لا يعلم أحد تقريبًا كيف ولا أين سيموت، يعمل المهندسون في مواقعهم متخذين جميع إجراءات الأمان والحماية، ويعمل العمل في المصانع بالأمر نفسه، ويعبر الناس الطرق ناظرين إلى جانبيها لتفادي أية سيارات في حالة عدم وجود إشارات للمرور، الأب والأم يحذران من وجود أي تسريب للغاز في المنزل، ويتأكدان من عدم وجود أي أسلاك مكشوفة، وهكذا. الجميع يحتاطون من الحوادث، ويتخذون ما يكفي من إجراءات الحماية والأمان للحفاظ على السلامة، سواء في العمل، أو في الطرق، أو في المنازل، أو في أي مكان. هذا هو الطبيعي في الحياة، أي يعمل كل فرد للحفاظ على سلامته وسلامة من يهمونه، ولكن ماذا إن كان ذلك خارجًا عن إرادتك؟ الأمر يختلف في هذه الحالة.

إذا كنت من سكان سوريا، أو العراق، أو اليمن، أو الدول المحيطة لهم، فأنت بذلك مُعرض للقتل عن طريق الخطأ بسبب غارة جوية خاطئة قد يقصفها أحد التحالفين؛ التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن؛ فكلا التحالفين يعملان جوًا بشكل أساسي من أجل تحقيق أهدافهما، ولكنهما كثيرًا ما يقصفان مواقع تبدو للوهلة الأولى أنها أهداف رئيسة من أجل تحقيق أهدافهم، ولكن يثبت بعد ذلك أنها كانت ضربات خاطئة، استهدفت أهداف خاطئة وغير مقصودة؛ مما أدى في النهاية إلى مقتل عدد من المدنيين، والأطفال، بشكلٍ خاطئ. هذه هي قصة الآلاف من الضحايا المدنيين الذين لقوا حتفهم، بلا فدية، في اليمن وسوريا والعراق، والتي يعيش سكانهم جميعًا تحت خطر القصف الخاطئ، ومُعرضين للموت بشكل خاطئ.

التحالف العربي في اليمن: أكثر من 50 ألف قتيلًا وجريحًا «عن طريق الخطأ»

يشهد اليمن منذ عام 2014 نزاعًا داميًا، أو حربً أهلية بما بتسمية الكثيرين، زاد التصعيد فيه بتدخل المملكة العربية السعودية عسكريًا ضمن تحالف عربي في أوائل عام 2015، ويتركز النزاع بين الحكومة اليمنية تحت قيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والمدعومة مما يعرف إعلاميًا باسم التحالف العربي لدعم الشرعية، في مواجهة جماعات الحوثي المسلحة، والمدعومة من قبل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح.

التحالف العربي التي تقوده المملكة العربية السعودية، والذين يتكون من بضعة دول عربية، ويعمل في محيط منطقة اليمن من أجل استرداد شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في مواجهة جماعات الحوثي المسلحة، والمدعومة من قبل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وأيضًا المدعومة من إيران، هو اللاعب الرئيس الأكثر استهدافًا للمدنيين «عن طريق الخطأ» في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، أكثر من غارات النظام السوري، أو الغارات الروسية المدعومة من النظام السوري في سوريا نفسها؛ حيث أعلن التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية، قبل بضعة أيام، وتحديدًا في يوم السبت السادس والعشرين من أغسطس (آب) الماضي، مسؤوليته عن الغارة التي تسببت بمقتل 14 يمنيًا، من بينهم خمسة أطفال، وذلك جنوب صنعاء، في الغارة التي أطلقها التحالف في يوم الجمعة، الخامس والعشرين من الشهر نفسه.

وكان التحالف قد أشار أن هذه الحادثة جاءت نظرًا لوقوع «خطأ تقني» أدى إلى إصابة المدنيين، وأوضح التحالف أن طائراته كانت من المفترض أن تستهدف مركزًا للقيادة والسيطرة والاتصالات يتبع الحوثيين ويقع في منطقة الغارة في حي فج عطان عند الأطراف الجنوبية للمدينة، ولكنه أخطأ في الغارة.

وقالت قيادة التحالف في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية: إنه «بعد مراجعة كافة الوثائق والإجراءات المتعلقة بالتخطيط والتنفيذ العملياتي، اتضح وجود خطأ تقني كان سببًا في وقوع الحادث العرضي غير المقصود». كما أعرب المتحدث باسم التحالف، العقيد الركن تركي المالكي، في البيان نفسه، عن «بالغ الأسى لوقوع هذا الحادث العرضي غير المقصود ووجود أضرار جانبية بالمدنيين، وعن صادق المواساة لأقاربهم وذويهم».

اقرأ أيضًا: حصاد عامين من الحرب اليمنية المنسية.. ملايين النارحين وآلاف القتلى

لم تكن هذه هي الغارة الخاطئة الوحيدة للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، فقد وصل عدد الغارات الخاطئة منذ بداية عمل التحالف العربي في خلال عام ونصف فقط؛ بين مارس (آذار) 2015، وأكتوبر (تشرين الأول) 2016، إلى أكثر من 61 غارة جوية خاطئة، وُصفت بغارات غير قانونية، وتسببت في مقتل حوالي ثمانية آلاف مدني، وإصابة حوالي 47 ألف آخرين، وأصابت منازل وأسواق ومستشفيات ومدارس وشركات ومساجد.

(موقع الغارة الخاطئة – المصدر: وكالة الأنباء السعودية)

منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية الدولية وصفت بعض الهجمات والغارات الجوية التي شنها التحالف بـ «جرائم حرب»؛ فمنها ضربات جوية استهدفت سوقًا مكتظة في شمال اليمن، مثل تلك التي وقعت في مارس (آذار) 2016، والتي قتلت 97 مدنيًا على الأقل، منهم 25 طفلًا، وأخرى استهدفت مجلس عزاء في صنعاء في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، وقتلت 100 مدني وجرحت مئات الآخرين.

حوالي 8 آلاف قتيل بسبب غارات خاطئة في اليمن.

الضربات الجوية الخاطئة التي تشنها المملكة العربية السعودية دفعت الحكومة اليمنية، التي تعمل المملكة السعودية على رأس التحالف العسكري من أجلها، للتنصل من هذه الضربات الجوية، داعيةً إلى تجنب المدنيين والضربات الخاطئة في القتال، بل إن القوات العسكرية اليمنية التي تقاتل بجانب التحالف العربي نفسها لم تسلم من الضربات الخاطئة؛ حيث هدد قادة «لواء المحضار» الموالي للـ«حكومة الشرعية اليمنية»، السعودية بالانسحاب من جبهة البقع الحدودية في محافظة صعدة، أقصى شمالي اليمن، ما لم يتم تقديم إيضاحات عن الغارات الخاطئة التي استهدفت قواتهم في بداية شهر أغسطس (آب) الماضي، والتي أودت بحياة ثمانية جنود يمنيين، بالإضافة إلى إصابة العشرات.

الجدير بالذكر، أن بداية انطلاق هجمات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن كان في المعركة المعروفة إعلاميًا باسم «عاصفة الحزم»، والتي بدأت في يوم السادس والعشرين من مارس (آذار) 2015، واستمرت لأقل من شهر، وتحديدًا 27 يومًا فقط؛ حيث أعلنت قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية نهاية العملية في 21 أبريل (نيسان) 2015، وبدء عملية «إعادة الأمل».

وكانت وزارة الدفاع السعودية قد أعلنت أن العملية نجحت في تحقيق أهدافها وأزالت التهديدات الموجهة إلى المملكة، بعد أن تمكنت من تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية في عملية نوعية استهدفت جبل عطان بصنعاء.

اقرأ أيضًا: إنفوجرافيك: حصاد عملية عاصفة الحزم

وانطلقت عملية «إعادة الأمل» في اليوم التالي لإعلان نهاية «عاصفة الحزم»، بأهدافٍ عديدة، تتمثل في استئناف العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 عام 2015، والذي يفي بإنهاء العنف في اليمن، وفرض عقوبات على كلًا من عبدالملك الحوثي، قائد جماعة الحوثيين، وأحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس اليمني السابق.

مقتل أكثر من 5 آلاف بالخطأ في سوريا والعراق.. والتحالف الدولي يعترف بقتل 700 فقط

تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، هو التنظيم الذي نشأ من أجل إقامة دولة الخلافة في العراق والشام، ممتدًا ليتوغل في دول أخرى في العالم؛ فأعضاؤه في البداية جاءوا إما من جبهة النصرة – جبهة فتح الشام بمسماها الجديد – أو تنظيم القاعدة، ويمكننا الحديث عن أن نشأة هذا التنظيم، جاءت بقيادة إبراهيم عوّاد إبراهيم البدري، المعروف إعلاميًا باسم أبو بكر البغدادي، فكانت هذه النشأة في صيف 2013، ولكن بداية عمله رسميًا في الاستيلاء على الأراضي ومحاولة إقامة الخلافة بدا ظاهرًا منذ فبراير (شباط) 2014.

اقرأ أيضًا: 8 محطات هامة شكَّلت حياة أبو بكر البغدادي

انتفض العالم كله من أجل التنظيم الجديد الذي ظهر، وبدأ يعمل ليستولي على القرى والمدن، ويقوم بوضع قوانينه الخاصة بـ«الخلافة»، ويقوم بتطبيق الحدود، ويأسر، ويقتل، فسرعان ما اجتمع قادة الدول العربية، والأجنبية، من أجل إيجاد حل، تمثَّل فيما عُرف إعلاميًا باسم «التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة»، والذي شارك فيه أكثر من 60 دولة مختلفة، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

سبعة شهور كاملة منذ ظهور تنظيم الدولة (داعش) على الساحة في سوريا كانت كافية لتكوين التحالف الذي سيقوم بمحاربته؛ فمنذ ظهور داعش في فبراير (شباط) 2014، تأسس التحالف رسميًا في 22 من سبتمبر (أيلول) 2014، من أجل القضاء على التنظيم وأعضائه.

التحالف الدولي لم تكن أهدافه صحيحة طوال الوقت، فالضربات الجوية والغارات الخاطئة كانت لها نصيبٌ كبير أيضًا لديه؛ فبعد أسبوع واحد فقط من بداية غارات التحالف، وتحديدًا في 29 سبتمبر (أيلول) 2014، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومركز حلب الإعلامي، ولجان التنسيق المحلية، أن الضربات والغارات الأمريكية التي سقطت على بلدة منبج في شمال سوريا، أخطأت؛ مما أدى إلى مقتل مدنيين اثنين بالخطأ، ومن هنا كانت البداية.

لم تمر أيام كثيرة، ليؤكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن العشرات من الغارات الجوية التي استهدفت محافظة إدلب، لم تستهدف أعضاء تنظيم الدولة (داعش)، وإنما استهدفت المدنيين بالخطأ، فقتلت 19 مدنيين آخرين، بالإضافة إلى طفل واحد على الأقل.

وخلال هذه الفترة، لم تدك القيادة المركزية للتحالف أنها تستهدف أهدافًا خاطئة؛ حيث ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أنها ليس لديها أي معلومات، أو أدلة على وقوع أي إصابات بين المدنيين جراء الغارات الجوية التي شنتها من أجل استهداف مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا في هذه الفترة.

حوالي 94 ألف صاروخ وقنبلة ألقاها التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة في العراق والشام.

وفي 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، 2014، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أيضًا أن سبعة مدنيين قُتلوا بالخطأ بسبب غارة جوية أمريكية على منشأة لتوزيع الغاز شرقي دير الزور، في الوقت الذي قُتل فيه ثلاثة آخرين في الحسكة أيضًا بسبب غارات التحالف.

ووفقًا لرويترز، في الشهور الثلاثة الأولى لغارات التحالف في مواقع مختلفة في سوريا، وتحديدًا من أواخر سبتمبر (أيلول) 2014، وحتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، فإن هناك حوالي 100 مدنيًا قُتلوا في سوريا في هذه الفترة. الأعداد ظلت في ارتفاع، إلى أن اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية في 21 مايو (أيار) 2015، أنها ربما قتلت طفلين في تفجيرين في منطقة حارم بسوريا، بسبب غاراتها في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014 على المنطقة.

وفي العراق، وصل عدد المدنيين المقتولين بالخطأ بسبب غارات التحالف الدولي إلى 118 مدنيًا خلال الشهور الثلاثة الأولى للتحالف في أواخر عام 2014، غير أن هناك حوالي 850 آخرين قُتلوا بالخطأ في العراق بغارات التحالف في عام 2015.

أكثر من 5100 قتيل بالخطأ من غارات التحالف الدولي لمحاربة داعش.

الجدير بالذكر أن أكبر عدد للمدنيين المقتولين في العراق كان منذ شهر فبراير (شباط) الماضي، وذلك بعد إعطاء الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، أوامر لجنوده بإبادة أعضاء تنظيم الدولة (داعش)، وخاصة في ظل تصعيد الهجوم على مدينة الموصل، فمنذ فبراير (شباط) الماضي فقط، وحتى الآن، قُتل حوالي 3850 مدنيًا بالخطأ، معظمهم في الموصل.

أكثر من 26 ألف غارة جوية شنها التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة على سوريا والعراق.

استمرت الغارات اليومية، والتي وصل عددها حتى هذه اللحظة إلى أكثر من 26 ألف غارة جوية شنتها قوات التحالف الدولي على سوريا والعراق؛ حوالي 13.57 ألف غارة شنتها في العراق، بالإضافة إلى 12.51 ألف غارة أخرى على سوريا، بالإضافة إلى حوالي 94 ألف قنبلة أو صاروخًا استهدافوا مواقع من المفترض أن تحوي مسلحي تنظيم الدولة، ولكن ليس هذا ما حدث طوال الوقت، فكل غارة منهم تأخذ في طريقها اثنين أو ثلاثة مدنيين بالخطأ، وغارات أخرى تستهدف المدنيين فقط بالخطأ، ولذلك، فقد وصل عدد المدنيين القتلى الذين لقوا حتفهم بالخطأ إلى حوالي 5.117 مدنيًا بالتحديد، بحسب موقع إير وورز، والذي يعتبر موسوعة في التحقيقات في الصواريخ، والغارات الخاطئة.

الجدير بالذكر أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية اعترف حتى الآن بالتسبب في مقتل 685 مدنيًا بالخطأ فقط، كما أنه يحقق حاليًا في 455 تقريرًا آخر عن مقتل مدنيين بسبب قصفه المدفعي أو ضرباته الجوية، منذ سبتمبر (أيلول) 2014، وحتى الآن.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد