منذ أن شنَّت روسيا هجومًا عسكريًا على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022 سعت الولايات المتحدة لتشكيل موقف دولي معاديًا للهجوم الروسي على كييف، وشمل هذا السعي دول الشرق الأوسط التي حاولت الولايات المتحدة وحلفائها دفعها لمعارضة الحرب الروسية على أوكرانيا، الأمر الذي أظهر تباينات بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

ففي بداية الغزو الروسي لأوكرانيا تبنّى كلٌ من الإمارات وإسرائيل موقفًا حياديًا يشوبه الميل نحو وجهة النظر الروسية؛ إذ امتنعت الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرار يدين الغزو الروسي في 25 فبراير 2022، بينما ترددت إسرائيل في الاستجابة لمطالب أمريكية لإدانة روسيا، فعلى الرغم من أن إسرائيل ليست عضوًا في مجلس الأمن، إلا أن واشنطن طلبت منها، إلى جانب عشرات الدول الأخرى، تأييد القرار الذي يدين موسكو.

وتغيرت هذ المواقف في ساحات الأمم المتحدة، إذ أيّد الطرفان قرارًا أمميًا يدين روسيًا رسميًا، وخرجّت تقارير صحافية تتحدث عن أن هذا التحول حدث بعد ضغوط أمريكية قوية، إذ أصيب المسؤولون الأمريكيون بخيبة أمل من امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرارهم، لذلك طلبوا هذه المرة المساعدة من إسرائيل.

وقبل عملية التصويت اتصل وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بنظيره الإماراتي، عبد الله بن زايد، وأخبره أن إسرائيل تعتقد أن التصويت لإدانة روسيا سيكون الشيء الصحيح الذي يجب فعله، لكن على الرغم من الحديث عن موقف مشترك ودرجة من التنسيق بين الطرفين فإن كل طرف اتخذ موقفه من الحرب على أوكرانيا بناءً على تقديرات وحسابات سياسته الخارجية، وإدراك كل طرف لموقعه ما بين واشنطن وموسكو.

إسرائيل المتأرجحة.. أن تربح أمريكا دون أن تخسر روسيا

في 23 فبراير 2022، ومع ورود أنباء عن روسيا غزوًا لجارتها، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانًا بشأن «الخطوات المتخذة في شرق أوكرانيا» وتأييد مبدأ «وحدة الأراضي»، ولم يشر البيان إلى روسيا؛ مما أغضب السفارة الأوكرانية في تل أبيب.

Embed from Getty Images

آثار الحرب على أوكرانيا

وبعد انطلاق الحرب على أوكرانيا بيوم واحد تخلّى وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، عن صيغة المبني للمجهول أثناء حديثه عن موسكو، ولكن مع استخدام لهجة حذرة في الوقت نفسه، إذ أدان «الهجوم الروسي» باعتباره «انتهاكًا خطيرًا للنظام الدولي» وعرض «المساعدة الإنسانية للمواطنين الأوكرانيين»، لكنه شدد على أن إسرائيل تتمتع بعلاقات جيدة مع الجانبين، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، عاد رئيس الوزراء نفتالي بينيت إلى أسلوب الوزارة الأول الذي يشير إلى المأساة دون الإشارة إلى المتسبب فيها، إذ قال:

«هذه أوقات عصيبة ومأساوية… قلوبنا مع المدنيين في شرق أوكرانيا الذين علقوا في هذا الوضع».

كانت هذه التصريحات مقدمة لتخلي إسرائيل عن دعم واشنطن في مجلس الأمن فيما يخص إصدار قرار يدين روسيا، ولكن ما لبث لابيد أن أصدر بيانًا في 28 فبراير قال فيه: «إن إسرائيل ستصوِّت مع الولايات المتحدة في الجمعية العامة لصالح القرار، بينما أرجأت دعم العقوبات ضد روسيا» وجاء في بيانه: «شكلنا فريقًا مشتركًا بين الوزارات لبحث آثار ونتائج العقوبات على الاقتصاد والسياسة الإسرائيليين».

ويمكن فهم الموقف الإسرائيلي من روسيا بالعودة إلى السياسة التي أشار إليها لايبد عندما سُئل عمّا إذا كانت إسرائيل ستتبع الولايات المتحدة في فرض عقوبات على روسيا، إذ قال إن إسرائيل لديها «قيم ديمقراطية ليبرالية»، ولكن أيضًا هناك اعتبارات أخرى. وقال أيضًا: «لدينا نوع من الحدود مع روسيا»، في إشارة إلى الحدود الشمالية مع سوريا، حيث يتمركز المستشارون والعسكريون الروس هناك.

وتشير تقارير عدة إلى أن إسرائيل رفضت، خلال الأشهر الماضية، عدة طلبات لإرسال معدات عسكرية واستخباراتية إلى أوكرانيا. وحتى بعد الموافقة على بيع «Pegasus» (وهو برنامج تجسس إسرائيلي الصنع) لعشرات الدول الأخرى، رفضت إسرائيل بيعه إلى أوكرانيا في أغسطس (آب) 2021.

وإجمالًا يمكن وضع ثلاثة أسباب رئيسة تقف خلف لموقف الإسرائيلي من روسيا:

  1. يُصرِّح المسئولون الإسرائيليون أنه بدون التفاهمات مع بوتين، لن يكون سلاح الجو الإسرائيلي قادرًا على قصف القوافل الإيرانية التي تعبر سوريا لتسليم الأسلحة إلى «حزب الله» وذلك حسب تصريحات مسئولين إسرائيليين.
    وكذلك رفض بوتين السماح للجيش السوري باستخدام صواريخ «S-300» عالية الدقة والمضادة للطائرات، ضد الأهداف الإسرائيلية، كما أن روسيا تسمح لإسرائيل باحتواء توسع القوة الإيرانية في سوريا.
    وقد أشارت أورنا مزراحي، نائبة مستشار الأمن القومي السابقة لإسرائيل، إلى نفس المعني حين قالت: «الولايات المتحدة هي حليفنا المهم للغاية، ولكن منذ الحرب الأهلية في سوريا، كان علينا التعامل مع الروس، لأنهم أصبحوا جيراننا».
  2. يعيش في أوكرانيا حوالي 200 ألف شخص يهودي مؤهلين للحصول على الجنسية الإسرائيلية ويمكنهم الهجرة بموجب قانون العودة، والرئيس الأوكراني نفسه، فولوديمير زيلينسكي، يهودي أيضا.وقد صرّح متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية ليور حايات قائلًا: «سنكون سعداء لاستقبال أي يهودي يريد الهجرة من أوكرانيا»، ومع ذلك من المفترض أن الإخلاء الجماعي لن يكون ممكنًا إذا أثارت إسرائيل غضب بوتين.
  3. هناك حوالي 175 ألف يهودي في روسيا، من بينهم عددٌ من المليارديرات المقربين من بوتين، والذين يمتلكون منازل واستثمارات في إسرائيل في الوقت نفسه، وربما يكون أبرز هؤلاء هو قطب النفط رومان أبراموفيتش، الذي قدّم مؤخرًا مساهمة بقيمة عشرة ملايين دولار لمتحف «ياد فاشيم» للمحرقة في القدس.

ومع ذلك لا ترغب إسرائيل في أن تبدو منحازة لروسيا، أو تتخلى عن معسكر حلفاءها في الغرب، وهو ما دفعها إلى تأييد إدانة روسيا في الأمم المتحدة، وهي تدرك جيدًا أن تأييدها لهذا القرار لن يكون مؤثرًا بنفس الدرجة لو كان حدث في مجلس الأمن، لذا تحاول إسرائيل حاليًا موازنة موقفها؛ من جانبٍ، لإرضاء الولايات المتحدة، ومن جانبٍ آخر، حتى تترك لنفسها مساحة كافية للعمل وسيطًا في الصراع.

كذلك تنظر الحكومة الإسرائيلية بعين الريبة إلى ردود فعل السكان الإسرائيليين الضخم الناطقين بالروسية، والذين يشكلون حوالي 12% من ناخبيها، ثلث هذه النسبة تنتمي إلى روسيا، وثلث آخر ينتمي إلى أوكرانيا.
وربما يكون هذا ما دفع إسرائيل إلى اتخاذ بعض الخطوات الرمزية، من قبيل السماح للشركات الإسرائيلية الخاصة ببيع معدات الاتصالات العسكرية والروبوتات إلى أوكرانيا، بجانب إرسال نحو 100 طن من الإمدادات الإنسانية والطبية إلى المدنيين هناك.

الإمارات المُحبَطة.. بوتين زارها «بنفسه» وبايدن «خذلها» في اليمن

اعتبر البعض أن امتناع دولة الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرار يدين الحرب على أوكرانيا، هو سابقة خطيرة للنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، إذ كانت هذه الخطوة بمثابة إعلان الحياد من طرف أحد أقرب حلفائها في المنطقة، وهو أمر لا يشير إلى تحوّل في السياسة الخارجية الإماراتية، بقدر ما يشير إلى تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط لصالح موسكو على حساب واشنطن.

Embed from Getty Images

بوتين ومحمد بن زايد

فقد باتت أبوظبي تنظر بعين الإحباط إلى إدارة بادين لشئون الشئون الشرق الأوسط، وتحديدًا إلى القضايا ذات الأهمية الكبرى للدولة الخليجية، فبعد فترة وجيزة من وصول بايدن إلى السلطة، قام بإزالة أعدائها الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأمريكية، ثم بعد أقل من عام، بدأ الحوثيون حملة ضربات عسكرية أبوظبي.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2021، علّقت الإمارات محادثات بشأن صفقة بقيمة 23 مليار دولار مع الولايات المتحدة لشراء طائرات مقاتلة من طراز F-35، بسبب ما رأته «شروط مرهقة»، على خلفية هواجس أمريكية حيال الصين.

ثم ما لبثت أبوظبي أن أعلنت في فبراير 2022، عن عزمها لشراء 12 طائرة عسكرية من طراز «أل 15 فالكون» من الصين، ومن الجدير بالذكر أن آخر مرة زار فيها رئيس أمريكي دولة الإمارات كانت في 2008، أي قبل 14 عامًا، وذلك من قِبل جورج دبليو بوش، وكانت الزيارة الرئاسية الأمريكية الوحيدة إلى البلاد.

وفي المقابل بدا أن روسيا صارت شريكًا إقليميًا محوريًا بالنسبة للإمارات، وبالتالي لا ترغب في إغضاب بوتين، والذي زار البلاد في أكتوبر 2019، واستقبله ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، في حفل كبير، وصف خلال اللقاء روسيا بأنها «وطنه الثاني».

ولم تكن هذه الزيارة إلا تتويجًا لمكانة روسيا في المنطقة، وإدراكًا من جانب الإمارات لهذه الحقيقة، فعلى المستوى الجيوسياسي، صارت روسيا – من خلال تواجدها العسكري المستقر في سوريا – أقرب من الولايات المتحدة إلى الإمارات، وهو ما دفع الأخيرة إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع سوريا.

وفي ليبيا، على الرغم من الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة، نقلت الإمارات وروسيا، إلى جانب دول أخرى، أسلحة إلى حليفهما المشترك، خليفة حفتر، كما زعم تقرير المفتش العام في البنتاجون في عام 2020 أن الإمارات «قدمت بعض التمويل» لشركة المرتزقة الروسية «فاجنر» في ليبيا.

كذلك قادت روسيا منتجي النفط من خارج «أوبك» إلى صفقة إنتاج عززت الأسعار لصالح الإمارات والسعودية، خاصة أن أبوظبي هي الشريك الاقتصادي الأكبر لروسيا في مجلس التعاون الخليجي، وبلغ إجمالي التجارة بين البلدين في 2021 نحو 4 مليارات دولار، وشكّل الروس ثالث أكبر سوق مُصدِّر للسياح إلى البلاد في عام 2021، كما مثّل السياح الروس أكبر نسبة من أجمالي زوار إمارة «رأس الخيمة» الشمالية، كذلك لم تزل روسيا المشتري الأهم في سوق العقارات في دبي.

إجمالًا يمكن القول إن كلًا من إسرائيل والإمارات قد اتخذا مواقف متقاربة تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكنها مواقف تأسست على اعتبارات ومصالح متباينة، وقد عكست تلك المواقف عدم الرضا عن سياسة واشنطن تجاه حلفاءها في الشرق الأوسط، ولكن في الوقت ذاته، تؤكد على حقيقة جيوسياسية هامة، وهي أن روسيا صارت الحليف الدولي الأقرب لدول المنطقة بحكم الضرورة.

فقد ثبّتت موسكو آلاتها العسكرية في سوريا، ويبدو أنها ستقبع هناك لعدد غير معروف من السنين، كما أنها باتت منخرطة بدرجة أو أخرى في معظم ساحات الصراع في المنطقة، وبالتالي تمتلك قدرًا لا بأس به من أرواق اللعب، لذا رغم حرص دول المنطقة على عدم الخروج على المعسكر الغربي باتت تخشى إغضاب روسيا في الوقت نفسه.

المصادر

تحميل المزيد