حين توصلت إيران لتفاهم تاريخي في مارس (آذار) عام 2015 مع الدول الست الكبار لتوقيع الاتفاق النووي، لم تتنظر طويلًا حتى أعلن مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني أن «إيران عادت إلى وضع الإمبراطورية، وليس لديها طموحات خارج حدودها»، متممًا حديثه غير عابئ بتوابع ما يقول: «والعراق أصبح عاصمة لهذه الإمبراطورية، فهو ليس جزءً من نفوذنا الثقافي فقط، بل من هويتنا، والعراق عاصمتنا اليوم»، ليتضح من هذه التصريحات بما لا يترك مجالًا للشك أنّ القيادة السياسية في طهران، باختلاف توجهاتها السياسية، لن تتخلى يومًا عن اعتبار العراق جزءًا من أملاكها القديمة.

هذا التقرير يعود بك أكثر من ألف عامٍ ونصف إلى الوراء؛ بداية من الإمبراطورية الفارسية التي سقطت بسبب محاولتها استعادة العراق؛ مرورًا بالحروب بين الدولة الصفوية الشيعية والدولة العثمانية السنية على أرض بغداد، وصولًا إلى عالمنا المعاصر الذي مازالت تتحكم فيه الممالك الغابرة.

«البقية.. البقية».. عندما أسقطت قبائل العرب هيبة الفُرس

لمّا التقَيْنا كَشفْنَا عَنْ جَماجِمِنا ** ليعلموا أنّنا بَكرٌ، فينصرفوا
قَالُوا البَقيّةَ، وَالهِنْدِيُّ يَحصُدُهم  **  وَلا بَقِيّة َ إلاّ النّارُ، فَانْكَشَفُوا
وجُندُ كسرى غداة َ الحِنوِ صبَّحهمْ  ** مِنّا كَتائبُ تُزْجي المَوْتَ فانصَرَفُوا
*من قصيدة الأعشى في يوم ذي قار

مرت على العراق القديم حضارات وممالك كبرى ظلت ذائعة الصيت وحاضرة القوة في العالم القديم؛ بداية من الحضارة السومرية والأكدية والأشورية نهاية بالحضارة البابلية، لكنّ الحضارة لم تصمد طويلا أمام الجغرافيا التي كانت وما تزال أكثر أعداء العراق من الداخل والخارج -كما يقول كاتب عربي-، لذا لم تُدم تلك الحضارات طويلا، فسرعان ما اجتاحها الغزو الفارسي الذي كان يتجاوز ضم البلدان المجاورة؛ إلى الرغبة الجامعة في أن يُصبح الإمبراطورية الأقوى في التاريخ (559 قبل الميلاد: 651م)؛ فقام كورش الكبير، أول ملوك فارس بإسقاط بابل وضمّها إلى أملاكه عام 539 قبل الميلاد، وهو التاريخ الذي أصبحت فيه العراق جزءًا لا يتجزأ من الإمبراطورية العظمى، واللافت أنّ المملكة الفارسية سقطت بعد ذلك بسبب خوضها حربًا لاستعادة العراق.

جيوش كسرى حين وصلت إلى أبواب قسطنطينية

بلغت الإمبراطورية الفارسية قوة جعلها تتسع وتتمدد، لكنّ حُلمها بالسيطرة على العالم سُرعان ما حطمه الأمير المقدوني – الإسكندر الأكبر – الذي لم يُهزم أبدًا في حرب؛ فقاد حملة على بلاد فارس عام 334 قبل الميلاد، وتمكن من تحطيم الإمبراطورية الفارسية تحت ضربات السيوف، فانتزع كل شيئ أمامه حتى وصل إلى الهند، وبعد نحو 500 عام عاد مجد الفرس مرة أخرى بنشأة الإمبراطورية الساسانية التي استعادت العراق، ولكي تُحصّن نفسها من الغارات أنشأت مملكة الحيرة – جنوب غرب العراق – التي حكمها ملوك عرب تولوا مهمة الدفاع عن أطراف الدولة، وبالرغم من تحالفهم من الدولة الرومانية في وقتٍ من الأوقات، إلا أنّ ارتباطهم بالفرس كان يغلب في النهاية.

 في عام 560م جلس على عرش الإمبراطورية الفارسية كسرى الثاني الذي أعاد الأمجاد القديمة فقاد جيوشه للاندفاع في آسيا الصغرى شرقًا وجنوبًا، ثم توجه إلى الإمبراطورية الرومانية فأكل أملاكها بشراهة حتى وصل إلى أبواب قسطنطينة فكاد يُسقطها ومعها الإمبراطورية الرومانية، وامتد مُلكه أيضًا ليسع الشام وما حولها وبيت المقدس وما فيه حتى وصل إلى مصر ودخل الاسكندرية ظافرًا من دون أن يُهزم في معركة واحدة حتى أعلن أنه إلهًا لا يُقهر، لكنّ التاريخ كان يُخبئ له بين صفحاته أنّ هزيمته الأولى والأخيرة ستأتي من العرب الأجلاف الذين كانوا يرعون الغنم في الصحراء، بينما كان هو يُسقط حضاراتٍ ويُقيم أخرى.

تحكي كتب التاريخ حادثة ذي قار التي وقعت أوائل القرن السابع قبل أكثر من ألف عامٍ ونصف؛ فحين طلب كسرى الثاني من ملك الحيرة، النعمان بن المنذر أن يُرسل إليه بناته، رفض الملك العربي وأرسل له ردًا غاضبًا، فلمّا وصلت الرسالة توعده الملك الفارسي بالقتل، فهرب النعمان لائذًا وعائذًا بالقبائل يطلب الزود والحماية، لكنهم أبوا جميعًا ورفضوا ضيافته خوفًا أن يُصبهم قدحًا من الغضب الذي سيلحق بصاحبهم لا محالة.

فهام الملك العربي في البادية حتى استقر به المقام عند هانئ بن مسعود الشيباني، أحد سادات العرب في الجاهلية الذي أجاره وأمّنه، ثم نصحه بأن يذهب إلى كسرى بنفسه، فإمّا أن يعود ملكًا عزيزًا، أو يموت شريفًا، ولما سمع لنصيحته أودعه ماله وأهله وسلاحه، ثم استقبل بلاد فارس التي قُتل فيها.

عينّ كسرى حاكمًا عربيًا للحيرة، ثم أرسل معه رسالة تهديد إلى هانئ بن مسعود يأمره فيها بإعادة الأسلحة والأموال التي أودعها له النعمان بن المنذر، لكنّ المروءة التي أظهرها قبل قتل صاحبه دفعته للاستنفار بالعرب التي اجتمعت في ذي قار  – مكان قُرب الكوفة حاليًا جنوب بغداد – نجدة لقبيلة بني بكر، ولما بلغ كسرى ما فعتله العرب، أمر بتجهيز الجيوش لتأديب الجزيرة العربية، ولما التقى الجيشان ضرب العطش جيوش كسرى فتساقطوا أمام السيوف العربية.

ويحكي الأعشى – شاعرٌ عربي – في إحدى أبيات قصيدته « قَالُوا البَقيّة، وَالهِنْدِيُّ يَحصُدُهم.. وَلا بَقِيّة َ إلاّ النّارُ، فَانْكَشَفُوا»، وتعني أنّ جنود فارس صرخوا: «البقية.. البقية»، وهي لفظة يصيح بها المقاتلون عادة حين يشتدد القتل في الطرفين، وتعني طلب وقف القتال والإبقاء على ما تبقى من الفريقين؛ وبعدما عاد فلول الجيش منهزمًا، سقطت هيبة الفُرس في الجزيرة العربية، وسارعت قبيلة بني بكر للتمرد ومحاولة الاستقلال بالحيرة، لكنّ الإسلام كان أسرع من الجميع.

القادسية.. حين قطّعت العراق أوصال إمبراطورية الفرس

لم تكن في طموحات عمر بن الخطاب فتح فارس؛ لكنّ حرصهم على استعادة العراق أسقط إمبراطوريتهم

عندما تولى أبو بكر الخلافة عام 11 هجريًا، ارتدت القبائل العربية عن الإسلام، كما أنّ بعضهم رفض دفع الزكاة؛ فبدا أنّ العرب في طريقهم مرة أخرى إلى الجاهلية والتفرق تحت العصبيات القبلية مرة أخرى، لذا أرسل الخليفة جيوشه وسراياه لبدء حروب الردة وإخضاع القبائل تحت الحُكم الإسلامي المركزي، ولما دانت الجزيرة للدولة الإسلامية الوليدة، سارت الجيوش أولًا لفتح العراق التي كانت تحت الحُكم الفارسي، ونجح خالد بن الوليد في إخضاعها  بعد 10 معارك متتالية سقطت فيها عدة مدن أبرزها الحيرة، ثم ذهب إلى الشام لانتزاعها من قبضة الإمبراطورية الرومانية، وفي تلك الأثناء قاد الفُرس حروب الاستراد فانتزعوا العراق مرة أخرى.

