تقاليدنا ومؤسساتنا الديمقراطية تحت الحصار. علينا بذل كل ما في وسعِنا للمقاومة. ليس هنالك من لحظة لنضيعها. *هيلاري كلينتون
نشرت مجلة «ذي أتلانتك» مقالًا لهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ومرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تسترجع كلينتون الأحداث الأخيرة مدليةً برأيها في ما تعنيه هذه الأحداث وإلى ما سيؤول إليه حال المستقبل الأمريكي.
تقول كلينتون: «مضى ما يقارب العامين على فوز دونالد ترامب بأصواتٍ كافية في الهيئة الانتخابية لتنصّبه رئيسًا للولايات الأمريكية المتحدة. في اليوم التالي، وأثناء إلقائي لخطاب التنازل، قلت: (نحن مدينون له بعقلٍ متفتّح وفرصة القيادة)، كنتُ آمل أن تكون مخاوفي لمستقبلنا مُبالغٌ بها. لكنها لم تكن».
توضّح كلينتون أسباب مخاوفها، فـ«خلال 21 شهرًا تقريبًا من أدائه اليمين الدستورية، تدنى ترامب إلى أسفل من المعيار المنخفض أساسًا والذي وضعه لنفسه في حملته (القبيحة). المثال الأول على ذلك، القسوة التي لا توصف التي تسببت بها إدارته للعائلات غير الحاملة للوثائق القانونية عند وصولهم إلى الحدود، بما في ذلك فصل الأطفال عن آبائهم، وبعضهم لا تتجاوز أعمارهم ثمانية أشهر. ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، ما تزال الإدارة تحتجز 12800 طفل الآن، على الرغم من كل الاحتجاجات والقرارات القضائية».
ثم هنالك «الإهمال الشنيع» الذي يعامل به الرئيس بورتوريكو: فبعد أن دمّر إعصار ماريا هذه الجزيرة، بالكاد أصدرت إدارته أيّ ردة فعل. توفي ما يقارب ثلاثة آلاف أمريكي. ينكر ترامب الآن إنكارًا صريحًا كون تلك الوفيات سببها العاصفة. وبالطبع، على الرغم عن الاتهامات التي صدرت مؤخرًا بحقٍ عدة ضباط في المخابرات العسكرية الروسية بتهمة اختراق «اللجنة الوطنية الديمقراطية» عام 2016، فإنه يستمر بصرف نظرِه عن مثل هذا الهجوم الخطير على بلادنا من قِبَل قوةٍ أجنبية، معتبرًا إياها مجرد «خدعة».
سياسة «عدم التسامح» التي يطبقها ترامب على المهاجرين غير الشرعيين
وتضيف في مقالها: «يقوم ترامب بالكثير من الأشياء المشينة والتي يصعب تتبعها. أعتقد أن غاية هذا الأمر هو إرباكنا، ليكون من الأصعب إبقاء أعيننا مركزة على الكرة. الكرة هنا بالطبع هي حماية الديمقراطية الأمريكية. هيّ أهم ما لدينا نحن المواطنون. والآن، ديمقراطيتنا في أزمة».
«لا أستخدمُ كلمة الأزمة باستخفاف. نعم لا توجد دبابات في الشوارع، وقد تكون دناءة الإدارة متركزّة على جبهات معينة –في الوقت الراهن- بسبب عدم كفاءتها. لكن تقاليدنا ومؤسساتنا الديمقراطية تحت الحصار. علينا بذل كل ما في وسعِنا للمقاومة. ليس هنالك من لحظة لنضيعها».
ترامب يحارب الديمقراطية على 5 جبهات
تعتبر هيلاري كلينتون أن هناك خمس جبهاتٍ رئيسية يتمثّل فيها الهجوم على الديمقراطية الأمريكية، وتفصّل في شرحها قائلة:
أولًا: اعتداء ترامب على سيادة القانون
كتب جون آدامز أن تعريف الجمهورية هو «حكومة القوانين، لا الرجال». يتمثّل ذلك المفهوم في مبدأين قويين: لا أحد، ولا حتى أقوى زعيم، فوق القانون. وجميع المواطنين على قدم المساواة في حقّ الحماية تحت حكم القانون. هذه الأفكار الكبيرة، التي كانت جوهريّة أثناء تشكّل أمريكا وما تزال أساسية اليوم. عرف المؤسسون أن قائدًا يرفض الخضوع للقانون أو يسيّسه أو يعرقل تطبيقه هو طاغية مستبدّ، بكل بساطةِ ومباشرة.
