أعد جون حنا – زميل كبير في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي ومستشار سابق للأمن القومي لنائب الرئيس ديك تشيني – في مقال له على موقع مجلة «فورين بوليسي» إن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيسعى خلال  رحلته هذا الأسبوع إلى إسرائيل والسعودية إلى طمأنة الشركاء القدامى بأن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة باستقرار المنطقة وأمنها. لكن ما يتجاهله الجميع هو حقيقة أن لا أحد سيصدقه تقريبًا.

لقد كان الضرر التراكمي الذي حدث خلال أكثر من عقد من الرؤساء من كلا الحزبين الذين ابتعدوا عن الشرق الأوسط كبيرًا. ومجرد الظهور لن يكون كافيًا تقريبًا لوقف التدهور المتسارع الذي ترسخ في النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي ساعد في ضمان استقرار المنطقة معظم نصف القرن الماضي. إذا كان بايدن يطمح حقًّا إلى كسر ديناميكية تآكل مصداقية الولايات المتحدة، يتعين عليه أن يذهب إلى ما هو أبعد من التقاط الصور والحديث المتفائل في مقاله الافتتاحي الأخير في «واشنطن بوست» وتوضيح أن زيارته تمثل بداية تحول جوهري في إستراتيجية الولايات المتحدة من التراجع إلى إعادة الالتزام.

ولكن يرى حنا أن هذا لن يكون سهلًا. وصل مسار فك الارتباط الأمريكي إلى أوجِه خلال الأشهر السبعة عشر الأولى لبايدن في منصبه؛ ربما كان الانسحاب الكارثي من أفغانستان، الذي ترك الآلاف من حلفاء الولايات المتحدة محاصرين خلف خطوط العدو النموذج الأوضح، خاصةً للأنظمة العربية الضعيفة التي رهنت تاريخيًّا أمنها على قوة وموثوقية وكفاءة القوة العظمى الأمريكية.

لكن لائحة الاتهام أطول من ذلك بكثير. يتضمن تعهد بايدن بتحويل السعودية، الشريك العربي الأقدم والأكثر نفوذًا لواشنطن، إلى منبوذة بسبب مسؤولية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن القتل المروع للصحافي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي، وتعليق مبيعات الأسلحة إلى المملكة والإمارات العربية المتحدة بسبب حربهما ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن؛ وسحب أصول الدفاع الجوي الأمريكية من الخليج العربي في اللحظة نفسها التي كانت فيها هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ على المراكز السكانية السعودية والبنية التحتية الحيوية في ذروتها.

دولي

منذ سنة واحدة
«ميدل إيست آي»: هل يحصل ابن سلمان على حصانة من بايدن في قضية خاشقجي؟

ورفض الرد، أو الرد بشكل غير كاف، ليس فقط على عشرات الهجمات المدعومة من إيران على القوات والدبلوماسيين الأمريكيين، ولكن على الهجمات غير المسبوقة بالطائرات بدون طيار والصواريخ ضد الحلفاء القدامى مثل الإمارات العربية المتحدة.

ومما زاد الطين بلة – يضيف حنا – هو الجهد المفتوح الذي بذلته الإدارة لإغراء إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015. يعارض معظم أقوى أصدقاء واشنطن الإقليميين – بمن فيهم السعوديون والإماراتيون والإسرائيليون – الاتفاق بصفته وصفة مؤكدة لتمكين إيران وتعزيز برنامجها للعدوان الإقليمي.

استياء أمريكي من عدم تعاون الحلفاء الخليجيين

يؤكد حنا أن مدى السوء الذي وصلت إليه الأمور تجلى بشكل صادم في تقارير هذا العام التي تقول إن الزعيم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لم يرفض فقط نداءات بايدن لزيادة إنتاج النفط للمساعدة في كبح التضخم الأمريكي المتصاعد في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنه امتنع أيضًا عن الاستجابة لدعوة بايدن لمناقشة هذه القضية.

Embed from Getty Images

كانت العناوين الرئيسية الأقل إثارة للقلق، هي التدفق المستمر لسلوكيات التحوط السعودية والإماراتية تجاه روسيا والصين – من اتفاقيات التعاون العسكري، وشراء الأسلحة، وصفقات إنتاج الصواريخ الباليستية إلى بناء قواعد بحرية سرية، والحصول على تقنية الجيل الخامس للاتصالات من الصين، والتهديد بتسعير مبيعات النفط للصين باليوان.

وبينما هو يتصارع مع روسيا على أسواق الطاقة العالمية ثم يكتشف أن المملكة العربية السعودية، أهم منتج للنفط في العالم وشريك إستراتيجي لما يقرب من 80 عامًا، لم تعد في صف الولايات المتحدة بشكل موثوق، شكل تحذيرًا فظًّا لبايدن. أدت جهوده لتقليل العلاقة مع الرياض وإهانتها إلى نتائج عكسية وأضرت بمصالح الولايات المتحدة خلال واحدة من أسوأ الأزمات للسياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. يساعد ذلك في تفسير قرار بايدن الصعب السفر إلى المملكة يوم الجمعة في محاولة لتقليل الأضرار – على الرغم من صيحات الاحتجاج من الكثيرين في حزبه.

ولكن في حين أن الجولة قد تعيد التواصل بين الزعيمين في المستقبل، فمن غير المرجح أن تكون الزيارة كافية لمعالجة التهديد الحقيقي طويل المدى لقوة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط، مما أدى إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة التي تظل الأهم لإمدادات الطاقة في العالم – ومن ثم، بالنسبة للاقتصاد العالمي. إن مجرد تعديل توازن سياسات بايدن الحالية على الهامش – تقليل التسامح مع إيران، وتخفيف العداء تجاه السعوديين – من غير المرجح أن يكون كافيًا لإيقاف المخاوف العميقة بشأن التزام واشنطن الإستراتيجي بالمنطقة.

يضيف حنا أن التصور القائل بأن الولايات المتحدة تعمل بشكل لا رجعة فيه على إزالة نفسها من دورها التاريخي في قلب المعادلة الأمنية للشرق الأوسط بعيد المنال. من المحتمل أن يتطلب خروجها عن مسارها في هذا التاريخ المتأخر خطوات أكثر صرامة.

عقيدة كارتر.. طوق النجاة لبايدن

يمكن لبايدن البحث عن الإلهام في حقبة جيمي كارتر. بحلول أواخر عام 1979، بعد احتجاز الرهائن الأمريكيين في إيران والغزو السوفيتي لأفغانستان، كانت مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مهتزة. رد كارتر في خطابه عن حالة الاتحاد في يناير 1980 بإعلان ما أصبح يعرف بعقيدة كارتر، وهو بيان رئيسي للسياسة ألزم الولايات المتحدة باستخدام أي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية، لصد قوة خارجية من السيطرة على منطقة الخليج العربي.

Embed from Getty Images

يكشف حنا أن من شأن انتهاج بايدن العقيدة نفسها أن بعيد التزام الولايات المتحدة صراحةً وبشكل لا لبس فيه باستخدام جميع عناصر القوة الوطنية، بما في ذلك القوة العسكرية، للدفاع عن مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط، مما يعوق محاولة إيران للحصول على أسلحة نووية والهيمنة الإقليمية فضلًا عن تقييد الاختراق الروسي والصيني للمنطقة.

ستؤكد العقيدة الجديدة أولوية دعم أقرب حلفاء الولايات المتحدة – إسرائيل والمملكة العربية السعودية ودول أخرى في العالم العربي – لتشكيل نظام تحالف جديد بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات المشتركة. وجزءًا من الصفقة، يجب أن يصر بايدن على أن التعاون الأكثر إثارة للقلق مع الصين وروسيا من قبل شركاء الولايات المتحدة الإقليميين يجب أن يتوقف؛ فهذا النوع من التحوط مع القوى العظمى الأخرى ليس ضروريًّا إذا أعادت واشنطن بشكل مقنع الالتزام بالدفاع عن أمن المنطقة.

في عصر التنافس المتجدد بين القوى العظمى، بما في ذلك اندلاع حرب كبرى، لا ينبغي قبول الحياد من حلفاء الولايات المتحدة بشأن التهديدات الخطيرة للنظام الدولي. ستسعى إدارة بايدن بوضوح إلى نبذ الرواية السائدة في العقد الماضي عن انسحاب الولايات المتحدة من واحدة من أكثر المناطق أهمية في العالم. سيعلن صراحة أن أيام أي محور أمريكي بعيدًا عن الشرق الأوسط قد ولت رسميًّا.

لكن ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن بايدن على مستوى المهمة. تضمنت مقالته الافتتاحية في عطلة نهاية الأسبوع قائمة من المزاعم المشكوك فيها في الغالب حول مدى تحسن سياساته في إصلاح الأشياء بالفعل في المنطقة. أما بالنسبة لكارتر، فلا شك أن مستشاري بايدن السياسيين سيرفضون أي اقتراح قد يعقد مقارنات مع آخر رئيس ديمقراطي للبلاد ليتم رفض إعادة انتخابه.

ومع ذلك – يختتم حنا بالقول – أصبحت عقيدة كارتر واحدة من أكثر مبادرات السياسة الخارجية أهمية في الخمسين عامًا الماضية، وظلت حجر الزاوية في إستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لفترة طويلة بعد مغادرة كارتر البيت الأبيض. بينما يستعد بايدن لحرب باردة جديدة ضد الصين الصاعدة وروسيا العدوانية، ومع تزايد أهمية التأكد من بقاء الدول المحورية في الشرق الأوسط الغني بالنفط حليفة في معسكر الولايات المتحدة، يمكنه أن يفعل أسوأ بكثير من محاكاة الرئيس التاسع والثلاثين. إن إحياء مبدأ كارتر سيساعد في إعادة الولايات المتحدة إلى المسار الصحيح في الصراع القادم بين الأجيال ضد أخطر خصومها.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد