للوهلة الأولى اعتقد اللبنانيون أن ما سرب من أشرطة فيديو لتعذيب سجناء لبنانيين في سجن رومية، صور في سجن “أبو غريب” بالعراق أو سجن تدمر بسوريا أو سجن غوانتنامو.
فهذا البلد الذي كان من أوائل من وقعوا على اتفاقية مناهضة التعذيب، كثيرًا ما أنكرت حكومته شهادات أهالي الموقوفين – خاصة الإسلاميين السنة- ونتائج تقارير مراكز حقوق الإنسان وهم يتحدثون عن التعذيب الذي يتعرض له السجناء، بل وصفت التقارير هذه المؤسسات بالمنحازة.
تسجيلان تم نشرهما مؤخرًا – يعودان لشهر نيسان (أبريل) الماضي- يُظهران عددًا من الموقوفين في سجن رومية وقد تمت تعريتهم بشكل شبه كامل، وهم يتعرضون للضرب بالعصي والركل والإهانة على يد رجال أمن، ليكشف ذلك أن لبنان تضج بعمليات تعذيب وحشية يمارسها عناصر قوى الأمن الداخلي على عدد من السجناء، ولينذر هذا الفيديو على وجه التحديد بارتفاع وتيرة الطائفية في لبنان بشكل مفزع ينذر بعواقب وخيمة كون السجناء الذين تعرضوا للتعذيب هم مشايخ وشباب من السنة، حيث تم استهدافهم بالتعذيب على خليفة نشاطات سياسية، فعدة شواهد تظهر أن هناك اتجاه كبير لمعاقبة السنة في لبنان انتقامًا من التنظيمات المتشددة التي ظهرت على غرار داعش، ومن ولاء هؤلاء إلى المعارضة السورية.
ما الذي حدث في سجن رومية؟
كثيرًا ما أبلغ أهالي الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية السلطات والحقوقيين أن أبناءهم يتعرضون للتعذيب والانتهاكات والقهر والإذلال على أيدي بعض العناصر الأمنية، إلا أن السلطات اللبنانية على وجه التحديد أنكرت ذلك، وقال حينها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق سابقًا أن السجناء لم يتعرضوا لأي أذى.
بالأمس القريب، سربت أفلام فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي من سجن رومية، كشفت عن عمليات تعذيب وحشية يمارسها عناصر من شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي على عدد من السجناء، حيث تعرض في هذا الفيديو مشايخ سنة لتعذيب شديد وهم عراة.
ردًّا على ذلك، خرجت مناطق سنية لبنانية – طرابلس وعكار والبقاع- غاضبة للاحتجاج على ما يتعرض له أبناؤهم في السجون اللبنانية، وانطلقوا في مسيرات منددة بالانتهاكات التي تعرض لها سجناء رومية.
ذلك التسريب وضع الحكومة اللبنانية في موقف محرج للغاية، لذا سارعت إلى الإعلان عن اتخاذ إجراءات قانونية بحق العسكريين الذين قاموا بالتعذيب، وأعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة أنّها أعطت أوامرها بإجراء التحقيقات الفورية اللازمة، ثم قالت إنه تم تحديد هوية خمسة عناصر متورطة حيث تم توقيفهم، فيما التحقيقات جارية ومستمرة لكشف هوية باقي المتورطين وإحالتهم أمام القضاء.
يذكر أن سجن “رومية” هو أكبر السجون اللبنانية، يقع شرق العاصمة بيروت، بني في أواخر ستينيات القرن العشرين، ليفتتح عام 1970، ورغم أن طاقة السجن الاستيعابية تبلغ 1500 سجين إلا أن هذا العدد تضاعف كثيرًا في السنوات الأخيرة.
هل يقوم عناصر حزب الله بعمليات تعذيب في لبنان؟
نشر الداعية اللبناني أحمد الأسير الحسيني مقطعي فيديو قال إنه لتعذيب بعض شباب الإسلاميين السنة في السجون اللبنانية على يد حزب الله، وقال في تغريدة بثها عبر حسابه على موقع التدوين المصغر “تويتر”: “شاهدوا بعض ما يعانيه شباب أهل السنة في السجون اللبنانية على أيدي الأجهزة الأمنية التابعة لحزب اللات وصحوات المستقبل”، واستشهد بعض النشطاء بصورة من عذب الشيخ عمر الأطرش (شيخ سني متهم بنقل “إرهابين”) بأنه من رجال المليشيات الشيعية.
ونفت الحكومة اللبنانية أن يكون عناصر من حزب الله هم قاموا بالتعذيب، ويقول المحلل السياسي والناشط اللبناني رياض عيسى أن “حزب الله يمارس التعذيب في أماكن يستخدمها هو للاحتجاز، ولكن من المستبعد أن يدخل عناصر الحزب إلى سجن رومية بصفتهم الحزبية لممارسة التعذيب، إلا أن الحزب له أذرع أخرت محاكمتهم وساهمت في تعذيبهم”.
ويرى نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية مختار غباشي أن حزب الله ورغم عدم مشاركته في الحكومة اللبنانية إلا أن ضلوعه في تعذيب السنة داخل لبنان، وبالأخص اللاجئين السوريين السنة وارد في ظل سياسة الطائفية.
يذكر أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يقاضي منذ عام 2011حقوقيين في “المركز اللبناني لحقوق الإنسان” أعدا تقريرًا حقوقيًّا عن عمليات تعذيب نفذتها عناصر تابعة لـ”حركة أمل” (التيار السياسي لنبيه بري) و”حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت المعقل الأكبر للحزب في لبنان.
فقد أورد معدا التقرير إفادات عن تعذيب معتقلين بين العامين 2009 و2010، من قبل عناصر “حركة أمل” التي يتزعمها بري، وعناصر “حزب الله”، قبل تسليم المعتقلين إلى الجهاز الأمني المختص.
هل أثبتت التقارير الحقوقية الدولية وجود تعذيب في السجون اللبنانية؟
عدة تقارير حقوقية أكدت على انتشار التعذيب في السجون اللبنانية، هذه التقارير لم تعترف بها الحكومة اللبنانية بل رفضتها ووصفتها بأنها منحازة، فوفقًا للمادة ٢٠ من اتفاقية مناهضة التعذيب، نشرت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب نتائج تحقيق سري خاص بلبنان، هذا البلد الذي سارع في المصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب في تشرين الأول 2000.
وخلصت اللجنة إلى أن التعذيب يمارَس ومورس على نحو منهجي في لبنان، ولا سيما في سياق التحقيق، وبغرض انتزاع الاعترافات. واعتبرت اللجنة ممارسة التعذيب متفشية في لبنان، حيث تلجأ إليه القوات المسلحة والأجهزة المكلفة لإنفاذ القانون لأغراض التحقيق، ولضمان استخدام الاعترافات في الإجراءات الجنائية، وأحيانًا لمعاقبة الضحايا على الأعمال التي يُعتقد أنهم قد ارتكبوها، بل كشفت اللجنة عن وجود أدوات غير عادية، وحتى تجهيزات مصممة خصوصًا لممارسة التعذيب، فضلًا عن الجروح البالغة المعاينة خلال الفحوصات الطبية على أجسام الضحايا، توحي بانتشار ممارسة التعذيب وإمكانية إفلات مرتكبيها من العقاب.
كما أكدت منظمة الـ”هيومن رايتس ووتش” (Human Rights Watch) في تقرير أعدته عن تعذيب الشرطة في لبنان للفئات المستضعفة تحت عنوان “جزء من عملنا“، على شيوع التعذيب في المخافر اللبنانية الذي وصل إلى حد اعتباره أمرًا مبتذلًا، وخلص تقرير المؤسسة إلى أن “التعذيب ممارسة متفشية في لبنان تلجأ إليها القوات المسلحة والأجهزة لإنفاذ القانون لأغراض التحقيق والإهمال المتعمد للضمانات القانونية للأشخاص مسلوبي الحرية”.
وتعقيبًا على حادث سجن رومية الأخير، ذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن تسجيلي الفيديو اللذين نُشرا مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، هما تأكيد علني على الإذلال والتعذيب الذي دأبت الأجهزة الأمنية اللبنانية على ممارسته بحق المعتقلين في مختلف السجون في لبنان، ولا سيما سجن “رومية” الذي يعد أكبرها.
وذكر المركز أن سجن رومية يفتقد للبنية التحتية الآدمية، وهناك معلومات عن تعرض أحد السجناء لفقدان عينه جراء التعذيب، وإجبار آخر على اغتصاب زميله، وتتعرض عائلات السجناء داخل السجن لإهانات العسكريين أثناء زيارتهم لأبنائهم، وقال المرصد الحقوقي الدولي إن هذه التسجيلات تعطي دليلًا لا لبس فيه على ممارسة التعذيب في السجون اللبنانية الذي نفته الأجهزة الأمنية اللبنانية.
ماذا عن تعذيب السوريين في لبنان؟
في تقرير هو الأول من نوعه، وثقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان الانتهاكات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية اللبنانية تجاه اللاجئين السوريين في لبنان، وبشكل خاص في المعتقلات ومراكز التوقيف، وذكر تقرير اللجنة أن الكثير من السوريين أثناء اعتقالهم – بتهمة الانتماء للجيش الحر في الغالب- في مديرية الأمن العام اللبنانية والمخابرات تعرضوا إلى تعذيب نفسي وجسدي، إضافة إلى المعاملة السيئة التي يتعرّض لها الموقوفُ، والعنصرية والطائفية خلال إجراءات التحقيق.
وتحدث التقرير أن من أساليب التعذيب التي تستخدمها أجهزة الأمن اللبنانية بحق المعتقلين السوريين – تبعًا للشهادات التي جمعها باحثو اللجنة- الضرب المبرح بالسوط والحرمان من النوم حتى وصول المعتقل لحالة الإغماء، والصفع الشديد على الوجه والبطن والركل بالأرجل، والتهديد بتسليم المعتقل إلى النظام السوري، وشتم المعتقل، وشتم القيم الدينية للمعتقل، التعامل العنصري والطائفي مع المعتقل.
وكانت الولايات المتحدة قد اتهمت السلطات اللبنانية بانتهاك حقوق الإنسان، وتعريض السجناء لظروف قاسية، وتقييد حرية حركة اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، وجاء في التقرير السنوي لحقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية أن الناشطين السوريين في لبنان يتعرضون للتحرش، وتحدث التقرير بالتفصيل عن شيوع ممارسات التعذيب في مراكز الشرطة ووزارة الدفاع وخاصة خلال استنطاق الموقوفين في غياب محاميهم.
وكان تقرير حقوقي قد سجّل العام الماضي تعرض 20% من الموقوفين اللبنانيين، و25% من الموقوفين الأجانب لأنواع مختلفة من التعذيب، وذكر التقرير أن الغالبية العظمى ممن تعرضوا للتعذيب هذا العام، هم الأجانب من التابعية السورية، أما اللبنانيون، فأكثر فئة تتعرض للتعذيب بينهم، هم الموقوفون والمسجونون بتهمة تعاطي المخدرات.
يقول الكاتب حسين مهدي: “هناك مئات وربما تصل للآلاف من حالات التعذيب التي تعرض لها السوريون على أيدي ما تسمى شكلًا بالدولة اللبنانية وفعلًا على أيدي جلادي حزب الله الذي أخذ على عاتقه ملاحقة السوريين في كل مكان وإلحاق أكبر ضرر ممكن بكرامتهم وحياتهم، كعقوبة على الانتفاض في وجه ولي الأمر بشار الأسد”.
ما هي أشهر وسائل التعذيب في السجون اللبنانية؟
يبين تقرير نشرته منظمة الـ”هيومن رايتس ووتش” أن أكثر أساليب التعذيب انتشارًا في السجون اللبنانية هي الضرب على مختلف مناطق الجسم بالقبضات والركلات وأيضًا الضرب بواسطة أدوات مثل العصي وقضبان الخيزران، إضافة إلى الحرمان من الطعام والمياه وجعل بعض المحتجزين يصغون إلى صرخات محتجزين آخرين في محاولة من عناصر قوى الأمن الداخلي لإخافتهم حتى يتعاونوا أو يعترفوا.
ويظهر التقرير الذي صدر بمناسبة اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب في يونيو 2013 أن عناصر الشرطة اللبنانية يتملصون من وجود الكاميرا من خلال حشر المشتبه بهم في زوايا لا تلتقطها عدسات الكاميرات تمهيدًا لضربهم، إلى حد أصبحت عبارة “تعال قف هنا” مرادفًا للعذاب الآتي.
ويتطرق التقرير أيضًا إلى أن الأكثرية الساحقة من النساء اللواتي تمت مقابلتهن (21 من أصل 25) أفدن أنهن تعرضن لشكل من أشكال العنف أو الإكراه الجنسي وصل أحيانًا إلى حد الاغتصاب. وقد طال هذا الأسلوب بشكل خاص المشتبه بهن بممارسة الدعارة. وذكر التقرير أن عدم تجاوب أي من هؤلاء مع المطالب الجنسية لعناصر الشرطة، غالبًا ما يعرضها لعنف جسدي يتراوح بين الضرب واللطمات القوية على الوجه.