تواصل «البيتكوين» – العملة الرقمية الأشهر في العالم – الانزلاق نحو مستويات متدنية كثيرًا مقارنة بذروتها التي وصلت إليها في 2017؛ إذ فقدت نحو 80% من قيمتها وسط عزوف المتعاملين بسبب التقلبات الشديدة التي تحدث للعملة، وخلال الأيام القليلة الماضية زادت حدة تراجع البيتكوين، وبشكل خاص خلال النصف الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري؛ وهو الأمر الذي يجعل الجميع يتساءل عن أسباب هذا الهبوط السريع، وهل هذا هو الهبوط الأخير للعملة في طريقها للنهاية؟

تشير بيانات الموقع الإلكتروني الشهير «كوين ديسك»، إلى أن بيتكوين تقترب من مستويات سبتمبر (أيلول) 2017 قبل أن تصل إلى ذروتها في ديسمبر (كانون الأول) 2017، عندما وصلت العملة الرقمية إلى مستويات تقارب 20 ألف دولار، وحتى كتابة هذا التقرير وصل السعر إلى 3734 دولار بعد أن نزل عن مستوى 3500 دولار في وقت سابق.

ما هي أسباب التراجع الكبير للبيتكوين في نوفمبر؟

ترى صحيفة «فوربس» الأمريكية أن سبب التراجع الكبير للبيتكوين والعملات الرقمية الأخرى جاء بسبب استمرار عمليات بيع واسعة النطاق، وذلك التفرع الجديد الخاص بعملة بيتكوين كاش، والخلاف الكبير عليها، لكن «فوربس» تقول: إن بعض المستثمرين لا يزالون متمسكين بتفاؤلهم، ويعتقدون أن السوق قد يرتد مرة أخرى إلى موجة صعودية.

إلا أن ماتي جرينسبان، المحلل التسويقي لموقع «آي تورو»، يرى أن من المستحيل التنبؤ بأداء العملة مستقبليًا، بينما يعرب عن آماله في أن تعود العملة للمسار الصعودي مرة أخرى بنهاية العام، مشيرًا إلى أن طبيعة تقلب الأسعار في السوق، تجعل من الممكن ارتداد الأسعار مرة أخرى، فبنهاية العام من الممكن أن يصعد السعر إلى مليون دولار، ومن الممكن أيضًا أن يتراجع إلى 100 دولار.

بشكل عام حتى الآن لا يفهم أحد طبيعة تحركات البيتكوين؛ فهي تصعد في لحظات لمستويات قياسية، وتفقدها كذلك في لحظات، ففي في أقل من 60 دقيقة فقدت 10% من قيمتها في إحدى جلسات تعاملات الأسبوع الماضي، وهي نسبة كبيرة للهبوط في وقت قصير، إلا أن جاني زيدينز، المحلل بشركة «كراكد ماركت»، يرى أن قاع (أقل سعر) العملة المشفرة على المدى القصير هو 3500 دولار، متوقعًا أن يستمر البيع خلال الأيام القليلة القادمة، ولكن قد يرتد السعر مرة أخرى إلى مستوى 5 آلاف دولار.

سبب أخر يتحدث عنه بعض المحللين حول أن الهبوط يرجع إلى غياب القواعد الحاكمة للأسواق، مع توجه مجموعة من المضاربين إلى بيع ما بحوزتهم من العملة، مع الاستعداد لشرائها مرة أخرى عند المستويات السعرية الأقل، لكن في الواقع هذه الممارسات هي أهم ما يميز البيتكوين حاليًا، وهو ما يجعل القلق هو المسيطر على أسواق العملات الإلكترونية عمومًا، ومع استمرار حالة الخوف والذعر على التعاملات فإن الأصول الرقمية ستذوب الواحدة تلو الأخرى، مع تضرر ثقة المستثمرين ومعنوياتهم.

ما علاقة ترامب بهبوط البيتكوين؟

إضافة إلى الأسباب سالفة الذكر يمكن القول إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسؤول بشكل غير مباشر عن هبوط البيتكوين خلال الشهر الجاري تحديدًا، وذلك بسبب بعض قراراته التي كان لها تأثير على حركة العملة وتوقعات انتعاشها في المستقبل، ومن هذه القرارات سنتحدث تحديدًا عن قرارات ترامب بشأن العقوبات الإيرانية والحرب التجارية المشتعلة بين الصين وأمريكا.

خلال تقريرنا: «هل تنتهي قصّة «البيتكوين» بنهاية 2018؟» المنشور في أغسطس (آب) الماضي تحدثنا عن علاقة الدولار والعقوبات الاقتصادية بالبيتكوين، وذكرنا أن العقوبات أحد أبرز الأسباب التي تدعم بقاء البيتكوين والعملات الرقمية لما هو أبعد من 2018؛ لأنه كما هو معلوم فإن الهدف الأبرز من اختراع العملات الرقمية هو أن تكون بعيدة عن الأنظمة، وبعيدة عن الرقابة، ولا يمكن تتبعها.

وخلال الأشهر الأخيرة كان ترامب يتحدث أنه سيفرض عقوبات على طهران تدفع صادراتها للنفط إلى الصفر، ولكن مع 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وهو وقت بدء سريان العقوبات، تراجع ترامب عن هذه الفكرة، وقرر إعفاء نحو ثماني دول من العقوبات الأمريكية على إيران، وهو الأمر الذي دفع البيتكوين للتراجع؛ وذلك لأن استخدام العملات الرقمية في إيران لن يكون بالدرجة نفسها المتوقعة قبل ذلك؛ إذ إن سياسة العقوبات الاقتصادية التي تنتهجها أمريكا أو تفرضها بعض الدول على دول أخرى توفر مناخًا مناسبًا لانتعاش البيتكوين؛ فقد سبق لكوريا الشمالية الاعتماد على العملة الافتراضية لتجنب آثار العقوبات، كما أوضحنا سابقًا.

على الجانب الأخر، تسببت تصريحات ترامب حول فرض رسوم على سلع صينية في إنعاش سعر الدولار الأمريكي؛ إذ أبلغ ترامب صحيفة «وول ستريت جورنال» أنه يتوقع المضي قدمًا في زيادة الرسوم الجمركية على واردات صينية بقيمة 200 مليار دولار إلى 25% من 10% حاليًا، وهو الأمر الذي تسبب في صعود الدولار لأعلى مستوى في نحو أسبوعين.

Embed from Getty Images

ويعتبر الدولار محرّكًا رئيسًا للاستثمارات في العالم، وبالتالي فمن الطبيعي أن نجد صعود الدولار يضرّ الكثير من القطاعات الاستثمارية، فارتفاع العملة الأمريكية يعني عزوف الكثيرين عن العملات الإلكترونية للاستفادة من قوة الدولار، وهذا تحديدًا ما حدث خلال الأيام الماضية.

فبما أن البيتكوين باتت عملة يتم المضاربة عليها كغيرها من العملات فمن الطبيعي أن تتأثر بقوة الدولار التي يتسبب بها تصريحات ترامب، ولكن تأثر البيتكوين يكون أعنف من غيرها، لأنه كما ذكرنا فأن حركة البيتكوين عنيفة سواء صعودًا أو هبوطًا، وللتأكيد على هذه العلاقة يمكن القول الفترة التي شهدت ذروة البيتكوين كان الدولار مسجلًا أكبر هبوط سنوي منذ 2003، وذلك خلال العام الماضي.

هل هناك سعر عادل للبيتكوين؟

وبعيدًا عن أسباب الهبوط هناك سؤال ملح الآن مفاده: هل هذه التقلبات ستنتهي إلى سعر عادل للبيتكوين أم أنها تقلبات عشوائية لا يمكن القياس عليها؟ في الواقع يرى كثيرون أن سوق العملات الرقمية ما زال حتى الآن يسيطر عليه العشوائية.

لكن بانوس موردوكوتاس، أستاذ الاقتصاد بجامعة لونج أيلاند بنيويورك وجامعة كولومبيا، تحدّث عن القيمة العادلة للبيتكوين، وذلك من خلال نموذج «ويتلي» للتقييم، الذي يحاول تحديد القيمة العادلة للعملة من خلال النظر في جانب الطلب من معادلة السعر، إذ يصل سعر البيتكوين إلى 1242.64 دولارًا – أقل كثيرًا من السعر الحالي – إذا اعتمدنا على هذا النموذج من القياس.

Embed from Getty Images

إلا أنه يوجد نموذج آخر يسمى «هايس»، وهو الذي يحدد القيمة العادلة للعملة من خلال النظر في جانب العرض من المعادلة السعرية، وهو ما يصل بسعر البيتكوين إلى حوالي 10179.25 دولارًا، ويرى موردوكوتاس أنه مع انخفاض ربحية التعدين، فمن المتوقع أن ينخفض المعروض من العملة في الفترة القادمة.

لكن في النهاية بالرغم من هذا التقييم لا أحد يستطيع أن يعرف أي النماذج المذكورة هي الأقرب إلى التحقق، في ظل هذه التقلبات الحادة التي من المتوقع أن تستمر الفترة القادمة.

المصادر

تحميل المزيد