نشر موقع «سايكولوجي توداي» تقريرًا كتبته «سوزان كروس ويتبورن» الحاصلة على درجة الدكتوراه وأستاذة العلوم النفسية والعقلية في جامعة ماساتشوستس يتطرق إلى أحد السلوكيات التي يتسبب التمادي فيها إلى تخريب العلاقات الاجتماعية والمهنية والشخصية لأي فرد، تقول إن القفز إلى الاستنتاجات يمكن أن يضر بالعلاقات حتمًا، فتعرض خمس خطوات مستمدة من أحد البرامج العلاجية المعرفية تساعدك على التريث.

تبدأ الكاتبة بذكر أحد المواقف الشائعة بين الأزواج، يلج الزوج من الباب حاملًا حقيبة تسوق تبدو صغيرة جدًا على حجم الأغراض التي طلبت الزوجة منه إحضارها من السوق، فسرعان ما تتهم زوجها بالفشل في إنجاز هذه المهمة البسيطة. ولكن في الحقيقة، الزوجة هي من جانبها الصواب؛ إذ كانت الحقيبة في حقيقة الأمر تحمل كل طلباتها، إلا أنها عُبئت وغلفت جيدًا، ما جعلها تبدو أصغر من الحجم الذي كانت تتوقعه لمهمة كتلك. والآن، وجب عليها الاعتذار، لكن انعدام الثقة التي أبدته من خلال سوء ظنها أحدثت نقرة صغيرة في علاقتهما.

تقول الكاتبة إن دائمًا ما يقفز الناس إلى الاستنتاجات، سواء كان ذلك في العلاقات العاطفية أو في التعاملات اليومية العادية. فعندما تقطع امرأة ما الطريق أمامك بشكل واضح أثناء سيرك على الرصيف، سرعان ما تشعر بالانزعاج. ولكن إذا أمعنت النظر، سوف تدرك أن هذه المرأة لم تكن فظةً على الإطلاق، بل كانت تحاول الإمساك بيد طفلتها التي كانت مُعرضة لخطر الضياع وسط الزحام. أو عندما تطالع عنوان رسالة إلكترونية أرسلها صديق لك تتعلق بموعد عشاء اتفقتما عليه سابقًا، وتظن أنه يعتذر عن الموعد، فتشعر على الفور بالغضب وقليل من الإساءة إليك، ولكن بعد فتح الرسالة، تكتشف أنه أراد التأكيد على الموعد، من الجيد إذًا أنك لم تُغلق بريدك الإلكتروني غضبًا، ولم تقرر عدم الذهاب.

Embed from Getty Images

هل القفز للاستنتاجات اضطراب نفسي مزمن؟

قد تبين المواقف السابق ذكرها ما للقفز إلى الاستنتاجات من أضرار وخيمة على علاقاتك بشكل عام، إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ إن اتباع هذا النمط بشكل حاد قد يتسبب أيضًا في مخاطر تهدد الصحة النفسية للأفراد. قد تتفاجأ عندما تعلم أن النزعة الإدراكية للقفز إلى الاستنتاجات التي يُشار إليها بالأحرف «JTC»، هي أحد أسباب الرهاب الاجتماعي والاضطراب الوهامي فيما يُطلق عليه الباحثون «نموذج ترقب التهديد». ففي دراسة حديثة أجراها «جيمس هيرلي» وزملاؤه في جامعة إيست أنجليا بالمملكة المتحدة عام 2018، أُختبر التفسير المتحيز للقفز إلى الاستنتاجات JTC باعتباره عملية تقود الناس إلى الافتراض خطأً أن موقفًا من هذا القبيل يعرضهم لضرر بدني أو اجتماعي أو نفسي. وبعبارة أخرى، أنت تواجه موقفًا عاطفيًا مبهمًا، ومن ثم تصل إلى استنتاج تلقائي مفاده، أن الوضع سوف يكون سيئًا جدًا بالنسبة لك، لأن الآخرين ليس لهم غرض إلا أن يتسببوا لك بالأذى. بوضع تلك النزعة المستمرة في سياق سريري، سوف تُدرك مدى التأثير السلبي على صحتك النفسية -ما لم تتأثر علاقاتك-، إذا اعتبرت أن أناسًا لا يريدون إلحاق الأذى بك يكنون في صدورهم شرًا لك.

ثمة اختبار معياري يُستخدم في قياس القفز إلى الاستنتاجات، يتضمن طرح سلسلة من الخيارات الاحتمالية عليك (للاختيار بين أي الجرتين سوف تخرج منها الخرزة الملونة). كان الأشخاص الذين سجلوا درجات مرتفعة على مقياس القفز إلى الاستنتاجات مستعدون لاتخاذ قراراتهم حول مصدر الخرزة قبل أن يحصلوا على القدر الكافي من البيانات المُسوغة لهذا القرار. أُختير في دراسة هيرلي ورفاقه ثمانية رجال وأربع نساء (متوسط أعمارهم 39.4 عامًا) من أحد مراكز الصحة النفسية الاجتماعية، ومُنحوا تدريبًا يهدف إلى الحد من نزعة القفز إلى الاستنتاجات لديهم. من بين المشاركين الـ 12 في الدراسة، كان هناك خمسة مصابين بفصام ارتيابي، وثلاثة يعانون من الاضطراب الذهاني، وثلاثة لديهم اضطراب فصامي عاطفي، وشخص واحد يعاني من الاضطراب الوهامي. شُخصت حالاتهم جميعًا قبل 10 سنوات تقريبًا من التدخل، كما أن 11 شخصًا من أصل 12 يتناولون الأدوية المضادة للذهان. بالإضافة إلى كل هذه التشخيصات السريرية، كان للمشاركين في الدراسة أيضًا درجات مرتفعة على مقياس الرهاب الاجتماعي. وكان المشاركون أيضًا على قدر كبير من الميل إلى اعتناق معتقدات جامدة، بما قد يسهم في القفز إلى الاستنتاجات من خلال تحفز الأفراد ذهانيًا لاتخاذ قرارات تتماشى مع آرائهم الحالية.

ساعد أسلوب التدريب النوعي المُكرس استهدافه على القفز إلى الاستنتاجات على تخفيف نزعة الوصول إلى استنتاجات سابقة لأوانها، فضلًا عن تخفيف جمود المعتقد لدى تسع من المشاركين الـ 12 في الدراسة. وكذلك انخفض ذهان الارتياب لدى ستٍ من بين 12 مشاركًا، بينما انخفضت حدة الرهاب الاجتماعي عند شخص واحد من المشاركين خلال التدريب. قورنت طريقة تدريب بديلة تركز على الجانب المعرفي الإدراكي بالتدخل المركز على القفز إلى الاستنتاجات، لكنها لم تكن فعالة في تقويم القفز إلى الاستنتاجات بشكل خاص. إذ يُعرف التدخل المركز على القفز إلى الاستنتاجات الذي طورته الباحثة «هيلين والر» ورفاقها بكلية كينجز لندن عام 2011 بـ«برنامج مراجعة موسدلي التدريبي» (MRTP).

ما سبل علاجه؟

إذا كان من الممكن تخفيض ذلك الانحياز الإدراكي الراسخ لدى الأفراد الذين يُعانون من اضطرابات مُشخصة سريريًا، فمن المنطقي احتمال أن يكون هذا النهج مفيدًا أيضًا للأشخاص الذين لا يعانون من هذه الاضطرابات، لكنهم يميلون في تفاعلاتهم إلى التحيز السلبي في نفس الوقت. وبعد أن ألقت الكاتبة نظرة على «برنامج مراجعة موسدلي التدريبي» (MRTP)، توصلت إلى كيف يمكننا الاستفادة من هذه الطريقة المكونة من خمس خطوات:

Embed from Getty Images

1- فكر في المرات التي قفزت فيها إلى استنتاجات خاطئة، اعتقادك بأن شريكك قد أخفق في تلبية رغباتك، وافتراضك أن والدك كان قاسيًا، مثالان قد يواجههما كثير من الناس في حياتهم اليومية. ماذا عنك أنت؟ متى كانت آخر مرة اتهمت فيها شريكك ببعض الإخفاقات أو العيوب، ثم تبين لك أن انتقادك كان ظالمًا؟ متى انحرفت يمينًا بدلًا من الانحراف يسارًا لأنك لم تقرأ الإشارة بدقة كافية؟

2- اختبر قدرتك على رؤية الصورة كاملةً. في برنامج مراجعة موسدلي التدريبي، يرى المشاركون جزءًا من الصورة، لبرهة من الوقت (على سبيل المثال، رؤية مقبض إبريق قبيل رؤيته كاملًا). ثم يتعين عليهم تخمين ما تمثله الصورة كاملة، ومن ثم يوجه المشاركون إلى النظر إلى أجزاء أكثر من الصورة قبل أن يقرروا ما هي الصورة الكلية.

3- انتبه إلى مدى سهولة انخداعك بالمضللات، بالعودة إلى علم النفس التمهيدي، ربما عُرض عليك شكل «مولر-لاير» الخادع للبصر، حيث ترى سهمين مزدوجي الرأس، رُسمت رأس أحدهما مُوجهة إلى الخارج، بينما كانت رأس الآخر إلى الداخل. كان طول جسم السهم متساويًا في الحالتين، إلا أن نظرك خُدع باعتقادك أن السهم الموجه رأسيه إلى الخارج أطول من الآخر؛ إذا تسرعت في الحكم، فسوف تكون أكثر عرضة للانخداع بهذا التضليل، ولكن من خلال تعلم استغراق وقت كاف في التفكير، سوف تستطيع تخطي هذه الخدعة البصرية.

4- اسأل نفسك عما إن كنت سريعًا في تكوين انطباع عن شخص ما؛ في التدريب، يُعرض على المشاركين صورة شخص وُصف بأنه ينظر إليهم ويحدق بهم، يتعلم المشاركون خلال التدريب كيف يغيرون قراراتهم على الفور (على سبيل المثال، إنهم ينظرون بشكل جاد وانتقادي) بأخذ خيارات أخرى في الاعتبار (مثل، هذا الشخص يحدق في شاشة التلفاز خلف رأسك).

5- لاحظ عدد مرات قفز أناس آخرون إلى الاستنتاجات في الأفلام أو برامج التلفاز التي تصف هذه النزعة بطريقة فكاهية، هل تذكر حلقة مسلسل «فريندز» القديمة عندما أخبر روس ريتشل أنهما في «استراحة» من علاقتهما؟ استغرق الأمر سنوات كي يُحل سوء الفهم هذا، كان كل ذلك بسبب الشكوك الخاطئة لدى كل شخصية تجاه الأخرى. من خلال مشاهدة أشخاص آخرين يعانون العواقب السيئة للقفز إلى الاستنتاجات، تستطيع رؤية العيوب المنطقية التي قد يتضمنها تفكيرك.

خلاصة القول، تقول الكاتبة إن العلاقات الراسخة مع الآخرين تبنى على براهين دامغة، لذا، اسمح لنفسك بأخذ الوقت والاستعداد الكافي لوقف إطلاق الأحكام، سوف تجد علاقاتك أكثر سدادًا وإشباعًا.

مجتمع

منذ 8 سنوات
مترجم: 8 أشياء يفهمها فقط المصابون بالقلق

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد