حين سيطر النظام السوري على درعا في يوليو (تموز) 2018، خرجت عناصر الدفاع المدني السوري، من الذين يطلق عليهم «الخوذ البيضاء»، إلى أرض الجولان أثناء إجلائهم، في هذه الأثناء لم يشعر عضو الدفاع المدني عامر أبازيد بأنه يمر بأرض سورية محتلة، بل كل ما كان يفكر به هو كيف سيكون مستقبله.

لم يكن أبازيد وحده، فهذا الشعور يتقاسمه بعض السوريين الذين نسوا قضية الجولان، نتيجة عدم إقحام النظام السوري نفسه في معركة ضد إسرائيل لاستعادة أراضيه منذ نحو 40 سنة مضت، ولم يتعد اهتمامه بالجولان سوى في الخطابات الرنانة رغم وصف نفسه بالحليف لمحور المقاومة والممانعة، هذا كله بالإضافة إلى الحرب التي خاضها السوريون منذ تسع سنوات ضد هذا النظام؛ والتي أنتجت أكبر موجة نزوح منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية، حتى توارت قضية الجولان عن المشهد السياسي والحربي السوري.

Embed from Getty Images

وكانت مرتفعات الجولان مصدر نزاع بين سوريا وإسرائيل منذ عام 1967، لكن إلى اللحظة ما زال الجدل مثارًا حول الطريقة التي استولت بها إسرائيل على الهضبة، هل سقطت في يد تل أبيب أم جرى تسليمها؟ لكن في كل الأحوال فقد ظل هناك توتر بين البلدين حول حقوق المياه؛ إذ إنه ومن عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين، تصر تل أبيب خلال المفاوضات مع دمشق على الانسحاب إلى الحدود الدولية لعام 1923.

ولتفسير ذلك، فإن المعلومات المؤرخة تقول إن الهضبة كانت جزءًا من فلسطين أثناء الانتداب البريطاني عندما جرى الاعتراف بها في عام 1922، لكن بريطانيا تنازلت عن الهضبة لفرنسا في عام 1923، وأصبحت الهضبة جزءًا من سوريا عندما انتهى الانتداب الفرنسي عام 1944.

وبعد أن سيطرت إسرائيل عليها في عام 1967 باتت إسرائيل تضم ما يعادل 0.65% من مساحة سوريا، لكن تلك المساحة توفر لها 14% من مخزونها المائي، فيما لا تزال الأمم المتحدة تشير إلى الهضبة بوصفها «أرضًا سورية محتلة»، وهنا يصبح السؤال ضروريًّا: ما سبب إهمالها من طرف نظام الأسد والمعارضة السورية في خططهم خلال العقد الأخير؟

في الذكرى الـ40 للاحتلال.. كيف أصبحت الجولان؟

ينقسم سكان الهضبة بين الدروز والعلوين السوريين، لكن بعد احتلال الهضبة من طرف إسرائيل، بات لديهم أوراق إقامة إسرائيلية، كما يعيش نحو 25 ألف مستوطن إسرائيلي في الهضبة؛ إذ يوجد حاليًا 30 مستوطنة في الجولان وأكبرها «كتسرين» التي جرى تأسيسها عام 1977.

وفي 25 مارس (آذار) 2019، وقع دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، مرسومًا رئاسيًّا يقضي بأن تعترف الولايات المتحدة بالجولان جزءًا من إسرائيل، والذي عُدَّ آنذاك نسفًا لقرارات الأمم المتحدة التي نصت على أن الهضبة أرض عربية سورية احتُلت في حرب 1967، وإثر ذلك أصدر أحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة العربية بيانًا أعلن فيه أن «قرار الرئيس الأمريكي لا يغيِّر من الوضعية القانونية للجولان بصفتها أرضًا سورية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي».

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2021، بحثت الحكومة الإسرائيلية إقرار مجموعة من الخطط لتعزيز الاستيطان في الهضبة، ووصفها رئيس الوزراء الإٍسرائيلي نفتالي بينيت بأنها الكبرى منذ احتلال الهضبة عام 1967، ويقضي المخطط بإقامة مستوطنتين جديدتين، وبناء أكثر من 7 آلاف وحدة استيطانية على مدى السنوات الخمس المقبلة.

هل تعمَّد الأسد إهمال قضية الجولان؟

يقول المعارض السوري المستقل، والمنحدر من الجولان، عصام زيتون، لـ«ساسة بوست»: إن حافظ الأسد، الرئيس السابق لسوريا، تاجر بقضية الجولان ونازحيه لكسب مظلومية؛ إذ ظل يستثمر مسألة وجود أرض محتلة لدولة من دول الطوق (الدول المحيطة بإسرائيل) ليبتز بها الدول العربية بالمساعدات.

Embed from Getty Images

الهضبة

وفي موازاة ذلك، ووفقًا لزيتون، فقد حصل النظام على مساعدات مالية من دول الجوار والأونروا مخصصة للنازحين الذين جرى تهجيرهم من بيوتهم من دون أن يقدم أي شيء لأهل الهضبة، فيما ظل نازحو الجولان يسكنون بيوتًا من صفيح حول المدن السورية، وتحديدًا حول درعا ودمشق في مخيمات بالغة السوء من ناحية التجهيز والخدمات، وظلوا موصومين بكلمة نازح (التي كانت تعادل تعبير مواطن من الدرجة الثانية).

وفي 1993 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، إن «عمق الانسحاب من الجولان يعادل عمق السلام» (وهو ما عرف بتعبير الهضبة مقابل السلام)؛ إذ كانت إسرائيل منذ عام 1992 تحاول التوصل لاتفاق مع دمشق في إطار اتفاقية سلمية مع ترتيبات أمنية خاصة.

وفي سبتمبر (أيلول) 1994، صرح رابين بأنه سيتم نقل الهضبة تدريجيًّا من إسرائيل إلى سوريا، في إطار اتفاقية سلمية تشابه معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، ولكن المفاوضات الإسرائيلية السورية في ذلك الحين وصلت إلى طريق مسدود.

وقد جرت عدة محاولات للمفاوضات بين إسرائيل وسوريا أيضًا، وأبرزها في 1999، برعاية الرئيس الأمريكي السابق، بيل كلينتون، عندما اجتمع مع فاروق الشرع، وزير الخارجية السورية حينها، وكانت الشروط الإسرائيلية هي إصلاحات سياسية يقوم بها نظام الأسد، بحيث تؤدي إلى انفتاحات اقتصادية وانتخابات، بالإضافة لتخفيف حدة الخطاب الإعلامي ضد إسرائيل.

واستمرت المفاوضات بين نظام الأسد وإسرائيل طيلة الأعوام ما بين 1991 حتى 2007، بينما كانت سوريا مصرةً على الانسحاب لحدود 1976 التي تمكِّنها من الحصول على مياه طبرية، لتعلن دمشق من جهتها أنَّها لن تشن حربًا على إسرائيل، فيما بادرت الأخيرة بالقول إنَّها موافقة على الانسحاب مقابل السلام، إلا أنه في مفاوضات يونيو (حزيران) 2007، أدخلت تل أبيب شرطًا جديدًا؛ وهو أن تقطع دمشق علاقاتها بطهران.

وفي 23 أبريل (نيسان) 2008 أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، بشار الأسد، عبر رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان آنذاك، والذي كانت بلاده قد استضافت عدة جلسات بين الطرفين دون الإعلان عنها بشكلٍ رسمي، أنه مستعد لانسحاب إسرائيلي من الجولان مقابل السلام، وأكد ذلك الأسد في مقابلة مع جريدة «الوطن» القطرية أنه قد تلقى هذا الإبلاغ، وأن هناك اتصالات مستمرة مع إسرائيل بوساطة تركية.

ووصف أولمرت عدم تجاوب الأسد مع رسالة إسرائيل، بأنَّها كانت «غلطة الأسد»، وقال في حديثٍ له مع موقع «إيلاف» في عام 2020، «لو وقَّع الأسد حينها اتفاقًا معي لما كانت بلاده وصلت إلى ما آلت إليه»، وهنا يقول زيتون، إنه إذا كان الأسد الأب قد فضل توريث السلطة على السلام مع إسرائيل، فإن الأسد الابن قد سار على خطى أبيه فيما يخص رفض أي إصلاحات محتملة.

الاحتلال الإسرائيلي

منذ 4 سنوات
السد المنيع منذ النكسة.. هل يصمد «دروز الجولان» أمام رغبات ترامب؟

ومن جانبه، يرى المحامي في القانون الدولي، الدكتور طارق شنذب، أنَّ النظام استغل قضية الجولان لمصالحه السياسية، مشيرًا في حديثه لـ«ساسة بوست»، إلى أنه لن يكون هناك تطور في هذا الموضوع على المدى القريب، وخصوصًا أنه بعد الثورة السورية، جعل من الهضبة قضية هامشية بسبب الأحداث داخل البلاد.

وأضاف أن النظام أصبح لا يؤكد على الحق السوري في الهضبة إلا عن طريق القرارات الدولية التي تصدرها الأمم المتحدة والتي كان آخرها في ديسمبر (كانون الأول) 2021، عندما اعتمدت اللجنة الأممية القرار المتعلق بالجولان السوري المحتل، في عدم جواز بناء مستوطنات في الجولان، ورفض محاولات إسرائيل بفرض الجنسية الإسرائيلية على مواطني الهضبة السورية.

الدور الروسي الحديث في قضية الجولان

أصبحت موسكو تتدخل في سياسات سوريا بعد تدخلها العسكري في عام 2015؛ إذ بات المسؤولون الروس هم الناطق باسم النظام السوري في المحافل الدولية، لكن هل لعبت موسكو دورًا خفيًّا في إغفال قضية الجولان، بعد اندلاع الثورة السورية من خلال ضغطها على النظام السوري؟

يقول الصحافي المختص في الشأن الروسي، بجريدة الشرق الأوسط، رائد جبر، لـ«ساسة بوست»، إن موسكو ليست حريصة على عودة الهضبة إلى سوريا، وهذا الموضوع لم يكن مطروحًا على جدول الأعمال الدولي لروسيا، وتعلن روسيا على المستوى الرسمي التزامها بالقرارات الدولية أن الهضبة قطعة محتلة، ولكن على المستوى الداخلي، هناك قناعة في موسكو بأن ملف الجولان لا يمكن أن يقدم بتسوية نهائية في سوريا؛ لذلك لا ترغب موسكو في إثارة هذا الموضوع.

Embed from Getty Images

وبحسب جبر، فإن هذا يدخل ضمن إطار التعهد الروسي بضمان أمن وعدم السماح لأي قوات أجنبية بالاقتراب من هذه المنطقة أو تهديد أمن الدولة العبرية، لذلك فإن مركز للشرطة العسكرية رقم «1» موجود في الهضبة، وتقوم الشرطة العسكرية الروسية بواجبها في الهضبة التي تعد أخطر المناطق في سوريا، كما أعلن رئيس المديرية الرئيسية للشرطة العسكرية بوزارة الدفاع الروسية، العقيد سيرجي كورالينكو.

وبرغم تأييدها للقرارات الدولية حول الجولان، ومعارضتها لقرار ترامب، يرى جبر، أن روسيا تريد أن يبقى الوضع على حاله لا حل ولا صراع، وهذا عكس ما يعتقده الكاتب الإسرائيلي، أريئيل بولشتاين، حين كتب مقالًا في جريدة «إسرائيل اليوم»، قال فيه إنَّ: «روسيا ستعترف بسيطرة إسرائيل على الهضبة ولكن لن يكون مجانيًّا، ففي الكرملين لا يؤمنون بالوجبات المجانية».

ومن جهته، توقَّع الصحافي والمحلل السياسي الروسي، المهتم بقضايا الشرق الأوسط، ديميتري بريجع، في تصريحات خاصة لـ«ساسة بوست» أن تكون موسكو قد لعبت على وتر تهميش قضية الجولان أو تعطيلها لعدة أسباب، أولها لأن روسيا حليف قوي لإسرائيل؛ إذ يعد الاتحاد السوفيتي من أوائل من اعترفوا بدولة إسرائيل، مضيفًا، ولذلك «نرى أن روسيا تلعب هذه اللعبة».

أما السبب الثاني، لأن روسيا لا تريد أي مواجهة بين النظام السوري وإسرائيل؛ لأنها ستقوض المصالح الروسية في سوريا، وخصوصًا أن روسيا تعد الجهتين من حلفائها في الشرق الأوسط، ولا تريد خسارة هذا الحلف، في حين أن السبب الثالث، يتعلق بالنفوذ الإيراني، الذي يراه بريجع، أنه ضد تطلعات موسكو، التي لا تبدو أنَّها حليف قوي لطهران بالرغم من الشراكة التي بينهما.

ويرى بريجع، أن روسيا تفهم خطر الدور الإيراني التوسعي في هذه المنطقة، ونوعًا ما على المصالح التي تعدها روسيا مهمة لها في الشرق الأوسط؛ مثل محاولة سيطرتها على الاقتصاد السوري، وعليه فإن دوائر الكرملين ساهمت في طي صفحة الهضبة وتأكيد تأجيل القضية في أروقة النظام السوري.

لماذا لا تتطرق المعارضة السورية لقضية الجولان؟

يبيِّن عصام زيتون خلال حديثه لـ«ساسة بوست»، أنَّ المعارضة تتغاضى عن قضية الجولان بسبب علمها بأنَّ الحل السوري بيد الولايات المتحدة الأمريكية، فهي مجبرة على الحفاظ على علاقات مفتوحة معها، لا سيما وأن أمريكا تعد من أهم الدول التي منحت المعارضة والجيش الحر والشعب السوري الأموال لنصرة قضيتهم، ومن ثم، فإن المعارضة تدرج في حساباتها أن واشنطن هي الحليف الأزلي لإسرائيل ولن تقوم بمعارضته.

ومن جهته، يقول المحلل العسكري، العقيد مصطفى الفرحات، لـ«ساسة بوست»، إنَّه: «بالنسبة لقضية الجولان، فالواقع داخل سوريا لا يسمح للمعارضة ولا للنظام بالتفكير فيها، والسبب هو الحرب الدامية بين الطرفين، التي أنتجت دمارًا وخرابًا وتهجيرًا ونزوحًا، وجعلت من قضية الجولان ثانوية».

وحول ما إذا كان الهدف من إغفال قضية الجولان من طرف المعارضة في إطار كسب تأييد من إسرائيل لقضيتهم، أشار الفرحات، إلى أن جل المعارضة لا تهتم بذلك، لكن الكثير من التشكيلات السورية المعارضة باتت فعلًا لا تذكر على الإطلاق العداء مع إسرائيل خلال خطاباتها.

Embed from Getty Images

آثار الحرب في سوريا

وعلل ذلك، بأنه عندما يوجد صراع أساسي في البلد فإن القضايا الثانوية تؤجل لمصلحة القضية الأساسية، ومن ثم فإن قضية الجولان لن تتصدر المشهد الحالي، وقد «تكون إسرائيل جنت حقيقةً مكسبًا كبيرًا في هذا الصراع في سوريا من خلال أنها أصبحت اليوم محيَّدة عن موضوع المطالبة بالهضبة».

وبنظرة سريعة إلى البيانات التي أصدرتها المعارضة، بعد قرار ترامب بسيادة إسرائيل على الهضبة، مثل بيان «الائتلاف الوطني لقوى الثورة» والذي حُذف لاحقًا من موقعه الرسمي، بالإضافة للـ«حزب الديمقراطي التقدمي الكردي»، وحزب «الوحدة الكردي»، يتبيَّن أن هذه الردود كانت أقل حدة من الردود الدولية، كما يراها الباحث السوري في مركز واشنطن للدراسات، باز بكاري، وباتت الجولان «قضية مؤجلة بالنسبة للسوريين».

هل من سبيلٍ لحل الصراع بين سوريا وإسرائيل حول الجولان؟

يؤكد المحامي المتخصص بالقانون الدولي وقضايا حقوق الإنسان، بسام طبلية، لـ«ساسة بوست»، أنَّ ما تقوم به إسرائيل في الوقت الحالي من بناء مستوطنات، هو استمرار للاحتلال الذي قامت به عندما ضمت الهضبة، وأكدته قرارات الأمم المتحدة إذ اعتبرت قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها وإداراتها على الهضبة السورية قرارًا مُلغى وباطلًا، وليس له أثر قانوني دولي، وما قامت به إسرائيل هو احتلال لأرض سورية.

وحول الطريقة الأمثل لعودة الهضبة للسيادة السورية، قال طبلية: «للأسف الشديد إنه على الرغم من أن ما فعلته إسرائيل هو انتهاك واحتلال للأراضي السورية، فإنا لا نجد لهذه القرارات الذراع العسكرية التنفيذية الذي يمكن أن تنفذ هذه القرارات»، مضيفًا: «وتبقى هذه القرارات حبرًا على ورق ليس لها مفعول تنفيذي إلا من له مصلحة في ذلك».

ويرى الأستاذ في القانون الدولي، أنه إذا لم يكن هناك تحرك عسكري قانوني سياسي في هذا الموضوع ضمن ممارسة الضغط على السلطات الإسرائيلية المحتلة؛ فإنه من المستبعد أن يتم تحرير الهضبة، وخاصةً بعد اعتراف رئيس الولايات المتحدة الأسبق، دونالد ترامب، بسيادة إسرائيل على الهضبة، والذي نسف بذلك وجود الأمم المتحدة.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد