قال كل من جيسي ماركس ولوجان بولي في مقال لهما على موقع «ناشيونال إنترست»: «إن الحكومة السورية والأمم المتحدة فشلا في حماية المدنيين السوريين من ويلات الحرب المشتعلة منذ نحو سبع سنوات، وأنه بات على واشنطن التدخل لوضع حد لهذه الأزمة».

وأوضح الكاتبان أن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أقرت قبل شهرين تقريبًا قانون «سيزر» لحماية المدنيين السوريين. وقد أشادت وسائل الإعلام الغربية والمعارضة السورية بالقانون، مدعين أن تمريره «يشدد الخناق على الأسد ويحمل جزار سوريا مسؤولية جرائم الحرب التي ارتكبها». يهدف القانون إلى تعزيز الجهود الأمريكية لحماية المدنيين في سوريا، ولكن إذا أرادت واشنطن العمل بجدية لمساعدة المدنيين السوريين وأن تبقى ذات صلة بعملية الاستقرار وإعادة الإعمار في سوريا، فعليها أن تنظر إلى أبعد من مجرد التشريعات. بدلاً من ذلك، يجب على واشنطن استخدام تدابير غير تقليدية لحماية المدنيين، مع التركيز على جيوب النفوذ التي تحتفظ بها حاليًا.

ما الذي ينطوي عليه مشروع القانون؟

 

سُمي القانون سيزر على اسم مصور سوري قام بنقل أدلة فوتوغرافية عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين في سجون نظام الأسد – يشير الكاتبان. وهو يركز بالأساس على «وقف ذبح الشعب السوري بالجملة»، من خلال فرض عقوبات على النظام السوري وحلفائه. وبذلك، ستساعد هذه العقوبات الأمريكية على إعادة تأكيد وتطبيق القوانين الدولية القائمة التي ينتهكها الأسد، مثل المسؤوليات المنصوص عليها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية الأسلحة الكيميائية.

 

سياسة

منذ 4 سنوات
«ميدل إيست آي»: ما وراء تواصل الإمارات والسعودية مع الأسد؟

 

بموجب القانون، ستفرض الولايات المتحدة عقوبات على الجهات التي تدعم النظام، وبالتحديد سوريا نفسها، وروسيا، وإيران. ويبرز تصميم واشنطن على فرض عقوبات على تجارة التكنولوجيا الروسية والإيرانية وتبادل المعلومات الاستخبارية بشكل خاص، حيث أبرمت موسكو صفقة مع دمشق في 24 سبتمبر (أيلول) لتزويد الأسد بنظم الدفاع الصاروخي إس- 300 الأكثر تطورًا، بعد أن أسقط نظام الدفاع الصاروخي السوري بالخطأ طائرة روسية في 18 سبتمبر (أيلول)، مما أسفر عن مقتل جميع أفرادها الخمسة عشر.

 

يتخذ قانون سيزر خطوات استباقية على جبهات عدة – يؤكد الكاتبان – إذ أنه يشجع بدء مفاوضات التسوية السياسية لإنهاء الحرب، ومحاسبة الأسد في المحكمة الجنائية الدولية على جرائم الحرب، ووضع حماية المدنيين كمسؤولية أساسية لنظام الأسد وداعميه. ومع ذلك، فإن الأحكام الأخرى الواردة في التشريع وتوقيت تمريره تثير تساؤلات حول دوافع واشنطن.

 

Embed from Getty Images

طفلة سورية نازحة من دير الزور إلى مخيم المبروكة في الحسكة

علاوة على ذلك، خضع القانون إلى التعديل بحيث جرى حذف الكثير من نسخته الأصلية. دعا القانون في البداية إلى تقييم الفعالية المحتملة لإنشاء منطقة حظر للطيران، وهي منطقة آمنة تديرها الولايات المتحدة، وزيادة الدعم للقوات المشاركة. يقوم قسم العمليات الأساسية فقط بتقييم «الفعالية والمخاطر والمتطلبات التشغيلية للوسائل العسكرية وغير العسكرية لتعزيز حماية المدنيين داخل سوريا، وخاصة في المناطق المحاصرة أو المحاصرين على الحدود أو النازحين داخليًا». ويعكس هذا التغير في اللغة انخفاضًا لنفوذ الولايات المتحدة في سوريا واعترافًا مريرًا بأن الحقائق على الأرض هي لصالح الحكومة السورية، لكن هذا الواقع لا ينفي الالتزام المستمر بحماية المدنيين في سوريا.

ما الداعي لاتخاذ تدابير غير تقليدية؟

 

إن حماية المدنيين هي المسؤولية الأساسية لأية دولة – ينوه الكاتبان – ولكن عندما تكون الدولة غير قادرة أو غير راغبة على الحماية، يمكن تفويض الأمم المتحدة لإرسال قوة لحفظ السلام تُسند إليها سلطة الحماية في حدود قدراتها ومناطق انتشارها. ومنذ القبول بالإجماع لوثيقة نتائج مؤتمر القمة العالمي لعام 2005، دُعي المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات جماعية من خلال مجلس الأمن في الحالات التي «تخفق فيها الدولة بشكل واضح في حماية مواطنيها المدنيين». ولكن بعد تطبيقات مثيرة للجدل لحماية المدنيين، وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع في حالات مثل كوسوفو ودارفور وليبيا، فقدت المعايير الدولية جدواها.

 

فشل مجلس الأمن الدولي 12 مرة في التصويت في محاولة لإدانة العنف في سوريا وتعزيز حماية المدنيين. علاوة على ذلك، هناك عروض للاستخدام الأحادي للقوة وحروب بالوكالة بين واشنطن وطهران وموسكو وأنقرة داخل حدود سوريا. وهنا يبرز السؤال – يضيف الكاتبان – من المسؤول عن حماية المدنيين عندما تكون المسارات التقليدية إما غير كافية أو غير موجودة؟ يبدو أن البدء في مفاوضات تؤدي إلى اتفاقية السلام في سوريا أمر شبه مستحيل. بالنسبة للولايات المتحدة، التي يؤثر وجودها في سوريا بشكل مباشر على المدنيين «تحديدًا في الأراضي الخاضعة لسيطرة التحالف بقيادة الولايات المتحدة»، تتحمل واشنطن قدرًا من المسئولية لحماية المدنيين الذين يبحثون عن الأمان. وإذا كان الهدف النهائي لقانون سيزر هو حماية المدنيين بحق، يجب على الولايات المتحدة أن تلعب دورًا نشطًا في حماية المدنيين في سوريا بدون انتظار مجلس الأمن.

 

Embed from Getty Images

مقاتلون من المعارضة المدعومة من تركيا في عفرين

للقيام بذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تتبع استراتيجية بديلة غير تقليدية – يشدد الكاتبان. هذا ينطوي على مسؤولية أخلاقية من الجهات الفاعلة الثانوية «الدول والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني المحلي» لتصميم وتنفيذ أنشطة حماية المدنيين. يجب أن تكون هذه الأنشطة في مناطق العمليات حيث «أ» الحكومة غير قادرة أو غير راغبة في حماية مدنييها، أو «ب» الأمم المتحدة والمجتمع الدولي غير قادرين على القيام بأنشطة تقليدية لحماية المدنيين استنادًا للفصل 7 من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات ﳎﻠ اﻷﻣ «ﻣﺜﻞ القرار رقم ٢٢٥٤». ستنطوي هذه الأنشطة على توفير الحماية التقليدية للمدنيين، مع تغييرات طفيفة في السياق بالنظر إلى غياب مشاركة الدولة المضيفة في الحالة غير التقليدية.

 

ويرى الكاتبان أن عملية حماية المدنيين غير التقليدية يجب أن تشتمل على:

 

1- توفير الحماية المادية لمئات الآلاف من النازحين داخليًا في المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة أو تحت سيطرة الأمم المتحدة «وهذا يفترض أن الأمم المتحدة لا يسمح لها بالعمل إلا داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة».

