قالت كارين هاو في مقال لها على موقع «Technology Review» التابع لمعهد (MIT) الأمريكي: إن إجابة الناس على «معضلة العربة» تباينت بشدة على مستوى العالم، وهو ما يكشف اختلاف المعايير الأخلاقية عبر مختلف الثقافات.

وأوضحت هاو أن الباحثين في مختبر (MIT Media) كانوا قد أجروا تجربة في عام 2014 تسمى «آلة الأخلاق». كانت الفكرة هي إنشاء منصة شبيهة باللعبة بهدف استطلاع قرارات الناس حول كيفية إعطاء السيارات ذاتية القيادة الأولوية للحياة في حالات مختلفة في معضلة العربة. في هذه العملية ستوفر البيانات المستخرجة رؤية ثاقبة للأولويات الأخلاقية الجماعية في الثقافات المختلفة.

ذُهل  الباحثون من الانتشار الرهيب للتجربة؛ فبعد مرور أربع سنوات على إطلاق المنصة سجّل ملايين الأشخاص في 233 بلدًا وإقليمًا 40 مليون قرار؛ مما يجعلها واحدة من أكبر الدراسات التي أجريت على الأولويات الأخلاقية على مستوى العالم.

تقدم ورقة جديدة نُشرت في مجلة (Nature) تحليلًا لهذه البيانات، وتكشف مدى اختلاف الأخلاقيات بين الثقافات على أساس الثقافة والاقتصاد والموقع الجغرافي.

إن معضلة العربة الكلاسيكية هي كالتالي: أنت تشاهد عربة مسرعة في الطريق، وهي على وشك أن تصدم وتقتل خمسة أشخاص. ولديك القدرة على الوصول إلى رافعة يمكنها أن تحول مسار العربة، حيث ستصدم وتقتل شخصًا واحدًا. فهل يجب عليك سحب الرافعة وإنهاء حياة واحدة لإنقاذ حياة خمسة أشخاص؟

معضلة العربة – مصدر الصورة MIT Technology Review

استُخدمت هذه التجربة لاختبار تسع مقارنات مختلفة تبين التباين الشديد بين آراء الناس – تشير هاو – فهل يجب أن تعطي السيارة ذاتية القيادة الأولوية للإنسان فوق الحيوانات الأليفة، والركاب على المارة، والأرواح الأكثر على الأقل، والنساء على الرجال، والشباب على الكبار، والأصحاء على المرضى، والأغنياء على الفقراء؟ وأخيرًا: هل يجب أن تنحرف السيارة أم تبقى على مسارها؟

بدلًا عن طرح مقارنات بين شخصين، فإن التجربة قدمت للمشاركين مجموعات مختلفة، مثل ما إذا كان ينبغي أن تستمر سيارة ذاتية القيادة مباشرة في طريقها لقتل ثلاثة من كبار السن من المشاة، أم أن تنحرف لقتل ثلاثة من الشباب.

ووجد الباحثون أن تفضيلات البلدان تختلف اختلافًا كبيرًا، لكنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالثقافة والاقتصاد. على سبيل المثال، فإن المشاركين من الثقافات الجماعية مثل الصين واليابان يفضلون إنقاذ كبار السن على الشباب، وذلك بسبب تعودهم على احترام كبار السن.

البلدان ذات الثقافات الفردية تميل أكثر إلى إنقاذ الشباب

وبالمثل – تضيف هاو – فإن المشاركين من البلدان الفقيرة ذات المؤسسات الضعيفة أكثر تسامحًا مع المشاة الذين يعبرون بشكل عشوائي في مقابل المشاة الذين يعبرون بشكل قانوني. ويظهر المشاركون من البلدان التي تشتهر بعدم المساواة الاقتصادية وجود فجوات أكبر بين معاملة الأغنياء والفقراء.

Embed from Getty Images

السيارات ذاتية القيادة لها مستقبل واعد

بالعودة إلى معضلة العربة، وجد الباحثون أن العدد الهائل من الأشخاص الذين تعرضوا إلى الأذى لم يكونوا دائمًا العامل المسيطر في اختيار المجموعة التي يجب أن تنجو. أظهرت النتائج أن المشاركين من الثقافات الفردية، مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ركزوا بشكل أكبر على إنقاذ المزيد من الأرواح؛ ربما بسبب تقديرهم الكبير لقيمة الفرد.

البلدان ذات الثقافات الفردية تميل إلى إنقاذ المزيد من الأرواح

كما أظهرت البلدان القريبة من بعضها جغرافيًا تفضيلات أخلاقية متشابهة – تضيف هاو – مع ثلاث مجموعات مسيطرة في الغرب والشرق والجنوب.

وقد اعترف الباحثون أن النتائج يمكن أن تكون غير دقيقة بالنظر إلى أن المشاركين في الدراسة شاركوا تطوعيًا، وبالتالي فمن المرجح أن يكونوا متصلين بالإنترنت، وأنهم ميسورو الحال، ويجيدون التعامل مع التكنولوجيا، لكن من المرجح أن يكون لدى المهتمين بركوب السيارات ذاتية القيادة هذه الخصائص أيضًا.

Embed from Getty Images

الذكاء الاصطناعي يغزو كل المجالات

أثرت الدراسة على البلدان التي تختبر حاليًا السيارات ذاتية القيادة؛ لأن هذه التفضيلات يمكن أن تلعب دورًا في تشكيل تصميم هذه المركبات؛ فقد يجد صانعو السيارات أن المستهلكين الصينيين سوف يفضلون سيارة تحميهم أكثر من المشاة.

موقف كل دولة من المفاضلة بين المشاة والركاب

لكن الباحثين شددوا على أن النتائج لا تهدف إلى إملاء الكيفية التي يجب أن تتصرف بها الدول المختلفة. في الواقع – تقول هاو – رأى الباحثون أنه يجب على التكنولوجيين وصانعي السياسات تجاوز الرأي العام الجماعي. أثار إدموند عوض – مؤلف الورقة البحثية – مقارنة الوضع الاجتماعي كمثال. وقال: «من المثير للقلق أن الناس وجدوا أنه لا بأس من إنقاذ الأغنياء على حساب الفقراء. من المهم أن نقول مهلًا، يمكننا تحسين السيارة بدلًا عن القول ربما يجب علينا أن نختار كذا». وقال: إن النتائج ينبغي أن تستخدم من قبل المصانع والحكومة كأساس لفهم كيف سيتفاعل الجمهور مع أخلاقيات قرارات التصميم والسياسات المختلفة.

يأمل عوض أن تساعد النتائج خبراء التكنولوجيا على التفكير بعمق في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي خارج السيارات ذاتية القيادة – تنوه هاو – حيث قال: «لقد استخدمنا معضلة العربة لأنها طريقة جيدة لجمع هذه البيانات، لكننا نأمل ألا تبقى مناقشة الأخلاقيات ضمن هذا الموضوع. إذ يجب أن تنتقل المناقشة إلى تحليل المخاطر بدلًا عن القول من سيموت أم لا، وكذلك حول كيفية حدوث التحيز». كما يأمل أن تترجم هذه النتائج إلى تصميم أكثر مراعاة للأخلاق في المستقبل.

في العامين أو الثلاثة الأخيرة، بدأ الناس يتحدثون عن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. وبدأ المزيد من الناس يدركون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون له عواقب أخلاقية مختلفة على الشعوب. وحقيقة أننا نرى أشخاصًا يتعاملون مع هذا هو أمر واعد.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد