«لم يُسْفر مؤتمر جدة عن جبهة علنية قوية يمكن أن تقف ضد إيران، ولم تتوصَّل إلى اتفاق أمني إقليمي، ولم تعلن عن خطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والسعودية»، بحسب ما يخلُص إليه تحليل كتبه محمد القاسم ونشره موقع صحيفة «يدعوت أحرنوت» الإسرائيلية.

يبدأ الكاتب تحليله بالإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن غادر جدة بالمملكة العربية السعودية على متن طائرته الرئاسية يوم السبت، مُنهيًا أول زيارة له إلى الشرق الأوسط منذ توليه منصبه بعد أربعة أيام قضاها في المنطقة دون الإعلان عن نتائج مهمة، بحسب الكاتب.

استقبال فاتر

وأشار الكاتب إلى أن الاستقبال «الفاتر» وقلة الحماس كانا واضحين في اختيار أمير منطقة مكة، خالد الفيصل، ليكون في استقبال بايدن في المطار عند وصوله إلى مدينة جدة، في تناقض صارخ مع الاستقبال الحافل الذي حظي به الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب عندما زار الرياض.

Embed from Getty Images

ولفت الكاتب إلى أن الطريقة التي استقبل بها بايدن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مصافحًا إياه بقبضة اليد بدلًا عن المصافحة العادية، والتعبيرات الصارمة للوجوه التي حافظا عليها وهما بالكاد يحركان شفاههما، لم تترك أي شك حول شعور أحدهما تجاه الآخر. وتصدرت ثلاثة موضوعات رئيسة جدول أعمال زيارة بايدن إلى السعودية، وهي الأمن، والطاقة، والتكنولوجيا.

جعجعة بلا طحين

وأوضح الكاتب أن قمة جدة جمعت رؤساء حكومات الدول التي تنتج حوالي 50% من نفط العالم، وكانت فرصة للعديد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الذين ترسخ اعتقادهم بأن الولايات المتحدة حوَّلت تركيزها من منطقتهم إلى آسيا، لإعادة ضبط العلاقات مع واشنطن.

دولي

منذ سنة واحدة
«نيويورك تايمز»: ملخص زيارة بايدن للمنطقة.. أنباء سارة لإسرائيل ولا شيء للفلسطينيين

وقال الرئيس للقادة العرب في خطاب ألقاه خلال القمة التي حضرتها دول مجلس التعاون الخليجي الست: البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات، فضلًا عن مصر، والأردن، والعراق: إن «الولايات المتحدة تستثمر في بناء مستقبل إيجابي للمنطقة، بالشراكة معكم جميعًا − والولايات المتحدة لن تتخلَّى عن المنطقة».

وفي النهاية لم يرقَ البيان الختامي للقمة إلى مستوى الضجيج الذي سبق الحدث المرتقب بشدة؛ إذ فشل في تشكيل جبهة علنية قوية ضد إيران، أو إقامة اتفاق أمني، أو الإعلان عن أية خطوات للتطبيع بين إسرائيل والسعودية، بحسب الكاتب.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود للصحافيين بعد القمة الأمريكية العربية: إن قرار الرياض بفتح مجالها الجوي لجميع شركات الطيران الإسرائيلية لا علاقة له بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وليس تمهيدًا لمزيد من الخطوات. وقال اللواء العراقي المتقاعد ماجد القبيسي: إن الرئيس الأمريكي استقبله «شرق أوسط مختلف لم يقرأه بايدن قراءة صحيحة»، وفقًا للكاتب.

موقف العراق

وتطرَّق الكاتب إلى الموقف العراقي من التحالف ضد إيران، ووصفه بأن كان واضحًا، مشيرًا إلى بيان لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي رفض السماح لبغداد بالانضمام إلى أي محور عسكري، أو أمني موجَّه ضد إيران.

وجاء في البيان أن سياسة العراق هي الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، مضيفًا أن الوضع السياسي والأمني ​​في العراق لا يسمح له بلعب دور في هذه المنطقة من خلال الدخول في تحالفاتٍ ضد أحد. ويقول القبيسي: إن بغداد تلعب دورًا إيجابيًّا في تقريب وجهات النظر بين طهران والرياض، و«لن تعرِّض جهودها للخطر».

Embed from Getty Images

فشل تشكيل تحالف ضد إيران

ولفت الكاتب إلى أنه على الرغم من محاولة أمريكية وإسرائيلية قوية لتوحيد المنطقة ضد إيران وتشكيل تحالف عسكري، يؤكد القبيسي أن بايدن فشل في مساعيه. ويضيف القبيسي: «لم يُعلَن عن أي تحالف أو عمل أمني أو عسكري ضد إيران بسبب عدم وجود أي تنسيق، أو تجانس بين الدول المشاركة في القمة، وهناك خلافات سياسية عدة بين تلك الدول، وبعضها يتمتع بعلاقات سياسية واقتصادية مع إيران».

متغيرات جيوسياسية عالمية وراء الزيارة

ونقل الكاتب عن فهد الشليمي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والسياسية في الكويت، قوله: إن المحفِّز الرئيس للزيارة هو أن هناك متغيرات جيوسياسية عالمية تجبر الرئيس بايدن على تغيير موقفه من السعودية.

يقول الشليمي: إن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة شجَّع الصين وروسيا على ملء الفراغ الاقتصادي والإستراتيجي من خلال بناء شراكات مع دول الخليج. ويقول إن التقارب الخليجي – العربي – الروسي – الصيني أجبر الأمريكيين على إعادة النظر في نهجهم في المنطقة. وأضاف الشليمي: «هناك حاجة لبناء جسور جديدة من الثقة، أو استعادة جسور الثقة والشراكات السياسية القديمة».

وأوضح الشليمي، حسبما ينقل الكاتب، أن العامل الآخر الذي دفع إدارة بايدن لإعادة الاتصال بحلفائها في الشرق الأوسط هو تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على سوق الطاقة الدولية، وكذلك على التحالفات السياسية والعسكرية الإقليمية والدولية والأمن الغذائي. 

ويرى الشليمي أن المخاوف المحلية الأمريكية أسهمت كذلك في زيارة بايدن للسعودية، «في محاولة لإقناع دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالطاقة بزيادة إنتاجها حتى ينخفض سعر النفط». وكذلك هناك رغبة لدى واشنطن في مساعدة الحلفاء الأوروبيين، الذين يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على الطاقة من روسيا، في مواجهة العقوبات الشديدة التي يفرضها الغرب على موسكو، وهم يبحثون عن مصادر بديلة للطاقة.

ويقول الشليمي: إن الملف النووي الإيراني كان أيضًا على جدول الأعمال، «وهو من أولويات دول الخليج والمنطقة»، حسب ما ينقل الكاتب. ويضيف الشليمي أن «زيارة بايدن للمنطقة واجتماعه مع دول مجلس التعاون الخليجي تُعد بمثابة رسالة إلى إيران مفادها أن هذه الدول تَعُدُّ برنامج إيران النووي، وبرنامج الصواريخ الباليستية تهديدًا لأمنها القومي».

لم يحصل على ما يريد

ونقل الكاتب عن البروفيسور محمد ماراندي، رئيس قسم دراسات أمريكا الشمالية في جامعة طهران، أن الجمهورية الإسلامية لا ترى أن نية الرئيس بايدن الأساسية هي استهداف طهران. وتابع: «أعتقد أن الرأي في طهران هو في الغالب أن بايدن يبحث عن النفط السعودي لتعويض أزمة الطاقة الحالية، ولم يحصل على ما يريد».

Embed from Getty Images

ويقول ماراندي: إن الشعور السائد في طهران هو أن الرحلة فشلت في تحقيق أهدافها. ونوَّه الكاتب إلى أن زخم الحديث عن قيام إسرائيل بإنشاء نوع من التحالف العسكري مع الدول العربية ازداد قبل رحلة الرئيس بايدن إلى المنطقة؛ إذ كرر رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد موقف حكومته من إيران، مهددًا باستخدام القوة العسكرية، وأصر على أن «الكلمات» و«الدبلوماسية» لم تكن كافية لوقف طموحات إيران النووية.

وقال لابيد للصحافيين الذين كانوا يقفون إلى جانب الرئيس الأمريكي في تل أبيب يوم الخميس الماضي: «لن توقفهم الدبلوماسية. والشيء الوحيد الذي سيردع إيران هو معرفة أنها إذا مضت قُدمًا في تطوير برنامجها النووي، فإن العالم الحر سيستخدم القوة»، مضيفًا أن «الطريقة الوحيدة لمنعهم هي وضع تهديد عسكري ذي مصداقية على الطاولة».

وفي المقابل، يقول ماراندي: «تهديدات إسرائيل ضد إيران ليست جديدة. لقد رأينا هذا كثيرًا، وسمعنا اللغة نفسها خلال سنوات ترامب، وأيضًا في عهد أوباما كانت جميع الخيارات مطروحة دائمًا على الطاولة، والأمر ذاته ينطبق مع بوش»، مضيفًا أن «الإسرائيليين يعرفون جيدًا أنهم إذا نفَّذوا ضربة ضد إيران، فسترد طهران على الفور».

ويقول: إن فرص تشكيل اتفاق أمني ضد إيران ضئيلة؛ لأن «دول المنطقة، وخاصة في الخليج العربي، ببساطة لا تثق بعضها في بعض». ويقول ماراندي: «حلفاء إيران في العراق أقوياء للغاية، ولذلك لا توجد إمكانية لعقد مثل هذا الاتفاق»، بحسب ما يختم الكاتب.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد