يمثل سقوط حلب في قبضة الحكومة السورية، وتقدم القوات الموالية للرئيس «بشار الأسد» بوتيرة سريعة في عدد من المدن السورية، نقطة تحول كُبرى في معادلة الصراع في سوريا، والتي يُرجّح معها أن تتبدّل موازين الصراع السوري الدائر، خصوصًا مع اقتراب انطلاق ولاية الرئيس الأمريكي الجديد، الذي تساوره شكوك بشأن المعارضة السورية.
«ساسة بوست» حاور الباحث السوري في العلوم السياسية، ونائب مدير مبادرة الإصلاح العربي، «سلام الكواكبي»، عبر البريد الإلكتروني؛ ليجيب على تلك الأسئلة، ويستشرف مآلات مستقبل سوريا في ظل معادلة الصراع الحالية.
الكواكبي أكاديمي وباحث سوري في العلوم السياسيّة والعلاقات الدولية، حاصل على إجازات جامعية عليا في الاقتصاد والعلاقات الدوليّة من جامعة حلب، وفي العلوم السياسية من معهد العلوم السياسية في «إكس أون بروفانس» في فرنسا.
1- هل نستطيع أن ننتهي للقول بأن «الثورة السورية» فشلت والنظام انتصر؟
لم تنته الثورة ولم ينتصر النظام. من جهة الثورة، فالثورة مسار طويل لا يتوقف عند هزيمة عسكرية. من الممكن القول بأن العمل العسكري الذي تطّفل على الثورة السلمية، رغمًا عنها قد انتهى وأثبت فشله بمختلف المعايير، على الرغم من أنه لم يكن خيارًا.
الثورة قامت في الأخلاق وفي الممارسات، ولهذا أثر دائم، كما أنها قامت ضد ثقافة الخوف؛ وبالتالي فهي انتصرت من هذا الجانب، حيث تخلّى السوريون عن الخوف الذي لازمهم لعقود عدة امتدت منذ قيام الوحدة مع مصر سنة 1958.
الآن، من الواضح بأن التوجه سيكون نحو النضال السياسي والمدني، كما بدأته الثورة السلمية سنة 2011، قبل أن تُدفع إلى العسكرة، وقبل أن تتداخل في مسارها القوى الإقليمية والدولية؛ لتصفية حسابات خارج إطار أهداف الشعب السوري، وقبل اشتعال حروب بالإنابة أو بالوكالة.
سيكون من الصعب حتمًا تحقيق هذا الانتقال الضروري، ولكن لا خيار في ذلك. ربما ستتحول العسكرة إلى حرب عصابات أكثر نجاعة من حرب المدن، كما حصل في نيكاراغوا وكولومبيا وفيتنام، لكن هذا النوع من الصدامات لا يمكن أن يمنع من تطوير الموقف السياسي، مع الأخذ في عين الاعتبار بالتوازنات الإقليمية والتطورات الدولية، وبالاعتماد على قرار وطني مستقل بعيدًا عن التأثيرات الخارجية التي لم تهدف أبدًا إلى نصرة الثورة السورية، بقدر ما سعت إلى استخدامها في أطر معينة.
ولا يمكن الحديث عن انتصار النظام، بعد ان أصبح نصف الشعب السوري خارج منزله، وتجاوز عدد اللاجئين السوريين الخمس ملايين لاجئ، وتم تدمير البنى التحتية، كالتعليمية، وقتل مئات الآلاف من المدنيين، وكذا العسكريين، واعتقل مثلهم من الناشطين. اقتصاد منهار، وسيادة منتهكة من قوى خارجية تفرض نفسها بقوة السلاح، وجيش منهك ومعدلات الهروب من الخدمة عالية للغاية، بالإضافة إلى تفتت النسيج المجتمعي، وتعميق الهوة الطبقية والمذهبية بين مكوناته. إن كان الانتصار هو التدمير الكامل الشامل، فلربما تحقّق هذا الشيء بنسبة كبيرة.
2- ما هي الممكنات المتاحة لنقل البلاد إلى حال أفضل مما هي عليه الآن من ناحية عيش المواطن السوري بحرية وكرامة في ظل معادلة الصراع الحالية؟
الحرية والكرامة كانتا أهم اهداف الحراك الشعبي سنة 2011، ومن الطبيعي أن تكون العدالة الاجتماعية ثالثهما، ففي سوريا، وخلال عقود، ترسّخت رأسمالية الدولة، ومن يلوذ بها في إطار اشتراكية مزعومة. لقد ازدادت الهوة بين الفقراء جدًا والأغنياء جدًا، ونمت طبقة برجوازية طفيلية على أنقاض البرجوازية الوطنية، وبشراكة عميقة مع أطراف السلطة.
ليس من الممكن تجاوز هذا الأمر بالعودة إلى ما قبل مارس (أذار) 2011، كما يسعى النظام وداعموه. من المفروض أن يكون هناك حكومة وطنية تأخذ مصالح الشعب بكافة مكوناته العرقية والدينية والمذهبية والفكرية محمل الجد، وتحترم التنوع وتديره بشكل ديمقراطي. لن تقوم قائمة للبلاد؛ إن لم يتحقق الجزء الأكبر من هذه الأهداف المجمع عليها إنسانيًا. ولن يكون لسوريا موحدة مستقبلًا؛ إن بقيت تحت هيمنة الاستبداد السياسي أو الديني.
إن الحل السياسي للمقتلة السورية يستوجب جلوس الجميع على طاولة حوار متوازنة يلعب فيها المجتمع الدولي دورًا وسيطًا يُعزّز من موقف المائلين إلى الديمقراطية؛ في محاولة للخروج من عنق الزجاجة، وإقناع الروس والإيرانيين بأنهم سيغرقون في مستنقع الفوضى وعدم الاستقرار؛ إن هم استمروا في موقفهم الذي يصم آذانه عن مطالب الشعب السوري أو مطالب جزء هام منه على الأقل.
3- من يتحمل مسؤولية انجرار الانتفاضة السورية لكل هذه المآسي التي يعيشها الشعب السوري، فضلًا عن نمو الجماعات المتشددة دينيًا، وبلوغ استبداد النظام السوري درجة أكبر مما كان عليه الوضع قبل المظاهرات؟
بدايةً، المسؤولية تقع على من أدار البلاد طوال أكثر من خمسة عقود بالحديد والنار والفساد، دون الالتفات إلى مصالح ومطالب شعبه، معتبرًا أن البلاد هي ملك شخصي يتصرّف به كما تشير عليه أهوائه، وليس مصالح البلاد والعباد. وتقع المسؤولية أيضًا على من اختار القوة والعنف؛ ليواجه عبرهما ثورة سلمية نادت في البداية بالإصلاحات والتحول التدريجي نحو الديمقراطية.
ويتحمل أيضًا المجتمع الدولي الديمقراطي جزء من المسؤولية عندما وقف موقف المتفرج على عذابات المدنيين السوريين الذين صدّقوا بسذاجة أن الدول الغربية الديمقراطية ستقف إلى جانبهم مانعةً الموت والدمار عنهم. وهناك أيضًا بعض القوى الإقليمية التي استغلت الحدث لتضع بيادقها على الرقعة السورية، وتبدأ في حل مشاكلها، أو تحقيق مصالحها، أو إرسال رسائلها عبر الحرب بالوكالة في سوريا، ومن خلال السوريين.
كما أن المسؤولية تقع على من اعتقد بأن تطييف الصراع سيحسمه، وبأن إدخال المتطرفين الإرهابيين سيدفع المترددين للقبول بحلول سياسية كما كان الاعتقاد سائدًا في الحالة الأفغانية. وأخيرًا، تتحمل المعارضة السياسية جزءً من المسؤولية لتخبطها في وضع استراتيجية وتطوير تصوّر، بالإضافة لخضوع جزء منها لإرادات إقليمية أو دولية بعيدة عن الأهداف التي من أجلها خرج السوريون مطالبين بالحرية.
4- من وجهة نظرك، هل تريد روسيا أن تضع نهاية للقتال بعد انتصار حلب واتخاذ بعض الترتيبات أو الوصول إلى تفاهمات مع إدارة ترامب في واشنطن؟
من الصعب التكهّن بما ترغب روسيا في القيام به في المرحلة المقبلة. الهدف الأساس بالنسبة لها تحقق، وهو العودة بقوة إلى الساحة الدولية كقطب ثانٍ موازٍ في الأهمية وفي القوة مع القطب الآخر الأمريكي، بل إنها تجاوزته من خلال انسحابه الفاضح، وإلزامه الملف السوري لموسكو. وبعد سقوط حلب، تناقلت الأنباء أخبارًا عن اعتزام الروس التوقف عند هذا الانتصار العسكري، وفرض حل سياسي على الأطراف كافة، وهذا ما بدا للبعض في طريقه للتحقق من خلال الدعوة إلى اجتماعات موسكو وعاصمة كازاخستان.
في المقابل، تضاعفت الغارات التدميرية على كل المناطق التي خرج إليها الثوار والمدنيون في محافظة إدلب في شمال غرب حلب. إذن، عملية تركيز السكان والمقاتلين في هذه المنطقة كان تجميعًا لأهداف عسكرية محتملة. القصف اليوم يتجاوز 12 غارة في الساعة الواحدة؛ مما يضع في محل الشك كل حديث روسي عن بحث عن وقف إطلاق نار شامل قبل أن يتم الانتهاء من الحجر ومن البشر.
وفيما يخص إدارة ترامب، فليس على روسيا أن تأخذها على محمل الجد لسببين أساسيين، الأول، هو كراهية «ترامب» وإدارته للإيرانيين؛ وبالتالي ستقوم روسيا بتحديد النفوذ الإيراني إرضاءً لواشنطن، وأيضًا إرضاءً لاستراتيجيتها التي تقوم على فرض نفسها كالعنصر المقرر الوحيد على الساحة السورية، بعد أن اتفقت مع الإسرائيليين على تولي الملف الإيراني، بحيث لا يشكل خطرًا على حليفة موسكو الاستراتيجية إسرائيل، والتي يتم العمل العسكري الروسي الكامل بالتنسيق اللحظي معها. خصوصًا في المجال الجوي السوري، والسبب الآخر، هو الإعجاب الشديد لليميني المتطرف ترامب بنظيره الروسي «بوتين»، حيث يلتقيان بوجود جرعة عالية من الشعبوية والعنصرية في عروقهما.
5- هل ستقبل إدارة ترامب بتنامي نفوذ إيران في سوريا في ظل الاتجاه العدائي الذي يتبناه عدد من مساعدي ترامب في إدارته الجديدة؟
أمريكا وإسرائيل سيعتمدان على بوتين في لجم السياسة الإيرانية، والحد من التوسع الإيراني في الساحة السورية. وفي المقابل، إسرائيل مرتاحة تمامًا لانشغال «حزب الله» اللبناني، والذي قاومها يومًا ما، وشكل لها خطرًا نسبيًا، بالبقاء بعيدًا جدًا عن حدودها ومستنفدًا عسكريًا وأخلاقيًا؛ لقيامه بقتل من أحسنوا يومًا إليه، وآووه في بيوتهم، عندما تعرض الجنوب اللبناني إلى العدوان الإسرائيلي سنة 2006.
لقد تحول هذا الحزب الذي كان في رأس المقاومة سابقًا، إلى «ميليشيا» تحارب لأهداف طائفية في مناطق تبعد مئات الكيلومترات عن ساحة المواجهة مع العدو الإسرائيلي. عندما تحدّث «أوباما» يومًا عن تفضيله للعدو العقلاني، وكان يقصد به إيران، على الصديق غير العقلاني، وهم العرب، حسب تحليله، فمن المتوقع أن يمتد هذا الشعور إلى الإدارة الجديدة، على الرغم من التصريحات الانتخابية. وليس من المستغرب أن نجد في المستقبل القريب علاقات أكثر حرارة بين إدارة ترامب وملالي طهران وبمساعٍ روسية.
6- ما هي احتمالات أن تنجرف جماعات المعارضة المعتدلة في التيار العنيف للفصائل الأكثر تشددًا في سوريا؟ وأين ستذهب رهانات هذه الدول التي طالبت بسقوط بشار الأسد بعد تحقيقه انتصارات كُبرى؟
أكرر القول بأنه لا توجد انتصارات في سوريا، هناك فقط هزائم لمجمل مواطنيها، ولاقتصادها، وللحمتها الاجتماعية ولمستقبلها الموحد. أما فيما يتعلق بالانجراف نحو التطرف فهو من الاحتمالات، كما كان الانجراف نحو التسلح أيضًا. ومن خلال تحليل ظواهر ومكنونات الحركات المتطرفة نجد في الغالب قهرًا وإقصاءً أديا الى التطرف مع تضافر عوامل مركّبة متعددة أخرى. هنا يكون دور التأطير السياسي والانغماس في العمل السياسي هو السبيل لحماية هذه الفصائل من التطرف. كما الضغط على الدول التي تدعم الفصائل المتطرفة لإيقاف هذا الدعم وتوجيهه نحو الاعتدال السياسي والعسكري.
بخصوص الدول التي راهنت على سقوط النظام، فأعتقد بأن رهاناتها كانت إعلامية أكثر منها عملية، ولم يكن من مصلحة أي منها سقوطه، خصوصًا من كان منها عربيًا استبداديًا ثيوقراطيًا. لقد ادعت بعض الدول العربية دعمًا للثورة السورية؛ لتسيطر على مسارها، وتتجنب نجاحها؛ لما في ذلك من تحريضٍ لشعوبها المقموعة على ارتياد مسار التغيير. أما الدول الأوربية، كفرنسا مثلًا، فقد راهنت جزئيًا دون التمكن من أدوات هذا الرهان ووسائله.
7- بعد سقوط حلب في يد النظام السوري، هل ستتجه قوات النظام شرقًا كي تواجه «تنظيم الدولة الإسلامية»، أم غربًا وجنوبًا لدحر معاقل المعارضة في مقاطعة إدلب وحول مدينة درعا؟
في الغالب الأعم، سيقرر الروس أين تتجه القوات، وسيصطدمون مع الإيرانيين في بعض الأحيان؛ لاختلاف الأهداف، وكما أن الروس تحاشوا ـ غالبًا ـ الاصطدام المباشر مع «تنظيم الدولة» منذ تواجدهم على الأراضي السورية، فيبدو أن التوجه سيكون نحو إدلب وريفها. بالتأكيد، الجنوب لن يكون مستهدفًا في المدى القصير؛ لأن الجبهة الجنوبية تحوّلت بقرار أردني ورضا روسي وتوافق دولي إلى حراسة للحدود الأردنية لا أكثر ولا أقل.
ربما تطوّرت المعارك في منطقة الغوطة حيث «جيش الإسلام». وربما أيضًا توقف إطلاق النار جزئيًا بانتظار ما ستؤول إليه اجتماعات موسكو، وأستانة وجنيف المرتقبة. وعلى الرغم من أن الدعوة الروسية التركية الإيرانية للقاء الأستانة قد قضت على مسار جنيف، إلا أن هناك محاولات لإعادة الحياة إليه، ولو شكليًا على أقل تقدير.
8- لا يزال سلك ضباط الجيش السوري متماسكًا، على الرغم من الضغوط الهائلة التي تعرّض إليها خلال نحو سنوات أربع من النزاع المدني والعسكري، وهي حقيقة منعت سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.. لماذا لايزال الجيش السوري مواليًا؟
لقد حصلت انشقاقات هامة في بداية الثورة؛ مما أدى إلى نشوء الجيش الحر الذي كان قائمًا على عناصر منشقة من الجيش، إلا أن الأمر لم يتطور؛ بسبب الانحرافات التي حصلت في التشكيلات العسكرية وتعزيز دور المدنيين ضمن المعارضة العسكرية.