 

2- نشر المزيد من أفراد البعثة العسكرية والمدنية، أو الاستفادة من الشراكات مع الشركاء الحكوميين المحليين الحاليين المتدربين، والمجتمع المدني المحلي، والجهات الفاعلة غير الحكومية. وينبغي القيام بذلك عند اندلاع أي أزمة لتوفير الحماية ورصد انتهاكات حقوق الإنسان وتهيئة بيئة مواتية للمساعدات الإنسانية. على سبيل المثال، الشراكة بين القوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة لحماية أنشطة المبادرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الأولى.

 

3- تسهيل توزيع المساعدات الإنسانية، ودعم أنشطة الاستقرار، وإعادة بناء المناطق المتضررة في نهاية المطاف.

ونظرًا لأن تدابير حماية المدنيين غير التقليدية لم تنفذ سابقًا في أي مكان – يقول الكاتبان – فإن تطبيقها يجب أن يتسم بالدقة، بحيث يسعى إلى تحديد الشركاء المناسبين لتسهيل الحماية وكيف ينبغي تنظيم الأنشطة وتنفيذها. وفي نفس الوقت، لا ينبغي استخدام مهمة حماية المدنيين غير التقليدية في الحالة السورية من خلال إنشاء سابقة أمريكية للتدخل الأحادي يمكن تكرارها في المستقبل، بل لتعزيز حماية المدنيين في الحالات التي تتجاهل فيها الدولة مسؤوليتها لحماية جميع المدنيين. ويجب البدء فورًا، ولا ننتظر حتى يستعيد نظام الأسد مجمل سوريا وتنتهي الحرب رسميًا. فبعد هذه النقطة، ستعتبر الجهود الأمريكية على أرض الواقع غير قانونية بموجب القانون الدولي.

 

Embed from Getty Images

قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة

 

في الوقت الحالي، تتعاون كل من تركيا وروسيا في تنفيذ عملياتهما الخاصة، والتي تتكامل مع الاستقرار وإعادة البناء داخل سوريا، لكنهما تركزان أكثر على حماية المدنيين استنادًا إلى الولاءات بدلاً من حماية المدنيين بشكل عام. بالنسبة لـما تقوم به روسيا، يتم توفير الحماية فقط للذين يعيشون تحت سيطرة الحكومة والذين يسعون إلى التصالح معها. أما تركيا، فهي توفر الحماية للمدنيين الذين يعيشون في مناطق نفوذ تركيا، لكن الحماية غير متوفرة للمدنيين السوريين الأكراد النازحين خلال العمليات العسكرية التركية. إن كلتا الدولتين لا توفران الحماية للمدنيين على نطاق أوسع. يمكن لواشنطن أن تملأ الفراغ بحماية هؤلاء الأفراد المعرضين للخطر والذين لا يتم تضمينهم ضمن العمليات الحالية وأن تضع سابقة لتعزيز حماية المدنيين بلا تمييز.

دور أمريكا في الحماية غير التقليدية للمدنيين السوريين

 

قبل مناقشة كيف ستقوم الولايات المتحدة بحماية السوريين – يستدرك الكاتبان – يجب على واشنطن أن تقيِّم حدودها الخاصة في حماية المدنيين، وتحديد أي مدنيين يمكن حمايتهم فعلًا، ومن الذين لا يمكن حمايتهم إلا من خلال تضافر الجهود الدولية. للإجابة على السؤال الأول، ينبغي تقييم اعتباريين جغرافيين؛ الوجود العسكري للولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، ووجود قوة ثانية في التنف على الحدود الأردنية مع سوريا.

 

تحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري في الشمال الشرقي لسوريا وتدير المنطقة بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية. يعيش في الشمال الشرقي حالياً مئات الآلاف من النازحين السوريين الذين اضطروا إلى الفرار إلى الشمال باتجاه الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا أثناء الحملة على «داعش». تستطيع الولايات المتحدة الوصول إلى هؤلاء السكان وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، والمساعدة في إعادة البناء، والمساهمة في برامج بناء القدرات لتعزيز المجتمع المدني في هذه المناطق. وبشكل أكثر تحديدًا، يمكن أن تلعب الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية دورًا حاسمًا في تقديم الدعم للمدنيين السوريين ضمن نطاق عملياتها.

 

Embed from Getty Images

مقاتلون من الجيش السوري الحر في عزاز

 

ويرى الكاتبان أن من المرجح أن تستمر الولايات المتحدة في تدريب وتجهيز قوات سوريا الديمقراطية في المستقبل القريب حتى يتم هزيمة «داعش» في شرق سوريا، وطرد الميليشيات المرتبطة بإيران في سوريا، واكتمال التسوية السياسية. ربما توفر قوات سوريا الديمقراطية أفضل خيار لتهيئة ظروف أمنية أفضل لنحو 190 ألف نازح داخلي استقروا في مخيمات غير رسمية في شمال شرق سوريا، أو ما يقرب من 350 ألف سوري عادوا إلى الرقة ودير الزور، لكن التحدي الأكبر هو أن التعاون بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية سيثير دون شك احتكاكًا مع تركيا، التي عززت وجودها في الشمال بعد اتفاق إدلب للحد من نفوذ ميليشيات حماية الشعب الكردية العاملة مع قوات سوريا الديمقراطية.

كما تحتفظ الولايات المتحدة بمركز عسكري إلى جانب جماعات المعارضة السورية في قاعدة مشتركة في التنف في جنوب شرق سوريا، على بعد بضعة كيلومترات شمال مخيم الركبان غير الرسمي للنازحين على الحدود الأردنية. وفي حين أن الولايات المتحدة لا توفر الأمن لمخيمات المشردين داخليًا، فقد استخدمت الشراكات مع الميليشيات الأخرى لضمان أمن المدنيين المقيمين هناك. لا يزال مخيم الركبان موضوعًا حساسًا بالنسبة للأردنيين الذين يعتبرون المخيم تهديدًا أمنيًا في أعقاب وقوع موجة من الهجمات.

 

عام

منذ 4 سنوات
«فورين أفيرز»: هذه هي الطريقة السليمة لإنهاء الحرب في سوريا

 

يضم المخيم نحو 50 ألف سوري – يواصل الكاتبان حديثهما – وتقع المسؤولية عن توفير الحماية للأشخاص النازحين داخليًا الذين تقطعت بهم السبل هناك على كل من الأردن، والأمم المتحدة، ووحدات المعارضة السورية في المنطقة، والولايات المتحدة. لكن المفاوضات الروسية الأردنية بشأن نقل السوريين جارية، دون أن تصل إلى أي اتفاق معلن. وفي حين أن الولايات المتحدة لا تتحمل المسؤولية المباشرة عن حماية المخيم، فإنها يجب أن تلعب دورًا حاسمًا في توفير الخيارات الآمنة للإقامة الطوعية خارج الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية لأولئك الذين يخشون من الانتقام الحكومي.

 

يمثل غياب الحماية المدنيين على نطاق وسع في سوريا مصدر قلق كبير لسلامة وأمن وهوية البلد بعد الحرب. يؤكد قانون سيزر نظريًا على التزام الولايات المتحدة بحماية المدنيين السوريين، ولكن لا ينبغي استخدامه كمبرر لتدخل أوسع في سوريا. وبينما تجري مساع لتحقيق السلام، لا يقوم المجتمع الدولي بتعزيز حماية المدنيين كهدف في حد ذاته. يجب أن تقود الولايات المتحدة هذه المهمة؛ مما يساعد على تعزيز أمن سوريا من خلال المساعدة بشكل مباشر في المناطق التي تتمتع فيها بالنفوذ والتعاون مع الدول الأخرى في المناطق التي لا توجد فيها.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد