ماذا يعني الإلحاد بالنسبة للعلم؟ وهل نفي وجود الله يحتاج لمنهج علمي؟ في هذا الصدد كتب سكوتي هندريكس مقالًا على موقع «بيج ثينك». تحدث في مستهله عن أستاذ الفيزياء في كلية دارتموث، مارسيلو جليزر، وهو أول أمريكي لاتيني يفوز بجائزة تيمبلتون تقديرًا «لإسهامه الاستثنائي في تأكيد البعد الروحي للحياة، سواء من خلال البصيرة أو الاكتشاف». يقول هندريكس إنه قبل الفوز بالجائزة في 19 مارس (آذار)، أظهر الدكتور جليزر جانبه الروحي للصحافة، بل تحدث حتى عن سبب اعتقاده أن الإلحاد يخالف العلم.
لماذا يعد الإلحاد ونفي وجود الله ضربًا من المبالغة؟
في مقابلة من شأنها أن تصدم العديد من الملحدين، ذكر الدكتور جليزر لدورية «ساينتيفيك أمريكان» أسباب اعتقاده بأن الإلحاد بعيد جدًا عن العقل العلمي:
«أعتقد أن الإلحاد لا يتوافق مع المنهج العلمي. ما أعنيه بذلك هو: ما هو الإلحاد؟ إنه بيان، بيان قطعي يعبر عن الإيمان بعدم الاعتقاد بوجود إله. يقول أحدهم: (لا أعتقد بوجوده حتى وإن لم يكن لدي أي دليل يثبت ذلك أو ينفيه، ببساطة أنا لست مؤمنًا). إنه إعلان، لكن في العلم لا نقوم بإعلانات، فنقول: (حسنًا، يمكنك طرح فرضية، ولكن يجب أن يكون لديك بعض الأدلة الداعمة أو النافية لها). ليرد الملحد بالقول: (انظر، ليس لدي أي دليل على وجود أي نوع من الآلهة. ما هو الإله أصلًا؟ آلهة الماوري، أو إله اليهود أو المسيحيين أو المسلمين؟ أيهم هو الإله؟) من ناحية أخرى، فإن الملحد لا يعترف بأي حق في الإدلاء ببيان أخير حول شيء لا يعرفه».
يوضح جليزر كذلك موقفه من عدم محاولة الادعاء بأننا نعرف كل شيء في العلوم، على سبيل التواضع:
«أعتقد أنه يجب علينا اتباع نهج متواضع إلى حد كبير في المعرفة، بمعنى أنه إذا نظرت بعناية في الطريقة التي يعمل بها العلم، سترى ذلك، إنه رائع رائع! لكن له حدود. وعلينا أن نفهم هذه الحدود ونحترمها، وبعمل ذلك، وبفهم كيفية تقدمه، يصبح العلم حقًا محادثة روحية عميقة مع المجهول، حول كل الأشياء التي لا نعرفها».
ولكن، هل هذا الأسلوب التأملي مفيد علميًا؟
على نحو ما، أجل، يشير هندريكس. يذكرنا الدكتور جليزر بأننا في «جزيرة معرفة تقع في منتصف محيط المجهول». ومع تقدم المعرفة، أصبحنا أكثر وعيًا بما لا نعرفه. أو كما قال: «إن مفارقة المعرفة هي أنه مع توسعها وتغير الحدود بين ما هو معلوم وما هو مجهول، ستبدأ حتمًا بطرح أسئلة لم يكن بوسعك طرحها من قبل».
إنه يعتقد أننا يجب أن لا نكون فخورين جدًا بما نعرفه وننفتح على فكرة أننا قد نكتشف شيئًا غدًا يغير كل ما آمنا به سابقًا. لقد ادعى اللورد كلفن، عالم بريطاني لامع في القرن التاسع عشر، أن الطيران مستحيل وأن الأشعة السينية مجرد خدعة. في حين أكد ألبرت أبراهام ميكلسون، عالم فيزياء أمريكي سبق ثورات النظريات النسبية والكمومية في الفيزياء، أن قوانين الفيزياء قد اكتُشفت جميعًا وأن المهمة الوحيدة المتبقية هي تحسين دقة القياس.
إذا استمعنا إلى هذين الشخصين اللذين اعتقدا أننا اكتشفنا بالفعل كل شيء – ينوه هندريكس – فسنعلق في تسعينات القرن التاسع عشر. وقد يتبين أن ادعاء عدم وجود إله يشبه القول: «لن يكون هناك بالون ولا طائرة على الإطلاق» في عام 1902. وبالمثل، فإن الشك في الادعاء أن «س غير موجود» مهم أيضًا في العلم؛ لأن س قد يظهر ذات يوم.
راسل وساجان لديهما رأي مخالف
بينما يبقى صحيحًا أن التواضع يمكن أن يكون شيئًا جيدًا، وأنه من المستحيل إثبات فكرة أن «الله غير موجود» – يواصل هندريكس – يذكرنا برتراند راسل بأنه يمكننا أن نتحلى بالمنطق عندما نقول: إننا لا نؤمن بشيء لا يمكننا دحض وجوده.
عُرف عن راسل الإلحاد المستند إلى المنطق، وأقر بأنه كان لا أدريًا من الناحية الفنية، وأعلن أن نفيه وجود إله كان خطوة مبالغ فيها. ومع ذلك، أشار إلى أن هذه الخطوة لا ينبغي أن تزعج أي شخص:
«حري بي أن أعتبر نفسي لا أدريًا؛ ولكل عمليًا، أنا ملحد. لا أعتقد أن وجود الإله المسيحي أكثر احتمالًا من وجود آلهة أوليمبوس أو فالهالا. ولمزيد من التوضيح: لا أحد يستطيع أن يثبت أنه لا يوجد بين الأرض والمريخ إبريق شاي صيني يدور في مدار بيضاوي الشكل، لكن لا أحد يعتقد أنه من المحتمل أن يؤخذ هذا في الحسبان بشكل عملي. وأنا أعتقد أن وجود الإله المسيحي أمر مستبعد بنفس القدر».
برتراند راسل
يشير هذا الاقتباس إلى تشبيه إبريق الشاي الشهير، إليكم أدناه مقتطفات منه:
«إذا قلتُ افتراضًا إن هناك إبريق شاي صيني يدور حول الشمس في مدار بيضاوي الشكل بين الأرض والمريخ، لن يتمكن أحد من دحض تأكيدي بشرط أن أكون حريصًا على أن أضيف أن إبريق الشاي صغير جدًا بحيث لا يمكن الكشف عنه حتى بواسطة التلسكوبات الأقوى لدينا، لكن إذا كنت سأستمر في القول إنه لما كان من المستحيل دحض تأكيدي، ومن غير المعقول أن يشكك العقل البشري في ذلك، فحتمًا سيعتقد الناس أنني أتحدث بكلام فارغ».
ما يقوله راسل هو أنه لمجرد أن النقطة التي يتم التأكيد عليها دون دليل لا يمكن دحضها لا تعني أنه من غير المعقول الاعتقاد بأنها غير صحيحة – يؤكد هندريكس. علاوة على ذلك، يضع راسل عبء الإثبات على الشخص المدعي – وجود الله / إبريق الشاي موجود – وليس على الشخص الذي يشكك فيه.
وقد أدلى الفلكي والمعلم كارل ساجان بنقطة مماثلة حول تنين في مرآب سيارته: «لنفترض أنني أخبرتك بجدية بهذا الأمر. فمن المؤكد أنك تريد التحقق من صدقي، وأن ترى بنفسك. كانت هناك قصص لا حصر لها عن التنانين على مر القرون، ولكن لا توجد أدلة حقيقية تدعمها!
كارل ساجان
ستقول: أرني. فسأصحبك إلى مرآبي. وستنظر داخله لترى سلمًا وعلبًا فارغة، ودراجة ثلاثية العجلات قديمة – ولكن لا تنين.
تسألني: أين التنين؟
فأجيبك: هو هنا، وهو يلوح بيده، نسيت أن أذكر أنه غير مرئي.
فتقترح عليّ نثر الدقيق على أرضية المرآب لالتقاط آثار أقدام التنين.
لأقول: فكرة جيدة، لكنه يطير في الهواء.
ثم ستستخدم مستشعر الأشعة تحت الحمراء للكشف عن النار غير المرئية.
فأعود وأقول: فكرة جيدة، لكن النار غير المرئية بلا حرارة.
لترش التنين بالطلاء حتى تجعله مرئيًا.
فأختم قائلًا: فكرة جيدة، لكنه تنين بلا كيان مادي ولن يعلق به الطلاء.
وهلم جرًا. سأواجه كل اختبار مادي تقترحه بتفسير خاص عن سبب فشله.
الآن، ما الفرق بين تنين غير مرئي، وبلا كيان مادي، وينفث نارًا بلا حرارة، وعدم وجود تنين على الإطلاق؟ إذا لم تكن هناك طريقة لدحض تناقضي، ولا تجربة تثبت عكسها، فما معنى أن أقول: إن التنين موجود؟ إن عدم قدرتك على إبطال فرضيتي لا يعني على الإطلاق إثبات أنها صحيحة. وإن الادعاءات التي لا يمكن اختبارها، والتأكيدات المحصنة من الدحض لا قيمة لها حقًا، مهما كانت ذات قيمة وملهمة لنا أو تثير إحساسنا بالدهشة. إن ما أطلبه منك هو أن تصدق في غياب الأدلة ما قلتُه».
يجادل ساجان، مثل راسل، بأن عبء الإثبات يقع على عاتق الشخص الذي يدعي – ينوه هندريكس – ونظرًا لعدم وجود دليل على هذا التنين، فإنه من غير العلمي القول إنك لا تصدق أن التنين موجود هناك.
هل من المبالغة الادعاء بأن الله غير موجود (الإلحاد)؟ يعتمد ذلك على المكان الذي تريد أن تضع فيه عبء الإثبات ووجود الأدلة «أو غيابها» اللازمة لطرح ادعاء مماثل. على أي حال، فإن الدكتور جليزر يثير نقطة جيدة حول عدم ادعائك بمعرفة أكثر مما تعرفه، والحاجة إلى قدر من التواضع.
«أنا شخصيًا ما زلت لن أصدقك إذا أخبرتني أنك مغادر لتشرب كوبًا من الشاي على سطح المريخ بواسطة التنين الذي يعيش في مرآبك!» يقول هندريكس ختامًا.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».