نشر موقع لايف ساينس الأمريكي تقريرًا لكالوم ماكيلفي، محرر مجلة «All About History Magazine» وحاصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في التاريخ وتاريخ الإعلام من جامعة أبيريستويث، تحدث فيه عن أسوأ كوارث مالية حلَّت على العالم الحديث، وكيف يمكن أخذ العبرة منها كي لا تتكرر، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة الذي يشهده عدد من البلدان اليوم.

يستهل الكاتب تقريره بالقول: تتداعى الأخبار من حول العالم مُنذِرةً بأن اقتصاديات الدول على شفا أسوأ كارثة مالية في الوقت الحاضر؛ إذ من المتوقع أن ترتفع تكاليف المعيشة في عام 2022. وقد تشهد المملكة المتحدة خصوصًا ركودًا آخر، وفقًا لصحيفة تليجراف. وذلك لأن التضخم قد ارتفع بالفعل إلى أعلى مستوى له منذ 30 عامًا بنسبة وصلت إلى 5.5%، وفقًا لصحيفة الجارديان.

ووفقًا لمعهد التضخم الحكومي في المملكة المتحدة، من المقرر أن يصل التضخم إلى ذروته عند نسبة 7.25% في أبريل (نيسان) هذا العام. ونظرًا لأن هذه النسبة تتجاوز أي زيادة في الأجور، فإن الارتفاعات في الضريبة (التي ستبدأ في أبريل أيضًا) تبدو مستعدة لقضم حصة أخرى من مرتبات السكان في البلاد. ومن المحتمل أن تواجه بريطانيا فترة من «التضخم الركودي»، على غرار الانكماش الاقتصادي في سبعينات القرن الماضي، وفقًا لمجلة إيفننج ستاندرد.

ويؤكد الكاتب أنه على مر القرون كان هناك العديد من الكوارث المالية والانهيارات الاقتصادية والأزمات العالمية المماثلة التي أحدثت خرابًا في الشؤون المالية الوطنية ودخل الأُسر. ومن أزمة الائتمان عام 1772 إلى الركود الكبير عام 2008، تركت لنا هذه الأزمات دروسًا مهمة حول كيفية التعامل بنجاح مع الأزمة التي نواجهها اليوم.

وفيما يلي خمسٌ من أسوأ الكوارث المالية والركود في التاريخ، وما الذي يمكن أن نتعلمه منها.

1- أزمة الائتمان عام 1772

يلفت الكاتب إلى أنه في يونيو (حزيران) 1772، انهار بنك نيل، وجيمس، وفورديس، وداون في لندن بعد خسارته ما يقرب من 300 ألف جنيه إسترليني (ما يعادل 48.8 مليون جنيه استرليني، أو 64 مليون دولار أمريكي اليوم) من قيمة أسهم المضاربة في «شركة الهند الشرقية (EIC)». وانتشر الرعب بعدها مع تزايد حالات الإفلاس في جميع أنحاء لندن، كما أفلست كل البنوك الخاصة في أسكتلندا تقريبًا، وفقًا لموقع التاريخ العالمي. وانتشرت الأزمة بسرعة لتشمل أيضًا العديد من البنوك الهولندية قبل أن تستقر الأسواق في نهاية المطاف، وفقًا لليبرتي ستريت إكونوميكس.

بيد أن الأزمة أثَّرث أكثر ما أثَّرت على شركة الهند الشرقية، وواجهت الشركة نقصًا كبيرًا في السيولة، حسبما ذكرت ليبرتي ستريت إكونوميكس. ولمنع الشركة من الانهيار، أصدرت الحكومة البريطانية عام 1773 قانون الشاي، وهو قانون ضَمِن احتكار الشركة لمبيعات الشاي في أمريكا الشمالية، وفقًا لمتحف بوسطن تي بارتي. وبسبب هذا القانون ألقى الوطنيون الأمريكيون في 16 من ديسمبر (كانون الأول) 342 صندوقًا من الشاي في البحر في حادثة أصبحت تُعرف بـ«حفلة شاي بوسطن».

Embed from Getty Images

ووفقًا لليبرتي ستريت إكونوميكس: «بُذلت جهود كثيرة لفهم مشكلة التعرض لمخاطر الائتمان منذ أواخر القرن الثامن عشر». والآن لدينا خدمات تساعدنا على منع التاريخ من إعادة نفسه. وأضاف الموقع: «تقدم وكالات التصنيف الائتماني اليوم هذه الخدمات للشركات والأفراد».

2- ذعر عام 1873 والكساد الطويل

يشير التقرير إلى «الكساد الكبير» الأصلي موضحًا أنه (وفقًا لمقال نشره معهد الشؤون الاقتصادية، كان هذا المصطلح مستخدمًا حتى خمسينات القرن الماضي). وبدأ الكساد الطويل عام 1873 مع انهيار بورصة فيينا، وفقًا للموقع التاريخي عالم هابسبورج. وأدَّى الذعر في بريطانيا إلى فترة ركود اقتصادي استمرت ما يقرب من عقدين، وفقًا لموقع أمريكان هيستوري يو إس إيه. ويُعرف هذا الآن بالكساد الطويل لأنه استمر لما يقرب من 23 عامًا على أقل تقدير.

وكان إبطال العمل بالفضة في ألمانيا والولايات المتحدة، إضافة إلى زيادة استثمارات المضاربة هي بعض الأسباب التي يُعتقد أنها سبب الأزمة.

وفي ورقته البحثية «من الكساد الكبير إلى الحرب الكبرى»، كتب ميشيل بيود: «تبع انهيار البورصة في فيينا إفلاس البنوك في النمسا، ثم في ألمانيا». ويدَّعي بيود أن ارتفاع الأسعار وانخفاض الربحية كان لها الأثر الكبير على الصناعة الألمانية؛ إذ انخفضت أسعار حديد الصلب بنحو 27%.

وفي الولايات المتحدة جمعت بعض البنوك، مثل بنك جاي كوك وشركاه، الأموال من خلال بيع السندات، خاصة تلك المتعلقة بسكك الحديد. ومع تضخم تكاليف البناء، انهار هذا البنك وغيره، وفقًا لمكتبة الكونجرس. ونتيجةً لذلك اضطرت بورصة نيويورك إلى وقف التداول لأول مرة في 20 سبتمبر (أيلول). ووفقًا لبيود انخفضت الصادرات في بريطانيا بنسبة 25%، بينما تضاعفت البطالة تقريبًا (من 7490 في عام 1873 إلى 13 ألفًا و130 عام 1879).

Embed from Getty Images

وكان أحد الأسباب الرئيسة لأزمة عام 1873 هو الزيادة السريعة في الإنتاجية الصناعية والتجارية، وفقًا لستيفن ديفيز، رئيس قسم التعليم في معهد الشؤون الاقتصادية. وكتب ديفيز لمعهد الشؤون الاقتصادية: «أدَّى هذا إلى إيجاد العديد من المنتجات الجديدة، بيد أنه تسبَّب أيضًا في تعديلات كبرى مع تقلص الصناعات القديمة. كما كان هناك تحول في تركيز الاقتصاد العالمي، نحو الأجزاء الجديدة النامية في العالم، مثل ألمانيا والولايات المتحدة».

وقال ديفيز إن الدرس المستفاد من انهيار عام 1873، والذي يرى أنه عكس بعض القضايا في عام 2021 هو: «أن المشكلة الأساسية هي في إعادة ترتيب اقتصادي طويل الأمد، وليس مجرد انخفاض في الطلب».

3- كوارث مالية على إثر الكساد العظيم

يتحدث الكاتب عن الكساد الكبير قائلًا إنه في 24 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1929، انهارت سوق الأسهم الأمريكية بعد 18 شهرًا من الشراء بالمضاربة، وفقًا لأكاديمية خان. وإلى جانب النظام المصرفي الضعيف والإنتاج الصناعي المفرط، والانهيار في أسعار الزراعة، تسبب هذا الانهيار بأبرز الكوارث المالية التي أُطلق عليها اسم «الكساد الكبير».

وكان الكساد الكبير أحد «أسوأ الكوارث في التاريخ الأمريكي»، بحسب بن برنانكي، عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي. لقد تقلص الاقتصاد الأمريكي بنسبة 50% خلال خمس سنوات، وأصبح نحو 15 مليون شخص بلا عمل. وأفلس نحو 4 آلاف بنك بحلول عام 1933، بحسب موقع ذا بالانس.

وكان للكساد الكبير تأثير هائل على الاقتصاد العالمي. ففي بريطانيا انخفضت الصادرات بنحو النصف، وازدادت نسبة البطالة إلى 20% في عام 1931 فقط. وبعد انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني بنحو 25% عام 1931، بدأ الاقتصاد البريطاني في الانتعاش، وفقًا للمكتبة البريطانية.

وفي ألمانيا لطالما اعتُقد أن الكساد الكبير هو السبب الذي أدَّى إلى صعود النازيين، مع أن ورقة بحثية صدرت عام 2017 ذكرت أيضًا أهمية تدابير التقشف التي فرضها المستشار هاينريش برونينج، وفقًا لموقع فوكس. كما ارتبط الكساد الكبير في كثير من البلدان بصعود الفاشية.

Embed from Getty Images

وفي الولايات المتحدة أطلق فرانكلين روزفيلت مجموعة «الصفقة الجديدة» وهي سلسلة من السياسات الاقتصادية الجديدة التي كانت تهدف إلى إنقاذ اقتصاد البلاد. وأُطلقت على ثلاث دفعات من عام 1933 إلى عام 1939، وركَّزت جميعها على توفير فرص عمل للعاطلين عن العمل، وتقديم الدعم لقطاعي الزراعة والصناعة، والضمان الاجتماعي (شكل من أشكال التقاعد)، وإعطاء مزيدٍ من الحقوق للعمال. ووفقًا لموقع ذا بالانس وصف المؤرخون هذا البرنامج بأنه «رأسمالية مزوَّدة بشبكات أمان وإعانات»، والعديد من الأشياء التي قدمها (مثل الحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي) لا تزال مهمة اليوم.

4- الأزمة الاقتصادية في سبعينات القرن الماضي

كان التضخم في أواخر الستينات يرتفع في جميع أنحاء العالم، ولكن تحديدًا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وبدأت هذه الأزمة مع حرب أكتوبر التي وقعت بين إسرائيل وتحالف الدول العربية، والتي بدأت في السادس من أكتوبر 1973، وفقًا لصحيفة الجارديان. وتسبب الصراع في ارتفاعٍ حادٍ في أسعار النفط. وذكرت صحيفة الجارديان أن أزمة النفط «زعزعت الاقتصاد العالمي وأسهمت في انهيار سوق الأسهم».

وارتفع معدل التضخم في المملكة المتحدة إلى أكثر من 20% ووصل إلى 24% في ذروته، وفقًا لديلويت. ولم يكن هذا بسبب أزمة النفط فقط، بل أيضًا بسبب زيادة الأجور وميزانية عام 1972 (التي تضمنت تخفيضات ضريبية كبرى)، ومزيد من النمو في الإنفاق الاستهلاكي، وفقًا لإكونوميكس هيلب.

وفي السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، وحاولت الحكومة البريطانية وضع حد أقصى للأجور في محاولة للحد من التضخم، ولكن أدَّى هذا إلى إضراب عمال مناجم الفحم، بحسب بي بي سي. وأدَّى هذا الإضراب إلى نقصٍ في الوقود، وفي عام 1974، اضطر رئيس الوزراء إدوارد هيث إلى تنفيذ إجراء أسبوع الأيام الثلاثة للحفاظ على الطاقة، مع تقنين إمدادات البلاد من الكهرباء، وفقًا لتقرير بلاك أوت.

وبحلول صيف عام 1975 ارتفعت تكلفة المعيشة في بريطانيا إلى 26% وكانت هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها الدولة ارتفاعًا في معدلات البطالة والتضخم في الوقت ذاته وعُرفت هذا الأزمة باسم «التضخم الركودي»، وهي عبارة صاغها إيان ماكلويد.

Embed from Getty Images

وفي يناير (كانون الثاني) عام 2022 نشرت صحيفة التايمز موني مينتور مقالًا أوضحت فيه أن التضخم الركودي من الممكن أن يعود مرةً أخرى إلى المملكة المتحدة مع ارتفاع مستوى التضخم إلى 5.4% بالفعل في ديسمبر 2021. وحتى كتابة سطور هذا المقال، بلغ معدل النمو في إجمالي الناتج المحلي 1% فقط، وفقًا لترايدنج إيكونوميكس. ومع ارتفاع أسعار النفط بالفعل، يبدو أن هناك كثيرًا من الذي يمكننا تعلُّمه من هذه الأزمة.

5- الركود الكبير عام 2008

يتحدث الكاتب في محطته الأخير عن الانهيار المالي والركود العالمي الذي حل عام 2008، والذي كان «أسوأ كارثة اقتصادية منذ الكساد الكبير عام 1929»، وفقًا لذا بالانس. وكان السبب الرئيس خلف هذا الركود هو انهيار سوق الإسكان في الولايات المتحدة، وفقًا لإنفيستوبيديا. وفي بريطانيا، كان بنك نورثرن روك أول من شعر بمشكلات سوق الرهن العقاري الثانوي في الولايات المتحدة. وبالعودة إلى الولايات المتحدة، انهار بنك ليمان براذرز في 15 سبتمبر 2008 (وهو بنك استثماري تأسس عام 1847)؛ ما أدَّى إلى انهيار مالي عالمي.

وبدأ الركود في بريطانيا رسميًّا في 23 يناير 2009، عندما أفاد مكتب الإحصاء الوطني أن الاقتصاد قد تقلص في الربعين الأخيرين من عام 2008، وفقًا لصحيفة الجارديان. واستغرق الاقتصاد البريطاني خمس سنوات للتعافي من الركود، وبحلول نهاية عام 2011، كان 2.7 مليون شخص عاطل عن العمل، بحسب مكتب الإحصاء الوطني.

وألقت شركة الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس محاضرة عام 2011 حول «الدروس المستفادة من الأزمة المالية»، وذكروا من بين نقاط عدة «أن مستويات الديون المرتفعة والقدرة غير المؤكدة بأن المقترضين يستطيعون سداد الديون، والتوقُّع أن أسعار المساكن ستكون في ارتفاعٍ دائمًا، أدَّت إلى مستوى مضلل من الارتياح»، بحسب ما يُختم التقرير.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد