كتبت جين جونتر، المتخصصة في طب النساء والولادة، مقالًا نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية سلَّطت فيه الضوء على المفاهيم الخاطئة، أو بعض الخرافات غير الدقيقة علميًّا، المنتشرة بين الناس بشأن الخصوبة والقدرة على الإنجاب.
تستهل الكاتبة مقالها بالقول: بصفتي طبيبة نساء وولادة، واجهتُ شخصيًّا عديدًا من الخرافات المتعلقة بالخصوبة، سواء في مكتبي أو عبر الإنترنت، بل في أثناء تدريبي أيضًا. لماذا يستمر سرد هذه الحكايات الخرافية؟ في أغلب الأحيان، تكون الثقافة الجنسية لدى البشر غير مكتملة وأقل من المطلوب، لا سيما فيما يتعلق بفسيولوجيا (علم وظائف) الإنجاب.
عندما نتحدث عن الخصوبة والقدرة على الإنجاب، فإننا لا نتحدث عنها مباشرة، إذ لا يزال التعبير عن بعض أجزاء جسم النساء، مثل الرحم والحيض والمهبل والفَرْج، بكلمات مهذبة أمرًا شائعًا بيننا.
وإذا كنَّا لا نستطيع التفوه بإحدى هذه الكلمات، فهذا يعني ضمنيًّا أن الحديث عن مثل هذه الأجزاء من الجسم أمرًا مُخزيًا. وبالطبع، لا يزال عديد من الخرافات قائمًا بيننا، وذلك ببساطة لأن هذه الخرافات متجذرة في خيالنا على نحو مُغرٍ، ونحن نميل إلى تصديق هذا النوع من القِصص المطولة أكثر من الوقائع المُملَّة.
وفيما يلي سبع خرافات عن الخصوبة يجب أن يطويها النسيان:
1- الدورة القمرية تُؤثر في الدورة الشهرية والخصوبة
ترى الكاتبة أن هذا المعتقد منتشر ومألوف بين النساء، بل إن بعضَهن ينسِبْن الحيض إلى «الدورة القمرية». وهذا الالتباس مُتفهَّم: لأن مدة الدورة القمرية، التي تبلغ 29.5 يومًا (تبلغ تحديدًا 29 يومًا و12 ساعة و44 دقيقة و2.8032 ثانية) قريبة جدًّا من متوسط الدورة الشهرية، التي تبلغ مدتها 28 يومًا. لكن الدراسات أثبتت عدم وجود علاقة بين القمر والحيض.
والأكثر من ذلك، من الصعب تصوُّر الكيفية التي ستكون فيها العلاقة بين الحيض والقمر فعَّالة من الناحية البيولوجية في قدرة البشر على الإنجاب.
2- الهرمونات التناسلية يجب أن تكون متوازنة
وتنوَّه الكاتبة إلى أن هذه خرافة حديثة أخرى، وقد انتشرت داخل غرف فحص أمراض النساء في جميع أنحاء أمريكا الشمالية، وينتج من تصديقها إجراء عديد من الفحوصات المخبرية غير الضرورية لمعرفة مستويات الهرمون.
والحقيقة أن مستويات الهرمونات الملوتن (LH) (المسؤول عن تنظيم وظيفة المبيضين عند النساء والخصيتين عند الرجال)، والهرمون المنبه للجريب أو المنشط للحوصلة (FSH) والإستروجين والبروجيسترون لا تتغير كل يوم فحسب لدى النساء في سن الإنجاب، بل إن هذه الهرمونات تتغير كل ساعة في كثير من الأحيان.
وعندما تظهر أعراض معينة على أي سيدة، مثل عدم انتظام الحيض أو إصابتها بالعقم، قد تُنصَح بإجراء فحوصات على الهرمونات للتوصل إلى التشخيص السليم. لكن في هذه الحالات، ينظر الأطباء إلى مستويات الهرمونات الخاصة بهذه السيدة ويفحصُون حالتها إلى جانب الأعراض التي تعاني منها، ولا ينظرون إلى مستويات «التوازن» التي تدور في خيال البعض.
وإذا أظهرت النتائج أن هناك «توازنًا» في الهرمونات لديها، فهذا أمر طبيعي، وهي بذلك امرأة «منسجمة» مع جسدها. لكن هذه النتائج ببساطة ليست إفادة حقيقية، بل إنها لا تشبه ما يحدث بيولوجيًّا.
3- الاستلقاء على الظهر بعد ممارسة الجنس يزيد من فرص الحمل والإنجاب
توضح الكاتبة أن أحد الأسئلة الأكثر شيوعًا التي تطرحها النساء على المتخصصين في أمراض النساء والولادة هو: «كم من الوقت يجب أن أستلقي على ظهري بعد ممارسة الجنس»؟ وتقول الخرافة إن الحيوانات المنوية سوف تندفع خارج الجسم بمجرد أن تتحرك السيدة من مكانها بسبب تأثيرات الجاذبية.
لكن معظم الحيوانات المنوية، التي لديها فرصة للتخصيب تكون قد تجاوزت تقريبًا نقطة اللاعودة فور قذفها داخل مهبل المرأة. ولم تُثبِت أي دراسة وجود علاقة بين طول مدة الاستلقاء على الظهر بعد العلاقة الجنسية ومعدلات الحمل لاحقًا، لكن إحدى الدراسات الموسَّعة فحصت معدلات الحمل بعد التلقيح في عيادة الطبيب، وخلُصت إلى أنه لا يوجد اختلاف في معدلات الحمل بين النساء اللاتي أمضَيْن 15 دقيقة مستلقيات على ظهورهن، وبين اللاتي نهضن وتحركن بمجرد انتهاء العلاقة الجنسية.
