«كانت عملية اختطاف؛ لأنهم كانوا يرتدون ملابس مدنية. كان هناك أربعة رجال. لقد رفعوا جميعًا أسلحتهم. عصبوا عيناي، واقتادوني إلى إسطبل للخيول».
كتبت ماي أوبنهايم، مراسلة صحيفة «الإندبندنت» المختصة بشؤون المرأة، عن معاناة المعتقلات البحرينيات في السجون البحرينية، وتتهم المملكة المتحدة بالتواطؤ في محنتهن، ليس فقط لأن بريطانيا من أقدم حلفاء البحرين، بل لأنها أيضًا تدفع تكلفة تدريب مسؤولي وزارة الداخلية البحرينيين الذين يشرفون على عمليات الاعتقال ويتسترون على التعذيب.
تنقل الكاتبة في مستهل تقريرها صرخة إحدى السجينات، وهي هاجر منصور، التي تقول: «إنهم يطبقون عليّ ويخنقونني. هذه ليست إنسانية».
مدينة عيسى.. مقر السجن النسائي
سُجِنت هاجر، المرأة البالغة من العمر 51 عامًا ما يقارب ثلاث سنوات في مدينة عيسى، وهو سجن بحريني سيء السمعة دانته الأمم المتحدة بسبب معاملته المهينة وظروف احتجازه السيئة. تقول هاجر: إنها تظل في زنزانتها لما يقارب 24 ساعة في اليوم، دون مياه شرب، خلافا لأوقات الوجبات. إن الحرس رفضوا لعدة أشهر أن يخبروها إذا كانت نتائج فحصها للثدي تظهر أنها مصابة بالسرطان أم لا.
في مدينة عيسى يجرى تدريب المسؤولين المكلفين بالإشراف على هذه الظروف باستخدام الملايين من أموال دافعي الضرائب البريطانيين، على الرغم من مزاعم بأنهم قاموا بالتستر على التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان. حالات مثل هاجر هي التي دفعت النشطاء إلى المطالبة بإنهاء التمويل في المملكة المتحدة.
تتسم مدينة عيسى، وهي منشأة الاحتجاز الوحيدة للنساء في البحرين، بشكلها الخارجي الخرساني الأبيض والأملس. داخل أسوارها يتحدث السجناء عن ظروف معيشية غير صحية وأطعمة تنتشر فيها الحشرات.
منع النزيلات من الذهاب إلى متجر السجن
تستشهد المراسلة بتقرير صادر عن معهد البحرين للحقوق والديمقراطية Bird وجد أنه على مدار ثلاثة أسابيع في أبريل (نيسان) من العام الماضي، مُنعت السجينات من الذهاب إلى متجر السجن حيث يمكنهن شراء مستحضرات التنظيف. تزعم جماعات حقوق الإنسان، بما في ذلك مجموعة عمل الأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز التعسفي، أن هاجر تعرضت لمحاكمة جائرة بتهم ملفقة بسبب نشاط صهرها المنفي، سيد أحمد الوادعي.
تقول هاجر، وهي أم لخمسة أطفال: «هذه معاملة غير إنسانية بالمرة. أنا أظل داخل الغرفة لمدة 24 ساعة تقريبًا. إذا غادرت غرفتي، يكون هناك ضابط دائمًا يسير ورائي خطوة بخطوة ولا يتركني وحدي». وتضيف: «يحبسوني في الغرفة طوال اليوم تقريبًا بدون أي شيء على الإطلاق لأشغل نفسي به. لا أستطيع استقبال زيارات من أولادي. أنا حتى ممنوعة من التحدث إلى السجينات البحرينيات الأخريات».
الحرمان من العلاج
وتفصِّل الصحيفة مأساة النزيلات المريضات في رواية هاجر التي تقول: إنها عندما وجدت الورم في صدرها في أغسطس (آب) 2018، رفض ضباط السجن في البداية نقلها إلى المستشفى، ولم تتمكن من إجراء الاختبارات، بما فيها تصوير الثدي بالأشعة السينية، إلا بعد نداء من منظمة العفو الدولية.
وأبلغت السيدة هاجر بأن الورم ليس سرطانيًا، على حد قولها، غير أنهم رفضوا أن يعطوها نسخة من النتائج، ثم رفضت السلطات منحها المتابعة المطلوبة لإجراء اختبارات على الرغم من توصية الطبيب.
يتابع التقرير: منذ عام 2012، أنفق 6.5 مليون جنيه إسترليني من أموال دافعي الضرائب البريطانيين على تدريب المؤسسات العامة البحرينية، بما في ذلك أمين التظلمات بوزارة الداخلية ووحدة التحقيق الخاصة، التي دانتها منظمات حقوق الإنسان بسبب تسترها على مجموعة من مزاعم التعذيب، بما في ذلك قضية السيدة هاجر، وكذلك عمليات الإعدام غير القانونية.
والبحرين هي واحدة من أقدم حلفاء المملكة المتحدة في الخليج على الرغم من كونها «واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط قمعا» وفقًا لمنظمة فريدوم هاوس الأمريكية غير الحكومية. وتقول وزارة الخارجية إنها تراقب الوضع عن كثب، وأثارت قضية هاجر مع الحكومة البحرينية.
وتعد الناشطة النسائية «مدينة علي» من بين الأشخاص الذين يطالبون باتخاذ المزيد من الإجراءات، وكانت تتقاسم زنزانة أثناء الاعتقال مع هاجر، وأفرج عنها في نهاية العام الماضي بعد أكثر من عامين في مدينة عيسى.
في حديثها إلى الإندبندنت في أول مقابلة لها منذ مغادرتها السجن، قالت مدينة: إنها عانت من «معاملة قاسية للغاية» طوال فترة عقوبتها. وتضيف أن الحرس، بقيادة الرائد المسؤول عن المنشأة، اعتدوا جسديًا عليها هي وزميلتها في الزنزانة، هاجر، في سبتمبر (أيلول) 2018.
وتنقل الصحيفة عن مدينة قولها : «بعد حرماننا من المشاركة في الشعائر الدينية، تعرضنا للعقاب والضرب. لكمني رئيس السجن ظهري وظل الألم الناتج عن ذلك لعدة أيام. كنت في حالة من الصدمة والألم. لأسباب غير ذات صلة، كنت قد أصبت بنزيف في الرحم استمر لأكثر من شهر، وعلى الرغم من الطلبات المتكررة لعرض حالتي على طبيب أو طبيب متخصص، رفضوا طلبي وكان على أن أتعايش مع معاناتي وبؤسي».
التفتيش الذاتي بعد زيارة الأسرة
وتضيف «كان هناك حادث واحد جرى فيه تفتيشي ذاتيًا في أعقاب زيارة أسرتي لي. طُلب مني خلع كل ملابسي. كان أمرًا مهينًا جدًا. كان السجن تجربة مؤلمة للغاية. كما وضعوا حاجزًا زجاجيًا للزيارات العائلية، وهو أمر صعب جدًا لأن لديّ طفلًا، يبلغ من العمر ثماني سنوات. غالبًا ما كنت أقضي في زنزانتي 23 أو 22 ساعة في اليوم».
وتقول إنها مُنعت أيضًا من التحدث إلى سجناء آخرين ومنع أقاربها من زيارتها مرات متعددة خلال فترة وجودها في السجن.
كانت مدينة، التي شاركت في الاحتجاجات السلمية الداعية إلى المساواة في الحقوق والتغيير الديمقراطي في البحرين، تقود سيارتها للعمل في اليوم الذي أخذت فيه إلى سجن مدينة عيسى في عام 2017.
اختطاف تمارسه السلطات
وتقول: «كان اختطافًا؛ لأنهم كانوا يرتدون ملابس مدنية. كان هناك أربعة رجال. لقد رفعوا جميعا أسلحتهم. عصبوا عيناي واقتادوني إلى إسطبل للخيول. كانت هناك غرفة قريبة بدأ فيها الاستجواب. كان الاستجواب عدوانيًا ومتوعدًا. تعرضت للتهديد بالاغتصاب وهددوا باغتصاب والدتي وأختي الأصغر».
وتابعت «ضربوني في جميع أنحاء جسدي. أخذوا رأسي وبدأوا يضربونه في الحائط حتى أصبت بكدمات خطيرة. آثار هذا الحادث على وجهي لا تزال موجودة. يمكنك أن تشعر بها عندما تلمس جبهتي». أثارت جماعات حقوقية مثل «هيومن رايتس ووتش» و«منظمة العفو الدولية» قضيتي هاجر ومدينة في عدد من المناسبات.
وفي الشهر الماضي أثارت الأمم المتحدة مخاوف جدية بشأن الوضع في سجون البحرين ومعاملة هاجر ومدينة، في خطاب وقعه ثمانية خبراء من الأمم المتحدة.
يقول حسين عبد الله، المدير التنفيذي لمنظمة الأمريكيين من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين Americans for Democracy» «and Human Rights in Bahrain ADHRB: إن هاجر لا تزال «قيد الاعتقال التعسفي» وأنها «تخضع لمعاملة قد ترقى إلى مستوى التعذيب».
تُركت هاجر مصابة بكدمات في كل أنحاء جسدها، وأدخلت المستشفى بعد تعرضها للاعتداء على أيدي حراس السجن في سبتمبر (أيلول) 2018. وقع الاعتداء بعد أيام قليلة من قيام صهرها بإطلاع نواب البرلمان في المملكة المتحدة على سوء معاملة السجينات في البحرين، بحسب التقرير.
وسبق لمنظمة العفو الدولية أن حثت السلطات في مدينة عيسى وجميع مرافق الاحتجاز الأخرى في البحرين على الالتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان في طريقة تعاملهم مع المعتقلين والسجناء.
السفارة ترد على المزاعم
يقول متحدث باسم السفارة البحرينية في لندن إن مزاعم سوء المعاملة ضد هاجر ومدينة خضعت لتحقيق أجراه الأمين العام للتظلمات في وزارة الداخلية البحرينية، وتبين أنها بلا أساس. ويقولون: إن هاجر أدينت بزراعة عبوات ناسفة.
ويقول الممثل: «من الخطأ أيضًا وصف مملكة البحرين بأنها «قمعية» أو الادعاء بأنها تمارس أو تتسامح مع سوء معاملة أو تعذيب المحتجزين. في الواقع لا يتم احتجاز أو مقاضاة أي شخص في مملكة البحرين بسبب حرية التعبير السلمية، ولا بسبب نشاطه السلمي المشروع».
وتابع: «لم يكن هناك حرمان من العلاج (الصحي)… في الواقع تتلقى السيدة منصور جميع الاستشارات والفحوصات والعلاج والمتابعة اللازمة التي يكفلها لها القانون».
بينما تقول الحكومة البحرينية إنه يُسمح للسجينات بالخروج من زنزاناتهن لمدة ثماني ساعات في اليوم، إلا أن إحدى المنظمات الحكومية التي تشرف على حقوق الإنسان في البلاد – وهي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين – قالت سابقًا إنه يُسمح للسجينات بالخروج من الزنزانات لمدة ساعتين فقط كل يوم.
النفاق البريطاني وغضب النشطاء
تكمل المراسلة: تتمتع بريطانيا بتاريخ طويل من التدخل الاستعماري في البحرين، بالإضافة إلى أنها لا تزال لديها منشآت بحرية في البلاد، التي تحكمها عائلة آل خليفة منذ أكثر من قرنين. سمحت المملكة المتحدة ببيع أسلحة بقيمة 105 ملايين جنيه إسترليني إلى البحرين منذ اندلاع انتفاضة الربيع العربي المؤيدة للديمقراطية في فبراير (شباط) 2011، وفقًا لما تذكره حملة Campaign Against Arms Trade.
وانتقدت مدينة، التي تخشى على الدوام أن يجرى استدعاؤها إلى السجن وهي ممنوعة حاليًا من السفر خارج البحرين، علاقة بريطانيا الوثيقة بالبحرين.
وتختتم الكاتبة مقالها بصرخة أخرى من إحدى ضحايا السجون البحرينية التي تتهم بريطانيا بالنفاق وتقول في غضب: «من المقلق بالنسبة لي أن أعرف أن التدريب الذي تقدمه بريطانيا للبحرين لا يزال مستمرًا. أتمنى أن أرى بريطانيا توقف تدريبها للبحرين؛ لأننا نحن الضحايا. الشعب هو الذي يعاني أشد المعاناة من سوء المعاملة على يد الحكومة البحرينية. بريطانيا منافقة».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».