نشر موقع «نيولاينز» الأمريكي مقابلة أجراها مايكل ديبرت، صحافي ومؤلف، مع الصحافي الأمريكي الشهير، هوارد فرينش، بمناسبة صدور كتابه: وُلِد في السواد: أفريقيا والأفارقة وصناعة العالم الحديث، 1471 حتى الحرب العالمية الثانية (Born in Blackness: Africa, Africans, and the Making of the Modern World, 1471 to the Second World War).

يستهل الكاتب بقوله إن كتاب هوارد فرينش الجديد عمل بانورامي يسبر أغوار التأثير التاريخي الذي نتج عن الاتصال الأوروبي المبكر بالأفارقة منذ القرن الثالث عشر وما بعده، ويقدم الكتاب الصادر في 2021 نظرة عميقة ومتماسكة على كيفية انتشار آلية العبودية الجهنمية في جميع أنحاء الأمريكتين؛ مما أدَّى إلى تسريع عملية التصنيع سرعة مذهلة في أوروبا وأمريكا الشمالية.

ويغطي الكتاب كثيرًا من الأحداث التي غالبًا ما يجرى تجاهلها، مثل الزيارة التي قام بها حاكم إمبراطورية مالي المانسا موسى في عام 1324 على رأس وفد مفعم بـ «الأبهة والسخاء» قوامه 60 ألف شخص إلى أولى غزوات المستكشفين البرتغاليين في القرن الخامس عشر.

مجتمع

منذ 3 سنوات
كيف تسببت زراعة القطن في مضاعفة معاناة العبيد السود بأمريكا؟

وفي لحظة تاريخية عندما يدور نقاش حيوي حول تأطير التاريخ ومعناه، خاصة في الولايات المتحدة، يشير الكتاب ببراعة إلى أنه في هذه السنوات الأولى، شاهدت أوروبا، بعيدًا عن أن تكون معقل الفكر المستنير والحكم، كما تحب أن تقدِّم نفسها، ثلث سكانها يموتون بالطاعون، وكانت الطبقات العسكرية الوحشية تهيمن على كل شيء في بلدان مثل البرتغال.

وبقدر ما تصور النصوص الأساسية للتاريخ الأفريقي تلك المأساة، مثل كتاب جان فانسينا: «الاستعمار: تجربة كوبا في الكونغو الريفية»، وكتاب توماس ريف «قوس قزح والملوك: تاريخ إمبراطورية لوبا حتى عام 1891»، يمثل كتاب فرينش أيضًا نوعًا من المرثية للتأثير الكارثي الذي أحدثه اتصال المجتمعات الأفريقية بالأوروبيين، حيث كان العدد من الملوك الأفارقة مشاركين نشطين في تجارة الرقيق قبل وصول الأوروبيين، ولكن مع وجود اختلافات كبيرة في الطريقة التي أصبحت سائدة فيما بعد.

وعندما عبر الأوروبيون المحيط الأطلسي ومعهم حمولتهم البشرية من بنجويلا، وهو ميناء يقع في غرب ما يعرف اليوم بأنغولا، حيث شُحِن 700 ألف عَبْد منه وحده، معظمهم إلى البرازيل، كانت النتائج مختلفة قليلًا. لقد أبادَ الأوروبيون مجتمعات بأكملها من خلال أنظمة العمل الوحشية، علاوة على المرض. وبمجرد نضوب معين العمالة المحلية، أضفى الأوروبيون الطابع المؤسسي على عبودية عنصرية بالكامل، في خدمة ما يسميه الفرنسيون «جهاز الحداثة القاتل». وعندما قفزت التنمية الصناعية إلى الحداثة في الغرب، كان الشيء الذي جرى تجاهله في كثير من الأحيان هو الخسائر البشرية التي قام هذا التطور على أنقاضها. وإلى مختصر الحوار:

ديبرت: متى قررت لأول مرة أن هذا الكتاب، الذي يربط هذه الخيوط من تاريخ إفريقيا نفسها مع تاريخ الشتات الأفريقي في الأمريكتين، يجب أن يُكتب ولماذا؟

فرينش: كان السبب المباشر لظهور الكتاب بهذا الشكل في هذا الوقت هو أن كتابي الأخير، الذي كان عن شرق آسيا «كل شيء تحت السماء: كيف يساعد الماضي في تشكيل دفع الصين نحو القوة العالمية»، الذي نُشر في عام 2017، كان كتابي الأول في التاريخ ولم يُكتب بطابع صحافي على الإطلاق. وأظهر لي الجهد مدى رغبتي في العمل في هذا الإطار، وكيف أن الأشياء التي ربما بدت في مرحلة مبكرة من حياتي غير منطقية أو غير واقعية، مع التنظيم الصحيح، كانت في الواقع سهلة المنال. وأنا أعمل في جامعة الآن، بعيدًا عن كوني مراسلًا، ولدي حق الوصول إلى أي كتاب أو وثيقة أود أن أكتب عنها. لكن من المحتمل أن هذا السؤال حول كيفية وصولنا إلى الحداثة قد وصل إلى ذروته في ذلك الكتاب الأخير.

ديبرت: عند قراءة الكتاب، الشيء الوحيد الذي برز في ذهني هو اللحظة الثقافية والسياسية التي نعيشها، بالتأكيد في الولايات المتحدة وربما بدرجة أقل في أوروبا، حيث يوجد حديث كبير حول السواد وما يعنيه. نحن نراه في الخطاب المزعوم حول النظرية النقدية للعِرق. وأنا لا أرى أن القول إن الولايات المتحدة قائمة على العبودية والإبادة الجماعية أمر مثير للجدل على الإطلاق. هذا مجرد تاريخ أساسي وليس «نظرية».

فرينش: بالتأكيد لم أتوقع اللحظة الحالية بأي درجة عالية من الدقة. وبدأتُ في إجراء بحث مدروس ومحدد جيدًا في هذا الكتاب قبل ظهور مشروع 1619 للعالم. كنت على علم بمصطلح النظرية النقدية للعِرق، وكان هذا قبل دخولها في مصطلحات الحرب السياسية في مجتمعنا. لكني أعتقد أن لدينا مشكلة في الولايات المتحدة في أن نفهم أولًا ومن ثم نقبل حقيقة أن الأفارقة والأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي كانوا في مركز ازدهارنا وفي قلب تجربتنا مع الحرية. وحجم الطاقة التي أُنفقِت في إنكار ذلك كبير.

ديبرت: دائمًا ما أخبر الناس أنه في مسقط رأسي في مدينة لانكستر بولاية بنسلفانيا، كنتُ أعيش على بعد 500 قدم تقريبًا من المكان الذي ذُبِحت فيه آخر عِرقية سسكويهانوك على يد حشد أبيض في عيد الميلاد عام 1763. وهناك جانب آخر من الكتاب مثير للاهتمام، لأنني عشتُ في البرازيل وكنت مهتمًا بأفريقيا اللوزوفونية (مجموعة الدول الناطقة بالبرتغالية) قبل أن أصبح مهتمًا بالبرتغال نفسها بصفتها دولة، وهو كيفية تناول تأثير المساعي الاستعمارية البرتغالية المبكرة في غرب إفريقيا والأمريكتين في الكتاب. هل توافق على أن تأثير البرتغال غالبًا ما يجرى تجاهله على هذا الجانب من المحيط الأطلسي؟

فرينش: هذا جانب رئيس في الكتاب. إن الروايات التي نحكيها عن ظاهرة تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي خاطئة في معظمها. وفي بريطانيا، تهيمن رواية تقول «نعم، كانت العبودية خاطئة لكننا، نحن البريطانيون، كنا الأبطال لأننا كنا مسؤولين عن التخلص من تجارة الرقيق». وهذا يتجاهل حقيقة أن بريطانيا هيمنت على تجارة الرقيق ولم تتنازل عن مشاركتها إلا في ظل ظروف سياسية واقتصادية خاصة للغاية.

وفي الولايات المتحدة، وأعتقد في أوروبا، أن قصة عصر الاكتشافات، وهي القصة التي تنطلق منها تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، هي قصة تهيمن عليها الرواية الإسبانية بأن إسبانيا «اكتشفت» الأمريكتين، وأن الحداثة تبدأ بوصول كولومبوس إلى الأمريكتين، مع اختزال البرتغال إلى دور ثانوي للغاية.

وهذا يخالف الواقع. لأن إسبانيا كانت مدفوعة إلى حد كبير بدافع الحسد من نجاح البرتغال. واكتشفت البرتغال الذهب في ساحل ما يعرف الآن بغانا في عام 1471، وخلال عقد من الزمان، شكَّل الذهب القادم من إفريقيا نصف دخل البرتغال. إن هذا اللاعب الذي كان حتى ذلك التاريخ هشًّا للغاية في أوروبا أصبح بلدًا مهمًا، ويضخ السبائك الأفريقية في الاقتصاد الأوروبي.

Embed from Getty Images

وترى إسبانيا كل هذا يحدث وتقرر أنها لا تستطيع ترك البرتغال تفوز. وبعد سبع سنوات، أرسلت إسبانيا قافلة من 35 سفينة لمحاولة التفوق على البرتغال، وخاضت البلَدَان معركة بحرية ضخمة، فازت فيها البرتغال. ومن ثم قررت إسبانيا تمويل كولومبوس.

لا شك أن وضع البرتغال لنموذج الإنتاج الزراعي القائم على الرق، هو أهم ابتكار لهذا العصر، وهو أهم بكثير من اكتشاف إسبانيا للذهب في أماكن مثل بوتوسي. ولاقتصاد المزارع مجسَّات تسير في كل اتجاه في الاقتصاد في شمال المحيط الأطلسي، وهو ما لا يفعله النموذج الاستخراجي البحت. وتأثير اختراق البرتغال في البرازيل، من خلال نموذج عبودية المزارع هذا، الذي اعتمده الإنجليز في بربادوس وجامايكا، وتبنَّته فرنسا في سانت دومينجو (لاحقًا هايتي) وتبنَّته أمريكا، شهد ثورة اقتصادية أمريكية بعد إدخال القطن بكميات مذهلة.

ديبرت: التفاعل بين المستعمرات في نيو إنجلاند وتلك الموجودة في منطقة البحر الكاريبي أيضًا، بطريقة ما، حرَّر المستعمرات الأصلية من الاعتماد على بريطانيا الأم وساعد مساعدة غير مباشرة في تأجيج الرغبة في الاستقلال لما أصبح الولايات المتحدة بعد ذلك.

فرينش: لم تكن المستعمرات الثلاث عشرة الأصلية قابلة للحياة لولا اقتصادات العبيد في منطقة البحر الكاريبي. هم الذين جعلوا المستعمرات الثلاثة عشر مزدهرة. ولم يتمكنوا من بيع السلع النهائية إلى إنجلترا، لكن أمكنهم بيعها إلى منطقة البحر الكاريبي.

ديبرت: تطرقت إلى أعمال إيريك وليامز وسي إل آر جيمس من حيث الدور الذي لعبه الأفارقة في تكوين الثروة في الغرب طوال القرن التاسع عشر وعصر التصنيع في أوروبا. لكن في وقتهم، كانت الحكمة التقليدية هي أن أوروبا كانت تنتشر في أماكن في الأمريكتين.

فرينش: عارضتُ مقولة إيريك ويليامز الأسطورة الوطنية القائلة إن البريطانيين عملوا على ترسيخ مبادئهم الخاصة ونكران الذات. لقد كان تآكلًا لأساطير البريطانيين عن أنفسهم. ولا يتمكن السود في كثير من الأحيان من سرد هذه القصص في التاريخ بوضوح. وليس لدينا تاريخ عميق للغاية في الغرب من الاستماع إلى نسخ التاريخ التي يرويها السود أنفسهم. ويدخل كتابي في ببليوجرافيا صغيرة جدًّا للكتب التي كتبها السود عن تاريخ العالم.

ديبرت: الشيء الذي كان لافتًا للنظر في الفصل الخاص بهايتي، وهو شيء فكَّرتُ فيه كثيرًا، هو أن الهايتيين على ما يبدو أخذوا إعلان حقوق الإنسان، بشكل أكثر جدية من الفرنسيين أنفسهم، وهو جانب يجب أن يكون معروفًا على نطاق أوسع بين عامة الناس.

فرينش: لم يأخذوها على محمل الجد أكثر من الفرنسيين فحسب، بل حاول الفرنسيون تحت قيادة نابليون إعادة استعباد الهايتيين بحملة استكشافية عبر المحيط الأطلسي. وكان الهايتيون متقدمين بعقود على الآباء المؤسسين للولايات المتحدة في احتضانهم لمفهوم الحرية العالمية. لقد عَدُّوا هذا بديهيًّا منذ البداية وكانوا على استعداد للتضحية بكل شيء من أجله.

تاريخ

منذ 3 سنوات
مترجم: 7 أسئلة تشرح لك تاريخ تجارة العبيد في أمريكا

ديبرت: يمكن للمرء أن يجادل بأن بعض الأشخاص في الولايات المتحدة لا يزالون لم يقبلوا هذا، إذا نظرنا إلى الإجراءات التي وضعت خصيصًا لمنع الأمريكيين من أصل أفريقي من التصويت اليوم.

فرينش: صحيح، وفي الواقع، لديك مؤرخون بارزون مثل شون ويلنتز يشرحون فكرة أن دستور الولايات المتحدة كان دستورًا مناهضًا للعبودية. فهذا الإنكار يحدث على أعلى مستوى للحياة الفكرية في هذا البلد، مروجين إلى أن الولايات المتحدة كانت دائمًا معنية بالحرية. لكننا نحاول إنشاء سجل يعتمد على الحقائق.

ديبرت: أرى أن الشخصية الأكثر إرباكًا وإزعاجًا في تاريخ الولايات المتحدة المبكر هي توماس جيفرسون. وفي أعقاب الانتفاضة في هايتي، رأى ببصيرة نافذة أن الثورة يمكن أن تحدث في الولايات المتحدة. ويوجد هذا الفصل الفكري المذهل بين هذه الأفكار المتطورة للحقوق، والحرية، والإنسانية بينما يدعم أيضًا طرد الأمريكيين الأصليين من أرضهم، وإرسال مجموعات ضخمة من العبيد في الغرب والجنوب كما لو أن ذلك سيحل بطريقة ما مشكلة العبودية وكان هو نفسه من ملاك العبيد.

فرينش: أقول إن الرخاء والرفاهية والراحة والتعليم والوقت الذي سمح لتوماس جيفرسون وجيمس ماديسون وجيل كامل من فرجينيا ليفكروا في هذه الأفكار النبيلة عن الحرية التي نحتفل بها كانت جزئيًّا من ثمار العبودية. لم يكن جيفرسون ليعرف بأنه عبقري بدون العبودية، وما كان ليكون لديه الوقت للقيام بالأشياء التي قام بها. والامتياز يعمي الناس، إذ عاش جيفرسون حياة متجذرة في الامتياز، والامتياز الآن والامتياز عندئذ يجعل من الصعب على الناس فهم أن العالم ليس كما يرونه على طريقتهم.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد