«إسرائيل لديها مكان في قلب إثيوبيا، وإثيوبيا لها مكان في قلب إسرائيل»
قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسط تصفيقٍ حار تردد صداه في أرجاء البرلمان الإثيوبي، يوم السابع من يوليو (تموز) 2016، مكررًا التصريح ذاته الذي أدلى به رئيس الوزراء الإثيوبي آنذاك هيلامريم ديساليجن خلال أول زيارةٍ من نوعها يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي منذ ما يربو على 30 عامًا.
وتعميق علاقات إسرائيل مع إثيوبيا إنما هو في الواقع جزء من هذه الاستراتيجية الأوسع تجاه أفريقيا، والتي أعلن عنها رئيس الوزراء نتنياهو في عام 2016 تحت شعار «العودة إلى أفريقيا». تهدف هذه الاستراتيجية إلى توسيع مستوى العلاقات مع دول أفريقية مهمة، مثل إثيوبيا التي تروِّج لنفسها منذ سنوات باعتبارها «بوابة إسرائيل إلى أفريقيا»، واستكشاف آفاق مد جسور التعاون مع دول جديدة في القارة.
انقلاب وتظاهرات.. هكذا تصنع الدول من الليمون الحامض شرابًا حلوًا
بينما لم تكد إثيوبيا ترفع رأسها بين ركام الانقلاب الفاشل، الذي أسفر عن مقتل رئيس الأركان والعديد من كبار المسؤولين في إثيوبيا، حتى حطّ ممثلو الحكومة الإثيوبية رحالهم في إسرائيل، أواخر شهر يوليو (تموز) 2019.
على الصعيد الرسمي، حثت وزارة الخارجية الإسرائيلية مواطنيها في إثيوبيا على «تجنب التجمعات، والابتعاد عن المظاهرات المحلية»، ونصحتهم عمومًا بالبقاء في منازلهم حتى يصبح الوضع أكثر وضوحًا». لكن تغطية الصحف الإسرائيلية لذلك الانقلاب الفاشل كانت داعمة بوضوح لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وهو الموقف الذي يكاد يتطابق مع النهج الأمريكي المشجع لرئيس الوزراء الشاب، والذي توِّج بمنحه جائزة نوبل للسلام، حتى لو كان ترامب يعتقد أنه أحق بها.
وكان لافتًا أيضًا أن منافذ إعلامية، مثل: «جيروزاليم بوست» و«إسرائيل ناشيونال نيوز»، استخدمت هذا الانقلاب وتداعياته الأمنية للتأكيد على ضرورة تسهيل هجرة ما تبقى من اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل. وفي ظل الصعوبات التي تواجهها إثيوبيا، والوعود البراقة التي تطلقها إسرائيل، يودّ ما تبقى من يهود إثيوبيا لو لحقوا بأكثر من 140 ألفًا من بني جلدتهم الذين سبقوهم بالهجرة، أو ولدوا في إسرائيل.
ولفتت الصحفية الإسرائيلية «سونيا إبشتاين» إلى أن هذه المحاولة الدموية جاءت في أعقاب مفاوضات ناجحة بين إسرائيل وإثيوبيا أدت إلى إطلاق سراح ميناشي ليفي، وهو مواطن إسرائيلي ظل محتجزًا في إثيوبيا لأكثر من أربع سنوات بعد اتهامه بالتهرب من الضرائب.
على الجانب الآخر، لم تكن التظاهرات التي نظمها المهاجرون الإثيوبيون في إسرائيل احتجاجًا على مقتل المراهق الإثيوبي سليمان تيكا برصاص شرطي إسرائيلي قد وضعت أوزارها بعد، حتى أكد السفير الإثيوبي لدى إسرائيل ريتا أليمو نيغا على أن هذا هو الوقت المناسب تمامًا لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
وقبل أن يسدل العام ستاره كان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، يُستقبل بحفاوةٍ بالغة في إسرائيل، ليؤكد من تل أبيب في سبتمبر (أيلول) الماضي ما سبق أن أعلنه سلفه هيلامريم ديساليجن قبل سنواتٍ في عام 2016 من قلب إثيوبيا، بحضور نتنياهو في الموقفين.
لماذا تُعَوِّل أديس أبابا وتل أبيب على «المجتمع الإثيوبي اليهودي» في إسرائيل؟
حين أدلى السفير الإثيوبي بالتصريحات المشار إليها آنفًا لم يكن يجهل معاناة الإثيوبيين في إسرائيل، لكنه كان يُعَوِّل على الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الإثيوبي اليهودي، الذي يضم أعضاء مثقفين ونشطين في تعزيز العلاقة بين البلدين، ناهيك عن تسوية أي توترات قائمة.
وهو يقول عن ذلك في حوارٍ مع صحيفة جلوبز العبرية: «يمكنهم العمل في إثيوبيا باعتبارهم مواطنين محليين دون القيود التي تنطبق على المستثمرين الأجانب، لأنهم يتحدثون اللغة المحلية، ويفهمون الثقافة الوطنية، وعندما يذهبون إلى إثيوبيا، يعاملون باعتبارهم جزءًا من المجتمع. وهم بذلك يمتلكون قدمًا في إثيوبيا والأخرى في إسرائيل، ورغم أنهم يعيشون الآن في الأخيرة إلا أن جذورهم لا تزال قوية في الأولى».
واللعب بهذه الورقة ليس حكرًا على الجانب الإثيوبي، بل وظفها نتنياهو، في كلمته المشتركة مع رئيس وزراء إثيوبيا السابق حين استقبله في إسرائيل مطلع يونيو (حزيران) 2017، قائلًا: «يشكل المجتمع الإثيوبي في إسرائيل، يا سيادة رئيس الوزراء، جسرًا بشريًا يربط بين أبناء شعبينا. وعضو الكنيست ونائب رئيس الكنيست، د. ناجوسا، شاهد على مساهمة هذا المجتمع».
«إثيوبيا ترحب بكم».. دعوة سياحية مفتوحة من قلب تل أبيب
تطمح إثيوبيا إلى تعزيز اقتصادها من خلال زيادة عدد السياح إلى ثلاثة أضعاف، ليصل إلى أكثر من 2.5 مليون زائر في غضون السنوات الخمس المقبلة، على أمل أن يولد هذا القطاع استثمارًا أجنبيًا مباشرة ويجلب المزيد من العملات الأجنبية ويخلق فرص عمل، فضلًا عن المساهمة في الترويج لصورة إثيوبيا إقليميًا وعالميًا، حسبما صرح أمين عبد القادر وزير الثقافة والسياحة الإثيوبي.
وكان المجلس الأوروبي للسياحة والتجارة قد اختار إثيوبيا باعتبارها أفضل وجهة عالمية للسائحين في عام 2015. وتضم البلاد تسعة مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)؛ ثمانية منها مواقع ثقافية وموقع واحد طبيعي.
في ضوء هذا الطموح، يمكن قراءة مشاركة إثيوبيا في «السوق الدولي للسياحة المتوسطية لعام 2020» الذي استضافته تل أبيب في الفترة من 11 إلى 12 فبراير (شباط) 2020، إذ وجدته الحكومة الإثيوبية فرصة لتوجه دعوة مفتوحة للإسرائيليين لزيارة المواقع التراثية العالمية في البلاد، والاستفادة من الإمكانات السياحية التي تمتلكها، وأعربت السفارة الإثيوبية في إسرائيل عن استعدادها لتقديم كل الدعم اللازم للراغبين في السفر إلى إثيوبيا.
معجزة اقتصاد إثيوبيا في خطر.. وإسرائيل تتقن مداعبة أحلام الخائفين
هل تحتاج إثيوبيا إلى إسرائيل؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب استعراضًا شاملًا لمسيرة الاقتصاد الإثيوبي خلال العقدين الفائتين وآفاقه المستقبلية، ووضع هذا التقييم في سياق أنهار السمن والعسل التي تعد بها إسرائيل إثيوبيا.
في عام 2000، كانت إثيوبيا، ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا، تلاحقها وصمة «ثالث أفقر دولة في العالم»؛ إذ كان نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي السنوي حوالي 620 دولارًا (بسعر الدولار في عام 2011)، وكان أكثر من 50٪ من السكان يعيشون تحت خط الفقر العالمي، وهو أعلى معدل للفقر في العالم.
لكن ما حدث منذ ذلك الحين يرقى إلى مستوى المعجزة، فوفقًا لتقديرات البنك الدولي أصبحت إثيوبيا ثالث أسرع بلدان العالم نموًا، وفقًا لنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الدول التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة فأكثر.
كانت إثيوبيا أسرع الاقتصادات نموًا في الألفية، بعد ميانمار والصين، متجاوزة الهند التي حلت في المرتبة الثالثة. المصدر: كوارتز أفريكا.
ولا غروَ أن يُستَشهَد بالنمو الاقتصادي السريع في إثيوبيا باعتباره أحد أهم قصص النجاح في القرن الحادي والعشرين، لكن هناك دلائل على أن الطفرة التي يشهدها هذا البلد الأفريقي قد لا تكون مستدامة، وتشير التقارير الأخيرة، التي استعرض دان كوبف مراسل موقع كوارتز الأمريكي نتائجها، إلى أن الإنفاق الحكومي، وليس تحسن الإنتاجية، هو الذي يعزز الاقتصاد.
وإذا لم تؤت استثمارات الحكومة ثمارها، ولم ترتفع عائدات الضرائب، فقد تكون المعجزة الاقتصادية الإثيوبية في خطر. وأقدم البنك الدولي مؤخرًا على مراجعة توقعاته للنمو في إثيوبيا خلال عام 2020 إلى 6.3٪ من 8.2٪، وإلى 6.4٪ لعام 2021 بانخفاضٍ من 8.2٪.
في مقابل هذه المخاوف، لا يزال يتردد صدى وعود نتنياهو من قلب البرلمان الإثيوبي بتقديم الدعم لمضيفيه في مجالات الزراعة وإدارة المياه والطاقة والفضاء والتكنولوجيا، بل ومداعبته أحلام الفلاح الإثيوبي؛ متعهدًا بزيادة كمية الألبان التي تنتجها بقرته، قائلًا: «السؤال الذي أسأله في كل مكان أذهب إليه: أي بقرة تعطي أكبر كمية حليب في العالم؟ هل تعتقدون أنها البقرة الهولندية؟ البقرة الفرنسية؟ لا. إنها البقرة الإسرائيلية، وفي المستقبل القريب ستكون أيضًا البقرة الإثيوبية».
هدف نتنياهو.. زيادة التجارة الثنائية مع إثيوبيا 10 أضعاف
ظلت العلاقات بين إثيوبيا وإسرائيل في فترة ما بعد الحرب الباردة «مستقرة ولكنها لم تصل إلى مستوى العلاقة الخاصة»؛ على حد تعبير مايكل بي. بيشكو، الأستاذ في جامعة أوجوستا. لكن مع استعادة العلاقات الدبلوماسية في عام 1989، بعد قطع العلاقات لفترة بسبب حرب عام 1967، شهدت العلاقات بين البلدين تحسنًا على مدار العقود الثلاثة الماضية.
وإذا كان حجم التجارة بين إثيوبيا وإسرائيل حاليًا يبلغ حوالي 300 مليون دولار، فإن نتنياهو يهدف إلى زيادة التجارة الثنائية بين البلدين بعشرة أضعاف، بموازاة تعزيز العلاقات الأمنية. ومن الصعب عزل وعود نتنياهو المعسولة عن التعقيدات التي شابت سياسة إسرائيل تجاه أفريقيا خلال السنوات الخمس الماضية؛ في ظل محاولات الترحيل القسري لطالبي اللجوء الأفارقة.
لكن تباطؤ محركات الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يرجع في جانبٍ كبير منه إلى التباطؤ الاقتصادي للشركاء التجاريين الرئيسيين لإسرائيل، يجعل السوق الأفريقية اليوم أكثر جذبًا لأنظار الإسرائيليين أكثر من أي وقت مضى، بحسب «جيروزاليم بوست»، وهو ما يفسر أحد العوامل الرئيسية التي تدفع إسرائيل إلى الاهتمام بدول واعدة مثل إثيوبيا.
وإثيوبيا بلد مهم لإسرائيل، سياسيًا واستراتيجيًا، مثلما إسرائيل مهمة لإثيوبيا باعتبارها مصدرًا للمساعدات العسكرية والاقتصادية والمعرفة التقنية، خاصة في وقت تشرئب فيه أعناق المسؤولين في أديس أبابا إلى المستثمرين الأجانب بشغف.
وكانت إسرائيل تاريخيًا أحد أكثر الدول التي قدمت مساعدات عسكرية إلى إثيوبيا، ويعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى أن تل أبيب تعتقد أنها إذا دعمت أديس أبابا؛ فلن تتمكن الدول العربية المعادية من ممارسة سيطرتها على البحر الأحمر وباب المندب، الذي يوفر لها منفذًا على الجنوب.
ما دور إسرائيل في أزمة سد النهضة؟
تسعى إسرائيل بقوة للاستفادة من أزمة سد النهضة لتعزيز نفوذها في أفريقيا، عبر توظيف المعرفة الإسرائيلية في مجالات إدارة المياه وتحليتها والزراعة الصحراوية. وفي أواخر العام الماضي، أطلقت إسرائيل مبادرة أثناء اجتماع عقدته وزيرة الدولة الإثيوبية للشؤون الخارجية هيروت زمين مع نائبة المدير العام للشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الإسرائيلية آينات شيلين لـ«تقاسم تجربتها الواسعة في إدارة المياه» مع أديس أبابا.
وتولي تل أبيب اهتماما خاصًا بهذا الملف لأنه «يعتبر من أبرز القضايا الديناميكية الإقليمية المعقدة التي تشكل أبرز التحديات لاستقرار حكم ونظام السيسي في مصر»، على حد وصف الدكتور عيران ليرمان، نائب مدير معهد القدس للدراسات الإستراتيجية والأمنية، إذ إنه يمثل ملفًا شائكًا لأنها في موقف تحتاج فيه دعم علاقتها بإثيوبيا والاستفادة من السد بالفرص التي يتيحها، وفي نفس الوقت فإن المتضرر منه نظام يقع في النهاية تحت خانة الأصدقاء.
وأشارت تقارير إعلامية إلى وجود أنظمة دفاعية إسرائيلية لحماية سد النهضة، على وقع تلويح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد علي، بأنه «لا قوة ستمنع بلاده من بناء سد النهضة»، لكن السفارة الإسرائيلية في مصر نفت هذه الأنباء ووصفتها بأنها مجرد شائعات.
على العكس، نقلت صحيفة العربي الجديد عن مصادر مصرية وسودانية خاصة عن «ارتياح» مصري غير معهود لإمكانية الاعتماد على تدخل طرفٍ خارجي «حاسم»، ليس مستبعدًا أن يكون إسرائيل. وهو ما يشير بحسب الصحيفة إلى إمكانية استخدام علاقات إسرائيل وتأثيرها القوي على أديس أبابا، ربما عبر تفعيل اتفاق يقضي بنقل مياه النيل إلى الأراضي المحتلة عبر سيناء.