Embed from Getty Images

في تلك الأثناء تُوفي الخليفة أبو بكر عام 13 هجريًا، وخَلَفَهُ من بعده عمر بن الخطاب الذي استكمل مسيرة الفتوحات الإسلامية، وحشد القبائل التي تراجعت عن الردة مع القبائل التي تمسكت بدينها للتجهيز لحرب العراق، فدارت عدة معارك بين جيش المسلمين بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني، وبين جيوش الفرس بقيادة رستم الذي أراد أن ينتزع نصرًا لرفع الروح المعنوية لجنوده، فدارت عدة معارك انتصر المسلمون فيها قبل أن تميل الكفّة لصالح جيوش الفرس الذي دفعوا الأفيال الضخمة أمام جيوشهم فلحقت الهزائم بالمسلمين الذي حشدوا آخر قواهم لانتزاع العراق بالقوة.

كانت الأوضاع في العراق تؤثر على مسار السياسة في قلب الدولة الساسانية التي اجتمع حُكماءها لعزل الملك الفارسي وتنصيب حفيد كسرى يزدجر الثالث، الذي قضى على الخلافات الداخلية ثم توّحد مع الإمبراطورية البيزنطية للتصدي للزحف العربي ومنع قيام إمبراطورية عربية متاخمة للإمبراطوريتين، فنشبت عدة معارك في العراق أبرزها معركة القادسية عام 15 هجريًا والتي تجهّز لها الفرس بـ200 ألف جندي مُدججين بسلاح الفيلة مقابل 30 ألفًا من المُسلمين، ودارت رحى الحرب أربعة أيامٍ كاملة انتهت بمقتل رُستم قائد الفرس وانسحاب جيشه خارج العراق التي أصبحت إمارة إسلامية، ولم يكن عُمر بن الخطاب يرغب في في عبور العراق إلى قلب الدولة الساسانية، حتى ذلك الوقت، وتُنسب له جملته الشهيرة: «وددتُ لو أن بيننا وبين فارس جبلًا من نارٍ لا يصلون إلينا منه، ولا نصل إليهم».

خسر الفُرس العراق بعد سنوات من الحروب التي قُتل فيها عشرات الآلاف من الجنود الساسانيين، واعتبر  يزدجرد أنّ خسارة العراق بمثابة كشف ظهر الدولة الفارسية، وفي الوقت الذي اطمأنت فيه الإمبراطورية الرومانية بأنّ المسلمين لا يتوسعون أكثر من ذلك، قاد الفُرس مرة أخرى حروب الاسترداد لإعادة مُكلهم؛ مما اضطر عمر بن الخطاب أن يُرسل جيشًا اقتحم لأول مرة الحدود الفارسية – معركة الأهواز – وتعمق بداخلها؛ وكانت النتيجة أن استسلمت مدن، وهُزمت جيوش، وتقطعت أوصال الإمبراطورية الفارسية واحدة تلو الأخرى، حتى سقطت تماما عام 22 هجريًا الموافق 651 ميلاديًا، ودخل الإسلام إيران بعد ذلك، لكنّ الروابط التاريخية والسياسية والدينية صارت أكثر عُمقًا بين البلدين.

تعاقبت على بلدان فارس الخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية التي ناصبوها العداء لأنها أعلت من شأن العنصر العربي بالرغم من إسهامات الأعاجم في الحضارة الإسلامية، وكانت بلاد فارس هي مصدر التهديد الذي أسقط الخلافة الأموية فيما بعد، عندما خرجت دعوة العباسيين من أقصى الأرض في خُراسان – شرق إيران – وحين أراد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، ثاني خلفاء بني العباس، أن يبني دولة خلافته الوليدة، اختار أرض العراق لتستوعب أطراف الدولة في بلاد فارس  من جهة، وأن تبسط زمام سيطرتها على قلب الجزيرة وحتى المغرب العربي من جهة أخرى.

الدولة الصفوية والعثمانية.. حروب الشيعة والسُنة لانتزاع العراق

كانت بلاد فارس تحت الحُكم العباسي الذي دخل في طور الضمور بانفصال الولايات الإسلامية عن دولة الخلافة، وحين سقط الحُكم تماما عام 1517 بعد الغزو المغولي، كانت الخريطة العربية ممزقة بين الدولة الفاطمية والدولة الأيوبية والدولة الإخشيدية، ودولة السلاجقة، والدولة العثمانية، حتى أنّ إيران تتابعت عليها الإمبراطوريات المغولية والفارسية والكردية والتركية حتى جاء عام 1501، عندما تأسست الدولة الصفوية الشيعية التي دخلت حروبًا طاحنة ضد الإمبراطورية العثمانية لنحو 100 عام تقريبًا.

قام إسماعيل الصفوي المؤسس الأول للدولة بإلغاء المذهب السُني الذي كان يدين به السواد الأعظم من الإيرانيين، ثم قاد عمليات ملاحقة علماء السُنة وقلتهم هم وأتباعهم ممن ظلوا على مذهبهم، وبعدما فرض سيطرته بالقوة مستغلًا سياسة عدم الصدام التي انتهجها السُلطان العثماني بايزيد، حفيد السُلطان محمد الفاتح،سيطر الصفويون على العراق عام 1509 لتأمين حدود دولتهم، في مشهد يُعيد للأذهان ما فعله الفرس حين سيطروا على الحيرة العراقية.

بوفاة السُلطان بايزيد عام 1512، تولى من بعده السُلطان سليم الأول، أحد أشهر السلاطين العثمانيين وأقواهم الذي شنّ حربًا مذهبية للقضاء على الدولة الصفوية، وفي عام 1514 قاد جيشه حتى وصل إلى تبريز ، عاصمة الصفويين الذي هرب منها الشاه، لكنّ إسماعيل الصفوي كان داهية لم يسقط بسهولة، وكانت إحدى أهم نتائج الحرب أن انتزعت الدولة العثمانية ولاء المسلمين السُنة في شمال العراق الذين انضموا تحت لوائها فيما بقت مدن الجنوب تابعة للصفويين.

ظلت أرض العراق مقسمة بين طرفي النفوذ فيما كانت الحروب دائرة، وفي عام 1535 انتزع العثمانيون العراق كاملة من أيدي الصفويين، وبعد نحو 100 عام انتزعها الصفويون مرة أخرى، ودخل الشاه أرض العراق وخاض جيشه مجزرة كبرى بحق عناصر السُنة، ولم يكد يمر أربعة أعوام حتى انتزعها السُلطان العثماني مراد الرابع للأبد، ثم سقطت الدولة الصفوية عام 1722، فيما استمر الحكم العثماني حتى سقوطته عام 1923.

العراق.. المهد الحقيقي للثورة الإيرانية

في عام 1925، وصل إلى السُلطة في طهران سلالة ملكية جديدة، وكان أول ما فعله الشاه رضا بهلوي أن أمر جيشه باحتلال عربستان العراقية وحوّل اسمها إلى خوزبستان، وكان الشاه المدعوم أمريكيًا وبريطانيًا يُعرف بـ«شرطي الخليج»، لذا مارس نفوذًا واسعًا في بغداد التي كانت تجاهد لاستقلالها.

Embed from Getty Images

أطاحت بريطانيا والولايات المتحدة بالشاه خوفًا من انضمامه لألمانيا في الحرب العالمية الأولى؛ وخلفه ابنه محمد رضا بهلوي الذي أطلق الثورة البيضاء عام 1963، وكانت عبارة عن سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتحويل إيران إلى قوة عالمية، لكنّ مشروعه سُرعان ما اصطدم بـآية الله الخميني – الأب الروحي للثورة الإسلامية فيما بعد – الذي هاجم الشاه، فأمر الأخير باعتقاله ليندفع أتباع الخميني في الشوارع مطالبين بالإفراج عنه؛ ليضطر الشاه في النهاية التنازل عن مشروعه، لكنّه أمر بنفي خصمه خارج البلاد.

وصل الخميني إلى النجف العراقية في منفاه الاختياري عام 1965، وأخذ يُلقي دروسه الدينية، ويروج لمشروع إقامة دولة إسلامية على أساس ديني، فمكث 13 عامًا يؤسس لنظرية «ولاية الفقيه»، وهي الفكرة التي استعرضها في خُطبه التي جُمعت في كتابه «الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه»، وأُدخلت سرًا إلى إيران عبر شرائط الكاسيت، وبعد نجاح الثورة الإيرانية وتأسيس الجمهورية الإسلامية، عمد أصحاب السُلطة إلى تصدير مبادئ الثورة إلى الدول العربية، وكانت العراق هي المحطة الأولى؛ نظرًا لعوامل الارتباط التي تجعل بغداد هي أقرب بلد عربي إلى طهران، لعدة أسباب ليس أكبرها أنّ النجف العراقية شكلت المسار السياسي للسياسة الإيرانية، لكنّ الأحلام قطعت بدخولها مع العرب حرب الخليج الأولى عام 1980 التي امتدت ثماني سنوات.

تذكر مصادر أنّ الرئيس العراقي صدام حسين حين اشتبك مع إيران، كان جيشه يضم عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين الذين جُندوا قسرًا دون أن يحصلوا على فتوى الانضمام للحرب؛ إذ رفض المرجع الشيعي وقتها، أبو القاسم الخوئي، أن يمنح الضوء الأخضر لصدام، فتعرض للإقامة الجبرية، وهو ما كان إشارة للنفوذ الإيراني المتغلغل في العراق حتى في عهد في صدام حسين.

إلى أي مدى تتوغل اليد الإيرانية في الداخل العراقي اليوم؟

بدأ التغلل الإيراني في الحياة السياسية العراقية رسميًا عام 2003 عقب الغزو الأمريكي للعراق، وبحسب ما كشفه السفير الأمريكي السابق في بغداد بأن واشنطن نسقت مع طهران بشكل متكامل حتى رحيل آخر جندي أمريكي، لتبدأ بعدها فترة جديدة من النفوذ الإيراني بعد سقوط نظام البعث العراقي وتصدر الأحزاب الشيعية المشهد السياسي، فأصدرت الحكومة العراقية برئاسة إبراهيم الجعفري أمرًا بالعفو عن المحتجزين والمعتقلين الإيرانيين في السجون العراقية.

Embed from Getty Images

وقدمت بغداد أيضًا اعتذارًا رسميًا لإيران عما حدث خلال حقبة صدام حسين، ومن جهة أخرى زار الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد العراق في أول زيارة منذ قيام الثورة الإسلامية في طهران، وتبادل البلدان الهيئات الدبلوماسية، وافتتحت إيران سفارتها في بغداد إضافة إلى ثلاث قنصليات في السليمانية، وأربيل، وكربلاء، واستعاد العراق سفارته هو الآخر في طهران.

وعندما أصبح نوري المالكي – رجل إيران في الداخل العراقي – رئيس الوزراء بعد رحيل القوات الأمريكية، أدت سياساته المذهبية ضد السنة إلى بدء الصراع الذي انتهى بظهور «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، وهو الفرصة الثمينة التي زادت من النفوذ الإيراني في العراق؛ فعقب فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الشيعي العراقي على السيستاني تشكل الحشد الشعبي الذي كان يقاتل جنبًا إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني بمظلة سياسية وفرتها الحكومة العراقية، إضافة للهيمنة الاقتصادية لطهران في السوق العراقي والتي ساعدت النظام الإيراني في التحايل على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن.

ويمكن القول إن الوجود الإيراني لا يزال حاضرًا بالرغم من ضغوطات الولايات المتحدة والسعودية لإخراجها من العراق، ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي عقدت في مايو (آيار) الماضي حصل حلفاء إيران على مراكز متقدمة، فتحالف «الفتح»، الذي يتزعمه هادي العامري ويضم فصائل الحشد الشعبي وحصل على المركز الثاني – 47 مقعدًا – بينما حصل ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي على المركز الرابع بإجمالي 26 مقعدا، وبالرغم من تصدر  تحالف «سائرون» بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي حلّ في المركز الأول 52 مقعدًا، إلا أنّ حلفاء إيران لا يزالون يمتلكون فرصة كبيرة لتشكيل الحكومة، وهو ما يُضاف إلى انتصارات إيران في الساحة العربية.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد