
نافورة الرجل والكون المتوسع” لمارشال فريدريكس، داخل محكمة جنوب دائرة مقر الدولة (بناية هاري ترومان)، واشنطن- العاصمة
منذ أقل من قرن مضى لم يكن العلماء يعرفون متى بدأ الكون على وجه التحديد وكيف، لكنهم الآن يقولون إن لديهم دلائل لمعرفة متى وكيف يمكن أن ينتهي.
يقول العلماء إن الحياة بدأت بالانفجار العظيم منذ 13.8 بليون سنة من خلال انفجار ما يعرف بـ (البيضة الكونية)، حيث انبثق الزمان والمكان وتكونت الكواكب والمجرات والنجوم، ومنذ ذلك الحين والكون في اتساع مستمر.
هل الكون يتمدد أم يبتعد عنا؟
يلاحظ علماء الفلك أن المجرات بعد مسافة معينة تبقى بنفس الحجم بغض النظر عن ازدياد تلك المسافة، وهذا يبدو غريبًا فالمتوقع أن الأجسام المبتعدة عنا يقل حجمها كلما ابتعدت. كما أن المجرات في حقيقة الأمر لا تتحرك من أماكنها على الإطلاق، وإنما المكان هو الذي يتحرك! شبَّه عالم الرياضيات (ستيفن هوكينج) الأمر ببالون عليه بضع نقاط، كلما نفخنا البالون ابتعدت النقاط عن بعضها؛ بينما النقاط لم تتحرك. ولذلك يقول العلماء إن الكون يتمدد لا يبتعد.

رسم متحرك لنموذج من عجينة الخبز والزبيب، عندما تتضاعف عجينة الخبز في الحجم (العرض والارتفاع)، فإن المسافات بين حبات الزبيب تتضاعف أيضًا.
ولكن لو كان الكون بالونًا كبيرًا فإلى أي حد يمكن له أن يتمدد؟
الكرة الأرضية لا تتمدد، كذلك مجموعتنا الشمسية أو مجرة درب التبانة هذا ما يقوله البروفيسور (دايف جولدبرج)، ويوضح ذلك بأن تمدد الكون يعزى إلى الجاذبية خاصة في المناطق ذات الكثافة المرتفعة، حيث يبدو تأثير الجاذبية هنا موضعيًّا تمامًا. وبناءً على ذلك؛ ليست كل المجرات تبتعد عن مجرتنا، بل في حقيقة الأمر مجرة المرأة المسلسلة (أندروميدا) – المجرة الأقرب لنا- تندفع نحونا بمعدل 80 ميلًا في الثانية، وفي نهاية الأمر ستصطدم المجرتان، ولكن حتى يحدث ذلك فما زال هناك بضعة بليارات من السنوات لنقلق حيال هذا الأمر.
استنادًا إلى بيانات تلسكوب هابل الفضائي، من المتوقع اصطدام مجرة درب التبانة ومجرة المرأة المسلسلة خلال سحب من المد والجزر، ويتوقع العلماء أن النظام الشمسي قد ينجو من هذا الاصطدام العظيم.
هل سيتمدد الكون إلى ما لا نهاية؟
تساءل قدماء اليونان حول كيف يمكن أن يبدو الكون اللانهائي، وكيف يكون لو كان هذا الكون محدودًا، فلو وقفنا على حافة هذا الكون ثم مددنا أيدينا فأين ستذهب؟
ولذلك يشكل كلًا من التساؤلين معضلة علمية.
تتنبأ النسبية العامة لـ (أينشتاين) أن هذا الكون المتمدد ستتباطأ سرعته تدريجيًّا، ومن ثم يبدأ الكون في لملمة أشلائه بفعل طاقة الجذب المركزية، ليعود الكون أدراجه إلى ما قبل الانفجار العظيم كتلة صغيرة الحجم عالية الكثافة والكتلة ويتلاشى المكان والزمان عند هذه النقطة. وهذا ما يسميه العلماء (الانسحاق الشديد).
كان هذا قبل تسع سنوات من اكتشاف الفلكي الأمريكي (أدوين هابل) ظاهرة تمدد الكون في 1929م، وإثباته أن وتيرة تمدده في تسارع لا تباطؤ مثلما تقول نسبية أينشتاين، مما جعل أينشتاين يعلن أن ثابت التثاقل في نسبيته العامة ما هو إلا “خطأ كبير”.

استخدم هابل تلسكوب هوكر ذا الـ100 بوصة بمرصد جبل ويلسون لقياس مسافات المجرات وإيجاد قيمة لمعدل توسع الكون.
ولكن العلماء يرون أنه ما زال هناك احتمالان آخران لمصير الكون. يقول العلماء إننا نستطيع فهم توسع الكون من منطلق قوة الجاذبية، مفترضين أنه إذا انطلقت سفينة فضائية من على سطح الأرض فإن ما عليها فعله أن تتخطى الجاذبية الأرضية، فإن لم تستطع فمصيرها السقوط والتحطم وهذا ما تفترضه نسبية أينشتاين وهذا النموذج يدعى (الكون المغلق).
أما إذا نجحت السفينة في تجاوز الجاذبية فقط بالقدر الكافي فإنها ستدور حول الأرض دون أن تتحطم أو تسقط، وهذا ما يفترضه العلماء في حالة ما إذا كان الكون مسطحًا حيث يُفترض أن الكون سيتمدد لفترة ما من الزمن، ثم يتوقف عند هذا الحد.
“أخيرًا وحتميًّا سيزداد الكون المسطح في استوائه حتى يصل إلى العدم عاكسًا بدايته. لن يكون هناك علماء كون لينظروا خارجًا إلى الكون، لن يكون هناك شيء لرؤيته حتى لو استطاعوا. لا شيء على الإطلاق. ولا حتى الذرات، لا شيء.. إذا كنت تعتقد أن هذا يبدو قاتمًا وكئيبًا، فهذا أمر مؤسف. فالحقيقة لا تدين لنا بالراحة”. *العالم لورنس كراوس في كتابه “كون من لا شيء”
ولكن ماذا لو اخترقت السفينة المجال الجوي واستطاعت الإفلات من الجاذبية بطاقة أكبر من اللازمة لذلك؟
في هذه الحالة فإن السفينة ستدور ربما إلى ما لا نهاية. ولكن إذا ظل الكون يتمدد إلى ما لا نهاية فهذا يعني ازديادًا مطردًا في المسافات بين الكواكب والمجرات والنجوم، وستسبح المجرات والكواكب وحيدة في الكون، وستحترق النجوم ويعم الظلام والبرودة وسيصبح هذا الكون مكانًا مستحيلًا للحياة، ويعلن العلماء أن الكون قد مات حراريًّا، رغم أنه لن يكون هناك علماء ليعلنوا ذلك، وهذا السيناريو المفترض هو ما يسميه العلماء (التجمد العظيم).

أينشتاين مع إدوين هابل، في عام 1931، في مرصد جبل ويلسون بولاية كاليفورنيا، ينظر من خلال عدسة التلسكوب ذي الـ100 بوصة الذي اكتشف هابل من خلالها توسع الكون في عام 1929.
قد لا يكون الكون يتمدد على الإطلاق!
في الحقيقة ما يعلمه العلماء عن مستقبل هذا الكون قليل جدًا، ففي دراسة حديثة نشرتها المجلة الدولية للفيزياء الحديثة قامت خلالها الدراسة بتحليل الضوء المنبعث وحجم قرابة ألف مجرة قريبة وشديدة البعد، وعلى العكس مما تتنبأ به نظرية الانفجار العظيم تشير هذه الدراسة إلى تطابق الضوء المنبعث من سطح هذه المجرات القريبة والبعيدة على السواء، وهذا يتفق مع الفرضية التي تقول إن الكون لا يتمدد، وتعارض جذريًّا فرضية توسع الكون.
وتدعم هذه الدراسة دراسة أخرى أجراها (كريستوف ويتريش) عالم الفيزياء النظرية في جامعة هايدلبرغ بألمانيا، والتي تتفق على أن الكون لا يتوسع وأن كتلة كل شيء تتزايد، وتساعد هذه الفرضية في حل إشكالية مهمة في علم الفيزياء الفلكية حول نشأة الكون من بيضة كونية خلال الانفجار العظيم.

يقول علماء إن تفسير ويتريك يمكن أن يساعد في إبقاء علماء الكون دون أن يصبح تفكيرهم مترسخًا في اتجاه واحد، ويضيف (أرجون بريرا) الفيزيائي بجامعة أدنبرة: “إن مجال علم الكونيات هذه الأيام يحوم حول نموذج قياسي يتحور حول التمدد والانفجار الكبير”.
فيما تنسف دراسة جديدة مبدأ نشأة الكون من انفجار عظيم من الأساس! حيث يقول البروفيسور المصري (أحمد فرج) في ورقته العلمية التي نشرها في مجلة Physics Letters B أن الكون موجود منذ الأزل وفقًا لميكانيكا الكم، وتجيب على التساؤلات المثارة حول الانفجار العظيم، في حين تعجز النسبية العامة لأينشتاين عن التفسير الكامل لذلك.
يمكن لهذه الافتراضات إذا ما ثبتت صحتها أن تساعدنا في توقع الكثير حول مستقبل هذا الكون. يقول (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع الأمريكي الأسبق: “هناك أشياء معروفة نعلم أننا نعلمها، وهناك أشياء مجهولة نعلم أننا لا نعلمها، وهناك أشياء مجهولة ولكن نجهل أننا نجهلها”. فهل سيستمر الكون في الاتساع إلى ما لا نهاية؟ أم أنه سينتهي مثلما بدأ؟ كيف يمكن أن نتوقع مستقبل كوننا إذا ما كانت افتراضات العلماء صحيحة؟ وهل تأتي في المستقبل فرضيات تنسف تمامًا ما نعرفه عن كوننا؟ هذا ما لا نعرفه على وجه التحديد.