يسير بايدن على خطى سلفه ترامب فيما يخص الشرق الأوسط. هذا ما استنتجه الكاتب الصحافي إيشان ثارور في تحليل له نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، تعليقًا على الزيارة التي بدأها الرئيس الأمريكي إلى المنطقة.
قال ثارور إن الرئيس بايدن – قبل توليه منصبه – أشار إلى الشرق الأوسط على أنه موقع الكثير من الأخطاء في أجندة سلفه؛ فقد دمر الرئيس السابق دونالد ترامب الاتفاق النووي الإيراني دون داعٍ، وأعاد فرض العقوبات التي دفعت طهران إلى زيادة تخصيب اليورانيوم لتقترب بشدة من امتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي، كما حطم الأعراف السائدة منذ عقود بين الحزبين حول إسرائيل، وربط السياسة الأمريكية برئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو ومصالح حركة الاستيطان اليهودية اليمينية المتشددة.
وقام بحماية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أعقاب الاغتيال – الذي وصفه الكاتب بالوحشي- للكاتب جمال خاشقجي، مما سمح لجريمته بأن تطغى على القيم الأساسية لأمريكا وتثير غضب الكونجرس، وبعد عامين من رئاسته، عمل بايدن جاهدًا لعكس هذا المسار؛ إلا أنه في الواقع، وبينما يقوم بأول زيارة رئاسية له للشرق الأوسط، لا يزال بايدن يسير على خطى ترامب من نواحٍ كثيرة.
لم تؤت جولات المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي سوى القليل من الثمار؛ ويبدو الآن أن كلا الجانبين مقتنع بشكلٍ متزايدٍ بأن اتفاقية عام 2015 – التي خففت العقوبات عن إيران مقابل فرض القيود الصارمة على برنامجها النووي – ربما لم تعد صالحةً للغرض، سيشدد بايدن على معارضة الولايات المتحدة «لإيران نووية» وسيترأس المناقشات التي تهدف إلى تعزيز التنسيق ضمن ما يظهر على أنه تحالف إقليمي معادٍ لإيران بحكم الأمر الواقع يضم دول الخليج العربية وإسرائيل، من خلال القيام بذلك، يأمل بايدن أيضًا في تعزيز توسيع نطاق اتفاقيات التطبيع الدبلوماسي بين إسرائيل ومجموعة من الأنظمة الاستبدادية العربية التي توسطت فيها إدارة ترامب.
إفلات محمد بن سلمان
يشير ثارور إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالسعودية، فإن بايدن بالكاد أوفى بوعدٍ أطلقه خلال حملته الانتخابية بجعل الرياض منبوذةً بسبب مقتل خاشقجي، وبدلًا من ذلك، سيواصل المسؤولون الأمريكيون بناء الأساس لخطوات المملكة الأولى نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ تدرس إدارة بايدن أيضًا استئناف مبيعات الأسلحة الهجومية للسعوديين، خاصةً في ضوء جهود الرياض للحفاظ على هدنةٍ هشةٍ في اليمن الذي مزقته الحرب، حسبما ذكرت «رويترز»، وفي لحظةٍ من التقلبات الاقتصادية والسياسية العالمية، يتعامل المسؤولون الأمريكيون مع السعوديين ليس بوصفهم أشرارًا في مجال حقوق الإنسان، ولكن بوصفهم لاعبين أساسيين في المنافسات العالمية مع روسيا والصين.
ستؤكد زيارة بايدن كيف أن ولي العهد السعودي لم يصب بأذى بعد مقتل خاشقجي، وبحسب مسؤولي المخابرات الأمريكية فقد وافق ابن سلمان على مؤامرة اختطاف خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، لكن بايدن، في مقال رأي نُشر في عطلة نهاية الأسبوع الماضي في صحيفة «واشنطن بوست»، بدا وكأنه سوَّى المسألة، مشيرًا إلى العقوبات وحظر التأشيرات الذي فرضته إدارته على عددٍ من المسؤولين السعوديين؛ ولكن ليس ولي العهد نفسه الذي يستعد للسيطرة على الحكم لعقودٍ قادمة.
قال أيهم كامل من مجموعة أوراسيا لـ«رويترز»: «لقد فشلت محاولة الغرب الحد من التفاعل مع محمد بن سلمان، لقد تآكلت بشكلٍ تدريجي، وزيارة بايدن تمثل إطلاق رصاصة الرحمة على هذه الفكرة».
يضيف ثارور أن نقادًا وناشطين مناهضين للمملكة يحذرون من سابقة اجتماع بايدن مع محمد بن سلمان الذي تواصل حكومته استهداف المعارضين في الخارج، وقمع المجتمع المدني في الداخل، كتبت نهى أبو الدهب، أستاذ مساعد في حرم جامعة جورجتاون في قطر، أن «زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية وانخراطه مع العديد من الحكام المستبدين في المنطقة، يبعث برسالةٍ مشؤومةٍ ومألوفةٍ للغاية لضحاياهم: إن حياتك لا تهم متى يمكننا تحقيق مكاسب أمنية على حسابك».
بالنسبة لرئيسٍ راهنٍ برؤيته الدولية على قوة القيم الديمقراطية لأمته، سينتهي الأمر إلى أن يبدو بايدن مثل سلفه «غير الأخلاقي» – بحسب الكاتب – الذي أعطى الأولوية لمبيعات الأسلحة وأسعار النفط والحماسة المؤيدة لإسرائيل على حساب الشرق الأوسط.
كتب ثاناسيس كامبانيس، الزميل الأول ومدير برنامج السياسة الدولية في مؤسسة القرن «يجادل المحللون بأن هذا ناتج عن ارتباك السياسة أكثر من كونه نتاجًا للبراجماتية، منذ استبدال ترامب، فشل بايدن في صياغة رؤية مقنعة أو واضحة لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على عكس نهجه في أوكرانيا، إذ حشد استجابةً أقوى من المتوقع لأكبر التهديدات الأمنية التي واجهتها أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة».
وعود زائفة بتحسين أحوال الفلسطينيين
وهكذا، كما ظهر بالفعل في إسرائيل، فإن بايدن يرتبك، تراجعت إدارته عن عددٍ صغيرٍ من التحركات العقابية التي اتخذتها إدارة ترامب ضد الفلسطينيين، لكنها لم تفعل الكثير لإظهار اهتمام كبير بالتعامل مع حل الدولتين المحتضر منذ فترةٍ طويلةٍ، أو في الدفاع عن الحقوق المدنية لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون بوصفه أمرًا واقعًا؛ للمواطنين تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي والغضب من الحكم الدكتاتوري للسلطة الفلسطينية.
في تصريحاتٍ ألقاها بعد وصوله إلى إسرائيل، وصف بايدن دعمه للدولة الفلسطينية النظرية بالتحذير «على الرغم من أنني أعلم أن هذا لن يحدث على المدى القريب» بالنسبة للمراقبين، كانت هذه الكلمات لائحة اتهام دامغة للوضع الراهن؛ كتب الصحافي في صحيفة «هآرتس» نوح لانداو يوم الخميس: «في عهد بايدن، يبدو أن الولايات المتحدة تريد فقط التخلص من العبء الإسرائيلي الفلسطيني؛ التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين لم يبدُ رديئًا ومهينًا أكثر من تصريحات بايدن على السجادة الحمراء للمطار».
ينقل ثارور عن زميلته شيرا روبين قولها «بالنسبة للعديد من الفلسطينيين – خاصةً أولئك الذين لم يعرفوا قط عملية سلام، ولم يشاركوا مطلقًا في الانتخابات الفلسطينية، ورأوا القضية الفلسطينية مهمشةً – فإن الزيارة هي تذكير صريح بأن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بدعم قضيتهم، بينما ستحتفل زيارة بايدن بتزايد اندماج إسرائيل في المنطقة، يجد الفلسطينيون أن وضعهم الخاص يزداد سوءًا بشكلٍ مطردٍ؛ لأنهم محكومون بما يرون أنه حكومة استبدادية أكثر انسجامًا مع احتياجات إسرائيل من احتياجاتهم الخاصة».
ونتيجةً لذلك، فإن ظل إرث ترامب في الشرق الأوسط يطول فقط، جادل المعلق الأمريكي بيتر بينارت قائلًا: «بايدن لن يذهب إلى إسرائيل لمعارضة الاستبداد؛ بل سيبرز دعم أمريكا له، ليس فقط في إسرائيل ولكن في جميع أنحاء المنطقة».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».