لا يعلو صدى في الجزائر اليوم أكثر من ‹قضية سوناطراك› التي ابتدأت أطوار المحاكمات الخاصة بها يوم 15 من مارس، قبل أن تؤجل إلى أجل غير مسمى نظرًا لغياب الشهود، الأمر الذي دفع محامي دفاع المسؤولين الجزائريين إلى الانسحاب.

وتحظى هذه القضية بمتابعة منقطعة النظير، لا سيما من طرف الصحافة الجزائرية والدولية، وأيضًا المواقع الاجتماعية، ليس فقط لأنها تخص شركة عمومية تمثل حجر الزاوية في الاقتصاد الجزائري، بل لكونها أكبر قضية فساد سياسي ومالي في الجزائر يتهم فيها سياسيون ورجال أعمال يوصفون بالمقربين من الرئيس الجزائري، ولكون القضية تبدو حسب الكثير من المتابعين متعلقة بتصفية حسابات بين مختلف أجنحة النظام الجزائري في إطار الصراع على خلافة عبد العزيز بوتفليقة!

فيما يلي تشرح لكم “ساسة بوست” قضية “سوناطراك” في 5 أسئلة:

1- ما هي سوناطراك؟

سونطراك هو المختصر الفرنسي للشركة النفطية الوطنية الجزائرية، وهي مجموعة بترولية حكومية تختص بالمهن المتعلقة بإنتاج وتسويق المنتجات النفطية، وتلقب بالعملاقة الإفريقية، نظرًا لكونها إحدى أكبر وأنشط الشركات الإفريقية عبر العالم.

تعتبر الشركة وأفرعها منذ تأسيسها عصب الاقتصاد الجزائري، إذ أن أكثر من 95% من عائدات الجزائر تأتي من الأنشطة المرتبطة بالنفط والغاز.

يتجاوز تأثير الشركة المجال الاقتصادي إلى المجالين الاجتماعي والسياسي، فهي ثالث مشغل للجزائر بعد الجيش والمصالح الحكومية، وتقود خططًا عمرانية واجتماعية عملاقة خاصة في المناطق النفطية، كما أنها مرتبطة أشد الارتباط بالتأثيرات السياسية الداخلية في الجزائر، وفوق ذلك كله تشكل ورقة رابحة في العديد من الصفقات الديبلوماسية الجزائرية.

بلغة الأرقام، تضم مجموعة سوناطراك 8 شركات على الأقل، تتنوع أنشطتها بدءًا من التنقيب عن النفط واستغلاله وتسويقه، مرورًا بالأنشطة المتعلقة بالغاز الطبيعي، إضافة إلى عدد كبير من الإنتاجات البتروكيماوية، نهايةً بالإشراف على تحلية مياه البحر، وتوظف ما يفوق 200 ألف شخص (توظيف مباشر وغير مباشر)، وتساهم وحدها بـ36% من الناتج الداخلي الجزائري.

سجلت سوناطراك أرباحًا تناهز 640 مليار دولار بين سنتي 2000 و2013، مما ساعد في نفس الفترة بخفض المديونية الخارجية للجزائر بنسبة تقارب 700%؛ من 28 مليار دولار إلى ما يقل عن 400 مليون دولار حاليًا.

 2- ما هي قضية سوناطراك؟

من الناحية التقنية، يتعلق الأمر بـ4 قضايا تسمى في الإعلام الجزائري “قضية سوناطراك 1، 2، 3، 4″، لكنها تدور كلها حول شبكة فساد مالي وسياسي في هرم الدولة، ويتهم فيها مجموعة كبيرة من السياسيين والمسؤولين الجزائريين عن قطاع النفط بتلقي عمولات ورشاوي دولية تقدر بملايين الدولارات، من مجموعة من الشركات الأوروبية أو المتعددة الجنسيات مقابل صفقات ضخمة تخص الشركة النفطية الجزائرية.

وتحظى قضيتا سوناطراك 1 و2 بنصيب الأسد من المتابعة الإعلامية نظرًا لوزن الشخصيات الجزائرية والشركات الدولية المرتبطة بهذه القضية.

3- من هم أبرز المتهمين في قضية «سوناطراك»؟

يعد وزير الطاقة الجزائري الأسبق شكيب خليل أبرز متهم في هذه القضية، إذ أنه إضافة لكونه الوصي السياسي عن أهم قطاع حيوي منذ وصول الرئيس بوتفليقة إلى الحكم ولمدة 11 عامًا (بين 1999 و2010)، يوصف بأنه كان مقربًا جدًا من الرئيس الجزائري قبل تفجر الفضيحة.

 وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل

لشكيب خليل صيت عالمي كخبير، ذلك أنه قد اشتغل مستشارًا للبنك الدولي مكلفًا بسوق النفط، وأيضًا لترأسه منظمة أوبك عامي 2001 و2008 أثناء بداية الأزمة الاقتصادية العالمية.

محمد مزيان هو ثاني أهم متهم في القضية بصفته الرئيس المدير العام لسوناطراك لأكثر من 7 سنوات (2003 إلى 2010)، ويعد منصب رئاسة مجلس إدارة الشركة الوطنية النفطية بالجزائر أحد أكثر المناصب المرموقة في الدولة ولا يصل إليه سوى المقربين جدًا من النظام، وله من تأثير ما يفوق الكثير من الوزراء نظرًا لدور الشركة الاقتصادي والاجتماعي، حسب تقارير.

إضافة إلى هذين المسؤولين، يتابع أكثر من 15 مسؤولًا ومديرًا تنفيذيًّا في وزارتي الطاقة وإدارة سوناطراك، دون أن ننسى بعض أقارب المتهمين كابني محمد مزيان اللذين يلاحقان بشبهة تلقي عمولات واستغلال نفوذ والدهما.

 محمد مزيان

4- ما هي أطوار القضية؟

  • تفجرت قضية سوناطراك عقب نشر موقع ويكيلكس لوثائق سرية للسفارة الأمريكية بالجزائر تشرح بالتفصيل شبكة الفساد السياسي والمالي الذي ينخر قطاع النفط الجزائري، سرعان ما أثارت هذه الوثائق ضجة كبيرة في الإعلام الأوروبي، خاصة لأنها تتحدث عن تورط شركات إيطالية، وألمانية، وفرنسية عملاقة في هذه الفضيحة، لا سيما مجموعة “إينا” الإيطالية النفطية، والتي أشارت تقارير إلى تورطها عبر فرعها “سايبام”، إلى جانب وزير الطاقة الجزائري السابق شكيب خليل ومساعديه المشتبه بتلقيهم رشاوى وعمولات تقدر بـ256 مليون دولار، مقابل تسهيلات في منح صفقات للمجموعة الإيطالية تخص فروع سوناطراك.عقب تعالي الأصوات في الجزائر (التي كانت تشهد حالة من الاحتقان الاجتماعي الشديد في ذلك الوقت)، تم الإعلان عن تحقيق واسع النطاق تخوضه مديرية الاستعلامات والأمن (أقوى الأجهزة الأمنية وأكثرها تأثيرًا على القرار السياسي في الجزائر) تحت اسم “الأيادي النظيفة”.أدى التحقيق إلى اعتقال مجموعة كبيرة من المسؤولين مع توالي القضايا المكشوف عنها، إلى أن وصلت إلى اعتقال محمد مزيان سنة 2011.سارع الرئيس الجزائري إلى إعلان تعديل حكومي في مايو 2010 أقال بموجبه وزيره المقرب في النفط دون توجيه أي اتهام له، وهو بدوره هاجر إلى الولايات المتحدة بضعة شهور من بعدها إلى أن أعلنت الجزائر عن مذكرة توقيف دولية بحق المسؤول السابق في 2013، ولكن سرعان ما ألغيت بسبب ما أعلن عن وجود “أخطاء إجرائية في المذكرة”!
    بعد جلسات تحقيق ماراثونية ونقاش مجتمعي وسياسي حاد، انعقدت يوم 15 مارس الماضي أول جلسات المحاكمات العلنية لقضية سوناطراك 1، انتهت بإعلان القاضي تأجيل الجلسة إلى وقت لاحق. وما يزال اليوم أغلب المتابعين في القضايا الأربعة بين قابع في السجن وهارب في الخارج.

     

    5- ماذا تعني القضية للجزائريين؟

    بالنسبة للمتابعين الجزائريين، فإن هذه القضية حظيت بمتابعة شعبية وإعلامية واسعة لسببين:

    الأول: يتعلق بكونها إحدى أولى قضايا فساد الدولة التي تتفجر علنية وتخص أكثر القطاعات الحيوية تأثيرًا في مستوى معيشة الشعب الجزائري، لا سيما أن الجزائريين نهكوا سنينًا طويلة بفساد جزء واسع من الطبقة السياسية؛ فترتيب الجزائر 100/175 في جدول منظمة الشفافية الدولية.

    الثاني: كون أن الكثير من المختصين يعتبرون القضية تدخل في إطار صراع مخلتف أجنحة الحكم حول خلافة الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة المنهك صحيًّا منذ سنوات، والقابع في الرئاسة مؤقتًا على ما يبدو، ريثما يحسم هذا الصراع السياسي لفريق دون آخر! وجدير بالذكر أن دفاع المتهمين لا يتردد في التصريح بأن موكليهم هم ضحايا عملية تصفية حساب ضيقة تجري في المربع الضيق للنظام الحاكم في الجزائر. كما تشير إلى ذلك الرسالة الموجهة من حسين مالطي (نائب الرئيس السابق لمجموعة سوناطراك) الموجهة إلى الجنرال توفيق (مدير المخابرات الجزائرية ورجل النظام القوي) المؤرخة بيوم 21 فبراير 2013.

المصادر

تحميل المزيد