9- هل تتوقع استمرار الدعم المالي والدبلوماسي من الدول الخليجية للمعارضة السورية الفترة المقبلة؟ وماهي رهانات هذه الدول الفترة المقبلة، خصوصًا حول مدى تمسكها بمطلب رحيل بشار الأسد؟
أكرر القول بأن الدعم اللفظي كان أكبر من الدعم الفعلي. وكان لدول الخليج خصوصًا أهداف معينة، حوّلت الساحة السورية إلى مضمار صراعات بالوكالة مع قوى تشكل خطرًا عليها، مثل إيران، بعيدًا عن الأهداف الحقيقية التي نادى بها جزء من السوريين.
ويجدر التنويه إلى الصدقات الحميمة التي كانت تجمع قيادات هذه الدول بالنظام وقياداته. وبخصوص الدعم الدبلوماسي الذي لا يغني ولا يُثمن، فيمكن أن يستمر حسب اتجاهات الحوارات المكثفة الجارية الآن مع روسيا. موسكو ترغب في ضم بعض هذه الدول إلى مسار الاستانة، وفي حال نجاحها في ذلك؛ فسيؤدي هذا إلى تغيير أيضًا في موقف من يشارك، كما حصل التغيير في الموقف التركي.
10- كيف تقرأ تحولات الموقف التركي من الأوضاع السورية؟ وما هي محددات هذا الموقف جراء التطورات الأخيرة؟
بعد انقلاب يوليو (تموز) الفاشل، وبعد أن رفض الغرب دعم تركيا في تنفيذ حظر جوي في الشمال السوري، أو منطقة آمنة يمكن من خلالها لتركيا توطين لاجئين سوريين بلغ عددهم في تركيا وحدها ما يناهز ثلاثة ملايين، أعادت الدبلوماسية التركية حساباتها، وشعرت بخطر العزل التام، خصوصًا لقناعة لدى قيادتها بأن الانقلاب قد تم بعلم وتسامح من الإدارة الأمريكية.
كما يقول الاتراك بأن روسيا بوتين قد أعلمتهم بحصول الانقلاب؛ مما ساعد على تجاوز نتائجه الكارثية. إضافة لذلك، فالوضع الاقتصادي المتدهور كان بحاجة قوية لعودة السياحة الروسية والتزود بالغاز الروسي. فهم الأتراك بأن الروس يقايضونهم على أمنهم واستقرارهم بملف دعم حزب العمال الكردستاني، وبالتالي فقد تم التوافق على تنازلات تركية هامة فيما يتعلق بمآلات المقتلة السورية، مقابل تراجع الدعم الروسي للمجموعات المسلحة الكردية ودفعها نحو غرب نهر الفرات.
لم يكن لحلب أن تسقط إن لم تنسق روسيا مع تركيا عسكريًا، وبالتالي، فمعركة حلب حُسمت تركيًا وروسيًا وإيرانيًا. أولويات تركيا اختلفت، فصار الأمن الشخصي للقيادة التركية أولها، ويليه الأمن الوطني، والاستقرار، ومن ثم المسألة الكردية ومنعكساتها الداخلية، وبعد ذلك الاقتصاد المتدهور وكيفية إنقاذه، وأخيرًا، تأتي المسألة السورية في ذيل قائمة الاهتمامات.
11- شهدت مدينة حلب قبل أسبوع أول لقاء مباشر بين قادة ميدانيين من حزب الله وضبّاط من الجيش الروسي موجودين في سوريا.. هل تعتقد أن تنتهي هذه التفاهمات إلى تحالف بين الجانبين في قضايا الإقليم؟
اللقاءات قديمة والتنسيق قائم على قدم وساق والتحالف موجود. من المستغرب أن بدا هذا اللقاء هو الأول. روسيا تنسق مع الحزب كما تنسق مع إسرائيل. الحزب كحركة النجباء العراقية كالفاطميين الهزار من أفغانستان وباكستان ينسقون بشكل حثيث مع القيادة العسكرية الروسية؛ لأنهم أدواتها على الأرض، وروسيا تستغل علاقتها المتميزة بالحزب لتطمين إسرائيل والعكس صحيح. إذن التحالف والتنسيق قائمان على الرغم من التباعد في طرائق التنفيذ. بدا لوهلة خلال إفراغ حلب الشرقية من سكانها المدنيين بأن خلافًا قد نشب بين الطرفين، ولكنه سرعان ما تبدد.
12- هل من شأن انتصار النظام السوري في معركة حلب أن يؤدي إلى انحسار حقيقي لـ«تنظيم الدولة الإسلامية» في سوريا، يُنبئ عن انتهاء قريب أو بعيد، أم لا يزال التنظيم هو القوة الأولى؟
لا أرى أي ربط بين انتصار النظام في حلب وانحسار أو تقدم «تنظيم الدولة» الإرهابي. «داعش» دُحرت من حلب على أيدي الجيش الحر سنة 2013. نحن الآن في نهاية 2016، وبالتالي، فلا علاقة لعملية حلب بمستقبل التنظيم أبدًا. انتهاء التنظيم مسألة تقنية ترتبط بإرادات دولية وبرغبة محلية في عدم الاستفادة منه لتحقيق المعادلة الصفرية التي فرضها النظام والروس: إما أنا أو داعش.
من خلال التدخل الروسي وتدمير المعارضة المعتدلة، كان الهدف الأساسي هو الوصول إلى هذه المعادلة ووضع الغرب أمام الاختيار بين الطاعون والكوليرا. بناء على إحصاءات دقيقة، فإن 93% من ضربات الروس منذ تدخلهم المباشر في سوريا كانت تستهدف المعارضة المعتدلة.
إذن، فالتنظيم غير معني بالتدخل الروسي إلا نادرًا. معركة الموصل القائمة منذ أشهر لم تؤد إلى السيطرة ولا حتى على ربع مساحة المدينة. والتنظيم استعاد تدمر من حامية سورية قوامها آلاف الجنود إلى جانبهم خبراء روس خرجوا من المدينة قبل ساعات من وصول إرهابيي التنظيم إليها، عبر الصحراء المكشوفة.
لا يحتاج المرء إلى دكتوراه في العلوم العسكرية ليطرح تساؤلات عدة حول زوايا الغموض في احتلال تدمر في المرة الأولى، كما في المرة الثانية.
13- وماذا بشأن وضع حركة «أحرار الشام» وجبهة «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا) المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تضمّ العديد من الجهاديين الأجانب؟
من الجهة العقائدية، لا يوجد تقارب فعلي بين الحركتين؛ فالأولى، وعلى الرغم من تبنيها الخطاب الديني المتشدد بتأثير من مجموعات إقليمية، إلا أنها لا تنادي بالدولة الدينية، وهي تسجل دورها في إطار المطالب السورية العامة المتعلقة بالخروج من الاستبداد. ولقد طوّرت خطابًا منفتحًا جدًا على مبادئ الديمقراطية، كانت تسعى لإصدار تصور عنه منذ فترة قريبة، ولم يصدر حتى الآن لصراعات فكرية داخل الحركة بين متشددين ومعتدلين.
أما فتح الشام، فهي منظمة إرهابية تعتمد على عقائدية القاعدة، وتسعى لإقامة الإمارة الإسلامية بعيدًا عن أي من مطالب الشعب السوري أو لجزءٍ منه على الأقل.
وبخصوص الجهاديين الأجانب، فهم في فتح الشام أقل بكثير مما هم عليه في منظمة إرهابية أخرى وهي «تنظيم الدولة». للأسف الشديد، بعض الدول تدعم التوجهات الظلامية تظن بأن ذلك يُحقق لها مصالحها، ولقد أثبتت التجارب التاريخية بأن دعم التطرف والتوحّش قد أدى دائمًا إلى الارتداد على الداعم عاجلًا أم آجلًا. رهانات فاشلة على حساب شعوب المنطقة تسعى لإضعاف الحراك الديمقراطي بمكوناته المختلفة، حتى الإسلامية منها، أمام التطرف والظلامية.
إنها جزء من الثورة المضادة التي تهدف فيما تهدف إلى أن يلفظ الناس كل ما خرجوا من أجله وناضلوا وماتوا واعتقلوا وعذبوا بغيته، ألا وهو الحرية والعدالة والكرامة.