في أحدث نزاعٍ بين البلدين، استدعت الحكومة الصومالية سفيرها لدى كينيا، وأمرت بطرد السفير الكيني خارج البلاد، بعد اتهامها كينيا المجاورة بالتدخل في العملية الانتخابية في جوبالاند – إحدى الولايات الصومالية الخمسة شبه المستقلة – وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الخارجية الصومالية، والذي بثه التليفزيون الرسمي، فالقرار جاء «للحفاظ على السيادة الوطنية بعد تدخل كينيا المتعمد في الشؤون الداخلية للصومال».

التصعيد الحالي يأتي بعد أقل من شهرٍ على تصريحات نائب رئيس كينيا، وليام روتو، حول استعداد بلاده للتعامل مع القيادة  الصومالية الجديدة التي ستفرزها الانتخابات الرئاسية القادمة، في إشارة فسرتها الصومال بأنها رغبة رسمية لإطاحة القيادة الحالية. التقرير التالي يبحث لك عما وراء الصراع الصغير في المنطقة التي تعد ساحة تنافس كبرى بين الإمارات وتركيا وقطر.

بين التنقيب وقيود السفر وإشعال الأزمات.. دوافع الأزمة بين كينيا والصومال

البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية الصومالية حدد سببين للأزمة الدبلوماسية الأخيرة هما: «التدخلات الكينية في الشأن الصومالي الداخلي في جنوب البلاد، والضغط على رئيس حكومة جوبالاند، أحمد مدوبي، لتنفيذ أجندات كينية لعرقلة مسار الانتخابات في البلاد».

Embed from Getty Images

(الرئيس الصومالي محمد عبد الله محمد)

التدخلات الكينية كانت بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي تجرى في شهر فبراير (شباط) العام القادم، وتسبقها الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في الفترة من الأول من ديسمبر (كانون الأول) إلى 27 من الشهر نفسه.

وتقدم كينيا دعمًا لرئيس إقليم جوبالاند – جنوب الصومال ويتقاسم جزءًا من الحدود مع كينيا – أحمد مدوبي، الذي لا تعترف به الحكومة، بسبب رفض مقديشو نتائج الانتخابات الأخيرة التي فاز بها في الإقليم، والتي عدتها مشبوهة وغير دستورية، بينما تقدم كينيا دعمًا لرئيس الإقليم المعارض، في ظل استضافتها الشهر الماضي أكبر تجمع لأحزاب المعارضة السياسية التي تدعم إسقاط الحكومة ورئيس البلاد خلال الانتخابات المقبلة.

وبحسب وزارة الخارجية، فرئيس جوبالاند، أحمد مدوبي، تراجع عن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي في مقديشو بشأن الانتخابات، استجابة لإملاءات نيروبي، ولم يذكر البيان الصومالي الذي نُشر على «فيسبوك»  أية تفاصيل عن «اتفاقية الانتخابات» أو كيف اعتقدت أنها انتُهكت في جوبالاند، لكنَّ التصعيد تزامن  مع إعلان رئيس حكومة جوبالاند المدعوم من كينيا عن عدم إمكانية تنظيم الانتخابات الفيدرالية في الصومال، إذا لم تُحل الإشكاليات السياسية بين الإقليم والحكومة في مقديشو.

السببان الآخران اللذان أثرا في علاقة كينيا والصومال مؤخرًا كانا سببًا في بودار خلاف رسمي في فبراير العام الماضي، حين استدعت كينيا سفيرها لدى الصومال، وطالبت سفير مقديشيو لديها بمغادرة البلاد بسبب نزاع على مناطق التنقيب عن النفط في المناطق الحدودية المتنازع عليها بين البلدين، وأوضحت وزارة الخارجية الكينية وقتها أنَّ استدعاء سفيرها في الصومال جاء إثر طرح الحكومة الصومالية عطاءات التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية الكينية، الواقعة على الحدود مع الصومال، وهي منطقة متنازع عليها بين الطرفين.

وسبق وتقدمت وزارة الخارجية الصومالية في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي  بشكوى رسمية إلى السفير الكيني في مقديشو، بشأن خرق طائرات كينية للمجال الجوي الصومالي، كما اتخذت كينيا مواقف تصعيدية ضد الصومال؛ إذ منعت الرحلات الجوية المباشرة بين مقديشو ونيروبي، وأوقفت منح تأشيرة دخول في المطار لجواز السفر الدبلوماسي الصومالي، إلى جانب إعادة ثلاثة نواب صوماليين إلى بلدهم؛ لعدم امتلاكهم تأشيرات دخول، وهو ما عدته الحكومة الفيدرالية في الصومال سببًا سياسيًّا في الأساس، نتيجة تراكم الخلافات.

الصراع الأخير الذي سيُحدد الفائز فيه نتيجة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية له انعكاس أكبر، خاصة أن الصومال بقعة تنافس بين القوى الإقليمية، بين تركيا وقطر من جهة، اللذين يقول مدوبي إنهما يدربان القوات الحكومية للقتال في إقليمه (جوبالاند)، وبين الإمارات من جهة أخرى التي يتهمها الطرف الأول أيضًا بالسعي لإطاحة الرئيس الصومالي من المشهد السياسي، وهو ما يحول الأزمة الصغيرة، إلى مصير أكبر تتداخل فيه الدول المتنازعة.

لماذا قد تستفيد الإمارات من سقوط النظام الصومالي؟

للإمارات حضور ووجود في منطقة القرن الأفريقي، وتستهدف مناطق مطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، عبر نشاط عسكري واقتصادي في تلك المنطقة الحيوية، ومن بين تلك البلدان، حرصت الإمارات على التغلغل داخل الصومال، واحدة من أفقر دول القرن الأفريقي، وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، فجملة المساعدات التي قدمتها أبو ظبي إلى مقديشو خلال آخر عشر سنوات بلغت 1.2 مليار درهم إماراتي بما يعادل (326 مليون دولار).

Embed from Getty Images

بوصول الرئيس الصومالي الحالي محمد عبد الله محمد إلى السُلطة مطلع عام 2017، تدهورت علاقات أبو ظبي مع مقديشيو، خاصة بعد الحصار الخليجي الذي فرضته كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر في العام نفسه، وبينما اتجهت أطراف الأزمة نحو دول القرن الأفريقي لمقايضة المساعدات والاستثمارات بالموقف السياسي، انحازت الصومال فعليًّا إلى الدوحة، وإن كانت قد اتخذت موقف الحياد شعارها الرسمي.

بلغت الأزمة بين البلدين ذروتها في أبريل (نيسان) عام 2018، عندما أوقفت قوات الأمن الصومالية طائرة إماراتية واستولت على 9 ملايين دولار أمريكي نقدًا كانوا على متنها، وروجت الرواية الرسمية للحكومة الصومالية بأنَّ الأموال الموجودة في الطائرة كان مخططًا تقديمها للجماعات المناهضة للحكومة في البلاد، في حين قالت الإمارات إنها كانت موجهة للجيش الصومالي لدعمه في حربه على الإرهاب، ثم أعقب تلك الخُطوة اعتقال الصومال شبكة من الجواسيس تبين بالنسبة لها لاحقًا أنهم يعملون لدى الإماراتيين.

وردًّا على التصعيد الصومالي،أعلنت الإمارات وقتها أنها أوقفت جميع عمليات التعاون العسكري مع الصومال، كما أغلقت مستشفى الشيخ زايد الذي بنته في العاصمة، وفي تحركٍ موازٍ آخر، حوَّلت أبوظبي قاعدتها العسكرية في إقليم «أرض الصومال» الذي انفصل عام 1991، ولا يحظى باعترافٍ دولي، إلى مطارٍ مدني، وهو ما رفضته الحكومة الفيدرالية في مقديشو، واتهمت الإمارات بانتهاك القانون الدولي، منذ أقامت تلك القاعدة في عام 2017.

وبينما لا يوجد شيء يوضح على الأرجح اتفاقًا مُعلنًا بين كينيا والإمارات في هذا الملف بخصوص الرغبة الواحدة في إطاحة النظام الحاكم في مقديشيو، فإنَّ التحركات تبدو واحدة، فبينما تقدم كينيا دعمًا لرئيس الإقليم المعارض في جوبالاند، احتفت وسائل الإعلام الموالية لمحور السعودية والإمارات بإعلان أكبر قبيلتين في الصومال الاتحاد معًا لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة وكذلك الرئاسية بالتوافق بهدف إسقاط الحكومة المركزية كونها موالية لقطر، بحسبها، وربما لعبت الإمارات دورًا في هذا الاتحاد.

عربي

منذ 5 سنوات
وجه الصومال الآخر.. واجهة صراع محتدم بين دول الخليج

بعد عامين من القطيعة من المشهد السياسي لمقديشو، والقلق المستمر بشأن النفوذ التركي والقطري، يتطلع الإماراتيون حاليًا إلى إعادة ترسيخ وضعهم في العاصمة قبل انتخابات الصومال عام 2020، وتمثل الصومال أهمية كبرى لأبو ظبي التي تسعى لامتلاك قنوات اتصال نافذة فيها بهدف تأمين مرور الطاقة والسفن التجارية، عبر مضيق باب المندب، وتفادي خطري العنف والقرصنة، لكنها من جهة أخرى تواجه أزمة التوغل القطري والتركي في البلد العربي.

أكبر قاعدة عسكرية تركية.. الوجود التركي القطري في الصومال

نجحت قطر في استثمار نفوذها عند الدولة الأفريقية، عبر بوابة الأعمال الخيرية والتنموية، وتأسيس مشروعات تنموية ضخمة في العاصمة الصومالية، فضلًا عن تقديم منح مالية دورية، وهو النفوذ الذي أتى ثماره عقب الحصار الخليجي الذي دفع الدوحة لاستخدام المجال الجوي الصومالي، عبر لجوء الخطوط الجوية القطرية إلى الصومال لتسيير رحلاتها الجوية.

Embed from Getty Images

 أما بالنسبة لتركيا، فهي تمتلك أكبر قاعدةٍ عسكريةٍ خارجية لها، وتقع جنوب العاصمة مقديشو، وتطل على المحيط الهندي الاستراتيجي، ويشير تقرير أعده المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية إلى أنَّ القاعدة عبارة عن منشأة عسكرية لتدريب الجيش الوطني الصومالي، إلا أنها من الناحية العملية قاعدة عسكرية تركية كاملة في المنطقة، تأسست عقب استثمار أبو ظبي في ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال غير المعترف به دوليًّا، وهي التحركات التي اتخذت بعدًا أمنيًّا يتعلق بالسيطرة على البحر الأحمر، وتمتلك الصومال أطول ساحل في القرن الأفريقي بطول 3 آلاف كيلو متر.

وإلى جانب الاتفاقيات التجارية والتبادلات الدبلوماسية والتعاون الإنساني، يزداد الدور العسكري القطري في الصومال، وفي أوائل العام الماضي دعمت قطر مقديشو بـ68 مركبة مدرعة تحت بند مساعداتها في محاربة «الإرهاب»، وهو ما عدته «رويترز» أحد المؤشرات على الضغوط التي تمارسها الدوحة في ظل ضغوط أخرى تمارسها الإمارات في البقعة نفسها.

وسبق وأشارت تقارير صحف صومالية نشرتها بكثافة أيضًا وسائل إعلام إماراتية ومصرية إلى إرسال تركيا وقطر لمقاتلين صوماليين للقتال إلى جانب حكومة الوفاق في ليبيا ضد الجنرال الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، المدعوم من عدة دول عربية، على رأسها الإمارات ومصر.

وتأمل الإمارات في أن تحمل الانتخابات الرئاسية القادمة وجوهًا جديدة تتغير معها الخريطة السياسية للصومال، بما يُعيد العلاقات الإماراتية الصومالية إلى سابق عهدها خلال حكم الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، الذي حكم في الفترة من 2012 حتى عام 2017، وبلغ النفوذ الإماراتي أوجه في عهده، قبل أن تتغير الطاولة بالحضور القطري التركي.

سياسة

منذ 6 سنوات
«التجربة الصومالية».. رئيس جديد على الطريقة الديمقراطية

على الجانب الآخر، لا تُخفي كينيا رغبتها أيضًا في إزاحة النظام القائم عبر دفع الشخصيات المعارضة إلى سُدة الحكم بهدف طي ملفات النزاع بين البلدين، والتي تتمثل في الخلاف الحدودي البحري الذي يحوي في باطنه ثروة نفطية لم تُقتسم بعد.

المصادر

تحميل المزيد