على مدار أجيال متعاقبة، قضى العلماء وقتًا طويلًا في محاولة فهم علاقة الشمس بالأرض ومن منهما مركز الكون، ومن تلك النقطة انطقلوا في محاولة استكشاف مجموعتنا الشمسية بما تضمه من كواكب مجاورة وأقمار، وبعد أن كانت مجموعتنا الشمسية هي المصدر الوحيد المثير لفضول العلماء في الفضاء، أتاح التقدم التكنولوجي في تقنيات استكشاف الفضاء إدراك أننا لسنا المجموعة الشمسية الوحيدة في هذا الفضاء الفسيح، لذا نأخذكم في هذا التقرير في جولة عبر الفضاء، لزيارة «ألفا سنتوري» أو «رجل القنطور» أقرب مجموعة شمسية لمجموعتنا؛ فما قصة تلك المجموعة وما الذي نعرفه عنها؟
نجوم «رجل القنطور».. «نحنا والشمس جيران»
ننظر إلى السماء ونظن أننا نراها كاملة، بينما ما تلتقطه أعيننا لا يتجاوز إلا نقطة في بحر من الكون الشاسع الذي ننتمي إليه، هذا الكون الشاسع الذي اعتدنا أن ننسب أنفسنا إليه هو مجموعتنا الشمسية، وهي مجموعة الكواكب التي تدور حول الشمس بما فيها كوكبنا الأرض.
تتكون مجموعتنا الشمسة من ثمانية كواكب بعد أن تراجع اتحاد الفلكيين العالمي عن تصنيفهم لبلوتو كوكبًا في العام 2006، وكواكب مجموعتنا الشمسية هي: عطارد، والزهرة، والأرض، والمشترى، والمريخ، وأورانس، وزحل، ونبتون، والتقطت أول الصور الكاملة للمجموعة الشمسية عام 1966 باستخدام المسبار «لونار أوربيتر 1».
لكن بعد مرور 55 عامًا على تلك الصورة، صرنا الآن في عصرٍ يعرف فيه العلماء عن الفضاء الخارجي أكثر ما يعرفونه عن المحيطات الموجودة على كوكب، ولذلك لم تعد مجموعتنا الشمسية هي الوحيدة التي ندرك وجودها، بل أن هناك مجموعة شمسية آخرى قريبة من مجموعتنا ومؤخرًا أولاها العلماء أهمية بالغة وهي «رجل القنطور».
»رجل القنطور» أو «ألفا سنتوري» يعد أقرب نظام نجمي للشمس، ويتشكل هذا النظام النجمي من ثلاث نجوم تعتبر قريبة من بعضها البعض نسبيًا وتعتبر النجوم الثلاث الموجودين به «أقرب جيران» للشمس، وأطلق العلماء على تلك النجوم اسم «رجل القنطور» أو «Alpha Centauri A» و«بيتا القنطور» أو «Alpha Centauri B»، ويتشكل النظام من ثنائي نجمي والمسافة بينهم وبين كوكب الأرض حوالي 4.2 سنة ضوئية، أما النجم الثالث في هذا النظام الشمسي هو نجم «القنطور الأقرب» أو «Proxima Centauri» ويبعد عن كوكب الأرض حوالي 4.22 سنة ضوئية.
كوكب جديد أكبر من الأرض
هناك الكثير من الأنظمة النجمية في الكون حول مجموعتنا الشمسية، فما الذي يجعل «رجل القنطور» محل اهتمام العلماء ووكالة ناسا في الوقت الحالي؟ يمكن تلخيص الإجابة في أن تلك المجموعة النجمية هي الأقرب لنا، ففي العام 2016 أعلن علماء الفلك عن اكتشاف كوكب بحجم كوكب الأرض تقريبًا، ويعتقد العلماء أنه اكبر من الأرض بحوالي 17%، موضحين أن هذا الكوكب يدور حول نجم «القنطور الأقرب» الموجود في المجموعة النجمية «رجل القنطور»، وأطلق عليه العلماء اسم « بروكسيما ب» أو «Proxima b»،
وقد نُشر هذا الكشف في مجلة «نيتشر» تحت عنوان « A terrestrial planet candidate in a temperate orbit around Proxima Centauri» أو «كوكب أرضي في مدار معتدل يدور حول بروكسيما سنتوري»، ويمكنك مشاهدة مجسم ثلاثي الأبعاد لهذا الكوكب من هُنا.
وحدد العلماء مكان هذا الكوكب في الفضاء، وخلال عام 2020 استطاع فريق بحثي بمساعدة مقياس طيف سويسري مُركب حاليًا على تلسكوب كبير جدًا في المرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي أن يأكدوا قياس كتلة هذا الكوكب، والتي وجدوا أنها تتشابه مع كتلة الأرض ما قد يسمح بوجود عناصر للحياة فوقه، ولكن أيضًا لم يكن لدى البشر الإمكانيات التكنولوجية الكافية أو التليسكوب الفضائي المناسب لاستكشاف ما إذا كان كوكب بروكسيما قابل لاستضافة الحياة البشرية على سطحه أم لا، ولم يكن لدينا القدرة أيضًا على تحديد ما إن كان هذا الكوكب محاطًا بغلاف جوي أم لا، أو ما إذا كان هذا الغلاف الجوي في حالته وجوده يسمح بجريان المياة السائلة.
كما يحتاج العلماء لاستكشاف درجة حرارة هذا الكوكب تحديد مدى تأثره بغلافه الجوي، فقد يكون هذا الكوكب في غلافه الجوي ما يكفي من الغازات الدفيئة التي تجعل درجة حرارته غير قابلة لاستضافة حياة؛ مثلما يخطو كوكب الأرض لمصيره إن لم تؤخذ الخطوات التي تنقذ الأرض من هذا المصير، ومن أجل اكتشاف كل تلك المعلومات؛ خرج «توليمان/Toliman» للحياة؛ فما هو؟
هل يجد البشر وطنًا بديلًا للأرض؟
مع التحديات المتزايدة التي يواجهها البشر بسبب التغير المناخي وعواقبه على كوكب الأرض، غالبًا ما يتساءل البعض عما إذا كان بإمكان البشر على كوكب آخر، وفي مسلسل Lost In Space والذي يعرض منذ العام 2018؛ تسعى عائلة أمريكية للبحث عن كوكب جديد صالح للحياة، وتسافر تلك العائلة إلى كوكب موجودة في النظام الشمسي الذي نتحدث عنه «رجل القنطور» وتقع العديد من المغامرات على سطح هذا الكوكب؛ فهل يكون الواقع أقرب للخيال؛ ونستطيع نحن البشر استكشاف المعلومات الكافية عن هذا الكوكب، والتي تخبرنا هل هو صالح لاستقبالنا أم لا؟
قد يحدث هذا بالفعل بمساعدة «توليمان» وهو تلسكوب مصمم بغرض استكشاف ثوري للنظام الشمسي «رجل القنطور»، وفي تصريح له لمجلة «سينتفك امريكان»؛ يقول أوليفييه جويون من جامعة أريزونا والعضو بفريق إعداد التلسكوب: «لقد سنحت لنا هذه الفرصة الفريدة لاكتشاف ما إذا كان هناك كوكب في هذا النظام صالح للحياة، وهو أمر لم يسبق لنا القيام به».
وفي منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أعلن الفريق البحثي المسئول عن التليسكوب أنهم استطاعوا تنفيذه بتكلفة منخفضة نسبيًا وهذا بعد حصولهم على تمويل من الحكومة الأسترالية بمبلغ نصف مليون دولار، وتحت إشراف بيتر توثيل من جامعة سيدني الذي اخترع هو وفريقه تصميم التلسكوب للمرة الأولى منذ سنوات قليلة؛ وحصل مشروع التلسكوب على دعم مالي من كل من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة «ناسا»، وشركة «سابر أسترونوتكس» للهندسة الفضائية بأستراليا، ومشروع المبادرات الاختراقية «بريكثرو إنيشياتيفز» بكاليفورنيا.
ويهدف كل هذا الدعم المقدم للتليسكوب للإجابة عن التساؤلات التي تحوم حول هذا الكوكب وحول النظام الشمسي «رجل القنطور» ككل، بهدف تحديد نقاط ومناطق صالحة للحياة هناك، ويخطط الفريق البحثي إطلاق هذا التليسكوب في مدار كوكب الأرض بحلول العام 2023 ليبدأ رحلة البحث في الفضاء، والتي يرى بعض العلماء أنه قد يسفر عنها اكتشاف كواكب أخرى تشبه الأرض.
وبمساعدة مقياس الطيف سويسري بجانب تليسكوب «توليمان»؛ قد يكون البشر قادرين على «اصطياد» كوكب صالح للحياة في ألفا سنتوري بحلول 2028. وجدير بالذكر أن اسم «توليمان» الذي اختاره العلماء للتليسكوب هو مشتق من الاسم العربي القديم «الظلمان» والذي كان يطلقه العلماء من قبل على النظام النجمي «رجل القنطور».
وما يميز هذا التليسكوب هو إقبال القطاع الخاص على تمويله على الرغم من أن النتائج غير مضمونة والمخاطر التي تهدد بفشل التجربة ليست منعدمة، ولكن البحث المحموم عن مكان آخر غير كوكب الأرض ليكون صالحًا للحياة أصبح يسيطر على أذهان البشر، كما أن الاهتمام بـ«رجل القنطور» ليس جديدًا ففي عام 2016 كان العالم ستيفن هاوكينج ورجل الأعمال الشاب مارك زوكربرج يديرون مجلس إدارة المبادرة «بريكثرو إنيشياتيفز» وهي أحد الجهات الممولة للتليسكوب، بهدف البحث عن وطن صالح للحياة بعد أن أوشكت الأرض على الفساد.