نشرت مجلة «سميث سونيان» الأمريكية تقريرًا للمحررة المتدربة وطالبة الصحافة في جامعة نورث ويسترن، ليلي كاتزمان، تناولت فيه كتاب الطهي الجديد الذي تحدث عن مجموعة من كتب الطبخ التي أسهمت في تغيير طريقة الطبخ المنزلي إلى ما نحن عليه الآن.
استهلت ليلي تقريرها بالقول: من بين جميع كتب الطهي التي تركت بصمتها لدى الناس على مدى الـ300 سنة الماضية، ربما يكون كتاب طبخ مدرسة بوسطن من تأليف فاني فارمر – المعروف اليوم باسم كتاب طبخ فاني فارمر – أكثر من غيّر طريقة الطبخ المنزلي. عندما أصدرت دار النشر ليتل براون هذا الكتاب المكون من 600 صفحة عام 1896، توقع الناشر أن تباع نسخًا قليلة جدًا منه. بل إنه أجبر فاني فارمر التي كانت مديرة لمدرسة بوسطن للطهي أن تدفع ثمن أول 3 آلاف نسخة. وفي نهاية المطاف، بيعت 360 ألف نسخة من الكتاب في حياتها، وأكثر من سبعة ملايين نسخة حتى الآن.
طاهيات مبادرات مهّدن الطريق للأجيال القادمة
يشير التقرير إلى ما قالته آن ويلان، مؤسسة مدرسة لافارين للطبخ في باريس: «ابتكرت فاني طريقة كتابة الوصفات التي لا زالت متبعة حتى الآن: عنوان صغير في الأعلى، وجملة قصيرة تشرح الوصفة، ثم قائمة مرتبة بالمكونات وكمياتها، ثم تعليمات الطبخ خطوة بخطوة».
يكشف كتاب آن ويلان الجديد، نساء في المطبخ (Women in the kitchen) الطرق التي ابتكرتها 12 مؤلفة من مؤلفات كتب الطهي في الفترة الممتدة بين 1661 حتى اليوم، والتي أعادت تعريف الطريقة التي يأكل بها الناس ويتشاركون الوصفات. تستكشف آن كيف أعادت تلك السيدات، من إنجلترا وأمريكا، تشكيل ممارسة الطبخ المنزلي، وكسرن حواجز الصناعات الغذائية التي لطالما هيمن عليها الرجال. تاريخيًا – وبينما كان يُنظر للنساء أنهن أقل كفاءة من نظرائهن الطهاة من الرجال – غيرت تلك الطاهيات أسلوب الطبخ؛ إذ تتطلب أطباقهن مكونات أقل كلفة وأدوات أبسط وإرشادات خطوة بخطوة. أثّرت هذه الوصفات الجذابة في أذواق الأسر وشجعت على نقل المعرفة إلى الطهاة الطموحين.
أماكن مختلفة وروح واحدة
تواصل الكاتبة بتسليط الضوء على بعض تلك الكتب فتقول: يعد كتاب المؤلفة الإنجليزية، هانا جلاس، The Art of Cookery Made Plain and Easy للمبتدئين الأكثر تأثيرًا في القرن الثامن عشر، وطبع منه أكثر من 20 إصدارًا. أما كتاب الأمريكية أميليا سيمونز American Cookery، فنشر في ثماني مدن مختلفة من إقليم نيو إنجلاند في الأعوام بين 1796 – 1822. ونشر كتاب إيرما إس رومبور Joy of Cooking لأول مرة عام 1931، ووزعت منه أكثر من 18 مليون نسخة حول العالم.
وشهد كتاب جوليا تشايلد Mastering the Art of French Cooking الذي بيع منه أكثر من 1.5 مليون نسخة حتى عام 1961، عودة أخرى عام 2009 حتى أنه ظهر في قائمة «نيويورك تايمز» للكتب الأكثر مبيعًا بفضل فيلم جولي أند جوليا. وكان كتاب إدنا لويس The Taste of Country Cooking الذي نُشر عام 1976 مليئًا بالمكونات الطازجة والنقية وتقاليد الثقافة الجنوبية وقصص الطفولة، وكان من بين أوائل كتب الطبخ التي كتبتها امرأة سوداء جنوبية، ولم يخف اسم الكاتب الحقيقي، أو جنسه، أو عرقه.
تسرد آن ويلان حياة كل من هؤلاء الطاهيات، بالإضافة إلى هانا، وولي، وماريا رونديل، وليديا تشايلد، وسارة روتليدج، ومارسيليا هازان، وأليس ووترز، وتدمج بين الوصفات الأصلية للطاهيات إضافة إلى تقديم أطباق حديثة لطهاة اليوم.
ذكيّات ومفكِّرات ويحوّلن أفكارهنّ إلى حقيقة
تحدثت مجلة «سميثسونيان» مع آن ويلان حول قيمة كتب الطبخ، وكيف حققت تلك السيدات النجاح في حياتهن المهنية. وبدأت بالسؤال التالي: ما الذي لفت انتباهك في تلك السيدات الاثنتي عشرة؟
أجابت آن أنهن كن جيمعًا مختلفات، ومن الواضح أن كل واحدة منهن مهدت الطريق للأخرى في كل جيل. إن حقيقة قيامهن بتدوين ما يطبخن وتسجيله يعني أنهن كن سيدات ذكيات يفكرن فيما يفعلنه وكيف يفعلنه. وهذا الكتاب يسلط الضوء على السيدات الأوائل اللاتي لم يقمن فقط بتدوين وصفاتهن، بل كان لديهن حس المبادرة لتحويل أفكارهن إلى حقيقة.
من يشغل المطبخ، يمتلك قوة هائلة في المنزل كله. فقد كن يشترين المكونات ويطعمن عائلاتهن، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من ميزانية المنزل تقع تحت سيطرتهن. وهناك قول مأثور عبر التاريخ «أنت ما تأكله»، فالطبخ المنزلي يغذي الأسر، ويؤثر عليها أيضًا بطرق خفيّة.
نماذج من حياة تلك المميزات
ثم تابعت المجلة الحوار بسؤال آن أن تخبر الجمهور عن السيدات الوارد ذكرهن في الكتاب.
السيدات اللاتي اخترتهن هن من قدن المجموعة، فقد كتبن أفضل الكتب في جيلهن. فهانا وولي على سبيل المثال كانت تكتب كتبًا على نمط المجلات تتحدث فيها عن الجمال ومستحضرات التجميل للسيدة الناجحة. أما هانا جلاس، تلك الفتاة غير الشرعية التي هربت مع جندي تعرض للإفلاس، كانت أيضًا مصممة أزياء للأميرة شارلوت في القرن الثامن عشر، وهذه القصة تمثل الجزء الأول لأحد كتبها. تمكنت هانا من إقناع متجر صيني ببيع كتابها الذي كتبته أثناء وجودها في السجن بسبب إفلاسها. يتميز كتاب هانا للطبخ بالملاحظات الجميلة والمضحكة.
أما أميليا سيمونز، فهي من أوائل الرواد في نيو إنجلاند. وعلى الرغم من أن تاريخ ميلادها ووفاتها غير معروفين، إلا أنها كانت امرأة متحررة وعصرية.
وأمضت فاني فارمر سنوات شبابها الأولى تعاني من الإعاقة، فقد تركها الشلل طريحة الفراش. ولكن بعد أن التحقت بمدرسة بوسطن للطهي، ازدهرت ككاتبة وعرفت بوصفاتها التي تستخدم قياسات دقيقة. لا يزال الناس يطبخون من كتاب فاني فارمر حتى اليوم. ثم أليس ووترز وهي جزء من الجيل الجديد الذي قادنا بالتأكيد إلى حقبة جديدة.
مطبخ تقليدي أم خشبة مسرح؟
وجهت المجلة سؤالها لآن مرة أخرى قائلة: كانت لديك علاقة وثيقة مع كاتبة كتب الطبخ المميزة جوليا تشايلد ووصفتها بأنها «الجدة الثانية لأولادك»، هل يمكن أن تخبرينا عن علاقتك بها؟
أجابت آن بأن جوليا كانت صديقة جيدة جدًا لها؛ إذ كانت موجودة عندما وضعت طفلتها إيما، وكانت مغرمة جدًا بها. وكان زوجاهما بول ومارك يجلسان جنبًا إلى جنب بينما تقوم هي وجوليا بأعمالهما على المسرح «الذي يسمى مطبخ». اعتاد الزوجان أيضًا أن ينظر أحدهما إلى الآخر ويقلبان أعينهما عندما تسير الأمور على نحو خاطئ.
ليس كتاب طهي فحسب بل إرثًا ثقافيًا للأجيال القادمة
تعود المجلة لتسأل: لماذا يعد تأليف كتب الطبخ مهمًا في المقام الأول؟
قالت آن: «أرجو أن يستفيد القراء من كل الوقت والجهد الذي بذلته» هذه الجملة التي ذيلت بها هانا وولي الأبيات القصيرة التي افتتحت بها كتابها هي السبب في كتابة كتب الطبخ. تريد هذه السيدات أن يكون باستطاعة أطفالهن وأحفادهن الاستمتاع بالطعام التقليدي. بالنسبة لي، لدي حفيدان يأتون إلى منزلي مرة في الأسبوع لإعداد الوصفات المختلفة، ثم يأخذون ما أعدوه معهم إلى منازلهم ليحصلوا على رأي من خارج العائلة. لذا فكتابي كُتب من أجل اصطحابه إلى المطبخ، واستمتاع الأجيال الشابة به.
كيف أثّر المطبخ الذي يتغير شكله باستمرار – بتوقعاته وأعرافه المجتمعية – على النساء اللاتي كتبت عنهن؟ تجيب آن على هذا السؤال قائلة: إن المطبخ اليوم أسهل وأنظف، يمكنك تشغيل الموقد وإيقافه على سبيل المثال. ولكن والدتي المولودة عام 1910 نشأت على فكرة أن الطعام لم يكن أبدًا شيئًا تهتم به أو تناقشه على المائدة. أما في الوقت الحالي فالأمر مختلف تمامًا بالطبع. جعلت جوليا تشايلد من ممارسة الطهي والاستمتاع بهذه العملية أمرًا شائعًا جدًا. ولكنني أعتقد أن الأمر بدأ بالفعل مع إيرما رومباور، ولا بد أنها ناقشت وصفاتها مع أصدقائها. أما فاني فارمر، فقد أحبت الطعام فقط، وكانت تستمتع بالذهاب إلى نيويورك، وتناول الطعام في أحدث المطاعم.
أوسع بكثير من مجرد مطبخ
تعود المجلة لتسأل آن: كيف مهدت تلك السيدات الطريق لكاتبات كتب الطبخ في المستقبل؟ وتجيب آن: من المسلم به الآن أن أي طاهية يجب أن يكون لديها كتاب طبخ، سواء كتبته بنفسها أم لا. واليوم هناك تخصص كامل لكتابة كتب الطبخ للآخرين. ألهمت تلك السيدات الطاهيات الناشئات في المستقبل لكتابة ما يفعلنه، سواء بأيديهن أو على مدونة في الإنترنت.
وتختم الكاتبة مقالها مع السؤال الذي وُجه لآن: لماذا تجدين الطهي وكتبه في غاية الأهمية؟ تقول آن: الحقيقة البسيطة حول الطهي أنه يتعلق بالأشخاص الذين تطبخين من أجلهم. فهو يتضمن الجلوس إلى المائدة مع العائلة والأصدقاء والحديث حول الطعام الذي صنعته. يعرفك الطبخ على أشخاص من مختلف المشارب، وكذلك إلى عديد من التجارب الجديدة مثل: الجزار والطريقة التي تشتري بها مكوناتك. فهي تنطوي على عالم أكبر بكثير من جدران المطبخ.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».