منذ أن تأسس نادي الرجال السري، في القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة الأمريكية، نُسجت القصص والحكايات عنه، ومع امتداد نشاط النادي وانضمام نخبة من المثقفين والمشاهير وحتى السياسيين والعسكريين ورؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إليه، زادت الأساطير والتكهنات حول نشاط النادي، وارتبطت سمعة النادي بنظرية المؤامرة والنخبة السرية التي تحكم العالم، فما قصة نادي الرجال الأقوياء أو البستان البوهيمي السري في سان فرانسيسكو؟

حين أسس الصحافيون أقوى نادٍ سري في العالم

تأسس البستان البوهيمي في مدينة سان فرانسيسكو داخل ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1872، على يد مجموعة من الكتاب والصحافيين؛ متنفسًا اجتماعيًّا فنيًّا بوهيميًّا للرجال فقط، لقضاء أوقات سعيدة هادئة دون قيود أو شروط، وكانت القاعدة الوحيدة للبستان هي  أن النادي خاص بالرجال حصريًّا، ولا يمكن أن تنضم إليه النساء مستقبلًا.

Embed from Getty Images

أعضاء نادي الرجال السري

تطور نادي الرجال السري بمرور الوقت وزاد عدد أعضائه وشمل أشخاصًا بارزين في المجتمع، ومع استمرار نشاط النادي أصبح النادي البوهيمي ناديًا اجتماعيًّا سريًّا للنخبة من الذكور بنظام الدعوة فلا يمكن لأي شخص دخوله إلا إذا كان عضوًا، توسعت عضوية النادي وضم العديد من الأعضاء البارزين الذكور المهتمين بالفنون والثقافة من جميع المجالات، الفنانين والكتاب والممثلين والمحامين والصحافيين ورجال الأعمال، وحتى العسكريين والسياسيين ورؤساء للولايات المتحدة الأمريكية.

يقع البستان البوهيمي في غابات الأشجار الحمراء مقاطعة سونوما داخل غابات كاليفورنيا، وهي منطقة ذات طبيعة ساحرة وبعيدة عن المدينة والجمهور والمتطفلين، وتبلغ مساحة نادي الرجال السري ما يقارب من 2700 فدان، مقسمة إلى مكان الاستقبال والاحتفال الذي يحتوي على منصة ذات قاعدة خرسانية كبيرة على شكل بومة يبلغ ارتفاعها 40 قدمًا تقريبًا، ومعسكرات منفصلة مجهزة بخيم ومبان صغيرة، تحمل أسماء غريبة مثل (ماندالاي، وملائكة مفقودة، وسلفرادو سكوايرز).

يبدأ المعسكر في منتصف شهر يوليو (تموز) من كل عام، وفيه يجتمع مجموعة من أقوى الرجال في العالم داخل معسكر جروف السنوي بنادي الرجال السري، وتستمر مدة المعسكر 16 يومًا، يمارس فيها الرجال كل أشكال الحرية والحياة البوهيمية ونشاطات أخرى سرية لا يعلم عنها الجمهور أي شيء، باستثناء التسريبات غير المؤكدة، والهدف من المعكسر هو الاسترخاء والهروب من ضغوط الحياة اليومية والروتين.

اختار أعضاء نادي الرجال السري طائر البومة ليكون الرمز الخاص للنادي، ومن جملة «نسج العناكب لا تأتي هنا» شعارًا لهم، وهو اقتباس من إحدى مسرحيات شكسبير، والمقصود منه فكرة أنه لا يوجد أي نقاشات أو أحاديث بشأن العمل أو الصفقات التجارية أثناء وجودهم في النادي.

وعلى مدار أكثر من قرن، نما عدد أعضاء النادي البوهيمي إلى ما يقارب 2500 عضو، وبلغ ثمن عضوية النادي 25 ألف دولار، ومن الأعضاء المشاهير العديد من رؤساء الولايات المتحدة السابقين والسياسيين رفيعي المستوى والمسؤولين العسكريين، وأغنى وأشهر الرجال في العالم، مثل (هنري كيسنجر، ووالتر كرونكايت، وريتشارد نيكسون، ورونالد ريجان، وتشارلز شواب، وأمبروز بيرس، وبريت هارت، ومارك توين، وجاك لندن، وجورج بوش الأب، وغيرهم).

البستان البوهيمي: الرجال الذين يحكمون العالم

لكونه مخصصًا للرجال فقط، ونظرًا إلى نشاطه السري، وأن أعضاءه من المشاهير وصانعي القرار وأصحاب النفوذ والثروات الطائلة فقد ارتبطت سمعة النادي البوهيمي بنظرية المؤامرة وسيناريوهات التحكم في العالم، فأصبح مادة خصبة للحكايات والأساطير والاتهامات والاحتجاجات.

ووقعت بعض الأحداث التي ساعدت أيضًا على ربط نادي الرجال السري ونشاطه بنظرية المؤامرة، وجعله يتحول من نادٍ بوهيمي لتجمع الكتاب والفنانين المحليين للاسترخاء إلى نادي النخبة من الرجال ذوي النفوذ القوي، سواء في السياسة أو  والمال والاقتصاد، الذين يُشاع بأنهم يتحكمون في العالم.

ومن أشهر تلك الأحداث التي وقعت داخل معسكر النادي البوهيمي، الاجتماع الشهير المعروف  تاريخيًّا باسم اجتماع «مشروع مانهاتن»، في سبتمبر (أيلول) عام 1942، ونتج منه مشروع القنبلة الذرية، وكان من بين الحاضرين في الاجتماع: إرنست لورانس، وجاي روبرت أوبنهايمر، ورؤساء جامعات هارفارد وييل وبرنستون، وممثلي شركتي «ستاندرد أويل» و«جنرال إلكتريك»، بالإضافة إلى العديد من ضباط الجيش رفيعي المستوى، ومن الأشياء التي تدعم نظرية المؤامرة أيضًا، أن عدد أعضاء النادي شغلوا منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مما يجعل الأمر يبدو أكثر إثارة.

وأصبح النادي البوهيمي هدفًا للمتطفلين والصحافيين والكتاب والباحثين عن الأسرار نتيجة الجدل المثار حوله، فحاول الكثيرون التسلل إلى داخل المعسكر لمعرفة ما يحدث فيه بالضبط وما النشاط الذي يمارسه هؤلاء الرجال الأقوياء في تلك البقعة من العالم، ونجح البعض بالفعل في العبور والمشاهدة وحتى التصوير رغم الحراسة المشددة، وفي النهاية خرجت لنا العديد من التقارير والكتب التي تتحدث عن بعض نشاطات نادي الرجال السري وأعضائه.

وتبدأ الاحتفالات كل عام بحفل كبير شديد السرية يتضمن طقوسًا دينية، منها حرق جثث الرعاية والذي يجري وقت الغسق، وفيه تحمل مجموعة من الشخصيات التي ترتدي الجلباب دمية بحجم الإنسان تمثل الشر في الحياة اليومية إلى قاعدة البومة الخرسانية، ثم يقومون بحرقها والصراخ بعبارات غير مفهومة، وبعدها تصدر البومة صوتًا عاليًا مخيفًا عبر مكبرات الصوت.

ويعيش جميع أعضاء نادي الرجال السري في النهار حياة بوهيمية حرة؛ إذ يتعرى البعض، ويتبول الأعضاء أينما أرادوا دون قيود، فهو حق أصيل لا يتنازل عنه الأعضاء أبدًا، ورصد المتسللون الاجتماعات المنتظمة للأعضاء ومشاركتهم الشراب والطعام والاستمتاع بعروض الموسيقى والعروض المسرحية التي يؤدي الأعضاء خلالها أدوارًا نسائية، وهناك أيضًا جلسات الشعر والعزف، والحفلات ومجالس إعداد الطعام.

وتعد المحاضرات غير الرسمية والتي كانت تسمى بـ«محادثات ليكسايد» أهم ما يحدث داخل نادي الرجال السري، وفيها يتحدث أحد الأعضاء من أصحاب النفوذ والسلطة عن الأداء الحكومي ومراجعة السياسات والخطط المستقبلية ولكن بشكل غير رسمي، حتى إن الصحافة الأمريكية نشرت خطابًا للرئيس نيكسون ألقاه في النادي البوهيمي قبل توليه الرئاسة.

لماذا أنتم هنا؟ احتجاجات تحاصر نادي الرجال السري 

واجه نادي الرجال السري على مدار 150 عامًا تقريبًا العديد من الانتقادات والاتهامات، نتيجة استعباد النساء وإبقاء العضوية حصريًّا للرجال، واتُّهم بعدم المساواة والتمييز بين الجنسين، كما واجه اتهامات بالتستر على نشاطات سرية تحكم وتدير العالم لصالح نخبة صغيرة من الأقوياء.

وينظم الناشطون وبعض الأحزاب احتجاجات دورية خارج أسوار نادي الرجال السري كل عام أثناء المعسكر، للتنديد بعدم المساواة الجنسية والاقتصادية وقضايا العدالة الاجتماعية، ويصف المعارضون النادي البوهيمي بالمكان الغامض الذي تحاك فيه المؤامرات ضد شعوب العالم.

نادي الرجال السري

وقع النادي البوهيمي عام 1978 في مشكلات قضائية مع المحكمة الأمريكية، وكانت القضية خاصة بمشكلة المساواة بين الجنسين في التوظيف، وألزمت المحكمة النادى بتعيين موظفات نساء مثل تعيين الرجال، وهو ما رفضه النادي وأعضاؤه في البداية، ولتسوية المشكلة مع القضاء عينوا من النساء أربع عضوات شرفيات، سمح لهن بدخول النادي دون الصعود للأدوار العليا أو الحضور أثناء الليل، ليبقى النادي البوهيمي، مكانًا غامضًا وسريًّا ومثيرًا للجدل، خاصًّا بالذكور من أصحاب النفوذ والسلطة والمال، شديد الحراسة ويصعب اختراقه، في وقتٍ لا يزال يسعى فيه العديد من الذكور للانضمام إليه أو استكشاف ما يحدث داخله.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد