تقف العروس إسراء مبتسمةً بفستانها الأبيض بالقرب من مرفأ بيروت، يقترب المصور منها ليوثق هذه اللحظات الجميلة والخاصة، يُسمع صوت انفجار، ويبدأ الحطام بالتطاير، والزجاج يتكسر، ينفض الزفاف، وتمسي إسراء حزينة على ضياع يومها المرتقب.
مثل مفاجأة إسراء، حمل عام 2020 الكثير من المفاجآت على جميع الأصعدة، وانفجاراتٌ سياسية واقتصادية كان لهيبها يتكتل طوال السنين الماضية؛ فأثناء احتفال العالم بليلة رأس السنة الميلادية، بدأ العام باقتحام السفارة الأمريكية ببغداد من قبل ميلشيات الحشد الشعبي، وبعد مرور يومين من الاقتحام استيقظ العالم على خبر اغتيال سليماني. وبين هذه التوترات كانت الطبيعة تفرض هيمنتها على السياسة والاقتصاد، وكان فيروس كورونا يعبر القارات والحدود، يصيب البعض ويقتل الآخر، ويضرب اقتصاد العالم المتصدع منذ عقود.
اخترنا لكم في هذا التقرير أبرز الأحداث السياسة والاقتصادية لعام 2020، والتي سيكون لها تأثير كبير في مستقبل المنطقة والعالم.
«السلام مقابل السلام».. قطار التطبيع ينطلق من أبوظبي
لم يكن يخفى على أحد وجود علاقات إسرائيلية مع كثير من الدول العربية، فتاريخيًّا بعض هذه العلاقات أخذت طابع التعاون الاستخباراتي مثل حالة المغرب، وأخرى طابعها اقتصادي ودبلوماسي غير رسمي، وفي 15 سبتمبر (أيلول) 2020 حدث ما كان متوقعًا منذ سنين، عندما اجتمع عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي، وعبد اللطيف الزياني وزير الخارجية البحريني، مع دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في البيت الأبيض لتوقيع اتفاقية التطبيع الرسمية.
سبق الإعلان الرسمي الكثير من الجهود العربية لتبدو مراسم التوقيع الرباعي في البيت الأبيض طبيعية، مثل إعلان صفقة القرن، وانعقاد ورشة المنامة، وترحالُ وفود المنظمات الصهيونية المتكرر إلى بعض الدول الخليجية. وبالنسبة لرواية هذه الدول فإنَّ الخطر الإيراني أحد المسوغات الأساسية التي جمعتهم مع دولة الاحتلال.
أثناء توقيع الرباعي اتفاقية التطبيع الإماراتية البحرينية مع إسرائيل
لم تمضِ أيام حتى وصل قطار التطبيع إلى السودان، البلد المنكوب اقتصاديًّا، والذي خرج للتو من ثورته «المجيدة» التي أطاحت نظام البشير، وتُحكم اليوم من حكومة انتقالية بالتناصف بين مدنيين وعسكريين، طبعوا مع إسرائيل مقابل إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبمقابل 335 مليون دولار تعويضات لأهالي الضحايا الأمريكيين من جراء الهجمات التي اتهمت فيها أمريكا السودان.
هدأ قطار التطبيع لشهور، وانشغل ترامب بانتخاباته الرئاسية التي خسرها لاحقًا، وعزمَ في نهاية شهوره بوصفه رئيسًا على تقديم كل ما يريده نتنياهو منه، وما يظنه يخدم مصلحته مستقبلًا. وكانت النتيجة وصول قطار التطبيع إلى المغرب مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادتها على الصحراء الغربية. لا يُعرف تمامًا كيف ستكون التبعات المستقبلية السياسية على الدول المطبعة، ولكن حتى نستشرف أنماط مستقبل العلاقات علينا العودة إلى التاريخ.
وما أثبته التاريخ أنَّ إسرائيل لم تقدم تنازلًا واحدًا لصالح العرب والفلسطينيين في كل مرةٍ أرادوا السلام معها، ابتداءً باعترافها بالقدس والجولان الذي يخالف القوانين الدولية، حتى شنِّها ثماني حروب، ثلاثًا منها خارجية، وخمسًا داخلية. مع استمرار بيع ما يراه الكثير من المفكرين «وهم الدولة الفلسطينية»، منذ توقيع اتفاقية أوسلو، دون أي تقدم على أرض الواقع.
أضف إلى ذلك الجانب الاقتصادي، فقد اعتمدت أمريكا في كلِّ مبادرة سلامٍ للمنطقة، التركيز على جمل فضفاضة تقدمها للفلسطينيين، مثل «الازدهار الاقتصادي»، ولكنَّ لغة الأرقام تقول عكس ذلك؛ إذ إنَّ الازدهار كان لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، أما مصر على سبيل المثال فقد وصلت ديونها المتراكمة عام 2019 إلى 112 مليار دولار، بالإضافة إلى اعتمادها هي والأردن على الغاز الإسرائيلي.
وقد لا يكون الجانب الاقتصادي محلَ قلقٍ بالنسبة للدولة المطبعة الغنية، ولكنَّ القلق المستقبلي الذي يجمع الدول المطبعة هي «أزمة الشرعية» تجاه شعوبهم. فقد أشار استطلاع رأي عمل عليه المركز العربي للدراسات إلى أنَّ 88% من العرب يرفضون الاعتراف بإسرائيل من قبل دولهم، وفقط 6% يقبلون بالاعتراف الدبلوماسي. إضافةٍ إلى هذه الأرقام، التي تشير إلى عدم حدوثِ تغيُّر بالرأي العام تجاه القضية الفلسطينية، تستمر أزمة الشرعية لهذه الدول منذ اندلاع الموجة الأولى من الربيع العربي عام 2011، الذي طالبت فيه الشعوب بمبادئ العيش الكريم.
«التطبيع خيانة» في شوارع تونس
وأخيرًا وليس آخرًا، خرجت إسرائيل من كل هذه الاتفاقيات دون التزاماتٍ حقيقية تجاه الجانب الفلسطيني، سواءً بوقف سياسة المستوطنات، أو بإقامة الدولة الفلسطينية، فبعد أن كانت فلسطين محورًا رئيسًا على طاولة المفاوضات في الاتفاقيات السابقة، تُطبع الدول اليوم مقابل مكاسب محلية، مثل الحصول على طائرات «إف-35». ويعكس هذا زيادة التفكك العربي وغياب ما يجمعهم، وتقترب تل أبيب من أن تصبح عاصمة اتخاذ القرار بالمشرق العربي.
«تآكل الديمقراطية».. انعكاسات خروجُ ترامب من البيت الأبيض
سيحمل خروج الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض انعكاسات داخلية ودولية. وسيكون خروجه، بعد سلسلة محاولاته لتفكيك مؤسسات الحكم الأمريكية، وتفكيك المنظمات الدولية، تحديًا كبيرًا يواجه الرئيس الديمقراطي المنتخب، جو بايدن.
وبالرغم من محاولات ترامب البقاء في الحكم وإطلاقه اتهامات بوجود احتيال انتخابي، أثبتت المؤسسات الأمريكية هذه المرة متانتها وكفاءتها. ولكنَّ السؤال المهم في هذا السياق: ما تبعات ما فعله ترامب على هذه المؤسسات؟ وعلى الديمقراطية نفسها؟ فقد أكدت تجربة ترامب أنَّ الديمقراطية ليست معطى حتميًّا، بل يجب على الشعوب والمؤسسات حمايتها وتجديدها وضمان «مرونتها».
سيكون لعدم اعتراف ترامب بخسارته تبعات داخلية، فحتى تصويت المجمع الانتخابي لجو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، لم يعترف بانتصار بايدن سوى عدد محدود من الجمهوريين، وأحد الأسباب هي «ثقافة الخوف» التي زرعها ترامب في الحزب الجمهوري، وخوف بعض الأعضاء من تغريدات ترامب الهجومية، والتي بإمكانها أن تؤثر على قواعدهم الانتخابية وتخسرهم مقعدهم في الكونجرس؛ ففي نهاية الأمر، لقد صوت لترامب 74 مليون أمريكي، وهذا رقمٌ يشير إلى انقسام خطير سيكون له تبعات كبيرة. فخروج ترامب شخصيًّا من الساحة، لا يعني أنَّ مستقبل «الترامبية» أو «الشعبوية» قد ولى.
أثناء حشد لأنصار ترامب في واشنطن في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2020
وقد تكون تبعات ذلك بحسب رأي العديد من علماء السياسة «تآكلٌ بطيء للديمقراطية»، بسبب خلق ترامب تصورًا لقاعدته الانتخابية بأنَّ هذا النظام احتال عليه و«طعنه بظهره». وسيعكس الانقسام في الشارع الأمريكي انقسامًا في عاصمة العالم واشنطن، وبالضرورة انقسامًا في القضايا الخارجية والدولية.
