مع بداية العام الثالث لظهور فيروس كورونا المستجد، لا يزال الفيروس غير المرحب به يشغل حيزًا كبيرًا على الساحة العلمية، سواء باستمرار الأبحاث المتعلقة بالفيروس ومتحوراته، أو الوصول إلى سبل للقضاء عليه نهائيًّا. وقد شهد عام 2021 تطورًا هائلًا في هذا الاتجاه، وتمكن الباحثون من تطوير عدد من اللقاحات التي تساعد في إنقاذ ملايين الأرواح.
لكن، لم يقتصر المشهد العلمي في عام 2021 على مستجدات فيروس كورونا فقط، بل استمر التقدم العلمي في أماكن أخرى بعيدًا عن معامل الأبحاث على فيروس كورونا، وفي السطور التالية نستعرض العديد من الاكتشافات والابتكارات والأحداث العلمية التي ظهرت خلال 2021.
1- هل شهد المريخ وجود حياة؟ هكذا ستخبرنا أول عينة ستعود إلى الأرض
نبدأ جولتنا العلمية من كوكب المريخ، حيث تمكنت مركبة «بيرسيفيرانس روفر» الفضائية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، من استخراج عينة من كوكب المريخ على بعد نحو 6 سم من سطحه، في الأول من سبتمبر (أيلول) 2021، ووضعها داخل أنبوب، لتصبح بذلك المجموعة الأولى من المواد المحددة علميًّا والمختارة التي ستُعاد إلى الأرض من كوكب آخر.
تمكنت المركبة من جمع أربع عينات من أصل 43 عينة مقرر تعبئتها، ومن المقرر جلب العينة إلى الأرض خلال هذا العقد، فهذه العملية معقدة للغاية، ولا يزال العلماء يختبرون طرق إغلاق حاوية العينة وتعقيمها دون التأثير في محتوياتها وتركيبات الصخور داخلها، كما أن وكالة الفضاء الأوروبية تعمل على تطوير المركبة الجوالة التي ستجمع العينات، في حين يصمم مهندسو مركز جلين للأبحاث التابع لناسا، تصميم عجلات المركبة الجوالة.
يشارك في مهمة إحضار العينات العديد من الشركاء الأوروبيين ومراكز الأبحاث التابعة لناسا، وعقب وصول العينات إلى الأرض، ستوضع بأمان في منشأة آمنة ضد الأخطار البيولوجية (لا تزال قيد التطوير)، وبعد ذلك سيبدأ تحليلها باستخدام تقنيات متطورة ومعقدة لتوفير المعلومات حول ما إذا كان المريخ قد شهد حياة من قبل أم لا.
2- التغيرات المناخية إلى أين؟ وهل يكمن الحل في الهيدروجين الأخضر؟
خلال الأسبوع الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، اجتمع زعماء العالم لحضور قمة المناخ العالمية ومناقشة التغيرات المناخية التي باتت تهدد سلامة الكوكب، وكانت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) قد أصدرت الجزء الأول من تقرير التقييم السادس الخاص بها في أغسطس (آب)، والذي يلخص حالة العلوم الفيزيائية بشأن تغير المناخ استنادًا إلى أكثر من 14 ألف ورقة، ويشير التقرير إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل أسرع، وحدوث بعض التغييرات التي تعد غير قابلة للإلغاء في هذه المرحلة، ومنها الارتفاع المستمر في مستوى سطح البحر.
بسبب التغيرات المناخية، أصبحت الأرض تعاني من الجفاف القياسي وحرائق الغابات والفيضانات، وتوقع التقرير أن تزداد درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية في غضون عقد، إذا ما استمرت مستويات الانبعاثات الحالية؛ لذا جاءت التوصيات بضرورة خفض الانبعاثات، فهل سيساعد الهيدروجين الأخضر في هذا الصدد؟
لطالما كان الهيدروجين بديلًا محتملًا للوقود الأحفوري، لأنه يحترق بشكل نظيف، ولا تنبعث منه كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون مقارنةً بالوقود الأحفوري. ومع محاولة الحصول على طاقة نظيفة تمامًا بعد فشل خطط إحلال الطاقة المتجددة المتمثلة في الشمس والماء والرياح، ظهر الهيدروجين الأخضر عام 2018 بصفته وقودًا نظيفًا صديقًا للبيئة.
ولأنه لا يحتوي على أي نسبة من الكربون، يعد الحل الأمثل لتقليل أثر التلوث الصناعي على الكوكب، لكن الأمر لا يزال يحتاج إلى المزيد من الدراسات، كما أن تكلفة إنتاجه عالية بسبب الاعتماد على الكهرباء في عملية التحليل الكهربائي، والتي يجري إنتاجها من مصادر طاقة متجددة صديقة للبيئة ذات تكلفة باهظة.
3- زراعة ذراعين وكلية خنزير! أهم الأحداث العلمية في 2021
شهد عام 2021 حدثين مهمين للغاية في مجال زراعة الأعضاء، ففي يناير (كانون الثاني) 2021، أصبح الأيسلندي فيليكس جريتارسون الذي يبلغ من العمر 48 عامًا، أول متلقٍّ لذراعين كاملين في العالم، وذلك بعد أن خضع لبتر ذراعيه من جراء تعرضه لصعق كهربائي قوته 11 ألف فولت أثناء عمله قبل 23 عامًا، وقد أجرى الجراحة الرائدة أربع فرق جراحية في مستشفى إدوارد هيريوت في ليون في فرنسا، واستغرقت 15 ساعة.
وفي يوليو (تموز) وبعد مرور ستة أشهر كاملة من التأهيل، كان جريتارسون قادرًا على تحريك العضلة العضدية ذات الرأسين في كلا ذراعيه، في حين أخبره الأطباء بأنه سيتمكن من تحريك مرفقيه في غضون عام، ويديه خلال عامين.
نجاح آخر في مجال زراعة الأعضاء شهده مركز «لانجون هيلث» في جامعة نيويورك، حيث أجرى الجراح روبرت مونتجمري وفريقه عملية نقل كلية نمت في خنزير معدل وراثيًّا إلى جسم إنسان، أُجريت الجراحة في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وربط الجراحون الكلية بزوج من الأوعية الدموية الكبيرة خارج جسم المتلقي ليتمكنوا من مراقبتها لمدة 54 ساعة للتأكد من عملها بشكل طبيعي، وبالفعل أدت الكلية وظائفها الحيوية ولم يرفضها الجسم.

اختبار ناجح لكلية خنزير على إنسان. مصدر الصورة: «ذا ويك»
ورغم أن هذه الجراحة كانت تجربة مؤقتة أجراها الجراحون على مريضة ميتة دماغيًّا وموضوعة على جهاز تنفس، فإنه يمثل بداية طريق طويل لنقل الأعضاء من حيوانات معدلة وراثيًّا إلى الإنسان، وكانت المريضة قد وهبت جسدها للتبرع، ووافق أهلها على استخدامه في إجراء الجراحة.
4- رصد أقدم حمض نووي في العالم من ماموث عمره مليون عام
تمكن فريق دولي بقيادة باحثين من جامعة ستوكهولم من تحليل جينومات ثلاثة حيوانات ماموث قديمة، باستخدام الحمض النووي من أسنانها التي دفنت لمدة 0.7 إلى 1.2 ملايين سنة في التربة الصقيعية في سيبيريا.
أظهر التحليل أن أقدم عينة، والتي كان عمرها ما يقرب من 1.2 ملايين سنة، تنتمي إلى سلالة جينية لم تكن معروفة من قبل من الماموث الذي ينتمي إلى سلالة جينية لم تكن معروفة سابقًا، وهي سلالة انفصلت منذ نحو 1.5 ملايين سنة وهاجرت من سيبيريا إلى أمريكا الشمالية، وتهجنت مع الماموث الصوفي لتنتج سلالة جديدة من الماموث الكولومبي، أي إن سلاسل الحمض النووي قديمة جدًّا لدرجة أنها تسبق أصول الماموث الكولومبي، وهو أحد نوعين رئيسيين من الماموث كانا يجوبان أمريكا الشمالية في يوم من الأيام، وهو ما يعد تفاصيل مذهلة عن كيفية تطور حيوانات الماموث في أمريكا.
5- وأخيرًا.. استكمال الجينوم البشري
في مايو (أيار)، تمكن الباحثون في اتحاد (T2T)، وهو تعاون دولي يضم 30 مؤسسة، من وضع التسلسل الكامل للجينوم البشري، جاء هذا بعد اكتشاف الفريق نحو 115 جينًا جديدًا لملء الفجوات التي كانت لا تزال فارغة بعد الإعلان عن المسودة الأولى لتسلسل الجينوم البشري قبل عقدين من الزمان في مشروع الجينوم البشري.

تصور لأقسام تسلسل الجينوم البشري في معهد ويلكوم سانجر بالقرب من كامبريدج – المصدر: ناتشر
جمع الفريق المكون من 99 باحثًا التسلسل الأول الكامل للجينوم البشري، والذي يمتد 3.055 مليار زوج قاعدي عبر 23 كروموسومًا، يضيف الجينوم المتسلسل حديثًا ما يقرب من 200 مليون زوج أساسي وتصحيحات متعددة إلى إصدار 2013 من تسلسل الجينوم البشري، رغم هذا الإنجاز شديد الأهمية، لا يزال يتعين على العلماء إجراء تسلسل كامل لكروموسوم Y، الذي عادة ما يؤدي إلى التطور البيولوجي للذكور.
6- تلسكوب جيمس ويب.. هل سنرى بدايات الكون حقًّا؟
شهد يوم 25 من ديسمبر (كانون الأول) 2021، إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي في مشهد رآه الملايين عبر الإنترنت. يرى العلماء أن إطلاق التلسكوب يعد بداية لحقبة تاريخية جديدة في مجال علوم الفلك. شارك في صنع التلسكوب أكثر من 10 آلاف شخص برعاية وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ووكالة الفضاء الأوروبية «إيسا» ووكالة الفضاء الكندية «CSA».
من المقرر وصول التلسكوب إلى نقطة «لاجرانج الثانية» التي تبعد عن الأرض مسافة 1.6 ملايين كيلومتر في غضون شهر، ليبدأ بعدها دورانه حول الشمس، ولن يكون جاهزًا للعمل قبل نحو ستة أشهر.
وتتلخص مهمة التلسكوب في استكشاف المراحل المبكرة من التاريخ الكوني وتكون النجوم والمجرات، من خلال النظر إلى ماضي الكون بالاعتماد على الأشعة تحت الحمراء التي ستنعكس على مرآته، كذلك، يتعين على التلسكوب استكشاف الكواكب الموجودة خارج النظام الشمسي ودراسة غلافها الجوي لتحديد ما إذا كانت بها حياة أم لا.
7- أول لقاح معتمد ضد الملاريا في العالم
في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وبناءً على توصيات هيئتين استشاريتين عالميتين للمنظمة الصحة العالمية (WHO)، إحداهما معنية بالتحصين والأخرى بالملاريا، أوصت المنظمة باستخدام لقاح «RTS,S/AS01» المضاد للملاريا على نطاق واسع للوقاية من مرض الملاريا المنجلية الشائعة بين الأطفال الذين يعيشون في أقاليم تنتشر فيها الإصابة بالملاريا في أفريقيا.
وفقًا للدراسات، فإن اللقاح يمكن أن ينقذ حياة عشرات الآلاف من الأطفال سنويًّا إذا جرى تلقيح جميع الأطفال في المناطق التي تشهد ارتفاعًا في الإصابات، سلسلة الجرعات الكاملة. وتحدث الملاريا بسبب طفيلي ينتشر عن طريق لدغة البعوض المصاب، ويمكن أن يؤدي المرض إلى ارتفاع في درجة الحرارة وأعراض شبيهة بالإنفلونزا، مع احتمالية تطور بعض الحالات إلى مرض شديد ومن ثم الوفاة.
8- مضادات حيوية للبكتيريا المقاومة مُطورة بالذكاء الاصطناعي
تتزايد المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، كما أن جائحة كوفيد-19 أدت إلى زيادة استخدام المضادات الحيوية لعلاج الالتهابات والمضاعفات الثانوية عن فيروس كورونا، مما سرَّع من عملية المقاومة، ويتوقع الباحثون أنه ما لم تُطور عقاقير جديدة بشكل عاجل، فإن البكتيريا المقاومة يمكن أن تقتل عشرات الملايين من الأشخاص.
ولأن تطوير عقاقير ومضادات حيوية جديدة يستغرق سنوات للوصول إلى نتائج مؤكدة، اتجه العلماء بشكل متزايد إلى الذكاء الاصطناعي لتطوير مضادات حيوية جديدة، وهو ما نجح فيه باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ إذ تمكنوا من تحديد مضاد حيوي جديد قوي، يمكنه قتل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
وقد استخدم الباحثون خوارزمية مستوحاة من بنية الدماغ البشري لتحليل أكثر من 100 مليون مركب كيميائي في غضون أيام، مما أسفر عن اكتشاف مركب قادر على قتل 35 نوعًا من البكتيريا، ليصبح ذلك أحد أهم الأحداث العلمية في 2021.