4- لم يخلق النساء للمرور بسِّن اليأس
تقول هذه الخرافة – بحسب الكاتبة- إن انقطاع الحيض ليس أمرًا طبيعيًّا لأن معظم النساء عبر التاريخ لم يعشن عمرًا مديدًا بما يكفي لتجربة ذلك، ونتج هذا المفهوم الخاطئ من سوء تحديد متوسط العمر المتوقع والطريقة التي ربط بها المجتمع، على مدار التاريخ، مكانة المرأة بقدرتها على الإنجاب.
وصحيحٌ أن متوسط العمر المتوقَّع للنساء، على مدى قرون، قُدِّر بأقل من 50 عامًا، لكن الأمر يبدو أشبه بتفسير وكأن النساء يمُتْنَ جماعيًّا في سن الخمسين.
وفي الواقع، إذا استبعدنا وفيات الرضَّع والأطفال (التي كانت إلى حد كبير بسبب نقص الرعاية الطبية الأساسية والنظافة الصحية والتحصينات)، فإن متوسط العمر المتوقع للنساء، حتى قبل عام 1900، يرتفع ارتفاعًا حادًا عن ذلك العمر المذكور آنفًا.
بينما بلغ متوسط العمر المتوقع للنساء في القرن السابع عشر 60 عامًا. وفي هذا السياق، لم يكن متوسط العمر المتوقع للرجال أطول من ذلك بكثير، ولكن لسبب ما، لم يحتَجْ المجتمع مطلقًا إلى تفسيرٍ لانخفاض معدلات القدرة على الإنجاب المرتبط بالعمر لدى الرجال.
5- النشوة الجنسية عند النساء ليست للمتعة فحسب، بل يجب أن تكون مرتبطة بتعزيز فرصة الحمل
ولفتت الكاتبة إلى أن معظم الإثباتات تؤكد أن النشوة الجنسية لدى النساء لا تُؤثر في فرص الحمل بطريقة أو بأخرى. وإذا حدث ذلك، فمن المحتمل أن تحدث النشوة الجنسية لدى المرأة على الدوام عند إيلاج القضيب تقريبًا، لكن الحقيقة هي أن النشوة الجنسية تحدث أثناء 25% إلى 33% فقط من مرَّات الجماع.
ولكي تؤثر النشوة الجنسية في انتقال الحيوانات المنوية وفي فرص الحمل تبعًا لذلك، يجب أن تحدث مباشرة قبل النشوة الجنسية لدى الرجال أو أثناءها، وهو أمر غير شائع. وفي الواقع، يصل عديد من النساء إلى النشوة الجنسية مرةً واحدة أو أكثر قبل أن يصل إليها الرجل، أو بعد ذلك، أو ربما لا يحدث ذلك على الإطلاق.
6- لقاح فيروس الورم الحُليمي البشري مرتبط بفشل المبيض المبكر
وأكدَّت الكاتبة أن الخرافات والمخاوف بشأن اللقاحات قائمة منذ أن وُجدت اللقاحات، ولا يستثنى من ذلك الخرافات المتعلقة بالخصوبة. وقد رُوِّجت هذه الخرافة من خلال سِت حالات من فشل المبيض المبكر، التي حُددت في منشورات لقاح فيروس الورم الحليمي البشري، فيما يُعرف بسلسلة من الحالات.
لكن هذا لا يُعد دليلًا، على الرغم من أنه أثار عددًا من الرسائل الاستفزازية التي أدَّت إلى نشأة هذه الخرافة. ولحسن الحظ، خلُصت دراسة موسَّعة، شملت أكثر من 199 ألف سيدة، أنه لا يوجد صلة بين التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري وفشل المبيض المبكر.
7- خصوبة الرجل مستمرة
وتختتم الكاتبة مقالها مع الخرافة السابعة والأخيرة، والتي تفيد بأن جميع الرجال يمكنهم الإنجاب، حتى لو بلغوا الثمانين من العمر. وصحيحٌ أننا نرى بعض المشاهير في الخمسينيات والستينيات بل السبعينيات من أعمارهم يُعلنون أنهم أصبحوا آباءً من جديد (دائمًا مع شريكة أصغر سنًّا). لكن يعاني كلا الجنسين من انخفاض في معدل خصوبة مرتبط بالعمر.
وفي حالة النساء، يبدأ الانخفاض عندما يبلغن عقدهن الثالث، وتصبح فرص الحمل نادرة بحلول منتصف العقد الرابع لدى النساء من دون عوامل مساعدة على الإنجاب.
أما في حالة الرجال كبار السن، يزداد ضعف الانتصاب مع تقدم العمر، كما تنخفض جودة السائل المنوي والحيوانات المنوية. ويعاني الرجال الذين تزيد أعمارهم على 51 عامًا (يلاحظ أن هذا هو أيضًا متوسط سن انقطاع الحيض لدى النساء) من انخفاض ملحوظ في نجاح علاجات العقم. وصحيحٌ أن الرجال لا يصلون إلى مرحلة التوقف المطلق عن القدرة على الإنجاب، كما يحدث للنساء بعد انقطاع الحيض، لكن لا بد أن يتطرق أي نقاش بشأن العمر والخصوبة إلى الرجال كذلك.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».