قالت إيمي ماكنسن وروبي جرامر في تحليل لهما نشرته مجلة «فورين بوليسي» إنه بعد تسعة أشهر من اندلاع الاحتجاجات في بيلاروسيا على خلفية الانتخابات الرئاسية المشكوك في نزاهتها، كان الصحافي والمدون البيلاروسي الأصل رومان بروتاسيفيتش (26 عامًا) قد قضى إجازة في اليونان مع حبيبته. بروتاسيفيتش هو المؤسس والمحرر السابق لقناة «نيكستا» على تطبيق المراسلة المُشفَّر «تيليجرام»، الذي لعب دورًا حاسمًا في تنسيق الاحتجاجات الخريف الماضي، والتي جذبت مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع.
وأوضح التحليل أنه بعد أن عاش في المنفى في ليتوانيا منذ عام 2019، مثل العديد من الصحافيين البيلاروسيين، اعتاد على تعرضه للمضايقة من قِبل أجهزة الأمن في البلاد. وفي صباح يوم الأحد، بينما كان يستعد للصعود على متن رحلة جوية من أثينا إلى فيلنيوس (عاصمة ليتوانيا)، أرسل رسالةً نصية إلى زملائه مفادها أن رجلًا يبدو مريبًا حاول التقاط صورٍ لجواز سفره أثناء صعوده الطائرة.
قال تاديوس جيكزان، رئيس تحرير نيكستا: «نحن نتلقى تهديدات بالقتل ما لا يقل عن 12 مرة في اليوم، لذلك نحن معتادون على ذلك».
عملية اختطاف رومان بروتاسيفيتش
بينما كانت الرحلة في طريقها شمالًا عبر المجال الجوي البيلاروسي – يشير التحليل – زعمت السلطات وجود قنبلة على متن الطائرة وسارعت بإرسال طائرة مقاتلة لتحويل مسار رحلة «رايان إير» إلى عاصمة بيلاروسيا، مينسك. لقد كانت عملية اختطاف جوية تهدف للقبض على بروتاسيفيتش، الذي أُضيف إلى قائمة الإرهاب في البلاد العام الماضي بسبب أنشطته المعارضة، والذي قد يواجه الآن عقوبة الإعدام إذا أدين بارتكاب جرائم إرهابية.
قال جيكزان: «لم نتخيل قط أن شيئًا كهذا يمكن أن يحدث بالفعل. ولكن اتضح أننا كنا مخطئين». سارع المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون بإدانة واقعة اعتقال صحافي من السماء ووصفوه بأنه «اختطاف، وعمل من أعمال القرصنة الجوية التي حطمت الأعراف الدولية». ويخشى الكثيرون الآن أنه في ظل غياب ردٍّ قوي، يمكن أن يشكل ذلك سابقةً مروِّعة للدول المارقة لاعتراض الطائرات في ملاحقة خصومهم.
ويرى آخرون أن هذا اختبار جدي لمعرفة ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادرًا على الدفاع عن أمن مواطنيه. كتبت ناتالي لويسو، عضو البرلمان الأوروبي والوزيرة الفرنسية السابقة للشؤون الأوروبية، في تغريدة لرئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل: «ما حدث بالأمس أكثر خطورة مما تصفه. إنه اختبار حاسم لقدرة الاتحاد الأوروبي على فرض هيبته. يُرجى التأكد من أن قادة الاتحاد الأوروبي لن يفشلوا في الاختبار هذه المرة».
تداعيات خطيرة على لوكاشينكو وبلاده
أصدر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السناتور روبرت مينينديز، بيانًا مشتركًا مع كبار المشرِّعين الأوروبيين يدعو إلى أعمال انتقامية فورية – كما تضيف الكاتبتان – بما في ذلك فرض عقوبات جديدة على نظام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وحظر بيلاروسيا من منظمة الطيران المدني الدولي، وحظر التحليق فوق بيلاروسيا بما في ذلك الرحلات الجوية من البلاد وإليها.
كتب مينينديز في بيان مشترك مع نظرائه من جمهورية التشيك ولاتفيا وألمانيا وليتوانيا وأيرلندا وبولندا والمملكة المتحدة: «إن ارتكاب الدولة عملًا من الأعمال الإرهابية والاختطاف على هذا النحو يمثل تهديدًا لكل أولئك الذين يسافرون إلى أوروبا وخارجها».
وأعلنت شركات الطيران الأوروبية بما في ذلك «ويز إير» و«إير بالتيك» و«سكاندينافيان إيرلاينز» وغيرها يوم الإثنين الماضي أنها ستعيد توجيه رحلاتها لتجنب المجال الجوي البيلاروسي. وأمر وزير النقل البريطاني شركات الطيران البريطانية بفعل الشيء نفسه. وفي إشارة إلى أن تداعيات الحادثة ستتجاوز حدود الاتحاد الأوروبي، أمر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي أيضًا بوقف الرحلات الجوية الأوكرانية المباشرة من بيلاروسيا وإليها.
وأشار التحليل إلى ما نشرته وسائل الإعلام الموالية للحكومة، يوم الإثنين، وهو ما بدا أنه شريط فيديو معدٌّ بعناية لبروتاسيفيتش، اعترف فيه بالتخطيط لاضطراب جماعي في مينسك، وادعى أنه لم يتعرض لسوء المعاملة من قِبل الشرطة. بينما تخشى عائلة بروتاسيفيتش وزملاؤه من أنه يتعرض للتعذيب في السجن.
نهج استبدادي جديد
قوبلت موجة من الاحتجاجات الجماهيرية غير المسبوقة التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد ردًا على الانتخابات المزورة، بحسب تعبير معدتَي التحليل، في أغسطس (آب) الماضي، بقمع عنيف من قبل الشرطة والأجهزة الأمنية. ومنذ ذلك الحين، اعتقل 35 ألف شخص تقريبًا وتواردت أنباء عن تعرض السجناء في البلاد لعمليات ضرب وتعذيب ممنهجة. ويوجد حاليًا ما يقرب من 400 سجين سياسي خلف القضبان.
غادر الصحفيون ونشطاء المعارضة بيلاروسيا بأعداد كبيرة. مثل بروتاسيفيتش، واستقر الكثيرون في عاصمة ليتوانيا المجاورة، وكذلك في كييف بأوكرانيا ووارسو في بولندا، التي تشعر الآن بعدم الارتياح بالقرب من حدود بيلاروسيا.
قال فراناك فياكوركا، المتحدث باسم الشؤون الخارجية لزعيم المعارضة البيلاروسية، سفيتلانا تيخانوفسكايا، والمقيم الآن في فيلنيوس: «لا يمكن لأحد أن يشعر بالأمان». وقالت فياكوركا إن تيكانوفسكايا، التي توفر لها الحكومة الليتوانية الأمن، إنها قد حُذرت من أن بيلاروسيا قد تحاول اعتراض رحلات جوية لاعتقالها، لكنها اعتبرت ذلك احتمالًا مستبعدًا. وقالت: «لم يتخيل أحد أن المجال الجوي يمكن أن يكون مكان هذه الحرب السياسية».
قد يكون القرار الجريء بإيقاف طائرة ركاب مدنية في ملاحقة أحد المعارضين غير مسبوق – بحسب التحليل – لكن ملاحقة بيلاروسيا لخصومها خارج الحدود الإقليمية ليست كذلك. وثق تقرير نشرته فريدوم هاوس في وقتٍ سابقٍ من هذا العام 608 حالات لأشخاص تم استهدافهم جسديًا من قبل دول استبدادية في الخارج منذ عام 2014، بما في ذلك الاغتيالات والاختطاف والاعتداءات والاعتقالات والترحيل غير القانوني.
في أغسطس 2020 ، اختطف مسؤولون روانديون بول روسسابجينا، الذي كان مصدر إلهام لفيلم فندق رواندا، في دبي. كان من أشد المنتقدين لرئيس البلاد، وقد أُعيد إلى رواندا، حيث اعتقِل ووجهت له تهمة الإرهاب في خطوة شجبتها منظمات حقوق الإنسان الدولية.
