اللون الأبيض الذي يكسو أرضية الكعبة بأكملها وقت الحج، يرمز إلى السعي وراء النقاء وتطهير الروح، ولذلك يرتديه المسلمون من كل أنحاء العالم، وهم يطوفون حول الكعبة طالبين غفر ذنوبهم، طامحين في بداية جديدة.

يعلّمنا هذا كيف أن الملابس والألوان في الأديان تحمل أحيانًا العديد من الرموز الروحانية أو التاريخية، هناك العديد من الرموز التي قد لا تعرفها عن بعض الديانات السماوية وغير السماوية، والتي سنذكر  بعضًا منها في السطور التالية.

1- عمة الـ«داساتار» أو «القلعة الشاقة» في الديانة السيخية

تنتشر الديانة السيخية في بعض المناطق من الهند منذ القرن 16، ويرتدي السيخ عِمة على رؤوسهم باعتبارها طقسًا دينيًّا، ولم يكن يرتديها الرجال في البداية من أجل إرضاء الرب أو لسببٍ روحانيّ، بل كان الغرض منها التفريق بين رتب الرجال وفقًا لدرجة إيمانهم، وكلما كانت العمة عالية، كانت رتبة الرجل السيخي أعلى وسط قومه وله الكثير من التقدير والاحترام لدرايته بالدين والدنيا.

Embed from Getty Images

رجال السيخ في إحدى المناسبات الدينية السنوية ويرتدون العمة الشاهقة ولكن بحجم متوسط.

وكان الرجال يتمادون في تطويلها في أزمنة قديمة، ولذلك أطلق عليها «القلعة الشاهقة»، وفي بعض الأحيان كانت تستخدم لتخبئة الأسلحة إذا كانوا في الحاجة إلى حماية أنفسهم، ويرتديها الرجال السيخ الآن من أجل إحياء ذكرى أسلافهم أو في المناسبات الدينية السنوية والرسمية.

لا يرتدونها بهذا الطول الشاهق، ولكنها إلزامية على مجموعة بعينها من السيخ تسمى «Khalsa»، وهم طائفة كان أجدادهم من المحاربين السِّيخ، والذي أمر بارتدائها هو غورو غوبيند سينغ معلِّم تلك الطائفة، ويعبر ارتداؤهم لها عن احترامهم لهذا المعلم؛ ولذلك يقيمون طقس ربط العمامة للشباب، والذي يمثل ربط الشاب بدينه وتجديد إيمانه.

مؤخرًا بدأت النساء في ارتداء تلك العمة، لأنها -حسب تصريح واحدة منهن- تمنحها الطاقة الإيمانية التي تساعدها على إدراك دورها في الحياة بصفتها إنسانة.

2- رداء القس المزخرف متعدد الألوان في المسيحية

يمكنك أن تلاحظ إذا شاهدت أي قداسٍ حضرته، ارتداء القس مقيم القدّاس رداءً واسعًا فضفاضًا ومزخرفًا، هذا الرداء تعود أصوله إلى القرن الثالث، واستمرت حتى الآن من أجل تحقيق الهدف المقدس منها.

Embed from Getty Images

للرداء أكثر من لون حسب المواسم.

في القداس يكون القس هو الوجود الرمزي للمسيح، الذي اختاره الرب ووضع عليه هذا الرداء لينشر العدالة والحقيقة، والزخارف الملونة واللامعة في الرداء الفضفاض ترمز إلى نور المسيح، بالإضافة إلى التشابه بين هذا الرداء وما كان يرتديه المسيح وقت صلبه، مما يعزز رمزية تجلي المسيح في القس.

ومن أجل توكيد تلك الرمزية عادة ما يُرسم صليب كبير على ظهر أو وجه الرداء، والذي يأتي بألوان مختلفة حسب كل موسم أو عيد.

3- قناع رأس حيوان «ابن آوى»  في الديانة المصرية القديمة

منذ أكثر من ألفي عام، في حضارة مصر القديمة، ووقت تحنيط الموتى، كان هناك طقس خاص يسمى «فتح الفم»، والكهنة الذين يشرفون على تحنيط الميت، كان يجب أن يرتدوا قناعًا ضخمًا مصنوعًا من الكتان والبردي، على شكل رأس حيوان «ابن آوى».

Embed from Getty Images

السبب وراء ارتداء الكهنة هذا  القناع في طقس تحنيط الموتى، أن حيوان ابن آوى يرمز للإله أنوبيس، وهو إله العالم السفلي في الديانة المصرية القديمة، والمسئول عن الموتى وإرشادهم في هذا العالم الغريب الجديد عليهم، واختار المصريون القدماء حيوان ابن آوى رمزًا لهذا الإله؛ لأنه دائمًا ما ينتشر ويعيش بالقرب من المقابر والموتى، ومن الضروري ارتداء الكهنة لهذا القناع أثناء التحنيط، وبالأخص عند فتح الفم لأنها اللحظة التي آمن المصريون القدماء أن الحواس تعود خلالها لروح الميت، ويفضل تواجد رمز أنوبيس في تلك اللحظة ليكون مرشدًا للروح.

4- القبعة في اليهودية.. إن الله يراقبك

يُحكى في تراث الديانة اليهودية عن سيدة تنبأ لها أحد المنجمين أن ابنها عندما يكبر سيصبح لصًّا، شعرت السيدة بالخوف والقلق وتمنت ألا يكون ابنها عاصيًا لله، ولذلك فكرت أن تشعره بالتواصل الدائم مع الله، بشيء بسيط يسهل على طفل فهمه، فوضعت فوق رأسة طاقية صغيرة، وأخبرته أن الله يراقب تصرفاته من خلال تلك الطاقية، وتذكر القصة أن هذا الطفل في أحد الأيام سقطت الطاقية  الصغيرة عن رأسه، وبعدها بوقت قصير قرر الأكل من إحدى شجيرات الفواكه التي لا تخصه.
Embed from Getty Images

القبة هي طاقية صغيرة يرتديها اليهودي لتذكيره بأن الله يراقبه.

تلك القصة هي المثال الأبسط لتوضيح رمزية الطاقية الصغيرة المسماة بـ«القبة» في الديانة اليهودية، فهي ترمز إلى أن هناك كيانًا أسمى فوقك يراقبك طوال الوقت، وأن الله يراقبك ولذلك عليك أن تراقب أفعالك، تلك القبة لا يرتديها اليهود طوال الوقت، ولكنها لا زالت ترمز إلى مدى اتصال الشخص بالله، ولا زال ارتداؤها طقسًا مهمًّا أثناء الصلاة.

Embed from Getty Images

تلك القُبة اليهودية قد تشبه القبعة التي يرتديها بابا الفاتيكان، ولكنها  ترمز إلى شيء مختلف تمامًا.

ما يرتديه بابا الفاتيكان يعود إلى رمز حضاري وتاريخي، أكثر من كونه رمزًا دينيًّا يرتبط بالمسيحية، وهي  تسمى قبعة سيبيل، وسيبيل هي آلهة ترمز إلى الأمومة والخصوبة يعود تاريخها إلى عام 2000 قبل الميلاد. والكنيسة الكاثوليكية تسمي هذه القبعة بـZucchetti.

يرمز ارتداء تلك القبعة إلى تقدير واحترام الآلهة سيبيل كأقدم وأقدس الرموز الدينية في تاريخ الإنسانية.

5- الزعفران في الهندوسية.. النقاء والزهد

الألوان في الديانة الهندوسية لها مكانة كبيرة، ولكل لون رمز ومكانة، ولكن إذا أردنا اختصار كل الألوان في لون واحد يمكنه أن يمثل الهندوسية بشكل عام، ويرتديه الكثير من رجال الدين والمتدينين في الديانة الهندوسية، فسيكون اللون الزعفراني، والذي هو مزيج من الأصفر والبرتقالي.

اللون الزعفراني هو اللون الأكثر قدسية في الديانة الهندوسية، وهو يمثل النار، التي تحرق الشوائب والذنوب، والتي تخترق الظلام وتنشر النور، وبالتالي هو يجسد النقاء في تلك الديانة، ويرمز به للإنسان الذي قرر أن يهب نفسه إلى الله، ويتخلى عن متع الحياة، من أجل معرفة نفسه بشكل أفضل، ومعرفة الله من خلال فهمه لنفسه، وهو لون القديسين، وبارتدائهم هذا اللون يعتبر رمزًا للتضرع إلى الله لتنقية روحهم ومنحهم السلام والمعرفة الذاتية والإلهية.

6- رداء الحرير Dhoti في الهندوسية.. هل ترغب في الاتصال بالكون؟

في بعض المناطق بالهند، يؤمن الهندوس أن هناك مداخل طاقة رئيسية في جسم الإنسان، وكل مدخل طاقة متصل بعنصر أساسي من عناصر الأرض، تلك المناطق متمركزة حول الخصر، ولذلك هناك رداء حريري يسمى دوتي Dhoti يرتديه الهنود لهذا الغرض.

الخمس مناطق التي يُلف حولها دوتي Dhoti في جسم الإنسان تمثل الخمسة عناصر الأساسية في الكون: المياه المطلقة، الأرض المطلقة، الهواء المطلق، والنار المطلقة، والأثير المطلق. ويؤمن الهندوس أن دوتي Dhoti قادر على خلق التوازن بين جسم الإنسان والكون، وارتداؤه يرمز إلى رغبة الإنسان في التواصل المطلق مع الكون.

7-الرداء الثلاثي للبوذية.. وألوانه المتعددة

الرداء الذي يرتديه رهبان التبت، يعود إلى بوذا الذي علَّم أول الرهبان كيفية ارتدائه على ثلاث طبقات، والجدير بالذكر أنه في الأيام الأولى للبوذية كان الرهبان يصنعون  هذا الرداء من الأقمشة غير المرغوب فيها، وكانوا يبحثون عنها في أكوام القمامة، ثم يقومون بغسلها جيدًا ونقعها في الكركم أو الزعفران حتى تُصبغ بلون جديد، ولكن في الوقت الحالي الرهبان يصنعون هذا الرداء من  أقمشة التبرعات التي تصل إليهم.

هذا الرداء الثلاثي له ألوان متعددة ولكل لون غرض ورمزية بعينها، الرداء الأزرق يرتديه الراهب البوذي عندما ينوي التأمل بغرض تحويل الغضب بداخله إلى حكمة، واللون الأبيض يرتديه الراهب بغرض التعلم، والفصل بين الوهم والواقع، واللون الأخضر من أجل تحول الغيرة الإنسانية بداخله إلى طاقة إنجاز عمل يفتخر به ويغنيه عن الغيرة من الآخرين، أما الأصفر يرمز إلى البذور والقدرة على الخلق، ويستعين به الراهب عندما ينوي التأمل بغرض تخيل الأشياء وتصورها وكأنها تحدث على أرض الواقع من خلال قانون الجذب، واللون الأحمر يمثل قوة الحياة وطاقتها، ولذلك يلجأ إليه الراهب من أجل منحه القدرة على التمييز والحكمة.

ولكن اللون الشائع هو اللون البرتقالي، وهذا تشريف للعادة القديمة في صبغ الأقمشة التي جمعها الرهبان من القمامة، والتي كانوا يستخدمون في صبغها الكركم والزعفران لتكون النتيجة هي اللون البرتقالي، وهو ما يرمز إلى زهد الرهبان في الملابس الجديدة، وبذل الجهد في إعادة الحياة للملابس الملقاة بالقمامة.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد