حينما نذكر كلمة ساموراي، فربما تأتي في مخيلتك صورة محارب ياباني، مرتديًا الدرع المعروف، وممسكًا بسيف الكاتانا الشهير، وربما تقفز لذهنك كلمات مثل الشرف والوفاء، وتتجه ذاكرتك صوب تلك المعلومات التي تعرفها عن تلك الفترة في اليابان حينما كان نظام الشوجوناتي العسكري يحكم البلاد، لكن في النهاية كل هذه التخيلات والأفكار تدور حول نفس«الرجل»، لماذا يقدم الساموراي دائمًا في الأفلام على أنهم رجال؟ هل لأن الساموراي محاربون فيجب أن يكونوا رجالًا؟ أم أنه بسبب أن كلمة ساموراي نفسها تعني «الذي يضع نفسه في الخدمة»، إذًا ماذا عن التي؟ هل كانت هناك أنثى ساموراي؟ حسنًا في السطور التالية نخبرك قصة «أنثى ساموراي» لكن هذه المحاربة كانت إذا أمسكت سيفها ضُرب بها المثل في أنها تعدل ألف مقاتل!
توموي جوزين.. إذا أمسكت سيفها تعدل ألف مقاتل
تبدأ قصة توموي جوزين في فترة عصيبة من تاريخ اليابان كانت تمر فيها بحرب أهلية طاحنة تسمى «حرب جينبيه» بين قبيلتي ميناموتو وتايرا للسيطرة على عرش اليابان. هذه الحرب التي استمرت منذ عام 1180 وحتى 1185 ومهدت الطريق لبداية الحكم العسكري في اليابان فيما يعرف بحكم الشوجوناتي، والذي بدأ سنة 1192، كان ذلك نتيجة لانتصار قبيلة ميناموتو وتوليها الحكم بعد الفوز في معركة فاصلة تسمى معركة دان-نو-أورا، فتولى ميناموتو يوريتومو حكم البلاد، وأعلن بعد سبع سنوات من توليه الحكم بداية نظام الشوجوناتي، إذ أصبح الإمبراطور مجرد رمز، والحكم الفعلي في يد القيادة العسكرية.
لوحة تصور توموي جوزين على حصانها في إحدى المعارك – المصدر:getarchive
ولكن وصول قبيلة ميناموتو للحكم لم يكن سهلًا، فإلى جانب حروبهم ضد قبيلة تايرا، انقسم أبناء قبيلة مناموتو بين أنفسهم، وقصة بطلتنا توموي جوزين هي مع قبيلة ميناموتو.
كانت توموي جوزين من الأونا-بوجيشا، والأونا-بوجيشا تعني«فنانة قتالية»، ففي الفترة ما بين القرن الثاني عشر وحتى القرن التاسع عشر كان العديد من نساء طبقة الساموراي في اليابان يتدربن على فنون القتال مثلهن مثل الرجال، فأصبحت المرأة بارعة في استخدام السيف، والناجيناتا وهو رمح قد صنعت منه نسخة تسمى كوناجيناتا خصيصًا للمرأة لتكون قادرة على التحكم فيه بسهولة، وذلك لتكون قادرة على الدفاع عن نفسها وعن بيتها وأهلها، وفي حالة تعرض بيتها للهجوم كانت تقاتل للنهاية وتموت بشرف مثلها مثل الرجل وسلاحها في يدها.
وصفت ملحمة هايكي – والتي يمكن وصفها بأنها إلياذة اليابان – توموي جوزين بأنها بارعة الجمال وماهرة في الرماية، وتستطيع ركوب الحصان أحسن من معظم الرجال، وإذا أمسكت بسيفها فهي تعادل ألف مقاتل، وجاهزة لمواجهة الشياطين أو الآلهة، والجدير بالذكر أنه لم يُشَر لتوموي جوزين في أية مخطوطات أو ملاحم تاريخية أخرى سوى ملحمة هايكي، وهذا الأمر قد جعل البعض يشكك في وجودها، وأن قصص معاركها الموجودة في الثقافة الشعبية لا تتخطى كونها أسطورة جرى تضخيمها، أو الزيادة في جعلها ملحمية.
قاتلت توموي جوزين في حرب جينبيه إلى جانب سيدها – وفي بعض الروايات زوجها – كيسو نو يوشناكا، فحاربت معه قبيلة تايرا، وحاربت معه بعد ذلك قوات ابن عمه ميناموتو نو يوريتومو، وفي هذه الحرب أظهرت توموي جوزين شجاعة فائقة جعلت الجنود تخشى مواجهتها، فيذكر أنها في معركة يوكو تاجا وارا قامت بقطع سبعة رؤوس لفرسان واجهتهم في المعركة، وقد وضعتهم على رؤوس الرماح لتنشر الرعب في قلوب أعدائها، وكذلك في معركة تونامي ياما قادت ألف فارس من فرسان نو يوشناكا نحو النصر.
ويمكن اعتبار دور جوزين في معركة يوشيدي نو هاما الأشهر، حين قادت 300 من قوات نو يوشناكا ضد 6 آلاف من فرسان تايرا في معركة مستحيلة، ووصل الأمر أن تبقى من المعركة خمسة فقط من قوات نو يوشنكا، وكانت هي الخامسة، ويقال إن يوشناكا قد أمرها بترك المعركة والنجاة، فاختارت أكبر فارس من فرسان تايرا وحاربته، فقطعت رأسه وأمسكت بها في يدها، وتركت المعركة.
وفي 1184 في معركة أوازو قامت توموي جوزين بمقاتلة أشهر محاربي قبيلة موساشي وقطعت رأسه واحتفظت بها، إلا أنه في هذه المعركة قُتل كيسو نو يوشناكا، وهنا اختلفت الروايات بخصوص مصير توموي جوزين، فالبعض قال إنها ظلت تقاتل بعد مقتل كيسو نو يوشنكا حتى ماتت بشرف، وروايات أخرى حكت أنها احتفظت برأس محارب قبيلة موساشي وتركت المعركة واختفت بعدها، وهناك من رجح أنها اعتزلت الحروب بعد المعركة وتزوجت وأصبحت راهبة.
وبغض النظر عن مصيرها غير المعلوم، تعتبر قصة توموي جوزين من أشهر قصص المحاربات في التاريخ، وبالنسبة لليابان فإنها تعتبر أشهر أونا-بيجوشا، ولذلك كان من الطبيعي أن تظهر توموي جوزين في الكثير من الأعمال الفنية والأدبية في اليابان، بداية من اللوحات، مثل اللوحة التي تقتل فيها محاربَ ساموراي شهيرًا يدعى يوشيدا سابورو إيوشي، والتي تعود لسنة 1750 للفنان إيشيكاوا توينوبو، وحتى الأعمال التلفزيونية والمسرحية مثل مسرحية «توموي جوزين: أسطورة المحاربة» والتي أنتجت في 2013.
ليست الوحيدة.. توموي جوزين فكرة لا تموت
على الرغم من أن توموي جوزين تعد الأشهر، إلا أنها وبكل تأكيد ليست الوحيدة، فقد انتشرت بعد توموي جوزين مقاتلات الأونا-بيجوشا والنساء المحاربات عمومًا بشكل كبير، وبعد أن أثبتن قدرتهن على القتال إلى جانب الرجال بدأت أوضاعهم في الازدهار، فانضم عدد كبير من النساء المحاربات إلى طبقة الساموراي، وكانت محاربات الأونا-بيجوشا الدرع الأول لبيوتهن وقراهن، خصوصًا أن رجالهن من الساموراي كانوا يذهبون إلى الحروب والمعارك.
وهذا الأمر يوضح كيف أن اليابان وبشكل كبير كانت تتعامل مع المرأة في تاريخها باعتبارها عضوًا فعالًا في المجتمع، وقادرة على الانضمام للجيش ومحاربة الأعداء، بل قادرة على حكم البلاد مثل الإمبراطورة جنجو، والتي يقال إنها أول من سيطرت على شبه الجزيرة الكورية.
وعلى مدار عدة قرون افتُتح العديد من المدارس في كافة أنحاء الإمبراطورية اليابانية لتعليم الفتيات فنون الحرب، والقتال، واستخدام السيف، والناجيناتا، وفي كل القبائل التي كان فيها مقاتلو ساموراي كانت تضم أيضًا مقاتلات أونا-بيجوشا، وظلت المقاتلات يلعبن دورًا كبيرًا في المعارك حتى القرن التاسع عشر، وينظر لمعركة أيزو في حرب بوشين الشهيرة – التي أنهت الحكم الشوجناتي العسكري في اليابان وأعادت السلطة للإمبراطور – باعتبارها نهاية محاربات الأونا-بيجوشا، فبعد الحرب أُلغيت طبقة الساموراي – مما يعني بالضرورة إنهاء الأونا-بيجوشا – وكان العديد من الساموراي قد تحولوا إلى موظفين، أومعلمين، أو حتى فنانين.
مصدر الصورة: flickr
وعلى الرغم من انتهاء الأونا بيجوشا والنساء المحاربات إلا أن منهن من سطرن أسماءهن في تاريخ اليابان مثل:
-هانجاكو جوزين: شاركت في حرب جينبيه مثل توموي جوزين، لكنها تحالفت مع قبيلة تايرا، وقد كونت جيشًا قوامه 3 آلاف جندي للدفاع عن أحد الحصون، واستطاعت الصمود في وجه 10 آلاف جندي من جنود ميناموتو، إلى أن أصيبت في النهاية فاستسلم جنودها، وبعد أن وقعت في الأسر أحبها أحد جنود قبيلة ميناموتو، وأُذن له بالزواج منها ليعيشا حياة هادئة بعد انتهاء الحرب.
–ياماكاوا فوتابا: كانت ابنة لأحد المسؤولين الشوجناتي، وتدربت على القتال منذ صغرها، وفي حرب بوشين بين قوات الشوجناتي وقوات الإمبراطور دافعت ياماكاو فوتابا عن قلعة تسوروجا، وظلت القلعة محاصرة لمدة شهر حتى استسلمت، فقُبض على الجميع وأُرسلوا إلى مخيمات الحرب كأسرى، وقد استطاعت هي النجاة من المخيم وظروفه القاسية لتخرج منه بعد ذلك وتقود حملة لتحسين تعليم الإناث في اليابان.
–ناكانو تاكيكو: في خلال معركة أيزو ضمن حرب بوشين، تولت ناكانو تاكيكو قيادة مجموعة من الأونا-بيجوشا لمواجهة قوات الإمبراطور، متسلحين بالناجيناتا في وجه البنادق، وقد حاربت تاكيكو بشجاعة حتى أصيبت بطلقة نارية في صدرها، حينها طلبت تاكيكو وكانت ابنة 21 عامًا من أختها أن تقطع رأسها حتى لا يأخذ جنود العدو جسمها، وقد نفذت أختها طلبها ودفنت رأسها بعد ذلك تحت شجرة.
تلك المحاربات وغيرهن الكثيرات، حاربن إلى جوار الرجال، فتشاركوا الألم والهزيمة، وتشاركوا الفرح والنصر؛ إذ لم توجد فوارق بينهم في ساحة المعركة، لتثبت المقاتلات للعالم أن الشجاعة ليست حكرًا على الرجال فقط، وأن الشرف والوفاء ليس حكرًا على الساموراي.. فللأونا-بيجوشا نصيب أيضًا.