مثَّلت كعكة الزفاف، على مر التاريخ، أحد الرموز المهمة في احتفالات الأعراس. بطبقاتها المتعددة، وألوانها الزاهية، وزخارفها المنقوشة بدقة، وأشكالها المتنوعة التي تعكس أذواق أصحابها وشخصياتهم، أصبحت هذه الحلوى اللذيذة أحد الحضور البارزين، الذين لا يكاد يخلو منهم حفل زفاف.
ولكن كيف وصلت إلينا؟ وما المراحل التي مرت وتأثرت بها عبر التاريخ؟ في السطور التالية، نستكشف معًا أصول كعكة الزفاف وتاريخها.
البداية في روما القديمة.. كعكة الزفاف تجلب الحظ السعيد
تأخذنا المحطة الأولى في رحلتنا إلى روما القديمة، حيث تعود أصول كعكة الزفاف. ظهرت في أعراس الرومان كعكة بسيطة مصنوعة من القمح أو الشعير، ولكنها في البداية لم تكن مُعدَّة لتُؤكل، بل كانت تُفتت على العروس والعريس؛ في تقليد يرمز لجلب الحظ السعيد، والزواج الناجح للعروسين.
ولاحقًا، شاع أن تُختتم الأعراس بأن يُفتت العريس كعكة من القمح أو رغيفًا من خبز الشعير فوق رأس العروس، ثم يتناول العروسين بعضًا من الفتات معًا؛ في طقس يهدف إلى ضمان الخصوبة. ويتدافع الضيوف بعد ذلك إلى التقاط بعض الفتات المنثور؛ من أجل الحصول على قدر من هذا الحظ الجيد. وظل هذا التقليد الخاص بمشاركة الضيوف كعكة الزفاف قائمًا إلى الآن، وانتقل من روما إلى مختلف أنحاء العالم.
وبحلول العصور الوسطى، تطور هذا الكعك الشبيه بالخبز إلى أشكال وأحجام مختلفة من الكعك الحلو، يصحبها طقوس جديدة لجلب الحظ. وظهرت أول وصفة مسجلة لحلوى رسمية خاصة بحفلات الزفاف، كانت تسمى «فطيرة العروس»، والتي يعود تاريخها إلى عام 1685م. وكانت عبارة عن طبقة خارجية من المعجنات محشوة من الداخل بأشياء متنوعة، من المحار، والحلويات، إلى اللحوم المفرومة، أو لحم الضأن، اعتمادًا على ثروة العائلة ومكانتها.
فطائر محشوة وخواتم مخفية.. كعكة الزفاف في العصور الوسطى
في المحطة التالية، تطورت حلوى الزفاف في العصور الوسطى، ولكننا لم نصل بعد إلى كعكة الزفاف التي نعرفها اليوم. في البداية، ظهرت أنواع من الكعك والفطائر الحُلوة المدورة، التي كان يجري تكديسها بأناقة بعضها فوق بعض، لتكوين برج طويل. يدل طوله الشاهق على قوة الحب الذي يتقاسمه الزوجان الجديدان، ويتعين عليهما تبادل قبلة فوق قمة هذا البرج دون أن يهتز وينهار.
واجه العروسان تحدي التقبيل فوق البرج المكدس من الكعك، وإذا نجحا في ذلك كانت علامة على حسن الحظ، وأنهما سوف يستمتعان بحياة مزدهرة معًا. ولكن هذا التقليد كان مكلفًا، من أجل إعداد كم هائل من الفطائر وبناء البرج. لذلك؛ ظهر خلال القرن 17، الفطيرة المفردة المُسماة «فطيرة العروس».
كانت «فطيرة العروس» جزءًا رئيسيًّا من طقوس حفلات الزفاف في القرون الوسطى. وكانت تُحشى بحشوات مختلفة، وتُزخرف طبقتها الخارجية بنقوش جميلة تجعلها محط أنظار الجميع. وسُميت بـ«كعكة العروس» لأن العروس كانت تضع فيها مكونًا سريًّا، وهو خاتم زجاجيٌّ يُخبأ في داخلها. وكان يُعتقد أن من تعثر عليه في قطعتها، من السيدات العازبات اللواتي حضرن حفل الزفاف، سوف تجد فتى الأحلام وتصبح العروس القادمة.
وعلى الجانب الآخر، ظلت العائلات المقتدرة تتبع تقليد بناء برج الكعك والفطائر، بينما اعتمدت العائلات الفقيرة على «فطيرة العروس» ذات الأسعار المعقولة.
زواج الملكة فيكتوريا وصيحة الكعكات المرتفعة
بعد أن أصبح السكر وفيرًا في إنجلترا بحلول القرن 16، سرعان ما أصبحت طبقة التغليف البيضاء التي تشبه الجليد النقي عنصرًا أساسيًّا في صناعة كعكة الزفاف. واختير ذلك اللون ليرمز إلى النقاء، وعذرية العروس. وفي نهاية القرن 18، أصبح من الشائع تغطية كعكة العروس بتلك الطبقة. وفي وقت لاحق، ظهر الكعك المتدرج، بطبقاته المرتفعة التي تحملها دعامات مزخرفة للتزيين، وأصبح يعكس مدى ثراء العائلة.
دفع زفاف الملكة فيكتوريا هذا التقليد إلى الأمام؛ ما أدى إلى تسمية طبقة الجليد الأبيض تلك باسم «الجليد الملكي»، المصطلح الذي ما يزال مستخدمًا حتى اليوم. وقد ساهم زواج الملكة فيكتوريا من الأمير ألبرت عام 1840م في شيوع كثير من الصيحات الخاصة بحفلات الزفاف، والتي منها الكعكة البيضاء المرتفعة.
كانت الملكة فيكتوريا أول من صُنعت كعكة بيضاء مرتفعة لحفل زفافها. وكانت كعكة زفاف فيكتوريا، عبارة عن كعكة برقوق إنجليزية تمامًا من الداخل، تزينها بعض الزخارف الفرنسية من الخارج. وكانت تزن 300 رطل، ويبلغ طولها 14 بوصة، ومحيطها 10 أقدام. وقبل أن يجري تناولها، جذبت الكعكة حشدًا كبيرًا من العامة، الذين اصطفوا خارج المتجر الذي صنعت فيه، وانتظروا في طابور طويل؛ لدخول المتجر اثنين تلو اثنين من أجل الحصول على نظرة خاطفة إلى الكعكة الملكية.
خلقت الكعكة جنونًا إعلاميًّا. وربما كانت تلك بداية التقليد البريطاني، الخاص بمتابعة أخبار كعكات أعراس العائلة الملكية. وبدلًا من تناول الكعكة أو رؤيتها شخصيًّا، بات البريطانيون يعلمون عنها من خلال النظر في الرسوم التوضيحية الفخمة، وقراءة المنشور عنها في الصحف. وأصبح كعك الزفاف الرسمي أكبر وأكثر تفصيلًا، خلال العصر الفيكتوري.
أعمدة ومجسمات وكعكات إسفنجية.. تطور كعكات الزفاف
ساهمت كعكات الأعراس الملكية منذ فترة طويلة في رسم الاتجاهات الجديدة والمعايير القياسية، التي ستسير عليها صيحات كعكات الزفاف فيما بعد. وفي عام 1900م، ظهرت الأعمدة الداعمة بين طبقات كعكة الزفاف لأول مرة، وكانت هذه الأعمدة عبارة عن عصي خشبية بسيطة مغطاة بالأبيض. وكان استخدامها في كعكة الزفاف رمزًا مهمًّا للحالة الاجتماعية؛ فكلما كانت كعكة الزفاف أطول، كان ذلك أفضل.
وفي الأربعينيات من القرن الماضي، ظهرت ديكورات التزيين التي توضع أعلى كعكة الزفاف للمرة الأولى. وصارت هناك مجسمات صغيرة، منها ما هو على شكل عروسين، تتربع فوق كعكات الفاكهة التقليدية. وكانت تلك بداية صيحة جديدة لكميات مذهلة من زينة الكعك.
ومن جديد، بعد أن أصبح السكر والمكونات الأخرى متاحة بسهولة أكبر في الخمسينيات؛ توسعت أنماط كعك الزفاف، ونمت بسرعة. وظهر الجليد الملكي الذي يمكن تشكيله، وسمح برسم زخارف مذهلة ومعقدة. وفي هذا الوقت أيضًا، بدأ الأزواج في الابتعاد عن كعكة الفاكهة التقليدية، واختيار كعكات إسفنجية مختلفة مثل كعكة الشوكولاتة، والفانيليا، والليمون، وحتى الجزر.