هل تسعى إلى اكتساب عادة جديدة أو فقدان أخرى؟ هذه الفترة التي تحتاجها
لدينا جميعًا عشرات العادات الروتينية في حياتنا اليومية والأسبوعية، من تنظيف الأسنان، وتناول قهوة الصباح، وحتى القراءة، أو تناول وجبات بعينها في أيام معينة. بعض هذه العادات جيدة، مثل: التمشية، أو الركض في الصباح، وبعضها سيئ، مثل: تدخين السجائر، أو إدمان الطعام غير الصحي.
وبالطبع لا نولد وهذه العادات في جيناتنا، بل نكتسبها مع مرور الوقت، وربما نعاني في سبيل تثبيت هذه العادات، فالانتظام في ممارسة الرياضة لا يأتي بسهولة، ويحتاج وراءه رغبة كبيرة ومقاومة هائلة لإغراءات الكسل، واليوم تتوفر الكثير من التطبيقات التي تساعد على اكتساب عادات جديدة.
ولكن ماذا عن التخلص من عادة غير مرغوب فيها؟ وكم نحتاج لنكسر أخرى اكتسبناها؟
كم يستلزم اكتساب عادة جديدة؟
قبل الحديث عن كسر العادات، علينا الأول معرفة الوقت الذي نستغرقه لاكتساب عادة. هذا الأمر مهم كما سيظهر لنا تاليًا، فمعظم التطبيقات والكلام السائد عن التخلص من العادات يفترض أننا نحتاج 21 يومًا فقط لذلك.
السر وراء هذا الرقم هو أحد الكتب واسعة الانتشار الذي صدر عام 1960 بعنوان «Psycho-Cybernetics» من تأليف ماكسويل مالتز، وهو جراح التجميل الذي لاحظ أن مرضاه استغرقوا 21 يومًا للتعود على وجوههم الجديدة بعد إجرائهم عمليات التجميل.
ولكن الدراسات الحديثة تعترض على هذا الرقم، بل إن دراسةً أجريت عام 2009 أوضحت أن الوقت المطلوب لتكوين عادة جديدة ليس محسومًا. وفي هذه الدراسة، قام باحثون من كلية لندن الجامعية بفحص العادات الجديدة لـ96 شخصًا على مدار 12 أسبوعًا، ووجدوا أن متوسط الوقت الذي يستغرقه تثبيت عادة جديدة يصل في المتوسط إلى 66 يومًا، ولكن الأرقام الفردية الفعلية لهؤلاء الأشخاص تفاوتت من 18 إلى 254 يومًا.
بالطبع هناك فروقات فردية، لا على مستوى الأفراد فقط، ولكن بين العادات نفسها أيضًا، ولكن الملاحظة العامة التي يمكن أخذها من هذه الدراسات أن تطوير سلوك أو فعل جديد قد يتطلب شهرين على الأقل، ولا داعي لليأس إذا لم تتمكن من اكتساب عادة جديدة في ثلاثة أسابيع كما تقول أغلب التطبيقات؛ لأن هذه الفترة بالنسبة لكثير من الناس ليست كافية ببساطة.
كم تحتاج لفقدان عادة مكتسبة؟
نأتي هنا للسؤال الأهم: إذا كنا نحتاج لأكثر من شهرين في المتوسط لاكتساب عادات جديدة، فكم يومًا نحتاج للتخلي عنها؟ يكشف جواب هذا السؤال عن العلاقة بين التخلص من العادات واكتسابها.
يقول علماء النفس: إن اكتساب عادة وكسرها وجهان لعملة واحدة؛ إذ إن كسر سلوك معين، يعني عمليًا العمل بآخر جديدة، أو «استجابة مسبقة» جديدة، فعندما نريد التخلي عن سلوك ما نحتاج للتخلي عن نمط استجابة مخزّن في الخلايا العصبية، هذا النمط يقوم يدفعنا لعمل هذه العادة بشكل تلقائي.
ويقول علماء الأعصاب في هذا السياق: إنه «من الأسهل بكثير أن تبدأ في فعل شيء جديد بدلًا عن التوقف عن فعل شيء معتاد دون سلوك بديل». هذا – على سبيل المثال – ما يجعل استخدام «علكة النيكوتين»، أو أجهزة «السجائر الإلكترونية»، وسيلةً أكثر فاعلية من استخدام «ملصقات النيكوتين».
ويتفق الخبراء على أنه لا يوجد إطار زمني نموذجي للإقلاع عن أي عادة، وأن الوصفة الصحيحة ستكون مزيجًا من طبيعتك الشخصية، والدافع، والظروف، والعادة التي ترغب التخلص منها، فالتخلص من التدخين مثلًا يختلف عن التخلص من ممارسة الرياضة يوميًا في الصباح الباكر.
والأشخاص الذين يريدون التخلص من عادتهم لأسباب تتماشى مع قيمهم الشخصية سيغيرون سلوكهم بشكل أسرع من الأشخاص الذين يفعلون ذلك لأسباب خارجية مثل الضغط من الآخرين، ولذا فإقناع الشخص بترك عادة له عامل محفز وقوي بخلاف مجرد الضغط المستمر عليه لتركها.
وهنا يجب ألا ننسى أنه في بعض الأحيان يمكن كسرها بسرعة كبيرة. في بعض الحالات، يمكن كسر العادة على الفور، وهو ما نراه يحدث مع بعض المدخنين عند إصابتهم بمرض رئوي خطير بسبب استهلاكهم للسجائر، أو ما يحدث مع بعض الأشخاص ممن يكاد استخدامهم للهاتف يقتلهم أثناء سيرهم في الشارع، أو قيادتهم للسيارة.
آلية اكتساب وفقدان العادات
اتضح أن كل العادات تبدأ بنمط نفسي يسمى «حلقة العادة»، وهي عملية من ثلاثة أجزاء، الجزء الأول من هذه العملية يتعلق بوجود إشارة أو محفِّز، يخبر عقلك بالدخول في الوضع التلقائي والسماح للسلوك الجديد بالتكشف. لنقل مثلًا إنك تريد اكتساب عادة الاستيقاظ مبكرًا، فتبدأ الحلقة هنا بوجود حافز ما جعلك تختار، وتقرر اكتساب هذه السلوك.
والجزء الثاني هو الروتين، وهو السلوك الجديد نفسه، ويقصد هنا أن يتحول السلوك الجديد إلى روتين معتاد نتيجة قيام الإنسان به بشكل مستمر ومتواصل، وإذا عدنا إلى الاستيقاظ المبكر، فهذه الخطوة هي قيامك بضبط المنبه يوميًا في تلك الساعة المبكرة لتعتاد الاستيقاظ في هذا الوقت.
والخطوة الثالثة هي المكافأة، شيء يحبه عقلك، ويساعده على تذكر «حلقة العادة» في المستقبل، بكلمات أخرى فإنك أصبحت الآن تستيقظ مبكرًا كما رغبت، لكن يجب أن يظل هناك حافز مستمر يجعلك تتذكر أهمية هذه الفعل؛ حتى لا تتخلى عنها في المستقبل، وقد يتمثل هذا مثلًا في ذلك الشعور الجميل الذي تشعر به وأنت تنظر لشروق الشمس، والذي أحببته لدرجة لا يمكنك التخلي عن الشعور به يوميًا.
وبكلمات بسيطة فإن العادة تأخذ وقتًا طويلًا لاكتسابها؛ لأنها عملية قائمة على إيجاد دوافع، وتحويلها لروتين تشعر بأنك تُكافأ عليه؛ وبهذا تكتمل الحلقة، وتكتسب أنت سلوكًا جديدًا دون خشية من فقدانه لاحقًا.
ومن ناحية أخرى تتبع علماء الأعصاب سلوكياتنا في اكتساب العادات ليصلوا إلى جزء من الدماغ يسمى «العقد القاعدية»، والذي يلعب دورًا رئيسًا في تطوير العواطف، والذكريات، والتعرف على الأنماط.
أما عملية اتخاذ القرارات فتقع في جزء مختلف من الدماغ يسمى «قشرة الفص الجبهي». ولكن بمجرد أن يصبح السلوك تلقائيًا (أي يتحول إلى عادة) يهدأ الجزء المعني باتخاذ القرار في دماغك.
يبدو الأمر مربكًا أليس كذلك؟ حسنًا المقصود بحالة النوم هنا أن الدماغ يعمل بجهد أقل بعد الاعتياد على ذلك، ويمكن أن يصل مجهوده لأقل مستوى تقريبًا أثناء ممارسة العادات، وهذه ميزة مهمة؛ لأنها تعني أن جهدك الذهني يمكن تكريسه للقيام بأشياء أخرى؛ إذ تتحول إلى «استجابة مسبقة» وتلقائية يقوم بها الدماغ دون تدخل واعٍ في عملية اتخاذ القرار.
يفسر هذا لماذا تستطيع قيادة سيارتك بسلاسة أثناء سماعك لنشرة الأخبار، وقدرتك على التركيز على أخبار تجذب اهتمامك، وعندما تنزل من السيارة ستتذكر الأخبار التي سمعتها، لكنك ربما لا تتذكر تفاصيل الطريق الذي قدت سيارتك فيه، ولا إشارات المرور التي وقفت عندها، السر هو أن القيادة أصبحت عادة لديك يقوم بها عقلك دون مجهود كبير، ويكون متفرغًا لاستيعاب أمور أخرى.