بمكان وزمان غير محدد موجود فقط في المخيلة الجمعية لنا، حيث لا مستحيل، حيث يمكنك بناء ما تتخيله وتستطيع من خلاله تغيير العالم فقط اربط حزام الأمان وامسك بهذا الدبوس فقط إذا كنت من الحالمين.

ما هي بالضبط أرض الغد أو حتى أين هي؟ من الصعب الشرح. فيلم tomorrowland”” من إنتاج ديزني لهذا العام 2015، يبدأ مع إشارة لتاريخ افتتاح ديزني لاند 1955 عندما ذهب طفل صغير “فرانك ووكر” للمعرض العالمي في نيويورك على أمل الفوز بـ50 دولارًا جائزة اختراعه لكن حكم المنافسة “ديفيد نيكي” يرفضه بينما فتاة تدعى أثينا تروق لها قدراته وتمنحه فرصة النظر على المستقبل ليحلق في سماء مدينة الاختراعات بصاروخه.

في يومنا الحالي وقد قفزت إليه أنت وفرانك نجد “كيسي” ابنة مهندس بوكالة ناسا يعمل بمحطة منفصلة سيتم إنهاء العمل بها لفشلهم في الوصول للهدف وهو ما يقلق “كيسي” فتدفعه للأمل في إمكانية تحويل المسار وتعطه مثالًا بمن يملك حيوانين أحدهما ضار والآخر يمكن الاستفادة منه فإن ما يبقى معك هو الحيوان الذي ستطعمه وهنا عليك الاختيار بينهما.

بريت روبرتسون “كيسي” في أرض الغد.

تجد “كيسي” بالخطأ دبوس بين أشيائها عندما تلمسه تنطلق على الفور إلى المدينة نفسها في المستقبل، إلا أنها ليست حقًّا هناك، إنها مجرد رؤية مثل صورة عملاقة ثلاثية الأبعاد، مرة أخرى من الصعب شرح ذلك، لكن من اللذيذ مشاهدته، تتأكد “كيسي” من أنها المقصودة فالدبوس لا يعمل مع والدها، تأخذ عجلتها وتتجه لأرحب مكان في المدينة تمسك بالدبوس تصل به لقطار المستقبل وتتجه إلى مدينة الفضاء حتى كادت تركب سفينة الفضاء، إلا أن البطارية نفذت.

في الوقت الذي يبحث فيه الآليون عن “كيسي” والدبوس تأخذها “أثينا” إلى منزل “فرانك ووكر” – الكبير- أو جورج كلوني الآن لكنها لم تكن مقابلة جيدة تمامًا؛ فهو الآن منعزل و لم ينس الأمل الذي فقده بعدما منحته “أثينا” فرصة للتجنيد في أرض الغد وبالنهاية طردوه منها، لكن تدريجيًّا يثق في قدرات “كيسي” ويجدد الثقة بشأن “أثينا” ويحاول التجربة مرة ثانية.

هناك لمسة من العلاقات الإنسانية غير واضحة بالفيلم، فيأتي جورج كلوني “فرانك ووكر” بديلًا بحكمته في رحلة “كيسي” عن أب فيبدو عابسًا فتشوبه بعض حماسة الشباب، وهناك “أثينا” التي يراها “فرانك” سببًا في سحق طفولته لكنها الآن تبدو كحفيدته ورغم ذلك لم ينس مشاعره نحوها ووجد صعوبة في إدراك أنها روبوت، لتظل “كيسي” في دورها فتاة شغوفة وطموحة تزيد من أمل “ووكر” كلما خمد وتظل وجهه المتفائل.

اسم الفيلم “أرض الغد” متخذ عن قصة حقيقية في عام 1964، والمعرض العالمي بنيويورك الذي جمع توماس إديسون وغوستاف إيفل وجون فيرن ونيكولا تيسلا يخططون له في غرفتهم الملكية ببرج إيفل, شكلوا جماعة سرية لتحسين الجنس البشري وحددوا موعد لافتتاح معرض المستقبل وتم إلغاؤه مرتين وكان من المفترض توزيع آلة زمنية لكل الحاضرين على شكل دبوس سحري ولا تزال دعوات الحفل بغرفتهم الخاصة في باريس “وهو بالضبط دبوس كيسي”.

يواجه “فرانك ووكر” شر الآليين ومطاردتهم له ويعيد ما كان يجب منذ 50 عامًا، يتحرك مع الفتاتين نحو برج إيفل والغرفة الملكية ويستقل الصاروخ نحو المستقبل ويعيد أجواء المعرض العالمي لكن بوصولهم للمستقبل يكونون على موعد مع حكم المنافسة الأول “ديفيد نيكي” الآلي والمتحكم في جهاز المراقبة والذي أنهى تجنيد “ووكر” منذ أعوام طويلة وحرمه من العيش بأرض الغد وحرم “أثينا” أيضًا لمخالفتها القواعد.

يظهر “ديفيد نيكي” في البدء تعاطفه ويمنحهم الثلاثة فرصة لرؤية المستقبل عبر كرة صغيرة بمؤشرين الزمان والمكان فتختار “كيسي” رؤية مدينتها، فترى احتراق محطة عمل والدها وإعصار شديد ثم بناء ثم جليد وبالنهاية ترى منزلها وهو يطوف على سطح المياه على موعد مع انتهاء العالم بعد 58 يومًا، لكن هل ما التقطه جورج كلوني من لقطة تظهر العالم بشكل مختلف كانت حقيقية ويمكن تغيير المسار للأفضل؟

المستقبل ممكن أن يكون مخيفًا حكومات غير مستقرة، انفجار سكاني، حروب في كل قارة، مجاعات، نقص في المياه، وتلوثات بيئية، بكل ثانية تمر نقترب أكثر وأكثر من المستقبل “المحدد”، المستقبل الذي لا نختاره، والذي لن يستسلم له “ووكر” و”كيسي” ويكتشفا شر “نيكي” بعد رفضه تغيير إشارة جهاز المراقبة والتأكد من أنه يبث المستقبل وأن جهاز المراقبة ما هو إلا دبوس عملاق يقنع العالم بأن يسير في الطريق الخطأ بإعطاء الناس صورة مكررة عن المستقبل حتى يتقبلوها.

هيو لوري في دور “ديفيد نيكي” المتحكم بجهاز المراقبة.

تقود “ديفيد نيكي” المتحكم في جهاز المراقبة فكرة أن البشر ستدفعهم الوحشية إذا علموا بأرض الغد وأن هناك فرصة لتغيير المصير، يقوم “نيكي” ببث الأخبار الخطيرة مباشرة في عقول الناس، الأخبار الحقيقية، مثل احتمالية الإبادة الواسعة التي تتصاعد كل يوم لتكون الطريقة الوحيدة لإيقافها هو إظهارها لإخافة الناس مباشرة، ومع التكرار لن يصدم أحد باحتمال دمار كل شيء عرفوه وأحبوه، لكن كيف استجاب الناس لإمكانية الهلاك الحتمي وهذه الرؤى؟ لقد قاموا بالتهامها مثل قطع الشيكولاتة – حسب تعبير نيكي– لم يخافوا من انهيارها بل أعادوا توجيهها في الأفلام وألعاب الفيديو حتى اعتنق العالم كله نهايته وركض تجاهها وترك الأمل والأرض تنهار من حوله ولم يفكر أحد في تفسير أوبئة متزامنة من السمنة والمجاعات ولم يفكر في بداية اختفاء النحل والفراشات وذوبان الجليد، ولم يفهم أحد تلميح سقوط طيور الكناري ميتة.

في كل لحظة توجد احتمالية مستقبل أفضل، لكن أحدًا لم يصدق، ولهذا لن نفعل ما هو ضروري فينغمس الجميع في المستقبل البشع ويستسلم له لسبب واحد لأن هذا المستقبل لا يطلب منه شيئًا اليوم، الخطأ ليس في جهاز المراقبة الذي يقوده “نيكي” فقط فبتدمير جهاز المراقبة لن يصبح العالم أفضل، لكن بالتأكيد سيكون الاختيار للناس وقتها، وهو ما يريده “كيسي” و”ووكر” و”أثينا”.

تبدأ محاولات الثلاثة تعطيل جهاز المراقبة لكن قوة الآليين تفوقهم كثيرًا، مشهد بين قوتين غير متكافئتين يحالف الحظ أضعفهما ولكن قبل إصابة “نيكي” يحاول قتل “ووكر” وهو ما منعته “أثينا” لتتلقى الرصاصة بدلًا منه لتتخلص من ذنبها القديم في حقه وتعترف بأنها آلية تم تصميمها لإيجاد الحالمين، وأنها شعرت بحبه قديمًا حين كان طفلًا أو كما عبرت بأنه “خلل في البناء العاطفي” ثم طلبت منه برميها من أعلى برج المراقبة والاستفادة من طاقتها في تدميره والتخلص من “نيكي”.

الآن أصبح بيد الحالمين اختيار مستقبلهم، يقرر “ووكر” و”كيسي” البحث عنهم، وإعادة مراسم المعرض العالمي بنيويورك وتوزيع الدبوس على الحالمين من عازف الموسيقى على الشاطئ والمهندس بموقعه والتي تغرس شجرة والذي يرسم على حائط منزله في فرصة لرؤية أرض الغد والتمسك بمستقبل أفضل.

الفيلم نوع من الرموز الداعمة للمراهقين الذين يراودهم القلق من هذا الكوكب مع دعوة للعمل مع رسائل إيجابية ونموذج للقدوة في الدور الذي قام به جورج كلوني، وهو قصة عن المستقبل، والمستقبل قد يكون مخيفًا وقد يكون مليئًا بالأمل مثل ذلك الذي وعِدنا به في الخمسينات الماضية، أو بالأحرى وعدتنا به “ديزني” معقل القيم الأمريكية المحافظة، لتقدم فيلمًا متفائلًا بشأن إنقاذ الكوكب مع رؤية للمستقبل ووفرة من التفاؤل وجماليات الماضي مع مراهقة ومخترع محبط على موعد مع مهمة خطيرة لكشف أسرار مكان غامض، مما جعل نظرة الفيلم المتفائلة تضعه في تناقض صارخ مع العديد من أفلام المستقبل مثل “metropolis” و”Blade Runner” و”The Hunger Games”. لكن صناع الفيلم فضلوا الاستمرار في نهج ديزني بأفلام مثل “The Cosmonaut” و”The Last Days on Mars” لرسم نموذج للغد يمكن الشعور بالحنين نحوه، هذا المستقبل المدهش الذي لن يتحقق أو كما قال كلوني في العرض الأول للفيلم: “أعرف أن براد متفائل وأراد كتابة فيلم يقول إنه في كل مرة نتجول فيها بين القنوات ونشاهد مدى الكآبة الموجودة في هذه الأخبار، فهذا لا يعني أنها نهاية المطاف، هناك مستقبل بانتظارنا إذا أردنا وأنا أفضل هذه الفكرة.”

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد