أعلنت السعودية، الجمعة 19 فبراير 2016، وقف مساعدات للبنان تُقدر بمليارات الدولارات في تجلٍّ للغضب السعودي من الموقف اللبناني تجاه إيران، وسيطرة حزب الله على الحياة السياسية داخل بلاده، وقد تباينت أسباب القرار وطريقة النظر إليه بين السياسية والاقتصادية باختلاف وجهات نظر الأطراف المعنية به.
وفي هذا التقرير نعرض بالسرد والتحليل ماهية القرار وأسبابه وخلفياته، ومن أيده خليجيًا، ورد الفعل اللبناني الرسمي بالإضافة إلى تعليق أكثر من حزب لبناني على القرار .
(1) القرار السعودي
أعلنت السعودية، وقف مساعدتها التي كانت مقررة لتسليح الجيش اللبناني من خلال شراء أسلحة من فرنسا تقدر بـ 3 مليار دولار، بالإضافة إلى وقف مساعدة عسكرية أخرى تبلغ قيمتها مليار دولار كانت مقررة لمساعدة الأمن الداخلي اللبناني، مع تأكيد المملكة على استمرار مؤازرتها للشعب اللبناني الذي لا تُمثل الإدارة الحالية موقفه بحسب الرواية الرسمية السعودية التي نقلتها عبر وكالة واس الرسمية التي أفاد مصدر مسئول لها بأن المملكة قد اتخذت القرارات الآتية:
أولا: إيقاف المساعدات المقررة من المملكة لتسليح الجيش اللبناني عن طريق الجمهورية الفرنسية وقدرها ثلاثة مليارات دولار أمريكي.
ثانيا: إيقاف ما تبقى من مساعدة المملكة المقررة بمليار دولار أمريكي المخصصة لقوى الأمن الداخلي اللبناني.
(2)أسباب القرار
وتحدثت الرواية الرسمية السعودية عن أسباب تلك القرارات التي لم تخلُ من تأثير توتر العلاقة بين المملكة من ناحية، وإيران وحزب الله من ناحية أخرى، والتي آلت إلى قطع العلاقات الديبلوماسية السعودية مع إيران، وإيقاف المساعدات السعودية للحكومة اللبنانية التي يحظى حزب الله بعدد من وزرائها.
وقد جاء القرار الأخير “نظرًا لعدم انسجام المواقف اللبنانية مع العلاقات الأخوية بين البلدين” بحسب الرواية الرسمية التي لفتت إلى أن “المملكة وقفت بجانب لبنان في كافة المراحل الصعبة التي مر بها وساندته، دون تفريق بين طوائفه وفئاته… ورغم هذه المواقف المشرفة، فإن المملكة العربية السعودية تقابل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة حزب الله اللبناني لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية، وفي منظمة التعاون الإسلامي من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد”.
وأشارت السعودية إلى أن “تلك الاعتداءات التي تتنافى مع القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية حظيت بتنديد من كافة دول العالم ومن مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية الأخرى”.
ولفت المسئول السعودي الذي تحدث إلى وكالة الأنباء الرسمية “أن المملكة العربية السعودية تُقدر المواقف التي صدرت من بعض المسئولين والشخصيات اللبنانية بما فيهم دولة رئيس الوزراء السيد تمام سلام، والتي عبّروا من خلالها عن وقوفهم مع المملكة وتضامنهم معها وتعرب عن اعتزازها بالعلاقة المميزة التي تربط المملكة العربية السعودية بالشعب اللبناني الشقيق, والتي تحرص المملكة دائما على تعزيزها وتطويرها”.
وتجدر الإشارة إلى أن صفقة التمويل السعودي بتسليح فرنسي للأمن اللبناني تعود إلى نهاية عام 2013 وبدايات عام 2014، أثناء تولي الملك عبد الله الحكم في السعودية قبل وفاته بحوالي عام، وجاء إثر لقاء جمع ولي العهد السعودي آنذاك وخادم الحرمين حاليًا الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي قال آنذاك:”إن لبنان بلد رائع وفي الوقت نفسه غير حصين … ويحتاج بدوره إلى الأمن في الوقت الذي يستضيف فيه آلاف اللاجئين، من هنا فقد اتفقنا سويا، السعودية وفرنسا، على مساعدة لبنان بشرط أن يساعد هو نفسه، من أجل حفظ أمنه”.
(3) الإمارات تؤيد السعودية
لم يُثر القرار السعودي الأخير ردود أفعال دولية أو عربية أو خليجية واسعة، وفضل الكثير من الدول الصمت وعدم إبداء الرأي بالسلب أو الإيجاب فيما عدا دولة الإمارات العربية الخليجية التي أعلنت “تأييدها الكامل” للقرار السعودية ببيان رسمي من وزارة خارجيتها أكدت فيه على نفس المعاني التي ارتكز عليها الخطاب الرسمي السعودي.
إذ أفاد البيان” أن قرار السعودية “يأتي في أعقاب تكرار المواقف السلبية اللبنانية تجاه الإجماع العربي بصورة واضحة ومسيئة ومثيرة للاستياء والاستغراب، رغم التواصل مع الجهات اللبنانية المعنية”.
وأشارت الوزارة في بيانه إلى سيطرة حزب الله على القرار اللبناني عندما قالت: “إن القرار اللبناني الرسمي بات مختطفا ضد مصلحة لبنان ومحيطه العربي، كما يبدو واضحا من هيمنة ما يسمى بحزب الله، ومصادرته للقرار الرسمي اللبناني، ما أسفر عن موقف لبناني متباين ضد المصالح العربية الجامعة”.
وأفاد البيان أنه “على الرغم من الدعم التاريخي والتقليدي للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي للبنان واحتضانها للبنانيين ليكونوا جزء أصيلاً في مسيرة التنمية والازدهار على مدى السنوات الماضية ووقوفها إلى جانب لبنان في الظروف الصعبة التي مر بها، فإننا وللأسف نرى هذه التوجهات السلبية التي لا تعبر عن توجه غالبية اللبنانيين”، بحسب الوكالة.
ودعا البيان” لبنان واللبنانيين في الوقت ذاته إلى إعادة لبنان إلى محيطه العربي بعيدا عن التأثيرات الإيرانية التي يتبناها ما يسمى بحزب الله”.
(4)لبنان تأسف على القرار وتطلب إعادة النظر
علىى عكس الخطاب التصعيدي من السعودية والإمارات ضد الحكومة اللبنانية، فقد استقبلت لبنان الخبر بعبارات الود، ولهجة تهدئة وأسف؛ آملةً في إعادة نظر سعودية للقرار؛ إذ أصدر رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام بيانا قال فيه: “تلقينا بكثير من الأسف قرار المملكة العربية السعودية المفاجىء القاضي بإيقاف المساعدات المخصصة لتسليح وتجهيز الجيش وقوى الأمن الداخلي.” لافتًا” إننا ننظر إلى هذه الخطوة باعتبارها أولا وأخيرا شأنا سياديا تقرره المملكة العربية السعودية وفق ما تراه مناسبا، على الرغم من أننا ما كنا نريد أن تصل الأمور إلى ما يخالف طبيعة العلاقات التاريخية بين لبنان وبلاد الحرمين، التي نحرص على إبقائها علاقات أخوة وصداقة ومصالح مشتركة ونسعى دائما لتنزيهها عن الشوائب”.
واختتم البيان: “إننا، إذ نعبر عن أسمى آيات التقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وإخوانه في القيادة السعودية وأبناء الشعب السعودي الكريم، نتمنى إعادة النظر بالقرار الخاص بوقف المساعدات عن جيشنا وقواتنا الأمنية”.
(5)حزب الله: الأزمة المالية السعودية هي السبب، وليس نحن!
بعد البيان توجهت أصابع الاتهام إلى حزب الله بتحميله مسئولية القرار السعودي، وحمل رئيس حزب”القوات اللبنانية” سمير جعجع حزب الله مسئولية “خسارة مليارات الدّولارات من جرّاء تهجّمه الدّائم على السّعوديّة”.
ودعا، في تغريداتٍ عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، الحكومة إلى “الالتئام فورا واتّخاذ التدابير اللازمة، إن لجهة الطّلب رسميّا من حزب الله عدم التعرّض للسّعوديّة من الآن فصاعداً، أو لجهة تشكيل وفد رسمي برئاسة الرّئيس تمام سلام لزيارة السعودية والطلب منها بإعادة العمل بالمساعدات المجمّدة”.
[c5ab_embed_twitter c5_helper_title=”” c5_title=”” url=”https://twitter.com/DRSAMIRGEAGEA/status/700687642740981760″ ]
[c5ab_embed_twitter c5_helper_title=”” c5_title=”” url=”https://twitter.com/DRSAMIRGEAGEA/status/700687722868973568″ ]
[c5ab_embed_twitter c5_helper_title=”” c5_title=”” url=”https://twitter.com/DRSAMIRGEAGEA/status/700687785624080384 ” ]
ورفض حزب الله تحميله مسئولية القرار الأخير مُرجعًا سببه لـ”أزمة مالية خانقة تعاني منها السعودية” على حد وصف البيان الذي جاء فيه:” أنّ “السعودية تعاني من أزمة مالية خانقة أدت إلى إجراءات تقشف غير مسبوقة داخل السعودية وخارجها، ومن بينها تندرج خطوة وقف تمويل الصفقات المفترضة لدعم الجيش اللبناني”.
وتابع البيان:”إنّ تحميل حزب الله المسئولية عن القرار السعودي بسبب مواقفه السياسية والإعلامية.. وكذلك لوزارة الخارجية اللبنانية ما هي إلا محاولة فاشلة في المضمون والشكل والتوقيت، لا تخدع أحدا ولا تنطلي على عاقل أو حكيم أو مسئول”.
ولفت البيانالنظر إلى ” أنّ “المسئولين المعنيين في الحكومة والوزارات المختصة والمؤسسة العسكرية وإدارات القوى الأمنية، كانوا على إطلاع تام بأن هذا القرار قد اتخذ منذ فترة طويلة، وخصوصاً منذ بدء العهد الحالي في السعودية”.