يؤكد ذلك البروفيسور الأسترالي جون كاين، المنظر والمختص بالديمقراطية، عندما يتحدث عما أسماه «الاستبداد الجديد – The New Despotism»، وهو نمط حكم جديد في الدول «الديمقراطية» لحُكَّام شعبويين يتلاعبون بعواطف الشعوب، ويحشدونهم للتصويت لهم.
ويضيف كاين أنَّ هذا النوع من الاستبداد الجديد ليس مستبدًّا بالشكل الكامل كما كان استبداد القرن العشرين القمعي، بل يعتمد على التضليل وبيع الأوهام، ويستغل «ثلاثة عوامل: التقاليد التاريخية، والقوى الاقتصادية، والتقدم التكنولوجي»، ويؤكد كاين أنَّ هذا النمط يوجد في العديد من الدول الديمقراطية اليوم.
ولا تقتصر انعكاساتُ خروج ترامب على مستقبل الديمقراطية وحسب، بل في ملفات خارجية حساسة، فقد فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها أمام حلفائها التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان، ومنظمات التحالف الدولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، والتحالفات العسكرية مثل الناتو؛ وكل ذلك بسبب قرارات ترامب التي كانت تحاول تفكيك هذا النظام العالمي «الليبرالي»، الحامل لمصالح الولايات المتحدة وإرثها.
وسيُصعب الإرباك الذي أحدثه ترامب المهمة على إدارة بايدن، لإعادة بناء الثقة مع هؤلاء اللاعبين، وسيسعى بايدن لإعادة تقوية العلاقات مع حلفائه الأوروبيين لمواجهة الخطر الصيني. وخلال فترة حكمه نجح ترامب في وضع الصين على رأس أولويات «الأمن القومي» الأمريكي، من خلال حروبه التجارية والكلامية ضد الصين، إما بسبب دعاوى سرقتها الملكية الفكرية لبعض المنتجات الأمريكية، وإما بسبب تقليصها فرص عمل العُمال الأمريكيين، خاصةً في المصانع بحسبه. وهذا ما سيرثه جو بايدن، الذي اعتمد أيضًا خطابًا حادًّا تجاه الصين.
The United States will be powerfully supporting those industries, like Airlines and others, that are particularly affected by the Chinese Virus. We will be stronger than ever before!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) March 16, 2020
أما بالنسبة للملف الإيراني، فقد صعب ترامب المهمة المستقبلية على بايدن من خلال الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية، والتعاون في اغتيال رموزٍ إيرانية مهمة مثل قاسم سليماني، والعالم النووي محسن فخري زاده.
ومع تعهد بايدن العودة للاتفاقية النووية في حال «امتثال طهران»، لا يبدو أنَّ طهران تحمل هذه النية؛ خاصةً بعد إعلانها زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، ومن طرفٍ آخر سيواجه بايدن معضلة أخرى مع حلفائه بالخليج، والأهم من ذلك مع حليفه نتنياهو، الذي لن يرضى بمرور الاتفاقية على شاكلتها القديمة.
شرق المتوسط يشتعل
شهد شهر أغسطس (آب) من العام الماضي، تصعيداتٍ في منطقة شرق المتوسط، بين محور جمع اليونان، ومصر، وإسرائيل، وقبرص، وفرنسا، ومحورٍ آخر تجد تركيا نفسها وحيدة تُطالب بحقها في التنقيب، واستخراج حصتها من موارد غاز المتوسط.
فبعد توقيع تركيا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية مقابل اتفاقية تعاون عسكري، أصبح شرق المتوسط منطقة صراع جيوسياسي تتنازع عليها الدول المحيطة، لتنفيذ مشروعات نقل الغاز إلى أوروبا، بعدما بحثت الأخيرة عن بديلٍ للغاز الروسي من جراء الانقطاع الذي حدث بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.
مشكلة أزمة شرق المتوسط مركبة ولها جوانب متعددة، منها جوانب تاريخية تعود إلى اتفاقية قانون البحار للأمم المتحدة، الذي لم توقع عليه تركيا، فقد قلَّصت الاتفاقية حظوظ تركيا بالاستفادة من الموارد الطبيعية بسبب تبعية جزيرة «كاستلوريزو» لليونان، التي تبعد عن الساحل التركي كيلومترين فقط، وفقًا لقانون البحار. ووفقًا للقانون فإنَّ مساحات تركيا للتنقيب صغيرة جدًّا، وليست مجدية.
ومع فوز جو بايدن تبنى الرئيس التركي أردوغان خطابًا ينادي فيه بالحوار، في محاولة لخفض التصعيد، خاصةً مع قرار الاتحاد الأوروبي بتمديد عقوباته ضد تركيا بسبب نشرها سفينة تنقيب في المياه، التي تقول اليونان بأنَّها تابعة لها.
ستبقى أزمة شرق المتوسط عالقة، مع احتمالِ كبيرٍ لتهدئة بين جميع الأطراف بسب خطاب بايدن الذي توعد فيه بعودة الولايات المتحدة إلى الساحة مرة أخرى، وهي عودة سيحاول بايدن فيها الموازنة بين جميع حلفائه التقليديين في المنطقة. ولكن على المدى البعيد، ومع انحسار الدور الأمريكي المستمر في المنطقة، سيحمل المستقبل تصعيدات بين الدول المتنازعة على أمواج شرق المتوسط.
مشكلة مصر المؤرقة.. أزمة سد النهضة
كاد إعلان إثيوبيا بدء تعبئة سد النهضة يوليو (تموز) الماضي أن يشعل فتيل حرب إقليمية بين القاهرة وأديس أبابا، بعد تهديد مصري باستخدام القوة العسكرية لتدمير السد عن بكرة أبيه. ويعد ملف سد النهضة أحد الملفات الوجودية التي تسعى مصر إلى إيجاد حلٍ عاجلٍ لها.
فبالنسبة للقاهرة تشغيل سد كهذا كفيل بتجفيف مياه النيل، وتصحُّر معظم الأراضي الزراعية؛ مما سيؤدي إلى إفقار وتجويع آلاف المصريين الذين يعتمدون على مياه النيل في زراعتهم، ومن جهة أديس أبابا يُعد مشروع سد النهضة حلمًا يعود إلى الإمبراطور هيلا سيلاسي في ستينيات القرن الماضي، ومشروعًا قوميًّا يقوم عليه مستقبل ازدهار اقتصادي لإثيوبيا، وسد حاجاتها الكهربائية، واستثمرت إثيوبيا في بنائه مليارات من الدولارات بتبرعات من أبناء الشعب، وبجذب استثمارات خارجية، منها دول حليفة لمصر، مثل الإمارات.
أثناء توقيع اتفاقية مبادئ مشروع سد النهضة عام 2015
وفي بداية سبتمبر (أيلول) 2020، بعدما طلب السيسي من الرئيس ترامب التوسط لإيجاد حلًّ وسط تعنتٍ أثيوبي، أعلنت الولايات المتحدة قطع بعض المساعدات التي تقدمها إلى إثيوبيا، بهدف الضغط عليها للعودة إلى طاولة المفاوضات، والوصول إلى حلولٍ مرضية لجميع الأطراف، وقد أعلنت السودان مؤخرًا مع إثيوبيا استئناف المفاوضات، مع إعلان مصر «عدم وجود توافق» مع كلا الطرفين حول آليات استكمال المفاوضات.
لا يحمل مستقبل التفاوض بشير أمل للوصول إلى تسوية كاملة مرضية لجميع الأطراف، فالوضع الاقتصادي لمصر وتراكم ديونها لن يسمح لها بخسارةٍ ثانية. وبالنسبة لآبي أحمد، فسد النهضة، ورقة مصيرية في انتخاباته القادمة، التي تأجلت إلى مايو (أيار) القادم بسبب جائحة كورونا، وحتى في حال خسارته، فإنَّ أيَّ رئيس وزراء قادم عليه خلق موازنات حساسة بين الضغط الدولي والشعبي في هذا الملف الشائك.
كورونا يضرب الاقتصاد المتصدع منذ سنين
أصابت جائحة كورونا الاقتصاد العالمي في مقتل، فبعدَ توقعات بعض الاقتصاديين بحدوثِ أزمة اقتصادية قريبة، جاء فيروس كورونا ليسرع وتيرة الأزمة، ويقفل أبواب السوق العالمية. تشير تقديرات آثار كورونا الاقتصادية إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي بنسبة تتراوح ما بين -4 ونصف إلى -6% لعام 2020، ويوجد توقع تعافٍ اقتصاديٍّ جزئيٍّ خلال عام 2021، بمعدل 2.5 إلى 5.2.
وفي يونيو (حزيران) من العام الحالي نشر البنك الدولي توقعات لمستقبل الاقتصاد العالمي، والذي قدر فيه بأنَّ الركود الاقتصادي الذي سيشهده العالم، سيعد الركود الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، وقدر أيضًا بأنَّه قد يضر بـ90% من اقتصادات العالم.
وكان من بين الأحداث الاقتصادية المهمة التي حدثت خلال هذا العام، وسرعها كورونا، هو حرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية، فبينما كان ترامب يضغط على السعودية وروسيا لخفض معدل الإنتاج، لم ترضخ روسيا لهذا الضغط؛ مما دفع السعودية إلى رفض تخفيض الإنتاج، واستمرت هذه الحرب حتى وصل الطرفان إلى اتفاق خفض الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يوميًّا خلال ما تبقى من عام 2020. ومنذ إعلان التوصل إلى لقاح، سجلت أسعار النفط تحسنًا؛ إذ وصلت إلى 51 دولارًا للبرميل، بعد أن كانت في الشهور الماضية تصل إلى ما دون 40 دولارًا.
وستحمل التبعات الاقتصادية لجائحة كورونا تحديات كبيرة على دول العالم مواجهتها، مثل إصلاح توسيع وتحسين الأنظمة الصحية التي أثبتت عدم جاهزيتها لتحمل الجائحة، وفي حالة الدول المتقدمة صرف أموال تعويضية للمواطنين المتضررين اقتصاديًّا، كما هو الحال في الولايات المتحدة.
وعلى المدى البعيد ستواجه الدول المديونة، مزيدًا من الديون لتفادي انعكاسات الأزمة الاقتصادية، وعلى مستوى الدول المنكوبة، فقد بلغت بعض التقديرات دخول 100 إلى 110 مليون إنسان إلى مرحلة الفقر الشديد خلال الفترة القادمة.
وقد أعلنت دول مجموعة العشرين في مؤتمرها الأخير التكاتف والتعاون لإصلاح الاقتصاد العالمي، واعتماد خطة تجميد الديون على الدول الفقيرة، وإصلاح منظمة التجارة العالمية؛ مما يشير إلى تركيز قادة الدول في المستقبل القريب على الملف الاقتصادي؛ مما قد يشير إلى تقليص محتمل في التوترات السياسية.
أمريكا ليست مدعوة.. 15 دولة آسيوية توقع اتفاقًا تاريخيًّا
في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وُقعت اتفاقية «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة» بين 15 دولة آسيوية، منها 10 دول تشكل رابطة دول جنوب شرق آسيا «أسيان»، بالإضافة إلى خمس دول هم الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلاندا.
وقد بدأت مرحلة المفاوضات بين الدول في نوفمبر 2012، إذ استمرت ثمانية أعوام لإنجازها؛ وتضم اتفاقية الشراكة الشاملة إلغاء الجمارك على الواردات بين هذه الدول، لمدة 20 عامًا. بالرغم من أنَّ الاتفاقية مبادرة من رابطة أسيان، فإنَّ الكثيرين يعدونها بديلًا صينيًّا عن اتفاقية «الشراكة العابرة للمحيط الهادئ – تي بي بي»، وهي اتفاقية وقعتها الولايات المتحدة والعديد من الدول الآسيوية لم تكن الصين ضمنها.
أثناء توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة 15 نوفمبر 2020
وجاءت اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ ضمن جهود الرئيس أوباما في عام 2016، وبعد صعود ترامب وقع أمرًا تنفيذيًّا للخروج منها؛ مما جعل الدول الموقعة على الشراكة تتجه لعقد اتفاقٍ ثانٍ اسمه «الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ – تي بي بي11»، وتعد هذه الاتفاقية أشمل من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة.
ولكنَّ اتفاقية الشراكة الشاملة ستضم 15 دولة تشكل اقتصاداتها 30% من التجارة العالمية، ونسبة سكانها تشكل 30% من نسبة سكان العالم. ويرى بعض المحللين أنَّ هذه الاتفاقية قد تكون بداية لتكاملٍ إقليمي حقيقي.
وبسبب انسحاب ترامب من اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، فقد تحد الاتفاقية من نفوذ أمريكا الاقتصادي في منطقة شرق آسيا، ما لم يملك بايدن تصورًا صلبًا لملء هذه الفجوة. وعندما سُئل بايدن عن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة قال: «على الولايات المتحدة وضع القواعد، بدلًا عن السماح للصين ودول أخرى بالتحكم في النتائج».