لاشك أنه لا توجد حدود فاصلة بين السياسة والاقتصاد، فكلاهما يؤثر على الآخر بصورة مُباشرة. عدد كبير جدًا من الحروب وقعت لأغراض اقتصادية بحتة، مثل انتزاع موارد ما، أو السيطرة على مصادر طاقة، أو لتصريف كميات غير مُستعملة من السلاح.
السيطرة الحقيقية في عالمنا الحالي، لا تكمن في السيطرة العسكرية أو السياسية، لكنها بشكل أساسي تتمثل في السيطرة الاقتصادية، وكيف تجعل كل المجالات الأخرى من سياسة وعلم وثقافة وتكنولوجيا، تصب في مصلحة رفع المستوى الاقتصادي للدول. وقد ذكر الاقتصادي المصري جلال أمين، في عدد من مؤلفاته، أن الدول الاستعمارية الكبرى، تُصر على نشر ثقافة معينة بين شعوب الدول النامية، حتى يمكنها استهلاك ما تقدمه لها من منتجات.
ووصل الأمر إلى تأكيد الدول الاستعمارية، على ضرورة خلق شريحة مجتمعية في الدول الفقيرة، نُطلق عليها المجتمع الراقي، أو النخبة، والتي ستكون بطبيعة الحال ثرية، بما يجعلها قادرة على استهلاك المنتجات الغربية. هذا الأمر لن يتأتّى إلا بزراعة الثقافة الغربية الاستهلاكية، بين أفراد هذه الطبقة. ولعل انتشار المدارس الأمريكية والبريطانية، وغيرها، في بعض الدول، هو أبرز دليل على هذا التوجه.
السيطرة الاقتصادية
أحد الأوجه التي توضح لنا قوة السيطرة الاقتصادية لبعض الدول، تكمن في معرفة ما تقدمه من قروض للدول المحتاجة، ومعرفة ما تقدمه من منح وإعانات للدول أو للمنظمات. وفي عالم تحكمه الرأسمالية، فبالتأكيد لا توجد حكومة تقدم قرضًا أو منحة إلا لأهداف معينة وفوائد ستجنيها عاجلًا أم آجلًا.
ويذهب الأمر أحيانًا إلى حد تقديم الدول المقترضة، لتنازلات عديدة، يمكن أن تؤثر على صناعاتها ومستواها الاقتصادي في المستقبل البعيد. قد يُصاحب القرض المقدم عمليات تقشف حكومية تؤثر على المواطن الفقير، أو امتيازات معينة لشركات تابعة للدولة المقرضة، أو فتح الباب أمام استيراد سلع مشابهة لسلع محلية، مما يلحق الضرر بالمنتج المحلي، وهكذا.
الدول الأكثر إقراضًا
ليست الولايات المتحدة كما يظن البعض، بل اليابان، التي تتربع على عرش الإقراض العالمي. فطبقًا لأحدث التقارير الاقتصادية الحكومية، والصادر في شهر مايو (آيار) 2015، بلغ إجمالي الأصول الخارجية لليابان 366.68 مليار ين ياباني، أي ما يعادل 3.03 مليار دولار أمريكي، وهو ما عززه انخفاض قيمة الين مما رفع قيمة الأملاك الخارجية.
هذا الأمر جعل اليابان أكبر دولة مقرضة في العالم كله، للعام رقم 24 على التوالي. وقد ذكر مسؤولون بوزارة المالية اليابانية، أن صافي الأصول التي تحتفظ بها الحكومة والشركات والأفراد اليابانيون حول العالم، في 2014، ارتفعت عن 2013 الذي وصلت فيه قيمة الأصول إلى 3.25 تريليون ين ياباني. لكن البيانات الأحدث لجهات متخصصة غير حكومية أظهرت وصول إجمالي الأصول الخارجية لليابان إلى 2.84 تريليون دولار أمريكي بداية عام 2016.
في المرتبة الثانية، جاءت ألمانيا بإجمالي أصول خارجية يبلغ 1.56 تريليون دولار أمريكي تقريبًا. وفي المرتبة الثالثة تأتي الصين، بإجمالي أصول بلغ 1.46 تريليون دولار أمريكي.

تصاعد الدين الخارجي للولايات المتحدة
الولايات المتحدة الأمريكية
الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر دولة في العالم، من حيث إجمالي الدين الخارجي المستحق عليها. نعم، فما لا يعرفه الكثيرون هو أن أقوى دولة في العالم، وصاحبة أقوى اقتصاد في العالم، هي في ذات الوقت أكبر دولة مدينة، بإجمالي 19.13 تريليون دولار أمريكي، طبقًا لبيانات نهاية عام 2015. لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة دولة معتمدة على الآخرين.
فالدولة التي تملك دينًا كبيرًا، يمكن أن تكون أيضًا دولة مقرضة بشكل عام، في حالة ما إذا كان إجمالي دينها الخارجي أقل من إجمالي ما أقرضته هي لدول أخرى، والمثال على هذا يتضح في دول مثل النرويج وهونج كونج وسنغافورة. الفكرة هنا فيما يعرف بتبادل المنفعة، ليس فقط بين الحكومات، ولكن بين الشركات والأفراد أيضًا. ألمانيا مثلًا هي ثالث أكبر مقرض في العالم لكنها أيضًا رابع أكبر مقترض في العالم.
حوالي 34.4% من إجمالي الدين الخارجي للولايات المتحدة، يعود إلى حكومات أجنبية. اليابان تمكنت لأول مرة منذ عام 2008، من أن تصبح هي أكبر دولة مقرضة للولايات المتحدة، وذلك بعدما أزاحت الصين عن الصدارة، في شهر فبراير (شباط) 2014. فمن إجمالي 6,3 تريليون دولار تقريبًا ديون لحكومات أجنبية، فإن الديون المستحقة للحكومة اليابانية تبلغ 1.22 تريليون دولار بزيادة قدرها 700 مليون دولار فقط عن الصين التي جاءت في المركز الثاني.
البيانات الحديثة، التي تظهر أن اليابان والصين هما أول وثالث أكبر دول دائنة في العالم، تقول أيضًا إن اليابان والصين، هما أكبر دولتين دائنتين للولايات المتحدة الأمريكية. ويلاحظ أن كلا البلدين تربطهما بالولايات المتحدة علاقات اقتصادية وثيقة ومميزة، على الرغم مما يبدو من بعض الخلافات، مثلًا مع الصين، في الجانب السياسي أو الأيديولوجي. هذا الأمر يفسر لنا لماذا تهتم الولايات المتحدة كثيرًا بعلاقاتها مع الصين، ولماذا تحرص على ألا تطغى الخلافات بينهما على المصالح الاقتصادية.
ألمانيا والاتحاد الأوروبي
الجميع يعلم أن ألمانيا هي أقوى دول الاتحاد الأوروبي حاليًا. سبب هذه القوة لا يأتي نتيجة لقوتها العسكرية، وإنما الاقتصادية، حتى أنها أصبحت أولى دول الاتحاد المقرضة للمال في جميع أنحاء العالم. ألمانيا هي ثاني أكبر دائن في العالم عمومًا.
وفي الوقت الذي كانت تحاول فيه ألمانيا، السيطرة على القارة الأوروبية عسكريًا، خلال فترة الحكم الذاتي، تعرضت البلاد لهزيمة ساحقة في الحرب العالمية الثانية، وتقسمت إلى دولتين بأيديولوجيتين مختلفتين. لكن يبدو أن الطبيعة الألمانية، تأبى إلا أن تظل مسيطرة على أوروبا، لكن هذه المرة اقتصاديًا. فقد أصبح الاقتصاد الألماني هو رابع أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان، وهي الاقتصاد الأول أوروبيًا. ويعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على عمليات التصدير لمنتجاتها الصناعية الفريدة وذات الجودة العالمية خصوصًا الآلات الصناعية والسيارات والمواد الكيميائية والأجهزة المنزلية.
بالتالي فقد تحولت ألمانيا هي العقل المهيمن سياسيًا على دول الاتحاد الأوروبي، بجانب فرنسا صاحبة أقوى خامس اقتصاد عالميًا والمملكة المتحدة السادسة. وقد ظهر الأمر بوضوح في تقديمها القروض للعديد من دول الاتحاد، وأصبح الأمر واضحًا خلال تعاملها مع الأزمة الاقتصادية اليونانية وكيف كانت هي صاحبة الحل النهائي الذي فرضته على بقية أعضاء الاتحاد.

أكثر الدول تقديمًا للمنح
المنح الإنسانية
في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، صرح وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أن إجمالي المنح والمساعدات التي قدمتها المملكة العربية السعودية خلال العقود الأربعة الماضية، بلغ 115 مليار دولار. وذكر أن إجمالي الدول التي استفادت من هذه الأموال بلغ 90 دولة.
وبالعودة لبعض إحصائيات عام 2013، والتي أظهرتها صحيفة الجارديان البريطانية، فقد احتلت الولايات المتحدة قائمة أكثر دول العالم تقديمًا للمنح والمساعدات خلال العالم بإجمالي 31 مليار دولار، تليها المملكة المتحدة بإجمالي 17.9 مليار دولار، ثم ألمانيا بإجمالي 14 مليار دولار، فاليابان بإجمالي 11.8 مليار دولار وفرنسا بإجمالي 11.4 مليار دولار. بالطبع لا توجد منح أو مساعدات يتم تقديمها بشكل مجاني، فلكل شيء ثمنه، وهو ما نلاحظه من السيطرة الثقافية لهذه الدول على الكثير من دول العالم خصوصًا دول العالم الثالث.
وبشكل وُصف بالمفاجئ، كانت أعلى دول العالم من حيث الزيادة في تقديم المنح والمساعدات، مقارنًة بعام 2012، هي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي زاد معدل تقديمها للمنح بمقدار 375%. وقد وصفت الصحيفة هذه الزيادة الكبيرة، بأنها نتيجة لحزمة المساعدات الضخمة التي قدمتها الإمارات إلى مصر خلال عام 2013 بعد الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي. التقرير أوضح أن الإمارات صرفت في ذلك العالم ما نسبته 1.25% من إجمالي دخلها القومي على المنح والمساعدات الخارجية.
علامات
editorial, أمريكا, أوروبا, اقتصادات الدول, الأرباح, التمويل, الدين الخارجي, الديون, القروض, القروض الخارجية, المنح الدولية, دولي, مساعدات, منح