نشر موقع «سي إن بي سي» مقالًا للكاتبة والمسؤولة السابقة مارجوت مكول بيسنو، تتحدث فيه عن تجربتها بمقابلة 70 من آباء وأمهات رواد الأعمال، وقواعد التربية الأربعة الرئيسية التي استخلصتها من هذه المقابلات.
رائد أعمال صغير في بيتي
ما هو دور الوالدين في تربية أطفال أذكياء وواثقين وناجحين؟ ما هي العوامل التي يجب أن تؤخذ بالحسبان بمقابل ما لا يهمّ فعلًا؟ تطرح الكاتبة هذه الأسئلة للمرة الأولى، بالرغم من أنها أم لولدين من رواد الأعمال ذوي الهمّة.
تقول الكاتبة إنها كانت لتحبّ قراءة القصص عن البيئة التي نشأ فيها روّاد الأعمال، ليس فقط بيل جيتس وستيف جوبز، بل أيضًا من الأشخاص الذين قد تشعر بنوعٍ من الشبه معهم.
تعتقد الكاتبة أن رواد الأعمال ليسوا مجرد مؤسسي أعمال ربحية، بل هم شخصيات تحتاج أن تتسم بالمرونة والعمل المنضبط والجاد ليقدروا على بداية شيء ما على هذا المستوى. فمؤسسو الأعمال يبتكرون أفكارًا ويبعثون فيها الحياة، ممن يقدرون أن يصبّوا حماسهم في المشاريع.
من هنا جاءت فكرة المقال: أثناء بحث الكاتبة وخوضها في عملية كتابة «تربية رجل أعمال»، قابلت 70 من الآباء والأمهات ممن كانوا وراء تربية بعض من الشخصيات الناجحة للغاية. وفي المقال قواعد الأبوة والأمومة الأربعة الصارمة التي تميز تربيتهم عن معظم الآخرين.
1- امنحهم استقلاليتهم القصوى
تذكر الكاتبة مثالًا هنا سوزان وآن جسيكي، وهما شقيقتان حققتا إنجازاتٍ أقل ما توصف بالمُذهلة. كانت سوزان أول مديرة تسويق لشركة جوجل، ومن ثم صارت رئيسة جوجل التنفيذية عام 2014. فيما شاركت آن في تأسيس شركة (23andMe) المتخصصة بعلوم الجينوم والتكنولوجيا الحيوية.
تحدثت الكاتبة مع والدة الشقيقتين إستر، وتبين لها أن الفتاتين نشأتا وهما تعرفان بأن والدتهما تثق بأن تصرفاتهما ستتسم بالمسؤولية.
مُنحت الفتاتان الحرية التي قد يعترض عليها الآباء اليوم، وتعبّر الوالدة عن ذلك بوضوح: «منحت أطفالي الفرصة ليكونوا مستقلّين جدًا من وقتٍ مبكر.. أنجبت ثلاثة أطفال في أربع سنوات، ولم أتلقّ أي مساعدة، لذلك دفعتهم إلى العمل بدافعٍ من الضرورة».
أحب أطفالها هذا الشعور بالحرية، تعلّق الوالدة على الأمر: «أعتقد أنه منحهم الكثير من الثقة. كنت أضعُ ابنتي البالغة من العمر خمس سنوات في طائرة (لوحدها) -مع بطاقةٍ على رقبتها تحمل اسمها- وذلك لتزور جدتها في لوس أنجلوس».
ربما يكون هذا المستوى من الحرية مُفرط إلى درجة تسبب القلق لدى الآباء، ولكن حتى إن لم ترغب في نوع الحرية التي منحتها إستر لبناتها، فما يزال بإمكانك منح أطفالك مهامًا ليقوموا بها للمساهمة ضمن العائلة وفقًا لما تنصح به إستر، مثل الأعمال المنزلية ببساطة، فمن شأن ذلك أن ينمّي ثقتهم بأنفسهم وإحساسهم بالمسؤولية وقدرتهم على تحملها.
2- غذّ التعاطف والتراحم لديهم
تؤكد الكاتبة أهمية إظهار الآباء شعور ومعنى مساعدة الآخرين لأطفالهم، سواءً ذلك لأناسٍ غرباء أو لأقارب أو حتى أفراد من ضمن العائلة نفسها، لأن ذلك يعطي الأطفال أسبقية في تطوير قدرة التعاطف.
وتذكر الكاتبة هنا سكوت هاريسون مؤسس منظمة تشيريتي ووتر الخيرية غير الربحية، التي تعمل على ترميم الآبار وصيانتها لمنح الناس وصولًا مستدامًا إلى المياه النظيفة.
استطاعت المنظمة تمويل 60 ألف مشروع في 29 دولة نامية خلال 15 عامًا فقط، وأوصلت المياه النظيفة إلى 12 مليون شخص حول العام، كما جمعت ما يقرب من نصف مليار دولار من أجل هذه القضية.
التقت الكاتبة جوان والدة سكوت قبل وفاتها لتتحدث معها عن قصة نجاح ابنها وتربيتها له. قالت جوان إنها تنسب نجاح سكوت إلى التأسيس الأبوي التي حددته هي في وقت مبكر من حياته، والذي تضمن العمل الجاد والمنضبط والمجتمع الروحي.
كانت جوان تساعد ابنها في فرز ملابسه وكتبه وألعابه عندما كان في المدرسة الابتدائية والمتوسطة، ومن ثم يخصصون بعضًا من هذه المقتنيات للتبرع للأطفال الآخرين ممن هم في حاجة إليها.
يساعد وعي الأطفال المبكر بمشاكل الآخرين، وبما يمرّون به، بتشجيعهم على طرح أسئلة ريادة الأعمال الرئيسية: «هل يجب أن تكون الأمور هكذا حقًا؟» و«كيف يمكنني تحسين الأمور؟».
3- رحب بالفشل مرارًا وتكرارًا
تحكي الكاتبة قصة نيا باتس التي شاركت في تأسيس ديترويت بلوز، المتخصصة في نطاق خدمات الشعر والجمال الشاملة. وكانت الكاتبة قد قابلت نيا منذ حوالي 10 سنوات حينما كانت ما تزال تعمل في فاياكوم.
اهتمّت الكاتبة بمعرفة كيف استطاعت نيا استجماع شجاعتها، لترك وظيفتها الآمنة وبدء شيءٍ ما من الصفر، وعلى هذا أجابت نيا بأن السبب يكمن بتعلمها من الصغر مزايا الفشل مبكرًا ومزايا تكرار الفشل كذلك.
تستذكر نيا تفاصيل من حياتها، فقد كانت أمها محامية ادعاء، تربح أحيانًا وتخسر أحيانًا أخرى. وكان والدها يسألها كثيرًا: «ما الذي فشلت فيه اليوم؟»
تقول نيا أن والدها كان يكرر عليها هذا السؤال كثيرًا في صغرها، وحين يأخذها إلى المدرسة أو يعيدها منها، واستمر ذلك إلى أيام الكلية والعمل.
تشعر نيا بالامتنان لهذا الأمر، فقد رأت في حياتها الكثير من الآباء ممن يحاولون إنقاذ أطفالهم من الفشل، لكن والديها أرادوا أن يكوّنوا لها بيئة مقبول مفهوم الفشل فيها.
تعقّب نيا: «أعتقد أنهما كانا متحمسين لمشاهدة الأمر كيف سيتكشف مع نموّي وتعلمي لهذا الدرس. علّمني والدي أن الهبات تكمنُ في الجروح التي تصيبنا، وفي إخفاقاتنا تكمن الفرص».
4- تخلّ عن السيطرة واتبع هذا الأسلوب القيادي
يحتاج الأطفال إلى وقتٍ لاكتشاف مساراتهم في الحياة، وتمر فترات مختلفة يكون الطفل فيها جاهلًا بوجهته وأهدافه. قد يظن الآباء أن أطفالهم قد ضاعوا في هذه المراحل، لكن آباء رواد الأعمال يميلون أكثر إلى الاعتقاد بأن أبناءهم يستكشفون فحسب ضمن هذي الأوقات.
الجزء الصعب بالنسبة للكثير من الآباء هنا تغيير طريقة القيادة، فإذا أردت تربية رائد عمل عليك أن تقود بالمتابعة لا بالتحكم المباشر، بغضّ النظر عن نوعية الأهداف التي قد يريدها الأبناء أو الطرق التي يسلكونها.
وتنقل الكاتبة نصيحة كينيث جينسبيرغ، مؤلف كتاب «بناء المرونة لدى الأطفال والمراهقين»، والتي تقول: «الخروج من الطريق تحدّي. نريد مساعدة الأطفال وإصلاحهم وإرشادهم، لكن علينا أن نذكر أنفسنا أن السماح لهم باكتشاف الأشياء بمفردهم يوصل لهم رسالة مفادها: «أعتقد أنك مؤهل وحكيم».
بعبارة أخرى، انظر إلى ما يريده أطفالك، ما شغفهم، ما الذي يجيدونه، ما الذي يجعلهم سعداء. دع موهبتهم الداخلية تكشف عن نفسها، ثم ادعمها. أخبرهم بفخرك بنجاحهم في المسار الذي يختارونه هم، ومن ثم أعد إخبارهم مرارًا وتكرارًا، حتى تضمن تصديقهم لذلك بالكامل.
دع أطفالك يتابعوا شغفهم وطموحاتهم وإن لم تكن تصبّ في المجال المهنيّ الذي كنت تريده لهم، لأن هذا سيجعلهم سعداء ومكتفين. تسأل الكاتبة في النهاية: أليس هذا ما يريده جميع الآباء لأطفالهم؟
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».