يبدو شبيهًا جدًا بدونالد ترامب. لقد صرّح لصحيفة نيويورك تايمز: «لديّ الحق المطلق في فعلِ ما أريده مع وزارة العدل». وفي يناير (كانون الثاني)، ووفقًا لما أوردته الصحيفة نفسها، أرسل محامو ترامب للمستشار الخاص روبرت مولر رسالةً تصبّ في نفس المنطق: إذا كان ترامب يتعارض مع التحقيقات، فإن هذا ليس عرقلةً للعدالة، لأنه الرئيس.
كما ذكرت الصحيفة أن ترامب أخبر موظفين في البيت الأبيض أنه كان يتوقع حماية المدعي العام جيف سيشنز، بعضّ النظر عن القانون. ووفقًا لجيمس كومي، طالب الرئيس مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي آي) بالتعهد بالإخلاص ليس للدستور بل لترامب نفسه. وحث وزارة العدل على ملاحقة خصومه السياسيين، منتهكًا تقليديًا أمريكيًا يعود حتى توماس جيفرسون. فبعد الانتصار المثير للجدل عام 1800، كان بإمكان جيفرسون أن يثورَ ضد «جون آدامز الفاسد» وأن يسجنَ مؤيديه. لكن على النقيض من ذلك، استهلّ جيفرسون خطاب تنصيبه ليلعنها: «نحن جميعًا جمهوريون، نحن جميعًا فيدراليّون».
ثانيًا: شرعية انتخاباتنا غدت موضع شك
هنالك تدخل روسيا المستمرّ وعزوف ترامب الكامل عن وقفه أو حمايتنا. هناك قمعٌ للناخبين، إذ يفرض الجمهوريون متطلبات مضنية –وأعتقد أنها غير قانونية- لمنع الناس من التصويت. أيضًا التلاعب الانتخابي عبر المحزّبين -وخصوصًا من الجمهوريين هذه الأيام- وذلك من خلال رسم خطوط مناطق التصويت بطريقة تضمن فوز حزبهم دائمًا تقريبًا. كل هذا يُبعِدنا أكثر عن المبدأ المقدّس «شخص واحد؛ صوت واحد».
ثالثًا: يشنّ الرئيس حربًا على الحقائق والمنطق
حتى يومنا هذا أدلى ترامب بخمسة آلاف ادعاءً كاذبًا أو مضللًا أثناء وجوده في منصبه، وبلغ المتوسط مؤخرًا 32 ادعاءً في اليوم. *واشنطن بوست
في وقت سابقٍ من هذا الشهر، قدّم ترامب 125 تصريحًا خاطئًا أو مضللًا خلال 120 دقيقة، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست- وهو رقم قياسيّ جديد في سجله (على الأقل منذ أن أصبح رئيسًا). ووفقًا لمتقصّي الحقائق ومدققي الصحيفة، فإنه وحتى يومنا هذا ترامب أدلى بخمسة آلاف ادعاءً كاذبًا أو مضللًا أثناء وجوده في منصبه، وبلغ المتوسط مؤخرًا 32 ادعاءً في اليوم.
كما يلاحق ترامب الصحفيين بحماس وعزيمة أشد من ذي قبل. لا يحب أحد أن يكون عرضة لسياط الصحافة –بالتأكيد أنا لا أحب- ولكن عندما تصبح مسؤولا عامًا فإن هذا أمر يأتي مع العمل نفسه. ستنال من الانتقاد الشيء الكثير، وتتعلم تقبله. تقاوم وتدافع عن قضيتك. لا تكافحها من خلال استغلال سلطاتك أو تشويه سمعة الصحافة الحرة بأكملها. ترامب لا يحاول إخفاء نواياه مطلقا. «ليزلي ستول»، مراسلة برنامج «60 دقيقة»، سألت ترامب أثناء حملته الانتخابية لماذا يهاجم الصحافة دائمًا. أجابها: «أفعلُ ذلك لأشوّه سمعتكم جميعًا وأحط من قدركم جميعًا، لذلك عندما تكتبون قصصًا سلبيةً عني، لن يصدقكم أحد».
عندما لا نستطيع الثقة في ما نسمعه من قادتنا وخبرائنا ومصادرنا الإخبارية، نفقد قدرتنا على محاسبة الناس، وحلّ المشاكل، واستيعاب التهديدات، وتقدير مدى التقدّم، والتواصل بفعالية مع بعضنا البعض-وهي كلها أمور حاسمة لإنجاز ديمقراطيةٍ فاعلة.
ترامب وهتلر «وجهان لعملة واحدة».. هل يسقط مايكل مور ترامب بفيلم وثائقي؟
رابعًا: فسادُ ترامب المذهل
لا يتظاهرُ ترامب أنه يعطي الأولوية للصالح العام فوق مصالحه الشخصية أو السياسية. لا يبدو أنه يفهم أنه من المفترض على الموظفين الحكوميين خدمة العامة، لا العكس. *هيلاري كلينتون
نظرًا لكون إدارة ترامب وعدت بـ«تجفيف المستنقع»، فإنه من المدهش كيف وبكلّ لا مبالاة يكدّس الرئيس وحكومته المزيد من صراعات المصالح، وانتهاكات السلطة، والانتهاكات الصارخة للقواعد الأخلاقية. ترامب أولُ رئيسٍ منذ 40 سنة يرفض نشر إقراراته الضريبية. رفض إيداع أصوله ضمن الودائع السرية أو التجرّد عن ممتلكاته وأعماله، كما فعل الرؤساء السابقون. أدى هذا إلى إيجاد حالةٍ من تضارب المصالح لم يسبق لها مثيل، إذ تتقاطع جماعات الضغط في الصناعة، والحكومات الأجنبية والمنظمات الجمهورية، بشكل تجاري مع شركات ترامب أو تقيم مناسباتٍ مثمرة في فنادقه أو ملاعب الغولف أو ممتلكاته الأخرى. يضعون المال مباشرة في جيبه. إنه يستفيدُ من الرئاسة لصالحِ أعمالِه الخاصة.
لا يتظاهرُ ترامب أنه يعطي الأولوية للصالح العام فوق مصالحه الشخصية أو السياسية. لا يبدو أنه يفهم أنه من المفترض على الموظفين الحكوميين خدمة العامة، لا العكس. آمن المؤسسون بأن نجاح الجمهورية، لا يتحقق بالقوانين الحكيمة والمؤسسات القوية والدستور المتين فحسب؛ إذ كانت الفضيلة الجمهورية المدنية هي الصلصة السرية التي تجعل النظام يعمل بأكمله. قد يكون دونالد ترامب الرئيس الجمهوري الأصغر شأنًا من كل ما شهدناه قبل.
خامسًا: ترامب يقوّض الوحدة الوطنية التي تمكّن الديمقراطية
لا أعرف ما إذا كان ترامب يتجاهل معاناة البورتوريكيين لجهلِه بأنهم مواطنون أمريكيون، أو لافتراضِه أن الأشخاص ذوي البشرة السمراء وكُنى لاتينية ليسوا من المغرمين بترامب، أم لافتقاره إلى القدرة على التعاطف وحسب.*هيلاري كلينتون
الديمقراطيات صاخبةٌ بطبيعتها. نحن نناقش بحرية ونختلف بشدة. هو جزءٌ مما يميّزنا عن المجتمعات الاستبدادية، حيث تُمنع المعارضة. لكننا منعقدون معًا بـ«روابط عاطفية» عميقة، كما سمّاها أبراهام لينكون، ومن خلال إيماننا المشترك بأن قدر الصَهر الخاص بنا (مجتمعنا المتجانس) يكون أقوى موحدًا من مجموع أجزائه.
هكذا يفترض أن تعمل على الأقل. ترامب لا يحاول حتى التظاهر بأنه رئيسٌ لكل الأمريكيين. من الصعوبة بمكان تجاهل المضمون العنصري لكل شيءٍ يقوله ترامب، وكثير من الأحيان ما يكون صريحًا. عندما يقول مثلًا أن المهاجرين الهايتيين والأفارقة من «بؤر قذرة»، من المستحيل أن يقع هذا الكلام ضمن سوء الفهم. الحالة تتشابه حينما يقول إنه لا يمكن الوثوق بقاضٍ أمريكي لأصوله المكسيكية. لا شيء من هذا يدل على أصالةٍ أو استراحة مُنعِشة من اللياقة السياسية. خطاب الكراهية ليس «قول الأمور كما هي»، بل هو مجرد كراهية.
وصفها بـ«بؤر القذارة».. كيف تنظر أمريكا إلى أفريقيا في عهد ترامب على أرض الواقع؟
لا أعرف ما إذا كان ترامب يتجاهل معاناة البورتوريكيين لجهلِه بأنهم مواطنون أمريكيين، أو لافتراضِه أن الأشخاص ذوي البشرة السمراء وكُنى لاتينية ليسوا من المغرمين بترامب، أم لافتقاره إلى القدرة على التعاطف وحسب. ولا أعرف إذا ما كان يصدرُ حكما مماثلا حينما يهاجم لاعبي كرة القدم الأمريكية المحتجين على العنصرية المنظمة، وكذلك عندما يمتنع عن إدانة جرائم الكراهية ضد المسلمين. أعلمُ أنه سريعٌ في الدفاعِ عن ممن يظن أنهم ناسه وكثير المدح لهم- مثلما بذل أكبر الجهد وأضناه ليدافع عن «الأناس الطيبين جدا» بين القوميين البيض في شارلوتسفيل فرجينيا. الرسالة التي يوصلها ترامب بقلّة اهتمامه واحترامه لبعض الأمريكيين لا تخطئها العين. يقول أن البعض منا لا ينتمون، وأن الناس لم يخلقوا متساويين، وأن البعض لم يمنحهم خالقهم حقوقًا غير قابلة للمسّ بها مثل الآخرين.
لا ينحصر الأمر في أقواله فقط. منذ اليوم الأول، قوّضت إدارة ترامب الحقوق المدنية التي كافحت الأجيال السابقة لتأمينها والدفاع عنها. صدرت مراسيم بارزة مثل حظر سفر المسلمين ومنع الأمريكيين المتحوّلين جنسيًا من الخدمة في الجيش، أما الإجراءات الأخرى فكانت أهدأ ولكن بمستوى «الخبث» نفسه. تخلت وزارة العدل بشكل كبير عن الإشراف على دوائر الشرطة رغم تاريخها في انتهاكات الحقوق المدنية، كما قلبت مواقفها في قضايا حقوق التصويت. قلّصت كل وكالة اتحادية تقريبًا من تطبيق حماية الحقوق المدنية. وطوال هذا الوقت، تطبّق الهجرة والجمارك سلطتها بجموح في جميع أنحاء البلاد، ويواجه العملاء الفيدراليون المواطنين لمجرد تحدثهم باللغة الإسبانية، ساحبين الآباء بعيدًا عن أطفالهم.
من المناظرة الانتخابية الأخيرة ما بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. أكتوبر (تشرين الأول) 2016
كيف آل بنا الحال إلى هذا المآل؟
بعد تفنيدها لسلوك ترامب وإدارته ومساراتهما في الحكم، تحاول هيلاري كلينتون الإجابة عن سؤال «ماذا الآن؟ وماذا بعد؟» وعن ما يمكن فعله في هذه المرحلة، إذ تستأنف مقالتها في «ذي أتلانتك» بالقول:
قد يكون ترامب معارضًا لسلطة القانون والأخلاقيات في الخدمة العامة والصحافة الحرة على نحوٍ فريد، لكن الهجوم على ديمقراطيتنا لم يبدأ بانتخابه. ترامب عَرَضٌ لما يُمرِضنا أكثر مما هو سبب. لنفترض أن جسدنا السياسي يماثل الجسد البشري، بضوابطنا وتوازناتنا الدستورية، بمعاييرنا ومؤسساتنا الديمقراطية، بمواطنينا المستنيرين؛ كلهم يعملون سوية نظامَ مناعةٍ يقينا من مرض الاستبداد. على مدار السنوات المتتالية، دُمّرت دفاعاتنا من قبل مجموعاتٍ صغيرة من المليارديرات اليمينيين-أشخاص مثل عائلات ميرسر وتشارلز وديفيد كوك- الذين جنّدوا الكثير من الوقت والمال في بناء واقعٍ بديل يُرفض فيه العلم، وتتنكر الأكاذيب فيه على أنها حقائق، وتزدهر البارنويا. بتقويضهم إطار العمل الواقعيّ المشترك الذي يسمح للأشخاص الأحرار بالتدارِس معًا واتخاذ القرارات المهمة للحكم الذاتي، مهدوا الطريق واسعًا أمام الحملات الدعائية الروسية وأكاذيب «الترامبويين» لتتمكن من الصمود. لقد استخدموا أموالهم ونفوذهم للسيطرة على نظامنا السياسي، وفرض أجندة جناح اليمين، وحرمان ملايين الأمريكيين من حقوقهم.
لا أتفق مع النقاد القائلين بأن الرأسمالية لا تتوافق في جوهرها مع الديمقراطية- لكن الرأسمالية غير المنظمة والمفترسة لا تتوافق بالتأكيد. عدمُ المساواة الاقتصادية الهائل وقوة الاحتكار من الشركات أمران معاديان للديمقراطية ويحطّما طريقة الحياة الأمريكية.
في هذه الأثناء، يمتد فرط الاستقطاب أبعد من السياسة إلى كل جزءٍ من ثقافتنا تقريبا. أفادت دراسةٌ حديثة أنه في عام 1960، فقط 5% من الجمهوريين و4% من الديمقراطيين صرّحوا باستعدادهم للشعور بالاستياء فيما لو تزوج أحد من أبنائهم عضوًا من الحزب السياسي الآخر. أما في عام 2010، صرّح 49% من الجمهوريين و33% من الديمقراطيين بأنهم سيكونون مستائين في حالة مماثلة. تفسّر قوة الهوية والانتماء الحزبيّ –والعدائيّة- سببَ استمرار الكثير من الجمهوريين في دعم رئيسهم، رغم عدم ملائمتِه لمنصب الرئاسة بشكلٍ صارخ، ومناهضته للكثير من القيم والسياسات التي كانت موضع فخرهم واعتزازهم لأوقاتٍ طويلة. عندما تبدأ باعتبار السياسة على أنها لعبة محصّلتها صفر، وأن أعضاء الحزب الآخر خونة أو مجرمون أو غير شرعيين بطريقةٍ ما، فإن الطريقة الطبيعية للأخذ والعطاء السياسيّ ستتحول إلى رياضةٍ دمويّة.
هنالك توجه سائد عند الحديث في أمورٍ مماثلة إلى إظهار القلق بشأن «كلا الجانبين»، لكن الحق أنها ليست مشكلة متناظرة. ينبغي أن نكون واضحين في هذا: إن الراديكالية الزائدة وانعدام المسؤولية لدى الحزب الجمهوري، يشمل ذلك عقودًا من الحكومة المهينة وتشويه سمعة الديمقراطيين والحطّ من الأعراف والمعايير، هو ما أنتجَ لنا ترامب. عمِدَ الجمهوريون إلى تقويض الديمقراطية الأمريكية قبل وقتٍ طويل من وصول ترامب إلى المكتب البيضاوي، سواء باستغلال المماطلات السياسية استغلالًا سيئا، أو بسرقة مقاعد في المحكمة العليا، أو الاحتيال والتلاعب بحدود الدوائر الانتخابية لتهميشِ الأمريكيين من أصلٍ إفريقي، أو تكميم علماء المناخ الحكوميين.
ماذا علينا أن نفعل الآن؟
ربما لا يكون لدى هيلاري كلينتون وصفة سحريّة لعلاج ما حدث، لكنها تصرّ على أنه يتوجب فعل كل ما بوسعِه المرء لإنقاذ الديمقراطية الأمريكية وشفاء «الجسد السياسي» للبلد، والخطوات إلى هذا وفقًا للمقالة:
أولًا، علينا أن نحشدَ مشاركة هائلة في منتصف العام 2018. هنالك مرشحون رائعون في جميع أنحاء البلد، يطرحون قضاياهم الملحّة كل يوم حول كيفية رفع الأجور، وخفض تكاليف الرعاية الصحية، والكفاح من أجل تحقيق العدالة. إذا فازوا، سيفعلون أشياءً عظيمة لأميركا. ويمكننا أخيرًا رؤية بعضٍ من إشراف الكونجرس على البيت الأبيض.
وحين تستقرّ الأمور، علينا القيام بجزءٍ كبير من واجباتنا المنتظرة. بعد فضيحة «ووترغيت»، أصدر الكونجرس سلسلة كاملة من الإصلاحات ردًا على إساءة استخدام ريتشارد نيكسون للسلطة. بعد ترامب سنحتاج إلى عمليةٍ مماثلة. مثلا، على فساد ترامب أن يعلّمنا مدى ضرورة مطالبة المرشحين المستقبلين للرئاسة والرؤساء أنفسهم بموجب القانون بالإفصاح عن عائداتهم الضريبية. كما يجب ألا يتم إعفاؤهم من المتطلبات الأخلاقية وقواعد تضارب المصالح.
يجب أن يتركز مجال الإصلاح الرئيسي في تحسين وحماية انتخاباتنا. أعدّت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ سلسلة من التوصيات المشتركة بين الحزبين حول كيفية تأمين أنظمة الانتخابات الأمريكية، بما في ذلك النسخ الاحتياطي لأوراق الاقتراع، وتدقيق الأصوات، وتحسين التنسيق بين السلطات الفيدرالية والمحلية بشأن الأمن الإلكتروني. هذه بداية جيّدة. ينبغي على الكونجرس أيضًا إصلاح الضرر الذي أحدثته المحكمة العليا في قانون حق التصويت من خلال استعادة الحماية الكاملة التي يحتاجها الناخبون ويستحقونها، فضلًا عن حقوق الأمريكيين الذين قضوا فترةً في السجن وسددوا ديونهم للمجتمع. نحنُ بحاجة إلى التصويت المبكّر والتصويت عبر البريد في كلّ ولاية أمريكية، وتسجيل الناخبين بشكل أوتوماتيكيّ عالميّ بحيث يكون كل مواطن مؤهل للتصويت قادرًا على التصويت. نحن بحاجة إلى إسقاط قانون «سيتزن يونايتد» واستعادة الأموال السرية من سياسيينا. ولن يكون مثار دهشةٍ لك لدى سماعك بأني أؤمن بشدة أنه آن أوان إلغاء المجمع الانتخابي.
بيد أن أفضل القواعد واللوائح لن تحمينا إذا لم نجد طريقة لإعادةِ تشكيلِ نسيجنا الاجتماعيّ البائس وإحياء روحنا المدنية. هناك خطواتٌ ملموسة من شأنها أن تساعد في ذلك، مثل التوسع بشكل كبير في برامج الخدمة الوطنية وإعادة التربية المدنية إلى مدارسنا. نحتاج أيضًا إلى إصلاحات اقتصادية منهجية تقلل من عدم المساواة وقوة الشركات المتفلتة من الرقابة وتعطي صوتًا قويًا للعائلات العاملة. وفي النهاية، شفاء بلدنا مسؤولية كلّ منا، مواطنين وأفراد-محاولة تجاوز الفروقات العرقيّة والطبقية والسياسية، والقدرة على رؤية الأمور بمنظور الأناس المختلفين عنا. عندما نفكّر في السياسيين ونحاول الحكم على قادتنا، لا يتوجب السؤال فقط: «هل أنا الآن أفضل حالًا مما كنت عليه منذ أربع سنوات؟»، بل ينبغي السؤال: «هل نحن أفضل حالًا؟ هل نحن بصفتنا دولة أقوى وأفضل حالًا وأكثر عدلا؟». لا تحصل الديمقراطية حتى نقبل أننا جميعًا في هذا الأمر معًا.
في عام 1787م، وبعد المؤتمر السنوي في فلادلفيا، قابلت امرأة «بنجامين فرانكلين» في الشارع خارج قاعة الاستقلال، لتسأله: «حسنًا دكتور!، ماذا لدينا هنا؟ جمهورية أم ملكيّة؟». أجابها فرانكلين: «هي جمهورية، إذا ما استطعتم الحفاظ عليها».
جوابُه عالقٌ في ذهني بشكل كبير مؤخرًا، الاحترازيّة التي يحملها. مدى هشاشة تجربتنا في الحكم الذاتي. وبالنظر إليها في سياق التاريخ البشري الجارف، كم هي خاطفة أيضا. قد تكون الديمقراطية حقا مستحقًا لنا نحن الأمريكيون منذ الولادة، لكنها لا تندرج أبدًا ضمن المسلّمات. يجب على كل جيلٍ أن يُقاتل من أجلها، أن يدفعنا أكثر نحو ذلك الاتحاد الأكثر اكتمالًا. آن أوان ذلك مرة أخرى.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».