جنوب أفريقيا، ذلك البلد المتنوع في أسفل القارة السمراء، يحمل من التنوع الكثير، ومن الحقائق ما يبدو غريبًا وقد تعرفه لأول مرة: فلجنوب أفريقيا أكثر من عاصمتين، أما لغاتها الرسمية فتتعدى 10 لغات. ربما للتاريخ والسياسة بالغ الأثر في ذلك التنوع، أما الطبيعة فتبدو «ساحرة» بحسب عرب أقاموا في جنوب أفريقيا، وشاركوا في تقريرنا لنطالع الصورة عن قرب بعيون عربية تحكي ما تبقى من العنصرية، وبعض الصور الذهنية.
1. جنوب أفريقيا الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك 3 عواصم!
من السائد أن تمتلك كل دولة عاصمة واحدة، بعض الدول تضيف عاصمة إدارية أُخرى مثل ماليزيا التي أضافت لعاصمتها كوالالمبور عاصمة إدارية جديدة تُدعى بوتراجايا. أما جنوب أفريقيا فقد غرّدت فريدةً خارج السرب بامتلاكها ثلاث عواصم، لتكون الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك ثلاث عواصم، لكل واحدة منها طابع خاص، ودلائل مختلفة عن الأُخرى.
فبريتوريا الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي للبلاد، هي العاصمة الإدارية لجنوب أفريقيا، حيث يوجد الفرع التنفيذي لحكومة جنوب أفريقيا، بما في ذلك رئيس مجلس الوزراء. وتستضيف المدينة أيضًا العديد من الدوائر الحكومية والسفارات الأجنبية.
بريتوريا
أما كيب تاون الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي للبلاد، وتُعد ثاني أكبر مدينة في تعدادها السكاني، فهي العاصمة التشريعية لجنوب أفريقيا؛ إذ تُعد المدينة موطنًا للبرلمان التشريعي في البلاد، بما في ذلك الجمعية الوطنية والمجلس الوطني للمقاطعات.
فيما تقع بلومفونتين في وسط البلاد، وتُعد العاصمة القضائية لجنوب أفريقيا وتقع فيها محكمة الاستئناف العليا، وهي ثاني أعلى محكمة في جنوب أفريقيا، أما المحكمة الدستورية التي تُعد أعلى محكمة بجنوب أفريقيا فتقع في مدينة جوهانسبرج الشهيرة، أكبر مدن جنوب أفريقيا.
ولعلك تتساءل عن الأسباب وراء امتلاك جنوب أفريقيا لثلاث عواصم؟ يرجع ذلك الأمر لأسباب سياسية وتاريخية وجغرافية: فالبلاد عاشت تحديات سياسية وثقافية عديدة خلال السنوات الماضية، من أبرزها قضية الفصل العنصري التي تُعد إحدى أشهر القضايا التي واجهتها جنوب أفريقيا في القرن العشرين.
وفي عام 1910 عندما جرى تشكيل «اتحاد جنوب أفريقيا»، كان هناك خلاف كبير حول موقع عاصمة الدولة الجديدة، ولذلك جرى التوصل إلى حل وسط لنشر توازن القوى في جميع أنحاء البلاد، أفضى إلى الثلاث العواصم الحالية، بلومفونتين التي ساعد موقعها وسط البلد بأن تكون مقرًا للفرع القضائي للبلاد، وبريتوريا التي كانت منذ فترة طويلة مقرًا للسفارات الأجنبية والدوائر الحكومية، فكان مناسبًا لها أن تكون العاصمة الإدارية للبلاد، وكيب تاون حيث يقع البرلمان منذ أيام الاستعمار، لتكون بذلك أهلًا للعاصمة التشريعة للبلاد.
2. 11 لغة رسمية في دولة «قوس قزح»
نظرًا لتنوع العرقيات والثقافات في جنوب أفريقيا تُعرف جنوب أفريقيا بـ«دولة قوس قزح»، ويعزز التنوع والتعدد أيضًا الذي تمتلكه جنوب أفريقيا امتلاكها 11 لغة رسمية! في فترة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا كان هناك لغتان رسميتان فقط، وهما: الأفريكانية، والإنجليزية، ولكن بعد وصول حكومة نيلسون مانديلا إلى السلطة، جرى الاعتراف رسميًا بتسع لغات أفريقية أصلية أخرى تتمتع بوضع متساوٍ بموجب دستور البلاد لعام 1997.
وهذا جعل العديد من الأطفال في جنوب أفريقيا اليوم ينشأون في أسر تتحدث أكثر من لغة أفريقية واحدة، وحول نسب انتشار لغات جنوب أفريقيا المختلفة في البلاد، فقد أظهر استطلاع يعود لعام 2011 أن الزولو هي اللغة الأم الأكثر انتشارًا في جنوب أفريقيا، ويتحدثها 22.7% من السكان، تليها الخوسا بـ16%، ثم الأفريكانية بـ13.5%، ثم الإنجليزية بنسبة لا تتعدى 10%، وتصل إلى 9.6%.
ولكن تظل الإنجليزية هي اللغة الرسمية الأكثر انتشارًا في المؤسسات الحكومية الرسمية والتعليمية وبيئة الأعمال في جنوب أفريقيا. ومع تنوع اللغات الرسمية في جنوب أفريقيا وتنوعها، إلا أن الشاب العربي محمود الذي سافر إلى جنوب لم يشعر بمعاناة في التواصل مع السكان المحليين خلال تواجده بجنوب أفريقيا، وقال لـ«ساسة بوست»: إن كل من تعامل معهم كانوا يتحدثون الإنجليزية، وهذه «ميزة كبيرة تُسهل التواصل».
3. بها «أجمل مدينة في العالم»
محمود الذي سافر إلى جنوب أفريقيا في رحلة امتدت لنحو 18 يومًا، بدا منبهرًا بطبيعتها الخلابة، خلال حديثه لنا عن أكثر ما يميز جنوب أفريقيا وبعض الصور الذهنية المنتشرة بشأنها وشأن أمنها وما تبقى من خلافات بين السود والبيض لمسه في واقع المعيشة.
«الطبيعة هناك خرافية من عالم آخر، طول ما أنت ماشي حاسس بالجمال يحيطك من كل مكان»، هكذا يصف محمود جمال مدينة كيب تاون مُضيفًا: «لو كنت مقيمًا دائمًا هناك، فمن المستحيل أن أشعر بالاكتئاب أو الحزن، فقط لو شعرت بذلك فعليك التنزه في الشارع قليلًا لتتحسن نفسيتك، بعض المناطق متطورة في جنوب أفريقيا، فتجد المتعة بامتزاج التطور مع الطبيعة الخلابة».
الطبيعة الخلابة مضاف إليها البنية التحتية المميزة من النقاط التي أشاد بها عبده وخالد وعمر العرب الذين أقاموا في جنوب أفريقيا ليس لغرض السياحة مثلما فعل محمود، وإنما لغرض العمل؛ فوصف عبده البنية التحتية والطرق بـ«الرائعة»، ولفت هو وخالد خلال حديثهما مع «ساسة بوست» إلى جمال الجو والصيف الممطر الذي لا تتعدى درجة حرارته عادةً 30 درجة مئوية، أما عمر فقال لـ«ساسة بوست»: إن جنوب أفريقيا «بلد أوروبية تمامًا، ويظهر ذلك في البنية التحتية، وأسلوب الحياة» مشيدًا هو الآخر بالمساحات الخضراء «التي تحيط بك من كل جانب».
كيب تاون
وأشار خالد إلى الطبيعة السياحية لجنوب أفريقيا بمدن ساحرة وتكلفة أقل من تلك التي يمكن أن تدفعها في أوروبا، وبالأخص مدينة كيب تاون تلك المدينة التي زارها محمود وانبهر بطبيعتها بشكل لافت، وهذا لم يكن غريبًا؛ فكيب تاون تصدرّت في العامين الماضيين صدارة أجمل مدن العالم، وفقًا لقائمة صحيفة «التيليجراف» البريطانية لعامي 2017 و2018، الذي اعتمد على أصوات عشرات آلاف المصوتين.
ومحمود الذي زار نحو 10 دول بين أفريقيا وأوروبا وآسيا، يرى بعد زيارته لجنوب أفريقيا، وبالأخص كيب تاون أن «أفريقيا أفضل من أوروبا»، وبرّر هذا الرأي الذي يبدو مفاجئًا للبعض بتعديد مزايا يراها في أفريقيا «خضرة وجبال وبحر وحيوانات وغابات وناس قلوبها حلوة ودمهم مش واقف، ومش هتصرف في أفريقيا نص اللي هتصرفه في أوروبا، أنوي زيارة كينيا وتنزانيا قريبًا».
4. معدلات الجريمة انخفضت بمعدل 50% آخر ربع قرن!
وحول ما تبقى من عنصرية بين البيض والسود، نفى عبده تمامًا وجود عنصرية في جنوب أفريقيا، وأن السود الآن يحتلون المناصب العليا في البلاد، وهناك صداقات اجتماعية قوية تجمع بين البيض والسود، بدوره قال عمر إنه ظاهريًا لا يوجد مشاكل بين السود والبيض، ولكن البعض المتطرفين من الطرفين قد يحملون توجهات عنصرية نحو الطرف الآخر، نافيًا وجود توجهات عنصرية من المواطنين تجاه الأجانب.
وهو ما أكده محمود الذي يقول: « الناس طيبة، لم أشعر بعنصرية من أي أحد، سواء أبيض أو أسود، بالذات السود فهم شعوب شديدة الطيبة، يسهل التعامل معهم»، ولكنه أشار إلى وجود بعض التوتر بين البيض والسود، والفوارق الاجتماعية: «ما لا حظته أنه إلى اليوم مناطق البيض نضيفة جدًا، وهم أكثر ثراءً من السود الذين يعيشون في مناطق شعبية مدمرة ومتهالكة».
وحول الوضع الأمني هناك، وترسخ صورة ذهنية بانعدام الأمن هناك، وبالأخص أثناء التنافس المصري العربي الأفريقي على تنظيم مونديال 2010، الذي فازت به في النهاية جنوب أفريقيا، لم تقتصر شهادة محمود على الطابع الشخصي فقط، فقد قضى رحلته مع أصدقاء عرب له مقيمين في جنوب أفريقيا، أمدوه بمعلومات أكثر عن الوضع الأمني هناك ليؤكدوا تلك الشهادة من واقع معايشتهم الأطول هناك.
مناطق عشوائية في جوهانسبرج
فيقول محمود: «المناطق السياحية آمنة، ولكن المناطق الشعبية والعشوائية ليست بالأمان الكافي، ويُنصح بعدم الذهاب إليها ليلًا»، لافتًا إلى تعرض أكثر من صديق له إلى سرقات، ومحاولة للسرقة هناك، وأكد ذلك عبده الذي قال إنه تعرّض شخصيًا بالفعل إلى حادثة إيقاف بغرض السرقة أثناء مروره ليلًا بأحد المناطق الشعبية في جنوب أفريقيا، وتحاول جنوب أفريقيا حل مشكلة الأمن لديها، وخلال الربع قرن الماضي في الفترة من عام 1994 لعام 2017 انخفضت معدلات الجريمة هناك لكل 100 ألف مواطن، بنسبة تصل إلى 50%.
بدوره أرجع عمر فكرة سكون الشوارع في جنوب أفريقيا بعد غروب الشمس إلى أسلوب الحياة الأوروبي الذي يطغى على جنوب أفريقيا، وأن الإغلاق المبكر لبعض المحال التجارية هو أمر سائد أيضًا في دول أوروبا، وأكّد في الوقت ذاته ما قاله محمود بأن المناطق الشعبية الأكثر فقرًا هي أكثر خطورة على الأجانب، أما الشوراع الرئيسة والأماكن العامة فهي آمنة، بحسب عمر، الذي أشار إلى رخص المعيشة هناك إجمالًا، «فيما عدا إيجار العقارات، ووقود السيارات».
5. أقوى اقتصاد أفريقي.. ولكن!
مع أن نيجريا تمتلك أكبر ناتج إجمالي محلي في قارة أفريقيا ببلوغه 397 مليار دولار، إلا أن جنوب أفريقيا هي أكبر دولة أفريقية بالنسبة لنصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي، فبحسب إحصاءات «البنك الدولي» لعام 2018 فإن الناتج الإجمالي المحلي لجنوب أفريقيا يبلغ 366 مليار دولار، وإذا قسمنا ذلك الرقم على تعدادها السكاني الذي يبلغ 57.8 مليون نسمة يخرج الناتج الإجمالي المحلي للفرد الواحد في جنوب أفريقيا.
والذي يتعدى 6 آلاف دولار بوصول إلى 6.3 ألف دولار في العام، لتتصدر جنوب أفريقيا دول أفريقيا بحسب دراسة لـ«بي بي سي» أفادت بأن جنوب أفريقيا تمتلك أكبر ناتج إجمالي للفرد الواحد بحسب الدول الأفريقية المشاركة في كأس أمم أفريقيا مصر 2019، والصاعدة لدور الستة عشر، واعتمدت الدراسة على تقديرات «البنك الدولي».
ولكن هذا لا يعني بالضرورة العدالة في توزيع الثروة، فمع أن جنوب أفريقيا تستضيف أكبر عدد من الأثرياء في القارة السمراء، إلا أنها تمتلك أيضًا نسبة عالية من البطالة، وصلت إلى 27% في الربع الأخير من عام 2018، مع ارتفاع نسبتها وسط الشباب؛ فـ50% من المواطنين الذي تتراوح أعمالهم من 15 إلى 35 عامًا عاطلون عن العمل.
ومن أشهر ما يميز جنوب أفريقيا اقتصاديًا غناها بالذهب؛ فهي ثاني أكبر دولة في العالم امتلاكًا لاحتياطات الذهب في العالم، بامتلاكها 6 آلاف طن لتري من الذهب، بعد أستراليا التي تمتلك 9.8 ألف طن لتري من الذهب، وتتسود دول العالم، ويأتي بعد جنوب أفريقيا قاريًا غانا التي تمتلك ألف طن لتري من الذهب وتفوقت على جنوب أفريقيا في معدل نمو إنتاج الذهب في عام 2018، لأول مرة منذ أعوام طويلة.
6. ربع الرجال في جنوب أفريقيا ارتكبوا جريمة الاغتصاب الجنسي!
إن قضية العنف الجنسي والاغتصاب من القضايا الشهيرة التي ترتبط بجنوب أفريقيا، تلك الدولة الأفريقية التي تُعد من أكثر دول العالم التي تشهد حالات اغتصاب جنسي. فخلال العقد الماضي في الفترة من 2008 حتى 2018 لم تقل حالات الاغتصاب المبلغ عنها سنويًا عن 39 ألف حالة، وهو ما يُعادل نحو 71 حالة لكل 100 ألف من السكان في جنوب أفريقيا، وهي أرقام تشير إلى عام 2016-2017، ذلك العام الذي شهد أدنى مستوى لجرائم الاغتصاب، خلال العقد الماضي، بوصول عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها إلى 39 ألف و828، بفارق قليل عن العام الماضي الذي شهد 40 ألف و35 حالة اغتصاب جنسي، وهو ما يظهر تقلص حالات الاغتصاب الجنسي نسبيًا عن الأعوام السابقة.
وخلال العقد نفسه وصلت حالات الاغتصاب لأعلى مستوى لها في عام 2012-2013، بوصولها إلى 48 ألف و408، بمعدل 92 حالة لكل 100 ألف مواطن، ووصل ذلك المعدل إلى أعلى مستوى له عام 2009- 2010، بوصوله إلى 96 لكل 100 ألف حالة.
عدد حالات الاغتصاب الجنسي بجنوب أفريقيا في العقد الماضي من 2008 حتى 2018 (المصدر: africacheck)
والعام 2009 هو العام نفسه الذي أجريت في «المجلس الطبي للأبحاث» دراسة على إقليمي كيب الشرقية، وكوازولو ناتال في جنوب أفريقيا حول الاغتصاب الجنسي، وكشفت الدراسة أن أكثر من ربع الرجال قد ارتكبوا بالفعل جرائم اغتصاب جنسي، اللافت أن نحو نصفهم قد ارتكب تلك الوقائع أكثر من مرة.
إذ أفادت الدراسة التي جرت على عينة متنوعة قدرها ألف و738 رجلًا، بارتكاب 27.6% منهم الاغتصاب، ومن هذه النسبة قال 23.2%: إنهم اغتصبوا من سيدتين إلى ثلاث، وقال 8.4% إنهم اغتصبوا من أربع سيدات إلى خمس، وقال 7.1%: إنهم اغتصبوا من ست إلى 10 سيدات، فيما قال 7.7%: إنهم اغتصبوا 10 سيدات أو أكثر.
وقُدرت حالات الاغتصاب الجنسي في جنوب أفريقيا لذلك العام بنصف مليون حالة، ومن بين 25 رجلًا اتهم بالاغتصاب، أدين رجل واحد فقط، وقد ارتفع عدد المصابين بالإيدز في جنوب أفريقيا بشكل كبير، لتكون واحدة من أكبر الدول في العالم، بإصابة 5.5 مليون مواطن في جنوب أفريقيا بالإيدز، في وقت كان فيه عدد سكان جنوب أفريقيا 48 مليون نسمة، وتواجه جنوب أفريقيا الإيدز، ليتقلص عدد المصابين الجدد به إلى نسبة 60% في الفترة من عام 1999 وحتى عام 2016.
وفي عام 2010 أجريت دراسة عن الاغتصاب الجنسي في إقليم جوتنج بجنوف أفريقيا، وأظهرت الدراسة ارتفاع نسب الاغتصاب؛ إذ اعترف 37.6% رجلًا ممن شملتهم العينة باغتصاب امرأة، فيما أفادت أكثر من ربع النساء بأنهن وقعن ضحايا للاغتصاب الجنسي بنسبة تصل إلى 25.3%.