وقد تضمنت 58% من حالات القمع العابر للحدود الموثقة في تقرير فريدوم هاوس اتهامات مزيفة بالإرهاب – كما هو الحال في عملية الاختطاف يوم الأحد – إذ تسعى الدول الاستبدادية لإخفاء حملات القمع التي تقوم بها تحت ستار الأمن القومي.
قال نيت شينكان، مدير إستراتيجية البحث في فريدوم هاوس، إنه من الصعب قياس ما إذا كانت مثل هذه الحالات آخذة في الازدياد، لكنه أكد أن شيئين ربما شجعا الطغاة على مطاردة منتقديهم. الأول هو التكنولوجيا الجديدة، التي مكنت المنفيين من بث رسائلهم إلى الجماهير في الوطن، لكنها أيضًا قدمت فرصًا كبيرة لمراقبتهم. والثاني أنهم تمكنوا من الإفلات من العقاب.
أضاف شينكان: «لم تكن هناك في الواقع عواقب متسقة وقوية لهذه الأنشطة». أصيب المدافعون عن حقوق الإنسان بالإحباط من قرار إدارة بايدن عدم فرض عقوبات على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على الرغم من التقييمات الاستخباراتية بأنه وافق على قتل كاتب العمود في واشنطن بوست جمال خاشقجي في عام 2018، في محاولة واضحة للحفاظ على علاقة الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية.
يشير التحليل إلى أنه في الدبلوماسية يراقب الجميع الجميع. إذ قال نايجل جولد ديفيز، السفير البريطاني السابق في بيلاروسيا، إن تصورات الآخرين تتشكل من خلال كيفية تعامل دولة أو مجموعة من البلدان مع دولة أخرى.
ومن غير الواضح كيف يمكن للعقوبات وحدها إقناع لوكاشينكو بالإفراج عن بروتاسيفيتش. يُنظر بالفعل إلى الزعيم البيلاروسي على أنه منبوذ دوليًا، والاقتصاد البيلاروسي المركزي، الذي تسيطر عليه الدولة إلى حد كبير، ليس مندمجًا مع الغرب، مما يوفر له نقاطًا قليلة من النفوذ. تشمل الاحتمالات توسيع العقوبات المفروضة على الشركات الحكومية، وحظر شركة الطيران الوطنية، بيلافيا، من الهبوط في مطارات الاتحاد الأوروبي، وطرد بيلاروسيا من منظمة الطيران المدني الدولي، أو حتى طردها من الإنتربول. أصدرت مينسك إخطارات حمراء زائفة من الإنتربول، تشبه إلى حد كبير مذكرة توقيف دولية، وسيلةً لمضايقة وتعطيل سفر المنتقدين إلى الخارج.
منذ اندلاع الاحتجاجات في أغسطس (آب) الماضي، شنت الحكومة البيلاروسية حرب استنزاف مستمرة ووحشية ضد مواطني البلاد، إذ تم اعتقال الأشخاص لمجرد رفع العلم الأحمر والأبيض المرتبط بالمعارضة أو حتى ارتداء الجوارب من نفس الألوان. وفي أوائل الأسبوع الماضي، تم إغلاق «Tut.by»، الموقع الإخباري الأكثر شعبية في البلاد والذي لا تسيطر عليه الدولة. وفي وقت لاحق من هذا الأسبوع، انتشرت أنباء عن وفاة الناشط المعارض، فيتولد أشوراك في ظروف غامضة في السجن، حيث كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات لمشاركته في احتجاجات مناهضة للحكومة.
بدأ الاهتمام الدولي بالأزمة في الظهور، وتضاءلت المظاهرات بسبب فرض السلطات عقوبات على المتظاهرين. لكن قرار يوم الأحد لاعتراض شركة طيران مدنية بطائرة مقاتلة يَعد بإعادة بيلاروسيا إلى قمة جدول الأعمال الأوروبي. قال جيكزان في مقابلة يوم الأحد: «في الحقيقة إن ما فعله لوكاشينكو اليوم لا يمكن تفسيره منطقيًّا، إذ إن حراك الشارع في أدنى مستوياته منذ أكثر من عام الآن».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».