في تقرير للكاتب «يان أرمسترونج» على موقع Global Risks Insights، تناول الكاتب التحولات الجديدة في المشهد الاستثماري الجزائري في مجال النفط، والفرص الجديدة أمام المستثمرين الأجانب في ظل القرارات الجديدة للحكومة، ويسلط الضوء أيضًا على الخطر الأمني المتزايد، والأعمال الإرهابية المحتملة مع زيادة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا شرقًا، والمجموعات المسلحة في مالي جنوبًا. الشهر الماضي كان توقيتًا لحدثين هامين للغاية، يمسان قطاع النفط والغاز في الجزائر، وقد يكونا عاملين هامين في تشكيل وضع هذه الصناعة خلال العام الحالي.

في البداية، أعلن مصدر من داخل الشركة الوطنية الجزائرية العملاقة للنفط والغاز «سوناطراك» أن الشركة ستبدأ في قبول التفاوض مباشرة مع الشركات الأجنبية المهتمة بشراء حصص في 20% من حقول النفط والغاز الجزائرية أملًا في الخروج من أزمة انخفاض الأسعار التي ضربت سوق النفط عالميًا. تلك النقلة تمثل جزءً من الجهود المبذولة لرفع العائدات من خلال إدخال مستثمرين جدد إلى البلاد بعدما منعت القوانين المحلية هذا الأمر سابقًا بحسب التقرير.

بعد ذلك، في الثامن عشر من مارس (آذار) الماضي، أطلق تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مجموعة من قذائف الهاون محلية الصنع على حقل كراشبة الجزائري للغاز. وعلى الرغم من أن الهجمات لم تُخلِف أية خسائر بشرية أو مادية، إلا أنها أشارت مجددًا إلى الضعف المستمر لهذه الصناعة في مواجهة المجموعات المتطرفة.

يرى الكاتب أن جوهر هذين الحدثين يكشف تمامًا ما يمكن رصده في قطاع الطاقة الجزائري في 2016، وهو عبارة عن حالة التذبذب بين الفرص الاستثمارية الجديدة، وبين انعدام الأمن لهذا القطاع، كما يرى أن فهم كلا التطورين وأثرهما على صناعة الطاقة في الجزائر هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمستثمرين والمهتمين بهذا القطاع في العام الحالي.

تحسن ملحوظ

في بلد تمثل مبيعات النفط والغاز فيه 35% من إجمالي الدخل القومي، وأكثر من 60% من صادرات البلاد، وتعتبر بين أكبر احتياطيات الغاز في العالم، تبدو فرص الاستثمار في قطاع الطاقة في الجزائر فرصة واضحة ولا تعوض بالنسبة للمستثمرين، إلا أن هذا الأفق الاستثماري كان دائمًا مغلقًا من قبل مجموعة من الظروف المختلفة، كان أبرزها دائمًا هي الشروط التنظيمية والقوانين التي أغلقت هذا الباب في أغلب الأحيان كما يذكر التقرير.

على الرغم من ذلك، يبدو اتجاه «سوناطراك» الجديد هو محاولة لمعالجة هذه المشكلات، إذ قبل هذا الإعلان الأخير، كان يجب على جميع المستثمرين الأجانب التفاوض أولًا مع الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات وتدعى «النفط»، وهي المسئولة عن التراخيص النفطية في البلاد، والتي تدخل بدورها بعقد شراكة مع سوناطراك ممثلةً عن الجهة الخارجية. وبعد القرارات الجديدة، تمكنت الشركات الأجنبية من التخلص من هذا النظام المرهق والتفاوض بشكل مباشر مع سوناطراك لشراء حصص نسبتها 20% من حقول النفط والغاز في البلاد.

وفق التقرير، تعتبر تلك الخطوة الجديدة بمثابة علامة ترحيبية بالمستثمرين في هذا المجال، حيث دائمًا ما انتقد خبراء النفط ثِقَل البيروقراطية التي تحيط بمجال الطاقة الضخم في الجزائر؛ إذ أدت تلك البيروقراطية إلى فشل جذب انتباه المستثمرين الكبار نحو مناقصتين كبيرتين طرحتهما البلاد مؤخرًا؛ بسبب بطء عملية اتخاذ القرار المعروفة للجميع، ومن خلال النظام الحالي للتفاوض الثنائي المباشر بين المستثمرين الأجانب من جهة وبين سوناطراك من جهة أخرى، ستكون عملية الاستثمار في هذا القطاع حاليًا أرخص وأكثر سهولة وكفاءة كما ذكر موقع Global Risk Insights.

على الرغم من تلك القرارات الجديدة التي من شأنها جذب المزيد من الاستثمارات نحو قطاع النفط والغاز في الجزائر بشكل كامل، مازالت هناك بعض العقبات التي تشوب القوانين الوطنية المتعلقة بالأمر، حيث تملك سوناطراك قانونيًا أغلبية نسبتها 51% في أي مشروع في هذا المجال داخل البلاد، وهو ما ينفر الكثير من المستثمرين؛ لأنه يضع مسألة الإدارة واتخاذ القرار في يد الشريك الجزائري بشكل كامل، إلا أن الكاتب يرى أنه من المهم إدراك أن تلك القوانين الجديدة تعتبر أكثر مرونة بكثير من السنوات الماضية. لذلك، ومع التوقعات باستمرار السعر المنخفض للنفط على المدى القصير، يتوقع التقرير ظهور المزيد من الإصلاحات المشجعة للاسثمار في هذا المجال في الأفق القريب.

تراجع الأمن القومي

على الرغم من الجهود المبذولة لجلب المزيد من العقود الاستثمارية، أظهر الهجوم الأخير على منشأة الغاز الجزائرية خطرًا أمنيًا عميقًا يهدد تلك الفرص الاستثمارية الواعدة. وعلى الرغم من أن الهجوم لم يسبب أية أضرار، فلم تمض سوى ثلاث سنوات فقط على هجوم «عين أميناس» الإرهابي، والذي نتج عنه مقتل 39 محتجزًا في محطة غاز «تيقنتورين». كانت الخسائر من الناحية الاستثمارية فادحة كذلك، حيث لم تعد المحطة للعمل بكامل طاقتها، سوى في بداية 2016. ويعتقد الكاتب أن المحاولة الأخيرة في «كراشبة» توضح أن الصناعة مازالت تفتقر للأمن حتى الآن.

قطاع الطاقة في الجزائر

يُرجِع الكاتب هذا الأمر إلى مجموعة من الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية. بالحديث عن القوى الخارجية، فقد استطاع تنظيم الدولة الإسلامية التوسع بقوة خلال العام الحالي في ليبيا المجاورة، وبدأت القوات التابعة للتنظيم في استهداف وحدات النفط والغاز بشكل خاص. يضاف إلى ذلك خطر الهجمات الإرهابية من الجهة الجنوبية عند الحدود مع مالي، وهي الناحية التي تمكن منفذو هجمات «عين أميناس» من الدخول منها، وهو الخطر الذي ازداد من جديد مؤخرًا.

وبالنظر إلى وزنها بالنسبة للاقتصاد المحلي الجزائري، تعتبر وحدات النفط والغاز من بين أهم الأهداف التي تسعى المجموعات الإرهابية إلى تدمير البلاد والحكومة من خلالها. لذلك، في حال استمرار تدفق خطر تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا في الأشهر القادمة، فمن المتوقع للغاية أن يشن التنظيم هجمات مماثلة لما يفعله في ليبيا على الجزائر، إلا أنها ستكون أصغر وأكثر سرية وفق رؤية الكاتب.

بخلاف تنظيم الدولة الإسلامية، تشكل بعض المجمعات الإرهابية المحلية، مثل تنظيم القاعدة في دول المغرب الإسلامي خطرًا كبيرًا، حيث كانت وراء هجوم الشهر الماضي، وقد تشن المزيد من الهجمات في الفترة المقبلة قبل أن يمتد نفوذ التنظيمات الخارجية من ليبيا ومالي على المشهد الجهادي في البلاد. يضاف إلى ذلك، ستؤدي حالة عدم الاستقرار في ليبيا ومالي إلى تهجير الكثير من السكان، ما سيسبب ضغطًا أمنيًا على الحدود الجزائرية، في الوقت الذي يعتبر فيه الأمن الحدودي عاملًا بالغ الأهمية في حماية مقدرات الجزائر من النفط والغاز، وأية أخطار تتعلق به ستقود تلك الصناعة إلى خطر أعظم. بحسب التقرير، فقد تمكن الأمن الجزائري من التصدي لهجومين إرهابيين على عدة منشآت نفطية استهدفها متطرفون قادمون من ليبيا خلال الأشهر الأربعة الماضية فقط.

قطاع الطاقة في الجزائر

خطوط الغاز والنفط في الجزائر، وموقع عين أميناس وكراشبة – المصدر EIA

تقود تلك الظروف بطبيعة الحال إلى مزيد من الضغوط الداخلية في الجزائر، حيث يوجد سخط اجتماعي متزايد؛ نتيجة للتراجع الاقتصادي الناتج عن انخفاض أسعار النفط، ومع زيادة نشاط المجموعات المتطرفة حول الحدود الجزائرية وتزايد الضغوط الاقتصادية، قد يقود هذا الأمر بعض المواطنين نحو التطرف، وزيادة التهديد والخطر على الأمن القومي وفق التقرير.

يرى الموقع أن يحسب للحكومة الجزائرية اتخاذ الكثير من الاحتياطات اللازمة في مواجهة تلك الأخطار، فمنذ هجوم عين أميناس، قامت الدولة بتشديد الحماية الأمنية لمنشآت النفط والغاز من خلال نشر قوات من الجيش لتأمينها، حيث كانت تتولى شركات خاصة هذه المهمة في السابق، كما قامت الدولة بتشديد التواجد العسكري على الحدود لمنع خطر الإرهاب.

يختتم الكاتب التقرير قائلًا:«إن تلك الجهود المتزايدة من الجزائر لحماية البلاد من الإرهاب مازالت موضع شك، وخصوصًا في ضوء الهجوم الأخير في كراشبة، وأنه على الرغم من أن القوانين الجديدة التي طرحتها البلاد؛ لتسهيل الاستثمار في مجال النفط والغاز، فإن الحالة الأمنية الحالية التي كانت مصدر القلق الأكبر للمستثمرين خلال السنوات الماضية، مازالت مستمرة حتى الآن، كما أنه مازال هناك المزيد من الحواجز القانونية التي تعيق الطموح الاستثماري في البلاد.

 

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد