “نيمتسوف” على أنه مدافع بلا كلل عن الديمقراطية، ومناضل شرس ضد الفساد.
فيما دعا كل من المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، والرئيس الأمريكي “باراك أوباما” الرئيس الروسي إلى العمل على كشف ملابسات الاغتيال، فهم يرون أنه كرس حياته من أجل روسيا أكثر ديمقراطية وازدهارًا وانفتاحًا ومن أجل علاقات قوية بين روسيا وجيرانها وشركائها بما في ذلك الولايات المتحدة.
أما أصوات المعارضة الروسية، وعلى رأسها زعيمها “ميخائيل كاسيانوف”، فقد رأى قتل زعيم للمعارضة بجانب أسوار الكرملين هو أمر أبعد من الخيال، حيث لا يوجد سوى تصور واحد وهو أنه قتل لأنه قال الحقيقة، وأن بعض القوى ستحاول استغلال القتل لمصلحتها.